أكد وزير الإعلام والثقافة الليبي، عمر القويري، استيلاء الجماعات المتطرفة في بلاده على البنية التحتية للإذاعة والتلفزيون والصحف وغيرها من الوسائل الإعلامية التي كانت تابعة للدولة الليبية قبل سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، إلا أنه قال إن هذه القنوات وقنوات أخرى تروج للمتطرفين من الخارج، فقدت مصداقيتها أمام الجمهور الليبي إلى حد كبير.
وكشف القويري في حوار مع «الشرق الأوسط» عن مشروعات لبناء منظومة إعلامية جديدة تابعة للدولة تتضمن بث قنوات تلفزيون وترددات إذاعية وإصدار صحف تابعة للدولة، وقانون لتنظيم العمل الإعلامي وحظر التمويل الأجنبي للإعلام إلا من خلال القنوات الشرعية، مشيرا إلى أن بعض الإذاعات في المدن التي سيطر عليها المتطرفون، تقوم بنقل خطب الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي، مباشرة، من مكان ما من العراق.
وبينما أشار إلى وجود نحو 40 قناة تلفزيونية ليبية من توجهات مختلفة في البلاد، تطرق القويري إلى قضية أخرى قال إنها تمس الأمن القومي للدولة، وتتعلق باستخدام إذاعات أجنبية لمُرسلات (لا سلكية) مركبة في أبراج داخل ليبيا، للبث الداخلي، بعيدا عن سلطة الدولة. وقال إن الجيش متخوف من استخدام الميليشيات الإرهابية لهذه «المُرسلات» الإذاعية، ومن الممكن أن يتخذ قرارا بإغلاقها في الفترة المقبلة.
وأضاف الوزير الليبي، أن نحو 1300 موظف في الصحف الليبية التابعة لما كان يعرف بـ«هيئة دعم وتشجيع الصحافة»، يرفضون الانخراط في الجسم الجديد الذي أصبح يحمل بعد «الثورة» اسم «المؤسسة الوطنية للصحافة»، وقال إنه رفض التدخل في هذا الصراع، وقام بإصدار صحف تابعة للدولة مثل «ليبيا الرسمية» التي تصدر ثلاث مرات في الأسبوع. وإلى أهم ما جاء في الحوار..
*تبدو الآلة الإعلامية التي تحت أيدي المتطرفين في ليبيا كبيرة ومتشعبة.. كيف هذا؟
- للأسف، هم امتلكوا البنية التحتية الموجودة في العاصمة طرابلس بعد أن استولت عليها الميليشيات العام الماضي. جميع القنوات التلفزيونية التي كانت تابعة للدولة، وجميع مقراتها واستوديوهاتها وأطقمها الفنية، جرى الاستيلاء عليها من جانب المتطرفين، ويقومون بتشغيلها بنفس الاسم، وأضافوا أسماء جديدة مثل «قناة فبراير»، و«قناة التناصح»، وغيرهما. أصبحت كلها قنوات مضادة لشرعية الدولة، وتمثل التيار الإخواني والميليشيات. الإذاعات نفس الشيء.
*يقال أيضا إن بعض الإذاعات في عدة مدن ليبية تبث خطب الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي؟
- نعم.. هذا صحيح في المدن التي سيطر عليها المتطرفون. لقد أصبحوا يستخدمون ما فيها من إذاعات في نقل خطب البغدادي، مباشرة، (من مكان ما في العراق)، وكذا خطب أبو محمد الفرجاني (قيادي في داعش ليبيا)، وغيره. هذه الخطب الإرهابية تبث عبر القنوات التي يسيطرون عليها. لكن على أي حال الإذاعة قانونا الآن تتبع وزارة الحكم المحلي. وبالتالي كل مدينة إذا أرادت أن تنشئ راديو، في الأحوال الطبيعية، تتجه للبلدية التي تصدر قرارا بإنشائها، ثم تحصل على موافقة أخرى بالطيف الترددي من وزارة الاتصالات. وأخيرا يصدر قرار بتكليف أحد الأشخاص لإدارة هذه الإذاعة ويصرف عليها من وزارة الحكم المحلي.
*موجات الكثير من الإذاعات الأجنبية في ليبيا تبدو قوية جدا في معظم مناطق البلاد.. ما السر؟
- هذه مشكلة أخرى في ليبيا تمس أمنها القومي، وقد تطرح للمرة الأولى على وسائل الإعلام، وهي أن لدينا إذاعات غير ليبية تبث في داخل ليبيا. بمعنى أن لها مقرات في الخارج، لكن المُرسلات (اللاسلكية) مركبة في أبراج داخل ليبيا، مثل «راديو الآن»، وهو يبث منذ أيام الثورة (2011)، وإذاعة الـ«بي بي سي»، و«راديو الوسط» الذي يبث من مصر وهو يتبع وزير إعلام ليبي سابقا. واستخدام المرسلات هذا للأسف يجري بعيدا عن سلطة الدولة الشرعية. هذا موضوع خطير. والآن.. الجيش متخوف من استخدام الميليشيات الإرهابية لهذه «المُرسلات» الإذاعية، ومن الممكن أن يتخذ قرارا بإغلاقها في المستقبل.
*طبعا، هناك الكثير من الوسائل الإعلامية التي تبث من الداخل والخارج طيلة السنوات الأربع الأخيرة، ومحسوبة على قوى التطرف. كيف تقيِّم مستواها اليوم وهي خصم للدولة؟
- تراجعت مصداقية هذا النوع من الوسائل الإعلامية بشكل كبير. على سبيل المثال، ومنذ أيام الثورة (في 2011) وحتى اليوم لم أتواصل مع قناة مثل قناة «الجزيرة» أبدا، ولم أعمل معها أي مقابلة. حتى بعد أن تسلمت وظيفتي كوزير في الحكومة، حاولت هذه القناة أن تجري لقاءات معي، لكنني رفضت، وإن كان البعض يرى أنه لا بد من الوجود في جميع القنوات الإعلامية بما فيها «الجزيرة» لتوصيل الرسالة التي أريدها.. وتوجد قناة أخرى مثل «الجزيرة»، وهي مخصصة لليبيا وموجودة في طرابلس، واسمها «قناة النبأ».
*وماذا عن الإذاعات وقنوات التلفزيون التابعة للدولة والسلطة الشرعية الحالية؟
- أنا حين تسلمت عملي لم يكن للحكومة قناة رغم أنه كان قد مضى نحو شهرين على وجود هذه الحكومة في مدينة البيضاء. لم يكن لديها أي قناة ولا أي وسيلة إعلامية. ولم يكن لديهم حتى الترددات الخاصة بالبث التلفزيوني. في اليوم التالي لتسلمي وظيفتي اشتريت ترددا بما قيمته 140 ألف يورو لمدة ستة أشهر. وأطلقنا أول قناة للحكومة، اسمها قناة «ليبيا الرسمية». والآن لديّ قناة رسمية تمثل صوت ليبيا وفيها شريط إخباري باللغتين العربية والإنجليزية، وهذا أمر يحدث لأول مرة في ليبيا خلال الخمسين سنة الأخيرة. فلم يكن لدى نظام القذافي نشرة أخبار أو شريط إخباري على الشاشة باللغة الإنجليزية، رغم قلة الإمكانيات والموارد. وكذلك أسسنا إذاعة باسم «راديو ليبيا الرسمية» انطلق من بنغازي، وجارٍ تركيب المُرسلات في أهم عشر مدن ليبية تحت سيطرة الحكومة، منها البيضاء وطبرق والمرج وشحات وسوسة والكفرة وإجدابيا.. بالإضافة إلى الزنتان ومرزق وسبها وقطرون والواحات. وسوف تستفيد من هذا البث الإذاعي أيضا المدن المجاورة لمواقع البث الرئيسية بالمدن التي ذكرتها. ولدينا أيضا موقع «الرسمية» على الإنترنت. وجارٍ الإعداد لإصدار مجلة ثقافية شهرية تابعة لنفس هذه المؤسسة الإعلامية. هذا نشاط إعلامي انطلقنا فيه من الصفر. وعلى مستوى الإعلام الإلكتروني أستطيع أن أقول لك إننا أصبحنا متفوقين على خصومنا من الميليشيات المدعومة من تركيا وجيوشها الإلكترونية، ومدعومة من قطر وقناة «الجزيرة» ومدعومة من عدة أطراف أخرى إقليمية ودولية.
*ومن أين تبث قناة «ليبيا الرسمية»؟
- مقرها في عمان بالأردن.. وتبث من هناك. لا تنسَ أن لدينا مشكلات داخل ليبيا حالت دون البث من الداخل، على رأسها مشكلة انقطاع الكهرباء في عموم البلاد. يتراوح انقطاع الكهرباء بين 12 ساعة ويومين وثلاثة أيام. وبالتالي لا يمكن أن تعتمد على ذلك في تشغيل قناة تلفزيونية. وإن كان بعض الناشطين وبعض الناس يعترضون ويقولون كيف لقناة ليبية رسمية أن تبث من الخارج. مسألة البث من الداخل أمر غير ممكن واقعيا في ظل مثل هذه الظروف. لدينا أيضا قناة «ليبيا الوطنية» وهي تابعة للدولة وتبث من داخل طبرق ومقرها كذلك في طبرق وتواجه إرباكات كبيرة، لكن العمل فيها يسير رغم كل شيء.
*يبدو مصير البنية التحتية للصحافة الورقية التي كانت تصدر أيام القذافي، غامضًا.. ما رأيك؟
- الصحافة الليبية كانت تندرج تحت اسم واحد هو «هيئة دعم وتشجيع الصحافة»، وحين قامت الثورة في 2011، وفي عهد المجلس الوطني الانتقالي، صدر قرار بإنشاء «المؤسسة الوطنية للصحافة». هذه المؤسسة هي الوريث الشرعي لـ«هيئة دعم وتشجيع الصحافة». لكن أنت تعلم أن هيئة دعم وتشجيع الصحافة فيها 1300 موظف. وهي إلى الآن جسم قائم ورافض أن يتغير إلى الجسم الجديد، أي إلى «المؤسسة الوطنية للصحافة». أنا لم أدخل في صراع لا مع هذا ولا مع ذاك. وأصدرت صحفا مثل «ليبيا الرسمية» التي تصدر في أيام الأحد والثلاثاء والخميس، وتطبع في مدينة بنغازي. ولدينا حاليا تعاون مع الجانب المصري بحيث يمكن أن نطبع منها في القاهرة للتوزيع للمتابعين للشأن الليبي وللجالية الليبية داخل مصر. كما ستصدر قريبا صحيفة «ليبيا الوطنية». كل هذا بعيدا عن تلك التجاذبات، إلى أن يقوم مجلس النواب أو جهة تشريعية كبرى بحلها. الآن هناك مساعٍ من البعض بضم «هيئة دعم وتشجيع الصحافة» إلى مجلس النواب، بحيث يجري فصلها عن وزارة الإعلام، أو أن تتبع الرئيس مباشرة. أنا بعيد عن هذه المشكلة.
*هل أنت راضٍ عن الأداء الإعلامي الحكومي في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حاليا؟
- منذ تسلمي مهام هذه الوظيفة، وضعت برنامجا من ثلاثة محاور. المحور الأول فيه التشريعات المفترض أن تنظم العمل الإعلامي، والمحور الثاني يخص الإعلام البديل، والمحور الثالث الإعلام الخارجي. بالنسبة لمحور التشريعات قدمنا مسودة قانون أطلقنا عليها مسودة تنظيم العمل الإعلامي. مثل هذه المسودة لم تكن موجود طوال 42 عاما من حكم القذافي. ولم تكن موجودة أيضا طوال الأربع سنوات التي انقضت من عمر ثورة 2011. نحن تقدمنا بها بعد شهرين من تسلمنا لهذه الوظيفة. الكرة الآن في ملعب مجلس النواب بأن يسن لنا قوانين تنظيم هذه الفوضى الإعلامية.
*ما هي أهم النقاط في مسودة تنظيم العمل الإعلامي؟
- لعل أهم نقطة أنا حرصت عليها هي حظر استخدام اسم «ليبيا» في الأسماء التي تطلقها القنوات الخاصة على نفسها. لا يصح أن تنشئ قناة خاصة وتطلق عليها «ليبيا الأحرار»، أو «ليبيا الحرة» أو غيرها. «ليبيا» اسم سيادي لا يجوز استخدامه إلا للدولة فقط، لأن المواطن الليبي والمشاهد العام أصبح أمام حالة من الارتباك ولا يعرف من هي القناة التابعة للدولة ومن هي التابعة للقطاع الخاص، ومن مع من ومن ضد من. الآن لدينا نحو 40 قناة تلفزيونية في ليبيا. ولا يصح أن تكون هناك قناة ممولة من مخابرات إحدى الدول العربية أو الأجنبية، وتقرن اسمها باسم «ليبيا». التمويل الخارجي بشكل عام أمر مرفوض، وغير مقبول، ويجب أن يمر عبر قنوات الدولة الرسمية. لا يصح، حتى لو كنت صديقا، أن تجتمع مع مجموعة من الليبيين وتقول أريد أن أدعمهم. هذا مرفوض. ليبيا دولة ذات سيادة، وليست حديقة تدخلها لكي تتنزه وتخرج.
*تقصد أن مشروع القانون هذا سيعمل أيضًا على مراقبة منظومة تمويل الإعلام؟
- ليس هذا فقط.. بل إن المشروع المقترح سوف يضمن التعويض عن الضرر للمواطنين الذين يتعرضون للتشهير بهم في وسائل الإعلام. أو قيام إحدى القنوات بسرقة الحقوق الفكرية لشخص من الأشخاص.. ما هي العقوبة. وكيف يحصل على حقه. إذا أردت أن تقاضي مؤسسة إعلامية أو مؤسسة إنتاجية، ماذا تفعل. لا يوجد ما ينظم هذا الأمر، لا في السابق، ولا في الوقت الحالي. نحن في حاجة لحزمة من التشريعات بهذا الخصوص.. في حاجة إلى قانون ينظم العمل الإعلامي.
وزير الإعلام والثقافة الليبي: المتطرفون استولوا على البنية التحتية للإذاعة والتلفزيون
عمر القويري كشف لـ «الشرق الأوسط» عن مشروعات لبناء منظومة إعلامية جديدة وإصدار صحف تابعة للدولة
وزير الإعلام والثقافة الليبي: المتطرفون استولوا على البنية التحتية للإذاعة والتلفزيون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة