الأمم المتحدة تخصّص ثلث مساعدات اللاجئين السوريين لتنمية المجتمعات اللبنانية المضيفة

مساعدات عينية لتحفيز النازحين على العمل وتمكينهم

الأمم المتحدة تخصّص ثلث مساعدات اللاجئين السوريين لتنمية المجتمعات اللبنانية المضيفة
TT

الأمم المتحدة تخصّص ثلث مساعدات اللاجئين السوريين لتنمية المجتمعات اللبنانية المضيفة

الأمم المتحدة تخصّص ثلث مساعدات اللاجئين السوريين لتنمية المجتمعات اللبنانية المضيفة

بيروت: نذير رضا

يحمل اللاجئ السوري في لبنان إبراهيم (36 عاما) عدة زراعية، ويعرضها للبيع على عامل لبناني. قال إن هذه العدة تلقاها كمساعدة من منظمة شريكة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، بهدف تحفيزه على العمل. لكنه يقول إنه «لا يحتاجها لأنني أعمل في البناء وأرغب في بيعها وأستفيد من ثمنها»، معربا عن مخاوفه أن تكون تلك المساعدات العينية «بديلا عن الدعم الذي اعتدنا تلقيه من الأمم المتحدة».
وارتفعت وتيرة مخاوف اللاجئين في لبنان من تقليص الدعم المخصص للغذاء والتدفئة والمسكن، خلال الأزمة التي عانت منها منظمة الغذاء العالمية مطلع الشهر الحالي، نتيجة ضعف الموارد الكافية لتأمين الدعم للاجئين السوريين. لكن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ستواصل تقديم الدعم للاجئين في لبنان، على الرغم من تخصيص ثلث المساعدات لدعم المجتمع المضيف، كما تقضي الخطة التي أعلنت منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فيما تذهب النسبة الباقية (الثلثين) إلى تقديم مساعدات إنسانية للاجئين.
ولا يقتصر دعم اللاجئين السوريين في لبنان على تقديم الخدمات الصحية والمساعدات في تأمين المأوى، وبطاقات الغذاء. تحاول المنظمات الشريكة للأمم المتحدة، تقديم دعم يمكن السوريين من القيام بفرص عمل، وذلك لتخفيف الأعباء عنهم، وتعويض النقص في المساعدات.
ويقول إبراهيم الذي يقيم في بلدة تقع في قضاء الزهراني في جنوب لبنان لـ«الشرق الأوسط»، إن «إحدى المنظمات الشريكة للأمم المتحدة وفرت لكل شخص من السكان في هذا المخيم عربة لنقل الأتربة، ومعول ورفشين ومشط للتراب، تستخدم في الأعمال الزراعية». ويشير إبراهيم الذي يعمل في قطاع البناء، إلى أن تلك المساعدات تضاف إلى مساعدات أخرى لتأمين مسكن لائق، والمساعدات المالية الشهرية للعائلات.
وعلى الرغم من أهمية تلك المساعدات المخصصة للتحفيز على العمل، فإن الأمم المتحدة لن توقف دعمها للاجئين، بل ستقدم جزءا منه للمجتمعات المضيفة خلال عام 2015. ويؤكد متحدث إقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رون ريدمون لـ«الشرق الأوسط»، أن الخطة التي ستنفذ في العام المقبل، تقضي بأن يذهب ثلثا الميزانية على شكل مساعدات إنسانية للاجئين أنفسهم، فيما يخصص ثلث الميزانية الباقي، للمجتمعات المضيفة، وستذهب لتنمية البنى التحتية كي تتمكن من الصمود أمام الأعداد الكبيرة من اللاجئين في لبنان، إضافة إلى القطاعات الصحية والتربوية، مشددا على أن المجتمع اللبناني سيستفيد من تلك التقديمات. ويشير إلى أن الخطة «هي بالشراكة بين مفوضية اللاجئين، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)».
وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية التنسيق وتنفيذ الخطة، وقد بدأ ممثلون عن الوزارة وممثلون عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالفعل، في جولات في مناطق إقامة اللاجئين السوريين، حيث التقوا فعاليات في المجتمع الأهلي وممثلين عن البلديات والجمعيات الإنسانية في المناطق، للوقوف على احتياجاتهم في قطاع التنمية والخدمات، والأعباء التي ترتبت عليهم جراء استضافة الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
وقال مصدر لبناني محلي في بلدة جنوبية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوفد الذي عقد لقاءين مع المسؤولين المحليين، طلب اقتراح مشاريع تنموية، اقتصادية واجتماعية وصحية وتربوية، بهدف تنفيذها». وأشار إلى أن المسؤولين قالوا في الاجتماع الأول إن المشاريع المقترحة، يجب أن تتراوح قيمتها بين 30 و200 ألف دولار كحد أقصى، وتهدف لتطوير البنى التحتية، كي تحتمل الأعداد الكبيرة من اللاجئين، مشيرا إلى أن الأرقام المخصصة للمشاريع «تتراوح بين منطقة وأخرى، بحسب عدد سكانها وإمكانياتها، وأعداد اللاجئين فيها».
وكانت مؤسسات شريكة للأمم المتحدة، قدمت مساعدات إنمائية عام 2014 في غير منطقة لبنان، تراوحت بين مضاعفة إمكانيات محطات الكهرباء، وتشييد خزانات مياه كبيرة لتوفير مياه الشفة للسكان واللاجئين، وإنشاء شبكات إمدادات الصرف الصحي أو تقويتها.
وكانت الأمم المتحدة وجهت نداء رئيسيا جديدا من أجل المساعدة الإنسانية والإنمائية، يطلب تمويلا يربو على 8.4 مليار دولار من أجل مساعدة ما يقارب 18 مليون شخص في سوريا وفي المنطقة كلها في عام 2015. ولأول مرة، تضمن نداء عام 2015 والذي تم عرضه على المانحين في اجتماع عقد في برلين، جوانب إنمائية رئيسية إضافة إلى أخرى تلبي الاحتياجات الإنسانية لإنقاذ الأرواح، في أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم. ويقدر نصيب لبنان من الاحتياجات بنحو مليارين و100 مليون دولار لخطة لبنان للاستجابة للأزمة في العام المقبل.
وتشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى وجود ما يزيد على مليون و100 ألف لاجئ مسجل، يضاف إليهم اللاجئون الفلسطينيون القادمون من المخيمات السورية، والمقدر عددهم بنحو 75 ألف لاجئ، واللبنانيون المقيمون في سوريا، والمقدر عددهم بنحو 50 ألف لاجئ، وغيرهم من النازحين غير المسجلين، الذين توافدوا بشكل غير منتظم، وباتوا منتشرين على كل الأراضي اللبنانية.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن