مصطفى إسماعيل: الفيصل مدرسة للدبلوماسية خرّجت أجيالاً من الدبلوماسيين العرب

وزير الخارجية السوداني السابق قال لـ {الشرق الأوسط}: حكمته أزالت التوتر بين الخرطوم والقاهرة بعد محاولة اغتيال مبارك

مصطفى عثمان  لدى استقباله الراحل الأمير سعود الفيصل في الخرطوم عام  2007 (غيتي)
مصطفى عثمان لدى استقباله الراحل الأمير سعود الفيصل في الخرطوم عام 2007 (غيتي)
TT

مصطفى إسماعيل: الفيصل مدرسة للدبلوماسية خرّجت أجيالاً من الدبلوماسيين العرب

مصطفى عثمان  لدى استقباله الراحل الأمير سعود الفيصل في الخرطوم عام  2007 (غيتي)
مصطفى عثمان لدى استقباله الراحل الأمير سعود الفيصل في الخرطوم عام 2007 (غيتي)

تحدث الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني الأسبق، عن رحيل الأمير سعود الفيصل، قائلا إنه فقد أليم وجلل، لمدافع جسور عن الإسلام والأمتين العربية والإسلامية، ومنافح بقوة عن حقوق المستضعفين في الأرض.
وقال إسماعيل لـ«الشرق الأوسط»: «إن أقل ما يقال عن الأمير سعود الفيصل أنه كان مدرسة للدبلوماسية العربية والإسلامية، فهو رجل تمثلت فيه كل معاني الحكمة والذكاء، ووهب نفسه طيلة فترة عمله بالخارجية السعودية لوزارة الخارجية، وهو مدافع قوي وأمين عن مصالح السعودية والدول العربية والإسلامية». وأضاف: «سعدت جدا بصداقته عندما كنت وزيرا للخارجية في السودان، فكنا ننسق معا سواء على مستوى الجامعة العربية أو على مستوى منظمة التعاون الإسلامي أو على مستوى الأمم المتحدة، وتوثقت هذه العلاقة بيني وبينه، ولم تنقطع حتى بعدما ترجل عن وزارة الخارجية بالسعودية».
وتابع إسماعيل: «ظللنا على اتصال وتواصل مستمر، عبر سفارة السعودية في الخرطوم، وظللنا نتبادل الرسائل والتهاني، حيث إنني كنت قد كتبت له رسالة في مرضه الأخير عبّرت له فيها عن تمنياتنا ودعواتنا للمولى عز وجل أن يعيد له الصحة حتى يواصل مشواره، ورد علي برسالة رقيقة ما زلت أحتفظ بصورة منها تحدث فيها عن العلاقة الوثيقة التي ربطتنا معا».
وزاد: «تحدثنا في آخر رسالة بيني وبينه وهو طريح فراش المرض عن مواقف أدرناها معا عندما كنت وزيرا للخارجية في السودان، وسبحان الله تعالى أنه دعاني في هذه الرسالة لزيارته، لكن كان الموت أسرع، فهذه الرسالة كانت بعد أن ترك موقعه وزيرا للخارجية وأصبح مستشار لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز».
وقال إسماعيل: «حقيقة، الأمير سعود الفيصل عانى ما عانى من المرض وحدثني كثيرا عن هذه المعاناة.. والأمير سعود الفيصل قدم استقالته كما أخبرني بذلك في أول عهد الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله)، لكن الملك عبد الله رفض هذه الاستقالة وأصرّ على أن يواصل الفيصل دوره كوزير للخارجية». وتابع: «لا شك أن رحيل الأمير سعود الفيصل فقد أليم وجلل، لأننا فقدنا فيه دبلوماسيا حكيما ومدرسة للدبلوماسية العربية والإسلامية لا يشق لها غبار، ومدافعا جسور عن الإسلام والأمتين العربية والإسلامية، ومنافحا بقوة عن حقوق المستضعفين في الأرض».
وقال إسماعيل: «أنا شخصيا استفدت منه كثيرا بسبب خبرته التي سبقني بها في عملي كوزير في الخارجية في السودان، وكنت دائما كثير التشاور معه في كثير من القضايا والمواقف المشتركة والقضايا التي تهم منطقتنا العربية والإسلامية». وأضاف: «كنا كثيرا ما نتشاور مع بعضنا البعض بشأن كثير من التوترات والنزاعات التي كانت تحدث في زمان سبق، وأذكر أنه عندما توترت العلاقات بين مصر والسودان بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا كنا قد طلبنا من الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان وليا للعهد أن يتدخل لاحتواء هذا التوتر، فكلف الأمير سعود الفيصل ليقوم بإدارة هذا الملف».
وتابع: «ظللنا على اتصال ننسق معا إلى أن نجحنا في أن نوقف التوتر في العلاقات بين السودان ومصر، وأن نعيد هذه العلاقة إلى أصلها وطبيعتها بفضل هذه الجهود الكبيرة التي قادها الفيصل، وأذكر أيضا وبتكليف من الأمير سعود الفيصل أنني ذهبت إلى طهران في محاولة لإزالة توتر كان قد وقع بين السعودية وطهران».
ويذكر إسماعيل أيضا موقفا مشتركا، عندما توترت العلاقة بين السعودية وسوريا، قائلا: «بحكم علاقتي الخاصة مع الأمير سعود الفيصل قمت بجهود لإصلاح هذه العلاقة في حركة دائبة كانت بين دمشق والرياض، والتقيت في تلك الفترة عدة مرات مع الرئيس السوري بشار الأسد، والراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز يرحمه الله».
وفي تلك الأثناء، والحديث لإسماعيل «كان وقتها الأمير سعود الفيصل يرفدني بأفكار نيرة في كثير من الأوقات، ونجحت في أن أجمع بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم والأمير سعود الفيصل في نيويورك وغيرها في هدوء تام، واستطعنا في معظم هذه المحاولات أن نحتوي ذلك التوتر الذي كان سائدا وقتها بين دمشق والرياض». وقال إسماعيل: «هناك أيضا مجالات مختلفة كنا ننسق فيها، وأذكر أنني دعوته ذات مرة لزيارة السودان، وقد استجاب لدعوتي، وامتدت زيارته لمدة يومين والتقى خلالها بعدد من كبار المسؤولين في السودان، وكانت فرصة لأن يتعرف عن قرب على مدى محبة الشعب السوداني للسعودية قيادة وشعبا، ولأبناء الملك فيصل على وجه التحديد، حيث إنه من المعروف أن الأمير محمد الفيصل ولأكثر من أربعين عاما كان يستثمر في السودان من خلال بنك فيصل الإسلامي السوداني، وعدد من المؤسسات الأخرى».
وأضاف: «كان الأمير سعود الفيصل يداعبني دائما عندما أقول له أطلت غيابك عن زيارة السودان، فيقول لي: (نصيبكم في أبناء الملك فيصل هو محمد الفيصل الموجود معكم دائما ولأعوام مديدة، فهو ينوب عنا في زيارة السودان والتواصل معه)». واختتم إسماعيل حديثه بصعوبة قائلا: «في هذه اللحظة العصيبة، أعزي خادم الحرمين الشريفين والحكومة والشعب السعوديين، وأسرة الراحل الأمير سعود الفيصل، على هذا الفقد الجلل، رحمه الله رحمة واسعة، واسأل الله أن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن