لبنان: الراعي يدعو زعماء الموارنة ليكونوا قادة بناء الوحدة الوطنية

حرب لـ«الشرق الأوسط»: انتخاب عون يدمر لبنان ويحوله إلى نظام ديكتاتوري

لبنان: الراعي يدعو زعماء الموارنة ليكونوا قادة بناء الوحدة الوطنية
TT

لبنان: الراعي يدعو زعماء الموارنة ليكونوا قادة بناء الوحدة الوطنية

لبنان: الراعي يدعو زعماء الموارنة ليكونوا قادة بناء الوحدة الوطنية

طغى الملف الرئاسي والفراغ المتمادي في قصر بعبدا منذ 21 شهرًا، على عظات رجال دين المسيحيين في عيد شفيع الطائفة المارونية القديس مارون، حيث أجمعوا على دعوة القيادات السياسية إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وبناء جسور التواصل بين اللبنانيين.
وفي انتقاد شديد القسوة للسياسيين وخصوصًا الموارنة منهم، رأى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، أن «لبنان بحاجة إلى رجالات دولة حقيقيين، من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس، وإلى قادة موارنة يكونون قادرين على بناء الجسور بين مكونات الوطن وقادة للوحدة لا ممعنين في تفتيتها». بينما أكد وزير الاتصالات بطرس حرب، أن «المسؤول عن تعطيل الرئاسة هو (رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب) ميشال عون دون سواه». وحذّر من أن «وصول عون إلى الرئاسة سيدمّر لبنان، ويحوله من نظام ديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري». وسأل «كيف نقبل به رئيسًا وهو يتعهد ببقاء سلاح حزب الله حتى زوال دولة إسرائيل؟».
البطريرك الماروني بشارة الراعي وخلال القداس الذي ألقاه في عيد القديس مارون في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، دعا الموارنة إلى أن «يبنوا الجسور بين جميع مكونات الوطن، لا الجدران، وأن يكونوا صلة وصل لا قطع، وقادة الوحدة في لبنان لا ممعنين في تفتيتها».
وقال الراعي: «إننا مع كل خطوة كل تجمع بين البعيدين والمتنازعين، وكل فعل تحرير من الذات والمصلحة الشخصية، وكل تقارب بين الأضداد، وكل خطوة تعيد الثقة بين اللبنانيين ولا سيما بين الكتل السياسية والنيابية، وبين أهل الحكم في البرلمان والحكومة، وكل مبادرة شجاعة لإزالة تعطيل الجلسات الانتخابية في المجلس النيابي». ورأى أنه «من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لبنان بحاجة إلى رجالات دولة حقيقيين، يقومون بمثل هذه الخطوات والأفعال والمبادرات».
وإذا كان الراعي يتجنّب عن قصد تسمية المسؤولين عن تعطيل الانتخابات الرئاسية، ويكتفي بالرسائل البالغة الدلالة، رأى وزير الاتصالات بطرس حرب، أن «رسالة البطريرك واضحة ولا تحتاج إلى التأويل». وإذ تفهّم عدم لجوء بكركي إلى تسمية المعطّل بالاسم، لفت إلى أن «المقصود هو ميشال عون، الذي يقول علنًا لن أنزل إلى المجلس النيابي إلا إذا انتخبت رئيسًا للجمهورية، وحزب الله يجاريه في الأمر».
وأكد حرب لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم استحالة الاتفاق على واحد من المرشحين للرئاسة أي ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فإن الوضع الحالي يثبت أن اللبنانيين لم يبلغوا بعد مرحلة البحث عن رئيس وسطي، والسبب أن عون يعتبر أن تعطيل الرئاسة وشلّ البلاد سيدفعان الممتنعين عن تأييده إلى الخضوع لعملية الابتزاز التي يمارسها على اللبنانيين».
وعن الأسباب التي تحول دون قبول فريق «14 آذار» بتولي عون الرئاسة بدلاً من استمرار الفراغ، قال: «السبب بسيط جدًا، وهو أن خيارات عون مدمرة للدولة، وتحوّل لبنان من نظام ديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري». وإذ ذكّر بأن رئيس الجمهورية يقسم على حماية الدستور وسيادة الدولة، سأل: «أين هذا القسم من تصريح عون الواضح الذي يتعهد فيه ببقاء سلاح حزب الله حتى زوال إسرائيل؟». وقال: «لا ندري إذا كان بالإمكان أن تزول إسرائيل في هذا القرن أو في القرن المقبل، وهذا يعني أن عون سيجعل اللبنانيين خاضعين لسلطة سلاح حزب الله الذي يريد بقاءه إلى الأبد».
وأضاف وزير الاتصالات: «نحن في مرحلة تسديد فواتير بين عون وحزب الله، بحيث يصرّ الأول على تغطية السلاح غير الشرعي، مقابل استمرار الثاني في دعمه للرئاسة، ويبدو أن مستقبل لبنان رهن هذه الفواتير إلى أجل غير مسمّى»، سائلا: «بعد تعهد عون بضمان بقاء سلاح حزب الله مدى الحياة، ماذا بقي من ورقة المبادئ بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي أعلنت من معراب (مقر رئيس حزب القوات سمير جعجع)؟». وتابع: «كنا ننتظر إعلان ترشيح عون بطريقة مختلفة، وأن يعلن عون عن برنامجه بشكل واضح، لكن للأسف اتفقوا على عناوين تتناقض مع بعضها البعض، ولا نعرف كيف سيترجم هذا الاتفاق على القضايا السياسية والعملية». وأشار حرب إلى أنه «إذا كانت مصالحة معراب (بين عون وجعجع) مفيدة للوضع المسيحي، إلا أنها مضرّة للبلد ككل».
أما النائب البطريركي العام المطران بولس صياح، فأوضح أن عظة البطريرك الراعي «يجب الأخذ بها كاملة، لأنها واضحة ولا تحتاج إلى تأويل أو تفسير». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن بكركي «تحرص دائمًا على جمع اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا على ما يخدم مصلحة الوطن، بعيدًا عن الاعتبارات التي تطرح من هنا أو هناك».
وعن الدوافع التي تحول دون اجتماع الأقطاب الموارنة الأربعة في بكركي (ميشال عون، سمير جعجع، أمين الجميل وسليمان فرنجية) والاتفاق تحت مظلتها على مرشح واحد للرئاسة، قال صياح: «بكركي تدعو دائمًا القادة الموارنة إلى اللقاء، لكن دائمًا ما تكون لديهم أسباب تحول دون اجتماعهم، ومنها المخاطر الأمنية، لكنهم غالبًا ما يحضرون إلى الصرح البطريركي بشكل منفرد، وأحيانًا عبر ممثلين لهم، وصاحب الغبطة يستمع إلى آراء الجميع، لكننا بالتأكيد نحن أكثر من يشجّع على ضرورة الخروج من هذا الواقع الصعب».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن