تعالت أصوات مسؤولين فلسطينيين أمس لانتقاد البيان الختامي لمؤتمر باريس، في وقت عبرت فيه تل أبيب بشكل ضمني عن ارتياح لخفض سقف البيان بعد تدخلات محمومة.
وأصدرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، بيانا قالت فيه إنه «في الوقت الذي نعرب فيه عن تقديرنا العميق للحكومة الفرنسية على مبادرتها لعقد اجتماع بحضور 28 دولة ومنظمة دولية، والتزامها بحل الدولتين والسلام والأمن الإقليمي، فإننا نرى أن البيان الختامي اتصف بالعموميات نوعا ما، وافتقر لخطوات وأهداف حقيقية وخطة عمل ملموسة».
وأضافت موضحة أن البيان «ألقى اللائمة على الطرفين وتجاهل التباين بين السلطة القائمة بالاحتلال، وشعب يرزح تحت الاحتلال»، وتابعت أنه «إذا كان المجتمع الدولي يمتلك الإرادة الحقيقية لتحقيق سلام دائم فإنه يجب عليه أن يعالج القضايا الجوهرية للصراع والمتمثلة بالاحتلال العسكري المستمر، وإفلات إسرائيل من العقاب، والتوسع الاستيطاني والضم المستمر واستعمار الأرض والموارد الفلسطينية، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والحرية والعدالة».
وأكدت عشرواي على ضرورة تحديد مضمون المبادرة الفرنسية وأهدافها وآليات تنفيذها، ومتطلبات متابعتها وإنجاحها، وفق جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال. كما اتهمت عشرواي دولة إسرائيل وحكومتها المتطرفة بأنها «المسؤولة عن تدمير حل الدولتين»، وقالت إنه ينبغي على المجتمع الدولي «وقف حالة الاستثنائية والمحاباة التي تتمتع بها».
ومن بين الانتقادات التي وجهتها عشرواي للمبادرة الفرنسية أنها «يجب أن تستند في مضمونها إلى مرجعية قانونية واضحة، وأن تتضمن أهداف معرّفة، وخطوات وآليات تنفيذ ملموسة وتشكيل نظام للتحكيم والمراقبة والتقييم، وأن يتم كل ذلك وفق سقف زمني ملزم لإنهاء الاحتلال، وبوجود إرادة سياسية فاعلة تضمن الحق الفلسطيني بالحرية والسيادة».
ورأت عشرواي أن الاختبار الحقيقي يكمن في تحديد المهام والأهداف وخطط العمل التي سيتم اعتمادها بالتزامن مع المؤتمر الدولي للسلام المقرر عقده في وقت لاحق من هذا العام.
وكان البيان الختامي للمؤتمر، الذي شارك فيه 25 وزير خارجية من الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة والذي عول عليه الفلسطينيون كثيرا، قد أشار إلى «أن كل الدول المشاركة أكدت مجددا على الحاجة إلى حل من خلال التفاوض لإقامة دولتين، وعلى أن المفاوضات المباشرة بين الجانبين يجب أن ترتكز على قرارات مجلس الأمن الدولي القائمة».
وحذر البيان الختامي من أن استمرار الحالة الراهنة من الجمود والافتقار إلى تحقيق تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 أمر لا يمكن قبوله. لكن أكثر ما أغضب الفلسطينيين هو أن البيان لم يحمل آليات واضحة للبدء أو التنفيذ أو جداول زمنية كما كان متوقعا.
من جهته، حمل رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني دولا لم يسمها مسؤولية صدور البيان دون آليات تنفيذ أو جداول زمنية، وقال المالكي إن «دولا تدخلت كي لا يتضمن البيان المشترك الصادر عن مؤتمر باريس مواقف محددة بشأن عملية السلام، لا سيما فيما يتعلق بالسقف الزمني وفرق متابعة الاستيطان»، وأضاف موضحا «لقد كنا قد طالبنا أن يتضمن البيان سقفا زمنيا محددا لاستكمال المفاوضات وسقفا زمنيا لتطبيق الاتفاق في حال التوصل إليه، وأن تكون هناك فرق لمواكبة المفاوضات ومتابعتها».
واقترح الفلسطينيون بحسب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤول دائرة المفاوضات فيها، صائب عريقات على المؤتمر العمل بصيغة 7+2 أي اختيار 7 دول لإدارة ملف المفاوضات مع السلطة وإسرائيل.
وفي إشارة على عدم الارتياح الفلسطيني من البيان خلا بيان الرئاسة الفلسطينية، الذي صدر تعقيبا على مؤتمر باريس، من أي إشارة إلى البيان الختامي. وقال نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة، إن المرحلة الجديدة التي بدأت تتبلور من خلال الحراك الدولي الذي بدأ في باريس، وإن كانت ليست لدينا أوهام، لكنها بداية تحول الرأي العام الدولي. وتابع أبو ردينة قائلا: «هناك فرصة وإن كانت ما زالت في مهب الريح، لكن يجب دعمها وتطويرها وخلق إجماع عربي ودولي من خلال حراك سياسي داخلي وعربي ودولي بهدف إنهاء الثقافة السائدة التي دفعت المنطقة إلى العنف والتطرف، ونفتح باب الأمل لمستقبل أكثر استقرارًا وأكثر وطنية، لأن الفراغ أدى إلى التطرف، والسياسة الخاطئة والانحياز الكامل لسياسة الاحتلال، ولعدم فهم أميركا لطبيعة شعوب المنطقة».
وشدّد أبو ردينة على أن حراك المجتمع الدولي مع العالم العربي مطلوب منه تغيير المعادلة الحالية، لأن استمرارها سيبقي حالة عدم الاستقرار لسنوات طويلة قادمة ستدفع شعوب المنطقة ثمنًا باهظا ومدمرًا نتيجة لها.
وفي إسرائيل، عبرت مصادر كبيرة عن ارتياحها من صيغة البيان الختامي، إذ قالت المصادر إن صيغة البيان الختامي للمؤتمر مخفّفة بالمقارنة مع المسودة الأصلية، مؤكدة أن إسرائيل عملت خلال الأسابيع الأخيرة على تخفيف صيغة البيان، حيث أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سلسلة مكالمات مع زعماء ووزراء خارجية في العالم، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الخارجيّة الفرنسي، جان مارك إيرو، الذي أخبره نتنياهو عن رفضه إقامة أي فرق وطواقم عمل للتباحث في المصالح الحيوية لإسرائيل في إشارة إلى الأمن. وقد وصف محللون إسرائيليون البيان بأنه «فوز إسرائيليّ».
ويفترض أن تواصل فرنسا العمل الآن من أجل التحضير لمؤتمر الخريف، حيث أبلغ الوزير الفرنسي إيرو الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونتنياهو في اتصالات هاتفية أن مبعوث عملية السلام الفرنسي سيصل في أسرع وقت إلى المنطقة، وذلك لمتابعة جهود باريس المبذولة للوصول إلى السلام والاستقرار.
وأضاف وزير الخارجية الفرنسية خلال اتصال هاتفي مع عباس أن فرنسا مستمرة في اتصالاتها مع الأطراف الدولية حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، ليتم بعد ذلك تقييم ما تم التوصل إليه وما هو المطلوب للمرحلة المقبلة. كما تحدث وزير الخارجية الفرنسي هاتفيا مع نتنياهو الذي أكد له أنه كان من المستحسن قيام فرنسا وشركائها في مؤتمر باريس بتشجيع عباس على الاستجابة لدعوته إلى خوض مفاوضات مباشرة على الفور، ومن دون شروط مسبقة. وشدد نتنياهو خلال المكالمة الهاتفية على أن أي بديل للتفاوض المباشر لن يؤدي سوى إلى إبعاد السلام.
وكان إيرو قد قال في مؤتمر صحافي يوم عقب الاجتماع إن «القوى الكبرى تسعى بحلول نهاية يونيو (حزيران) حزيران لوضع مجموعة من الحوافز الاقتصادية والضمانات الأمنية لحث الجانبين على إحياء محادثات السلام. كما ستسعى القوى الدولية أيضا إلى سبل لإزالة العقبات التي قوضت المفاوضات في السابق، وتقييم ما إذا كانت جهود سابقة للسلام ما زالت قابلة للتطبيق مثل مبادرة السلام العربية التي طرحت عام 2002 وهي مبادرة الأرض مقابل السلام».
الفلسطينيون يعولون على مواصلة الجهود الفرنسية بعد قمة باريس
أوضحوا أن البيان الختامي افتقر لأهداف حقيقية وخطة عمل ملموسة
الفلسطينيون يعولون على مواصلة الجهود الفرنسية بعد قمة باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة