«الكهرباء» تخذل المصريين في جحيم يوليو

الأزمة تخلّف خسائر بالمليارات... والكل يترقب «مؤتمر الحكومة»

الظلام يخيم على وسط العاصمة المصرية القاهرة في خضم موجة انقطاعات الكهرباء المتكررة (أ.ف.ب)
الظلام يخيم على وسط العاصمة المصرية القاهرة في خضم موجة انقطاعات الكهرباء المتكررة (أ.ف.ب)
TT

«الكهرباء» تخذل المصريين في جحيم يوليو

الظلام يخيم على وسط العاصمة المصرية القاهرة في خضم موجة انقطاعات الكهرباء المتكررة (أ.ف.ب)
الظلام يخيم على وسط العاصمة المصرية القاهرة في خضم موجة انقطاعات الكهرباء المتكررة (أ.ف.ب)

من حجرة لأخرى، تجري شيماء في هلع بينما تحمل جهاز اللابتوب الخاص بها وترفع في يدها هاتفها الجوال بحثاً عن مكان مناسب به شبكة قوية، حتى استقرت إلى جوار الشرفة.

شيماء (36 عاماً) تعمل صحافية في إحدى الصحف الدولية، وتسكن في إحدى ضواحي مدينة «السادس من أكتوبر» غرب العاصمة المصرية، تعاني، كملايين غيرها، من الانقطاعات المتكررة للكهرباء خلال المدة الأخيرة. لكن عملها الذي يتطلب اتصالاً دائماً بشبكة الإنترنت بطبيعة الحال يضيف عبئاً أكبر على كاهلها.

فمع انقطاع الكهرباء، الذي يداهم مربعها السكني مرات عدة يومياً، يغيب الإنترنت، ولا يعمل جهاز الكومبيوتر الكبير في حجرة المكتب، كما تضعف إشارات الهواتف الجوالة إلى حد كبير، إضافة إلى الجو الخانق نهاراً داخل المنازل التي تغلب عليها الكتل الإسمنتية، فإنها لم تتردد كثيراً قبل أن تخطف حقيبتها وتهرب من المنزل بحثاً عن مكان ربما يكون أكثر ملاءمة للعمل والتقاط شبكة الإنترنت.

وعلى الرغم من الشمس الحارقة، تسير شيماء نحو 200 متر حتى زاوية الشارع، لتستقر على طاولة أقرب كافيه... وعلى الرغم من امتلائه بزبائن من الرجال، فإنها لا تلقي لهم بالاً، لتجلس بجوار الباب حيث أقوى مكان للشبكة، وتبدأ عملها بعد أن طلبت كوباً من القهوة؛ بَرُد بعد ساعة دون أن تمسه.

* حلول فردية وذكريات سيئة

خلال جلستها، لاحظت أن أغلب رواد المقهى هاربون مثلها من انقطاع الكهرباء في منازلهم، حيث كان أغلبهم يحملون أجهزة لابتوب أو هواتف جوالة يعملون عليها، وبجوارهم أكواب مشروبات، كثير منها طلب لمجرد إيجاد حجة لاستعمال كراسي المقهى الصغير.

يرن هاتفها، لكنها تغلقه سريعاً خشية أن تضعف الإشارة، وترسل إلى زوجها المتصل رسالة طمأنة أنها بخير وتعمل من داخل المقهى. يكاد زوجها الطبيب أحمد يتشاجر معها لنزولها في هذا القيظ، مؤكداً أنه يرى عشرات الحالات من «الإجهاد الحراري» هذه الأيام، لكنه في النهاية يؤكد عليها بشرب السوائل ويدعو لها بالسلامة.

ويتذكر أحمد؛ مثل كثير من المصريين، أياماً منذ نحو عقد، حين كانت انقطاعات الكهرباء تتكرر في مصر مع تضرر محطات التوليد جراء تفجيرات إرهابية، وهو ما تسبب في وفاة عدد كبير من المرضى في أقسام الرعايات بالمستشفيات، وأطفال مبتسرين في الحضانات... لكن وزارة الصحة المصرية شددت من قواعد تراخيص المستشفيات منذ ذلك الوقت، لتشترط وجود مولدات طوارئ في هذه الأماكن تحديداً.

هرب الآلاف من المصريين إلى الشواطئ ملاذاً من الحرارة المرتفعة وانقطاعات الكهرباء المتكررة (إ.ب.أ)

في طريق عودتها لمنزلها، تمر شيماء على أحد المتاجر الصغيرة لشراء بعض مستلزمات المنزل. وهناك كان أحد الزبائن يتشاجر مع عامل بعدما اشترى علبة من الزبادي، لكنه اكتشف أنها فاسدة، ليحاول العامل تبرير الأمر بأنه نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وليس نتيجة غش.

