السعودية أبدت رغبة في استخدام القاعدة الأميركية بديغو غارسيا لتزويد طائراتها بالوقود وإراحة طواقمها

الجزيرة تحت سيادة بريطانيا وسفارتها في طهران متخوفة من رد الفعل الايراني

«سي 130» التابعة لسلاح الجو الملكي السعودي حسب البرنامج قد تكون هناك حاجة للمكوث في الجزيرة
«سي 130» التابعة لسلاح الجو الملكي السعودي حسب البرنامج قد تكون هناك حاجة للمكوث في الجزيرة
TT

السعودية أبدت رغبة في استخدام القاعدة الأميركية بديغو غارسيا لتزويد طائراتها بالوقود وإراحة طواقمها

«سي 130» التابعة لسلاح الجو الملكي السعودي حسب البرنامج قد تكون هناك حاجة للمكوث في الجزيرة
«سي 130» التابعة لسلاح الجو الملكي السعودي حسب البرنامج قد تكون هناك حاجة للمكوث في الجزيرة

لم يعط أزاحت الحكومة البريطانية أمس غطاء السرية عن وثائق رسمية تخص وزارة الخارجية وتعود لعام 1982 بموجب القانون المعمول به والذي يتيح لعامة الناس، بعد 30 سنة، الاطلاع على ما كان يدور من مداولات في الخفاء تخص علاقة بريطانيا مع الدول الأخرى. مع أن جريدة «الشرق الأوسط» قد غطت قبل سنتين الوثائق التي تعود لتلك الفترة، أي عام 1982، والتي عدت ساخنة بسبب الأحداث التي كانت تمر بها منطقة الشرق الأوسط مثل الحرب العراقية الإيرانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، إلا أن بعض ملفات وزارة الخارجية البريطانية بقيت قيد السرية لأسباب مختلفة، قد يكون بعضها لحساسيتها السياسية، لكن المسؤولين في الأرشيف الوطني يؤكدون أن السبب وراء ذلك تراكم ملفات وزارة الخارجية وعدم وجود الوقت الكافي لتفحصها بعد أن أعطيت الأولوية لملفات تخص الحرب العالمية الأولى والذكرى المئوية لها هذا العام.
أما بخصوص الملفات التي أفرج عنها أمس، فقد تناولت الكثير من المواضيع التي تدور في مجملها حول الحرب العراقية الإيرانية والاجتياح الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وتشعباتها العربية والعلاقات بين الغرب والعرب وما ينعكس منها على العلاقات البريطانية الأميركية.
ملف «سلاح الجو الملكي السعودي» يتناول المشاورات البريطانية الأميركية، بخصوص طلب السعودية السماح لاستخدام طائراتها الحربية للقاعدة الجوية في جزيرة ديغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي التي هي ملك للتاج البريطاني لكنها مستأجرة من قبل القوات الأميركية في سلاح الجو والبحرية.
في يونيو (حزيران) 1982 بعثت وزارة الدفاع البريطانية برسالة إلى وزارة الخارجية تعلمها بالطلب السعودي غير الرسمي لاستخدام قاعدة ديغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي والتابعة لأراضي التاج البريطاني لكنها مستأجرة من قبل الحكومة الأميركية لاستخدامات سلاح الجو والبحرية. وتقول الرسالة تحت عنوان «مشكلة»: «السعودية طلبت من الولايات المتحدة أن تؤكد بشكل غير رسمي إذا كانت ستوافق بريطانيا على استخدام القاعدة البحرية الأميركية من قبل الطيارين السعوديين من أجل التزود بالوقود لطائرات الاستطلاع من نوع (سي 130) والاستراحة».
ويقول المسؤول في وزارة الدفاع في رسالته: «شخصيا أوصي بأن نعلم الأميركان أنه لا يوجد لدينا اعتراض، وهذا ما وافقت عليه الكثير من الوزارات البريطانية المعنية بشؤون الجزيرة».
الرسالة تقدم خلفية تحليلية للطلب والمشكلة التي تخص هذه الجزيرة المتنازع عليه من قبل موريشيوس.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية بعثت برسالة رسمية بهذا الخصوص في تاريخ 15 يونيو. وتقول الوثيقة البريطانية بأن «السعودية على دراية بأن عليها أن تقدم طلبا رسميا بهذا الخصوص إلى الحكومة البريطانية في الوقت المناسب. وطلبهم يجري التعامل معه على هذا الأساس. إنهم (أي السعوديين) أفضل من يقيم تأثير هذا الطلب وانعكاسه على صورتهم ومكانتهم في المنطقة عندما يصبح علنا، إن طائرات سلاح الجو الملكي السعودي تستخدم ديغو غارسيا. إنه من مصلحة الغرب تشجيع الدول المحلية بأن المرافق المتاحة في ديغو غارسيا لها دور شرعي ومفيد في المنطقة».
«الحكومة اليسارية في موريشيوس تتمتع بعلاقات قوية مع الليبيين، وهي تطالب رسميا بإعادة سيادتها على الجزيرة، ولهذا فإنها ستعد الطلب السعودي استفزازا. موقف موريشيوس لن يكون لصالحنا في كل الحالات، لكن الفائدة من العامل السعودي، غير الضار، هو أنه بإمكاننا أن نشير إلى استخدامات الجزيرة لمعرفة أحوال الجو. أن أي رفض الطلب السعودي لن يكون مفهوما لدى الرياض خصوصا بعد الرد الإيجابي الأميركي على الطلب».
لكن هناك برقية أخرى من قسم المصالح البريطانية في طهران بخصوص الطلب السعودي. وتقول الوثيقة: «لم أطلع على ردكم إلى واشنطن بخصوص الطلب السعودي. لكن من مكاني هنا في طهران فأنا غير متحمس للقبول لأي ترتيب من هذا النوع، لاعتقادي أن ذلك سيزيد من شكوك الإيرانيين بأن السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة تتآمر ضدهم».
وتقول رسالة وزارة الخارجية الأميركية الموجهة إلى السفارة البريطانية في واشنطن: «المنسق الفيدرالي الأميركي لخدمات الأحوال الجوية الذي يساعد السعودية في برنامجها الجوي لأحوال الطقس، ولهذا فإن البرنامج يتطلب طلعات جوية استطلاعية فوق بحر العرب وغرب المحيط الهندي يقوم بها سلاح الجو الملكي السعودي مستخدما طائرات (سي 130). من أجل هذه المهمة الاستطلاعية قد تحتاج الطائرات السعودية إلى الهبوط في ديغو غارسيا من أجل التزود بالوقود واستراحة طاقم طائراتها في المكان. وحسب البرنامج فإنه قد يكون هناك حاجة للمكوث في الجزيرة 31 ليلة خلال موسم الأمطار الموسمية الذي يدوم ستة أشهر».
«هذا الرصد للأحوال الجوية سيشترك فيه سلاح البحرية الأميركي. من جانبنا ليس لدينا اعتراض على الحصول على هذه الخدمات طالما أنها لا تتعارض مع مهمة قواتنا في سلاح الجو التي تعمل من قاعدة ديغو غارسيا».
«طلب منا أن نخبر الحكومة البريطانية بهذا الطلب بعد أن أبدى السعوديون رغبتهم في استخدام القاعدة لاستطلاعات جوية والهبوط في القاعدة والتزود بالوقود ومكوث طاقم طائراتها فيها من أجل الراحة. وبعد أن يجري التصديق على هذا البرنامج من قبل الحكومة السعودية، فإنها ستتقدم رسميا بطلبها للموافقة عليه من قبل حكومتكم».
وكتب مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية رسالة إلى وزارة الدفاع يحثها على قبول الطلب السعودي. وتقول الوثيقة: «في رأيي يجب أن نوافق على هذا الطلب. لنا علاقات دفاع قوية مع السعودية. إن الرفض لعدم استخدام هذه المرافق من قبل السعوديين لن يكون مفهوما، خصوصا إذا قورن ذلك بالرد الإيجابي الأميركي».
«يجب أن نقبل بالشرح الذي قدم لنا من قبل الطرفين، الولايات المتحدة والسعودية، بخصوص الهدف من هذه الاستطلاعات الجوية. على أي حال فإنه من الصعب معرفة ما يمكن أن يقوم به سلاح الجو الملكي السعودي من خلال هذه الاستطلاعات بطائرات (سي 130) فوق المحيط الهندي».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن