المكسيك: أيام «سوبر بيزو» قد تكون معدودة

التحويلات الخارجية وتيسلا واقترابها من السواحل يقوي ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية

أوراق نقدية من البيزو المكسيكي بفئات متنوعة (رويترز)
أوراق نقدية من البيزو المكسيكي بفئات متنوعة (رويترز)
TT

المكسيك: أيام «سوبر بيزو» قد تكون معدودة

أوراق نقدية من البيزو المكسيكي بفئات متنوعة (رويترز)
أوراق نقدية من البيزو المكسيكي بفئات متنوعة (رويترز)

اعتقدت روزاريو كريسوستومو للوهلة الأولى أنها تعرّضت لعملية احتيال عندما عدّت النقود التي أرسلها نجلها من الولايات المتحدة، لكن كل ما هنالك هو أن قيمة العملة المكسيكية ترتفع.

وبعدما عُرف بضعفه في أسواق الصرف الأجنبية الدولية، اعتُبر البيزو من بين العملات الأفضل أداء في العالم هذه السنة. وبفضل مزيج من معدلات الفائدة المرتفعة في ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية والاستقرار المالي وتدفق التحويلات المالية والاستثمارات الأجنبية، سجّلت العملة المكسيكية مكاسب بأرقام عشرية مقابل الدولار عام 2023.

وقالت كريسوستومو، وفق وكالة «الصحافة الفرنسية»، من بلدة بياختلا في ولاية بويبلا حيث تعيش مع حفيدها: «اعتقدت أنهم يغشونني ويقولون لي إن الدولار منخفض ليعطوني مبلغاً أدنى، لكنني أدركت لاحقا أن الأمر ليس كذلك».

تتلقى نحو 4.6 مليون عائلة في أنحاء المكسيك حوالات مالية، تعد أكبر مصدر للعملات الأجنبية في البلاد، وهو أمر يعود الفضل فيه إلى حد كبير للمكسيكيين المقيمين في الولايات المتحدة. وتفيد تقديرات الحكومة بأن تحويلات عام 2023 قد تتجاوز المبالغ القياسية المسجّلة العام الماضي والتي بلغت أكثر من 58 مليار دولار.

ووصلت العملة المكسيكية هذا الشهر إلى أعلى مستوياتها مقابل الدولار منذ عام 2016، فلُقّبت بـ«سوبر بيزو». وسجّلت في تداولات يوم الجمعة نحو 17.1 للدولار، مقارنة مع 25 بيزو للدولار، في مارس 2020 في بدايات انتشار وباء «كوفيد».

ويفيد محللون بأن قوة البيزو تعود جزئياً إلى مستوى معدل الفائدة الأساسي المرتفع في المكسيك والذي يبلغ حالياً 11.25 في المائة. وتم رفع معدل الفائدة لمكافحة التضخم، لكن الأمر جذب المستثمرين الباحثين عن عائدات أعلى.

تحسّن البيزو أيضا بفضل اتجاه شركات أميركية على غرار «تيسلا» لنقل عمليات الإنتاج إلى المكسيك بدلا من آسيا لتكون أقرب إلى الولايات المتحدة وهو ما يطلق عليه «الاقتراب من السواحل»، وفق الخبراء.

وقال خبير الاقتصاد لدى بنك أوف أميركا ميريل لينش، كارلوس كابيستران: «عندما يبحث المستثمرون عن مكان للاستثمار وينظرون في الأسواق الناشئة، لا يوجد بلد بمواصفات المكسيك في ما يتعلّق بالاقتراب من السواحل».

ويعتبر كثيرون تحسّن قيمة البيزو خبراً جيّداً في بلد شهد تراجعاً كبيراً في عملته في الماضي. ويصف الرئيس اليساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الأمر بـ«المعجزة المكسيكية».

ويؤكد مؤيّدو تحسّن العملة الوطنية أن الأمر يعود بفوائد على البلاد تشمل تراجع حجم الديون الخارجية للمكسيك لدى حساب قيمتها بالبيزو. في المقابل، تخفض العملة القوية إيرادات المصدّرين. وقال لوبيز أوبرادور: «لكنني أعتبر أن البيزو القوي أفضل من تراجع قيمة العملة بالمجمل».

ويعتبر روغيليو غارسيامورينو، وهو مزارع ونائب رئيس مجلس الزراعة الوطني الخاص، نفسه خاسراً ورابحاً في آن واحد من ارتفاع قيمة العملة الوطنية. وأفاد «تتراجع أسعار كثير من المستلزمات بالدولار. نأمل بشرائها بأسعار أفضل». وأما الجانب السلبي فهو أن قوة البيزو تؤثر سلبا على صادرات المواد الغذائية. وأوضح غارسيامورينو أن «هذه المنتجات مسعّرة بالدولار. أثّر الأمر علينا بشكل كبير لأننا حصلنا على نقود بالبيزو أقل بكثير مما كنا نعتقد».

وتعد الولايات المتحدة وجهة لـ80 في المائة من صادرات المكسيك. يؤثّر تحسّن قيمة البيزو على المصانع المعروفة بتسمية «ماكيلادورا» التي تقيمها شركات أميركية في شمال المكسيك، وتعتمد على عمال محليين لتصنيع منتجات يتم بيعها لاحقا في الولايات المتحدة.

وقال خيسوس مانويل سالايانديا من الغرفة الوطنية للصناعة التحويلية، وفق «فرنس برس»: «يعد هذا التراجع الكبير في قيمة الدولار سيّئا بالنسبة لمصانع ماكيلادورا لأنها تحتاج إلى مزيد من الدولارات لدفع الرواتب والضرائب».

لكن البعض يقول إن أيام «سوبر بيزو» قد تكون معدودة. ويتوقع المحللون الماليون تراجعاً طفيفاً في قيمة العملة المكسيكية، جزئياً بسبب تقلّص الفوارق في أسعار الفائدة.

وبينما يشير البنك المركزي المكسيكي إلى أنه يتوقع أن يبقي معدل الفائدة عند مستوياته الحالية «لمدة طويلة»، أشار الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى أنه قد يرفع المعدلات بنصف نقطة مئوية هذا العام.

ويتوقع كابيستران أن يعود البيزو إلى مستويات تقارب 19 للدولار بحلول نهاية العام 2023. ستكون هذه الأنباء إيجابية بالنسبة لكريسوستومو التي تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة. والتي قالت: «كل شيء يزداد. (أسعار) المواد الغذائية ترتفع بينما (الأموال المتوفرة) لدينا باتت أقل».


مقالات ذات صلة

الدولار يواصل تراجعه إلى أدنى مستوى في أسبوع

الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يواصل تراجعه إلى أدنى مستوى في أسبوع

تراجع الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في أسبوع مقابل العملات الرئيسية، يوم الأربعاء، حيث يسعى لتمديد انخفاضه، لليوم الثالث على التوالي، بعد بلوغه ذروة أسبوعية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رزم من أوراق الدولار الأميركي في متجر لصرف العملات في سيوداد خواريز بالمكسيك (رويترز)

الدولار يسجل أكبر مكسب أسبوعي في أكثر من شهر

سجل الدولار أكبر مكسب أسبوعي له في أكثر من شهر يوم الجمعة بدعم من توقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد عملات بتكوين على أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار وبتكوين يفقدان قوتهما مع ترقب الأسواق بيانات التضخم الأميركية

ظل الدولار اليوم قريباً من أعلى مستوى في الأشهر الستة والنصف الماضية مقابل العملات الرئيسية بينما انخفضت عملة بتكوين المشفرة مجدداً عن مستوياتها القياسية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تُفحص وتُطوى وتُعبأ أوراق الدولار خلال عملية الإنتاج بمكتب النقش والطباعة في واشنطن (رويترز)

الدولار يحقق أعلى مستوى في 4 أشهر

ارتفع الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر مقابل العملات الرئيسية يوم الثلاثاء، بينما واصلت عملة «بتكوين» تحقيق أرقام قياسية جديدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو - لندن)
الاقتصاد متداول في «بورصة نيويورك» للأوراق المالية (رويترز)

أسواق المال في حالة ترقب قبيل الانتخابات الأميركية

استقرت الأسهم يوم الثلاثاء، لكن التقلبات الضمنية زادت بأسواق العملات، في إشارة مبكرة إلى تحركات غير اعتيادية بالأسواق خلال الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».