* البحث عن الأضرار

وهنا؛ خطرت في بالها فكرة لتقرير صحافي، فاتصلت على بعض مصادرها في المصانع، الذين أكد عدد منهم تضررهم بشدة، خصوصاً في المصانع الصغيرة التي لا توجد بها مولدات احتياطية. وتنوعت الأضرار بين تلف ببعض مدخلات الإنتاج، خصوصاً في قطاع الأغذية، إلى تلف في بعض المعدات والآلات نتيجة تكرار انقطاع وعودة التيار الكهربائي.

وحين تحدثت إلى أحد المسؤولين بوزارة الكهرباء، أبلغها أن الحكومة تحاول قدر الإمكان أن تجنّب المصانع دورات انقطاع الكهرباء، ومؤخراً صار هناك تواصل معهم لتثبيت مواعيد فصل الكهرباء لتخفيف الأحمال.

بحثت شيماء عن مزيد من المعلومات، لتكتشف أن عدداً من النواب في البرلمان تقدموا باستجوابات للحكومة عن الخسائر جراء أزمة تكرار انقطاع التيار الكهربائي، التي أشار مراقبون إلى أنها تشمل خسائر صناعية وتلفيات منزلية للأجهزة ومخاطر صحية يتعرض لها المواطنون، مرجحين أن يتخطى الرقم الإجمالي حاجز 10 مليارات جنيه خلال الأيام الماضية.

ووفق ما أورده تقرير لـ«بلومبرغ»، تحتاج وزارة الكهرباء يومياً لنحو 135 مليون متر مكعب من الغاز، و10 آلاف طن من المازوت (نوع أقل جودة وأكثر لزوجة من السولار)، حتى تنتهي الانقطاعات المتكررة.

أعمدة تحمل خطوط الضغط العالي الكهربائية على طريق القاهرة - السويس السريعة... بينما تتكرر انقطاعات الكهرباء عن جميع أنحاء مصر على مدار الساعة (أ.ف.ب)

* جرد للخسائر

ووسط لغط كبير و«نظريات مؤامرة» لا تنتهي حول أسباب الأزمة، أوضح مسؤول حكومي أن «الإمدادات التي تحصل عليها (الكهرباء) من وزارة البترول حالياً تكفي لتشغيل أحمال كهربائية حتى 32 ألف ميغاواط، بينما الاستهلاك يتجاوز 35 ألف ميغاواط، ما يضطر مسؤولي الكهرباء لقطع التيار بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات»، موضحاً أنه «صحيح لدينا فائض في (قدرة إنتاج) الكهرباء يتجاوز 20 ألف ميغاواط، لكنه يحتاج إلى وقود».

وبعد ما أثير حول تراجع إنتاج حقل «ظُهر» من الغاز، أكد مجلس الوزراء المصري في بيان أنه «لا صحة لوجود مشكلات تقنية بحقل (ظُهر) تسببت في تراجع الطاقة الإنتاجية للحقل من الغاز الطبيعي بما يهدد بخروجه من الخدمة»، مشدداً على أن حقل «ظُهر» يعمل بأعلى كفاءة وبكامل طاقته الإنتاجية.

وتراوحت تقديرات حكومية وشبه حكومية حول الخسائر الخاصة بأزمة الكهرباء بين 5 و10 مليارات جنيه شهرياً، وفقاً لدراسات «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، و«المركز المصري للدراسات الاقتصادية».

ووفقاً لدراسة أجراها البنك الدولي في وقت سابق العام الحالي، قُدرت تكلفة سد فجوة إنتاج الكهرباء وحدها في مصر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، جانب كبير منها لشراء احتياجات الغاز أو المازوت، خصوصاً في ظل استمرار ارتفاعهما في الأسواق العالمية منذ بداية الأزمة الأوكرانية. وتعمل الحكومة المصرية على خفض هذه التكلفة عبر تطوير مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وتقدر الحكومة المصرية أن تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستكون أقل من تكلفة توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي والمازوت. وتعمل الحكومة المصرية على إنشاء محطات طاقة جديدة تعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي والمازوت.

وبينما تَعِد كل أطراف الحكومة على كل قنوات التلفاز بحل قريب لأزمة الكهرباء، يترقب المواطنون مؤتمراً صحافياً أعلن عنه من غير موعد محدد، قد يحمل أجوبة عن التساؤلات السرمدية.

شيماء تأهبت للنوم في نهاية يومها الشاق، بينما تحسب بدورها الخسائر التي تعرضت لها خلال الأزمة. وما إن استلقت في السرير إلى جوار زوجها أحمد، حتى انقطعت الكهرباء ومعها عمل مكيف الهواء لثالث مرة في اليوم، لتسيطر على الجو رطوبة لزجة خانقة... لكن شيماء انطلقت في موجة من الضحك هذه المرة مع فكرة ضربت رأسها، قائلة: «أنا هاعمل كتاب أسميه (محنة شيماء في زمن انقطاع الكهرباء)».


مقالات ذات صلة

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مسؤولو «مدن» الإماراتية و«حسن علام» المصرية خلال توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مشروع رأس الحكمة (الشرق الأوسط)

«مدن القابضة» الإماراتية توقع مذكرة تفاهم في البنية التحتية والطاقة بمشروع رأس الحكمة

وقعت «مدن القابضة» الإماراتية، اليوم الثلاثاء، مذكرة تفاهم مع مجموعة «حسن علام القابضة» المصرية، لتعزيز أفق التعاون في مشروع رأس الحكمة في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الشمس أثناء الغروب خلف أعمدة خطوط الكهرباء ذات الجهد العالي (رويترز)

الربط الكهربائي بين مصر والسعودية يحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل الانقطاعات

ترى الشركة المنفذة لأعمال الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، أن الربط الكهربائي بين البلدين سيحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل من انقطاعات الكهرباء.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

تتطلع محافظة جنوب سيناء المصرية إلى تعزيز موقعها كمركز جذب سياحي، سواء على مستوى الاستثمارات أو تدفقات السياح من كل أنحاء العالم.

مساعد الزياني (دبي)

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

قال رئيس البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالهاو يوم الجمعة، إن «المركزي الأوروبي» لم يتأخر في خفض أسعار الفائدة، لكنه يحتاج إلى مراقبة خطر عدم تحقيق هدفه للتضخم من كثب، وهو ما قد يؤدي إلى تثبيط النمو بشكل غير ضروري.

وخفّض البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة ثلاث مرات هذا العام بالفعل، ويتوقع المستثمرون مزيداً من التيسير النقدي في كل اجتماع حتى يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما قد يؤدي إلى خفض سعر الفائدة على الودائع، الذي يبلغ حالياً 3.25 في المائة، إلى 2 في المائة على الأقل وربما أقل، وفق «رويترز».

ومع ذلك، تدعم البيانات الاقتصادية الضعيفة، كما يتضح من تقرير مسح الأعمال المخيّب للآمال الذي نُشر يوم الجمعة، الرأي القائل إن البنك المركزي الأوروبي قد يحتاج إلى تسريع إجراءات التيسير النقدي، وقد يضطر إلى اتخاذ تدابير إضافية لدعم الاقتصاد.

وقال دي غالهاو في فرنكفورت: «نحن لسنا متأخرين في المسار اليوم. الاقتصاد الأوروبي يسير نحو هبوط ناعم».

واعترف بوجود مخاطر على التوقعات المستقبلية، مشيراً إلى أنه يجب على صانعي السياسات التأكد من أن أسعار الفائدة لا تبقى مرتفعة لمدة طويلة، مما قد يضرّ بالنمو الاقتصادي.

وأضاف قائلاً: «سوف نراقب بعناية توازن المخاطر، بما في ذلك احتمال عدم بلوغ هدف التضخم لدينا، وكذلك تأثير ذلك في الحفاظ على النشاط الاقتصادي بمستويات منخفضة بشكل غير ضروري».

وكانت التوقعات تشير إلى خفض للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 12 ديسمبر (كانون الأول) بوصفه أمراً شبه مؤكد، لكن بعد نشر أرقام مؤشر مديري المشتريات الجديدة يوم الجمعة، أصبح هناك احتمال بنسبة 50 في المائة لخيار خفض أكبر يبلغ 50 نقطة أساس، نتيجة لتزايد المخاوف من ركود اقتصادي.

ومع ذلك، يشير صانعو السياسات إلى أن المسوحات الاقتصادية قد تكون قد قدّمت صورة أكثر تشاؤماً عن وضع الاقتصاد مقارنة بالبيانات الفعلية التي كانت أكثر تفاؤلاً.

ورغم التباطؤ في التضخم الذي وصل إلى أدنى مستوى له بنسبة 1.7 في المائة هذا الخريف، فإنه يُتوقع أن يتجاوز 2 في المائة هذا الشهر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار بخفض أكبر في الفائدة.

ومع ذلك، شدّد دي غالهاو على أن التضخم في طريقه للعودة إلى الهدف المتمثل في 2 في المائة، وأنه من المتوقع أن يتحقّق بشكل مستدام قبل الموعد الذي حدّده البنك المركزي الأوروبي في نهاية 2025.

وقال: «نحن واثقون للغاية بأننا سنصل إلى هدفنا البالغ 2 في المائة بشكل مستدام». وأضاف: «من المرجح أن نحقّق هذا الهدف في وقت أقرب من المتوقع في 2025، مقارنة بتوقعاتنا في سبتمبر (أيلول) الماضي».