سجلت السوق العقارية السعودية صفقات بأكثر من 214 مليار ريال (57 مليار دولار) خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، حسب بيانات البورصة العقارية؛ ما عدّه كثير من الخبراء العقاريين تأكيداً على قوة وصلابة وتماسك السوق العقارية السعودية، بالرغم من العوامل المحيطة بها، كالارتفاع المتواصل لأسعار الفائدة، وانخفاض التمويل الممنوح للأفراد. كما رأوا أن تسجيل السوق لصفقات عقارية بمساحات شاسعة حول أطراف المدن الكبرى، هو دليل آخر على أن السوق لا تزال واعدة بالمزيد من الفرص الاستثمارية العقارية في المستقبل القريب والبعيد، لما يصل إلى ما بين 10 و20 سنة مقبلة.
وقال الخبير والراصد العقاري، المهندس أحمد الفقيه، عضو هيئة المقيّمين السعوديين، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إنه بمقارنة قيمة صفقات السوق العقارية بالفترة المماثلة من العام الماضي، يتضح أن قيمة الصفقات بالرغم من انخفاضها نسبياً من نحو 260 مليار ريال (69 مليار دولار) في 2022، أي بنسبة انخفاض 17 في المائة، فإنها دليل على التماسك الكبير في السوق العقارية، في ظل وجود عاملين مؤثرين على السوق وبشكل كبير، وهما: الارتفاع المتواصل لأسعار الفائدة، وانخفاض حجم التمويلات العقارية الممنوحة للأفراد من المصارف وشركات التمويل.
وحدد المهندس الفقيه ثلاثة عوامل يرى أنها ساهمت في تسجيل السوق العقارية لهذا الحجم في الصفقات، وهي: شحّ المعروض في السوق من المنتجات السكنية، سواء الأراضي أو الشقق أو الفلل؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وذلك حسبما ورد في التقارير الدورية للهيئة العامة للإحصاء. والعامل الثاني هو الطلب الكبير القائم والكامن على العقارات؛ ما أعطى إشارات إيجابية لملّاك العقارات في السوق، ودعم التمسّك بالأسعار المعروضة. بينما كان العامل الثالث يتمحور في الشهية المفتوحة لكبار رجال الأعمال والكيانات العقارية، في الاستحواذ على الكثير من صفقات الأراضي الخام وبأسعار مليارية، وهو ما يدلل - وبوضوح - على أننا أمام سوق واعدة جداً بالمستقبل القريب، في ظل دعم غير مسبوق من الحكومة لهذه السوق، من خلال المشاريع العقارية الضخمة، وكذلك التنظيمات، والحرص على استدامة السوق العقارية، التي تضخّ في مفاصل الاقتصاد الوطني أكثر من 12 في المائة من الدخل غير النفطي.
وأشار المهندس الفقيه إلى أنه من خلال رصده لصفقات وتعاملات السوق العقارية، لاحظ دخول رؤوس أموال كبيرة لرجال أعمال وكيانات عقارية للاستثمار في السوق. كما شهدت السوق صفقات مليارية في كلّ من الرياض والشرقية وجدة؛ ما يعكس الثقة بالسوق العقارية، متوقعاً أن تواصل السوق زخمها في صفقات الأراضي الخام، والتطوير العقاري، وزيادة دخول كيانات عقارية جديدة للسوق العقارية، بعد أن أثبتت صلابتها تجاه العوامل الكثيرة المحيطة بها.
ويتوقع الفقيه أن يشهد العام المقبل زخماً أكبر للسوق العقارية السعودية، بعد دخول قانون تملك واستثمار غير السعوديين حيز التنفيذ، لافتاً إلى أنه سيشهد موجة صاعدة مدفوعة بأموال كبيرة سيتم ضخّها من خارج السعودية، في سوق تعد حالياً هي أفضل أسواق الشرق الأوسط من حيث توفر الفرص المربحة بها، وكذلك الاستدامة والاستقرار.
ونوّه الفقيه إلى أهمية الاستمرار في تطوير بيانات السوق العقارية، مشيراً إلى أن جودة البيانات في السوق لا تزال متأخرة، ولا تواكب الطفرة الكبيرة في السوق العقارية، أو التحول الذي تشهده السوق في التنظيمات التشريعية الجديدة، ولافتاً إلى أن البيانات الصادرة من وزارة العدل غير واضحة، ويشوبها الكثير من الأخطاء، وهو ما سيؤثر على مخرجات السوق.
من جانبه، يرى الكاتب العقاري سامي عبد العزيز، أن تجاوز حجم الصفقات العقارية لحاجز الـ200 مليار ريال، خلال 9 أشهر، يدل على الحجم الكبير الذي تمثله السوق العقارية في الاقتصاد السعودي، كما يطمئن المتعاملين في السوق بأنها لا تزال سوقاً واعدة وأكثر ثباتاً، وبأنها بعيدة جداً عن حدوث أي انهيار أو فقاعة عقارية، لعدم وجود أي إشارات أو مخاطر عقارية في السوق، بالإضافة إلى دلالة هذه الأرقام على ثقة المتعاملين بالسوق وبالإجراءات الحكومية التنظيمية التي شهدناها مؤخراً، ومن بينها نظام الوساطة العقارية، والبورصة، والمؤشرات العقارية.
ويرى الكاتب العقاري أن حجم الصفقات العقارية يشير إلى توفر السيولة والملاءة المالية لدى المستهلك السعودي، ومحافظة القطاع العقاري على حجم كبير من هذه السيولة، وكذلك مناسبة أسعار العقارات للسيولة المتوفرة لدى المواطن السعودي. مضيفاً أنه بالنظر إلى مساحات غالبية العقارية السكنية المسجلة ضمن هذه الصفقات، فإنها تشير إلى تغير مزاج المستهلك من حرصه على المساحات الكبيرة فيما مضى، التي تتراوح بين 500 و700 متر مربع، إلى قبوله لمساحات أقل تتراوح بين 150 و300 متر مربع.