غابة إيبنغ... رئة خضراء في شمال شرقي لندن

معلم ومعلومة

غابة إيبنغ... رئة خضراء في شمال شرقي لندن
TT

غابة إيبنغ... رئة خضراء في شمال شرقي لندن

غابة إيبنغ... رئة خضراء في شمال شرقي لندن

لندن مشهورة بمتنزهاتها الواسعة الرائعة القريبة من وسط المدينة مثل متنزهات هايد بارك، وريجنت بارك، وسانت جيمس بارك. ولو أنك اتجهت صوب أطراف لندن فستجد كثيراً من أماكن التنزه الجذابة مثل غرينتش بارك، ناهيك بالغابات العتيقة. متنزه ريتشموند بارك (ورد ذكره في مقال سابق) وقد تكون غابة إيبنغ فورست من أشهر الغابات العتيقة القريبة من لندن.
تشغل غابة إيبنغ فورست مساحة 6000 هكتار تقريباً بشمال وشرق لندن. وكان الفيكتوريون أول من أدرك أهمية وجود أماكن مفتوحة وغابات قديمة. وما تبقى من الغابة القديمة جرى حفظه لسكان لندن بمقتضى قانون برلماني صدر عام 1878 تحولت بمقتضاه ملكية الغابة إلى «مؤسسة مدينة لندن».
وأظهر تحليل لعينات لقاح كان علماء الآثار عثروا عليها في مناطق رطبة من الغابة أن هذه المنطقة كانت غابة يوماً ما ولنحو 3000 عام. ووضعت البلدية لافتة تحمل قراراً يقضي بتحويلها إلى محمية تقول «منطقة ذات أهمية علمية خاصة»، وذلك لأنها تحوي كثيراً من الأشجار القديمة. وغالبية الأشجار في الغابة تسقط أوراقها في الخريف، وأشجار السنديان، والزان، وشجر القضبان هي الأكثر انتشاراً هناك. وهناك عدد من النماذج الكبيرة القديمة الرائعة من أشجار الزان. وتحتوي الغابة على نحو 80 في المائة من إجمالي أشجار الزان في البلاد التي يتخطى عمرها 400 عام، وتعتبر الغابة إحدى أهم مناطق الغابات في أوروبا بأسرها. في الماضي، تعرضت بعض تلك الأشجار للتقليم وإزالة فروعها لاستخدامها في التدفئة أو لصناعة الفحم. وبعض بضع سنوات، نمت تلك الأشجار مجدداً، لكنها تعرضت للتقليم مرة وللقطع مرة أخرى.
كانت الغزلان والخنازير البرية تعيش في الماضي في هذه الغابة، واليوم لا يزال هناك بعض من هذه الغزلان. وتعتبر الغابة موطناً لحيوان الغرير والثعالب وكثير من الطيور والخفافيش.
وداخل الغابة هناك كثير من الأماكن ذات الطبيعة الأثرية والطبيعية، وهناك أيضًا عدد من التحصينات الدفاعية (التي تحمل اسم لافتون كامب، وأمبروسبري بانكس) التي اكتشفها الأثريون وأثبتوا أنها تعود للعصر الحديدي (تحديداً الفترة من 800 قبل الميلاد إلى العام الأول الميلادي). تعتمد تلك التحصينات على بناء سدود دائرية باستخدام أشجار الزان فوق تربة مرتفعة. ويعتقد أن تلك السدود كانت جزءاً من شبكة من حصون مبنية فوق المرتفعات بغرض ترسيم الحدود بين القبائل. وقد يكون لتلك السدود أغراض دفاعية، وربما كانت تحيط مستوطنات يعيش فيها الناس، وربما كانت ملجأ يحتمي به الناس وقت الأزمات. وللأسف ليست هناك وثائق تؤرخ لتلك المرحلة، ولم يتبقَ سوى بعض البقايا التي يحاول العلماء الاستدلال بها (مثل بقايا الفخار المكسور).
كان يحق للملك صيد الحيوانات البرية في الغابة، وكانت أطراف الغابة محاطة بتلال طويلة مرتفعة عرفت باسم ضفاف «برلو»، التي لا تزال موجودة في بعض أجزاء من الغابة.
وفي داخل الغابة، هناك بعض البحيرات والبرك الصغيرة. وبعض من هذه البرك ظهر نتيجة للقنابل التي كانت تلقيها الطائرات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، لتصنع ما يشبه فوهات البراكين التي امتلأت بالماء لاحقاً، وأصبحت الآن بركاً، مما أوجد بيئة غنية للحيوانات البرية.
بالغابة كثير من الممرات والطرقات التي يستطيع الزوار السير فيها أثناء التنزه في الغابة. فأغلب تلك الطرقات كانت طرقاً قديمة للعربات عزف الناس عن استخدامها بعد استحداث طرق أسفلتية أفضل، وتعد هذه الممرات طرقاً ممتازة وآمنة داخل الغابة لهواة ركوب الخيل والدراجات.
وبالنسبة للزوار الذين يرغبون في معرفة مزيد من المعلومات عن الغابة، هناك مركز مجاني لخدمة الزوار بوسط المتنزه في مكان يعرف باسم «هاي بيتش». المركز يفتح أبوابه عادة من الخميس إلى الأحد من كل أسبوع.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».