اللافت للنظر في موضوع السمنة هو صدور البيان العلمي لمجمع الغدد الصماء Endocrine Society بالولايات المتحدة، ضمن عدد 26 يونيو (حزيران) الماضي من مجلتها العلمية الناطقة باسمها؛ مجلة «مراجعات الغدد الصماء» Endocrine Reviews. وهو البيان العلمي المكتوب في 30 صفحة، بعنوان «طريقة نشوء مرضّية السمنة: بيان علمي من جمعية الغدد الصماء»، الذي دعا الباحثين الطبيين إلى إعادة دراسة العوامل التي تؤدي إلى نشوء السمنة، والعوامل التي «تقوّض» جهود حفظ الوزن الطبيعي على المدى الطويل.
ووصف بعض الباحثين الطبيين البيان بأنه عودة إلى «المربع رقم واحد» في الجهود العلمية لمعرفة حقيقة أسباب نشوء السمنة بالأصل، وعودة إلى «المربع رقم واحد» في فهم الآليات الحقيقة لتحقيق حفظ وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية على المدى البعيد. وهو أيضاً البيان العلمي الذي يتحدث بلغة علمية موجهة للباحثين العلمين والأوساط الطبية حول الجوانب التي يقولها مراراً وتكراراً عامة الناس الذين يتعاملون مع السمنة ومعالجتها، سواء لديهم أو لدى أحد أفراد أسرتهم، ويتحدث بلغة مغايرة لما اعتادت الأوساط الطبية على استخدامه عند إلقائها الملامة كاملة على الشخص السمين في نشوء السمنة لديه، وفي عدم قدرته على الحفاظ على الوزن الطبيعي على المدى البعيد.
ويأتي هذا البيان العلمي نتيجة متوقعة، لأمرين: واقع انتشار السمنة، وواقع نتائج التعامل العلاجي للسمنة، لأنه على الرغم من ألوف الدراسات الطبية حول السمنة خلال عشرات من العقود الماضية، وعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على كل من معالجة السمنة وتداعياتها، وإجراء البحوث العلمية حولها، لا تزال السمنة شائعة الانتشار، ولا تزال غير مفهومة بشكل واضح، ولا يزال أيضاً الحفاظ على الوزن الطبيعي على المدى الطويل يتطلب من المرء أن يُعاني من عدم الراحة في الاستمتاع بتناول الأطعمة المختلفة طوال الوقت.
وقال مجمع الغدد الصماء في مقدمة البيان العلمي: «السمنة من بين الاضطرابات المرضية المزمنة الأكثر شيوعاً، والأعلى كُلفة، في جميع أنحاء العالم. وتشير التقديرات إلى أن السمنة في الولايات المتحدة تصيب ثلث البالغين، وترتبط بما يصل إلى ثلث مجموع الوفيات، وتتركز بين الفئات ذات الدخل المنخفض، وتؤثر بشكل متزايد على الأطفال والبالغين». وهو ما تُؤكده المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها Centers for Disease Control and Prevention بقولها إن واحداً من بين كل 3 بالغين لديه سمنة، وإن تكلفة معالجتها ومعالجة تبعاتها يبلغ 147 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة.
وأضاف البيان العلمي، في عبارات صريحة ودقيقة، ما ملخصه: «إن عدم وجود خيارات علاجية فعالة لحفظ الوزن الطبيعي على المدى البعيد يزيد من ضخامة هذه المشكلة، ذلك أن الأفراد الذين يُكملون بنجاح فقدان الزيادة في الوزن عبر برامج الحمية والتغيرات السلوكية يعودون إلى استعادة معظم الوزن الذي فقدوه. وضمنا في هذا البيان العلمي أدلة علمية من الدراسات العلمية والإكلينيكية والإحصائية لتقييم مدى معرفتنا الحالية بشأن 3 أمور: الأول، الآليات الكامنة وراء تزايد تراكم الشحوم في أجسام المصابين بالسمنة Body - Fat Accumulation Mechanisms. والثاني، حالة الدفاع البيولوجي التي يقوم بها الجسم لحماية كتلة الشحوم الزائدة المتراكمة في الجسم Fat Mass Biological Defense. والثالث، كيفية حصول التوجيه والنشاط في عملية استعادة الجسم للوزن الذي فقده Weight Regain».
وتمثل هذه الجوانب الثلاثة لبّ المشكلة في نشوء السمنة ابتداءً، ومقاومة الجسم المتواصلة لجهود خفض الوزن، حتى لو كتب لها النجاح على المدى القصير. ولذا، قال البيان العلمي: «ثمة حاجة للتركيز على مجال رئيسي، وهو علم توازن الطاقة Energy Homeostasis، أي العمليات البيولوجية الحيوية التي تحافظ بشكل نشط على استقرار الوزن عن طريق المطابقة الدائمة فيما بين دخول الطاقة الغذائية إلى الجسم واستهلاك الجسم للطاقة. وهناك أدلة علمية متضافرة تُؤكد أن السمنة إنما هي أحد مظاهر الاضطراب في نظام توازن الطاقة بالجسم Energy Homeostasis System، والهدف العلمي هو توضيح آلية مرض السمنة لزيادة الوعي حولها، وتوضيح أفضل السبل لتقليل تأثيراتها على الصحة العامة، وعلى الأعباء الاقتصادية في نهاية المطاف».
وما على الأوساط الطبية إدراكه أننا بحاجة إلى توضيح الآليات الكامنة وراء هذا «الإعداد التصاعدي» Upward Setting المُسبق في الجسم للجوئه التلقائي إلى الدفاع عن وجود الشحوم فيه، أو إجراء «عملية إعادة الضبط» Resetting لمستوى دفاع الجسم عن كتلة الشحوم، الذي نتيجته ظهور السمنة بنوعيها الوراثي والمكتسب. وهناك كثير من الشواهد العلمية ومن التجارب الواقعية التي يمر بها المرضى، والتي تشير إلى أن السمنة إنما هي اضطراب غاية في التعقيد لنظام حفظ توازن الطاقة بالجسم.
وعلى سبيل المثال، ما أن ينجح المرء السمين في فقدان كميات من الوزن الزائد حتى يبدأ الجسم بشكل تلقائي في خفض كميات حرقه للطاقة المختزنة في الأنسجة الشحمية بالجسم. وبالتزامن مع هذا، يرفع الجسم من وتيرة الشعور بالجوع. وهذا الاجتماع لخفض حرق الطاقة ورفع مستوى الشعور بالجوع ينتج عنهما في نهاية الأمر عودة الزيادة في وزن الجسم. وهو ما عبّر عنه الدكتور مايكل شواتز، رئيس فريق وضع البيان العلمي والطبيب في جامعة واشنطن بسياتل، قائلاً: «بسبب التعديلات التي يُجريها الجسم في عمليات توازن الطاقة، فإن معظم الناس الذين يفقدون الوزن الزائد بنجاح يُعانون في المكافحة المتواصلة مع مرور الوقت للحفاظ على عدم عودة ما فقدوه. ولعلاج السمنة بشكل فعّال، نحن بحاجة إلى فهم أفضل للآليات التي تتسبب في ظاهرة عودة الزيادة في الوزن، ووضع التدخلات العلاجية التي تعالج هذه المشكلة على وجه التحديد. وفي السابق، كان تركيزنا على خفض الزيادة في وزن الجسم، وكثير من الناس يُمكنهم تحقيق ذلك، ولكن المشكلة الأكبر التي تواجههم هي حفاظهم على عدم عودة الزيادة مرة أخرى».
وأضاف جانباً مهماً على الأوساط الطبية إدراكه بعمق، والتعامل معه بمهنية، بقوله: «على مقدمي الرعاية الطبية إخبار المرضى عن هذا التوجه المتوقع لتفاعل الجسم مع نجاح خفضهم لوزن الجسم، وليس إظهار الأمر للمرضى على أنه فشل منهم في اتباع نظام برنامج المعالجة، أو عدم التزامهم به».
أسباب السمنة... عودة للمربع رقم واحد
أسباب السمنة... عودة للمربع رقم واحد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة