الجولاني يهدد بهجمات إرهابية انتقاما من التحالف ضد «داعش»

زعيم «جبهة النصرة»: فاتورة الحرب ستكون باهظة وقد تعيد الغرب 100 سنة إلى الوراء

أبو محمد الجولاني
أبو محمد الجولاني
TT

الجولاني يهدد بهجمات إرهابية انتقاما من التحالف ضد «داعش»

أبو محمد الجولاني
أبو محمد الجولاني

قال أبو محمد الجولاني، زعيم جماعة «جبهة النصرة»، المرتبطة بتنظيم القاعدة إن «الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لن تفت في عضد الإسلاميين في سوريا»، محذرا من أن الإسلاميين «قد يشنون هجمات انتقامية ضد دول غربية»، وحث الجولاني، في رسالة صوتية بثتها منتديات جهادية مؤيدة لـ«جبهة النصرة»، المواطنين الأوروبيين والأميركيين، على التنديد بالأعمال الأميركية، إذا أرادوا أن ينأوا بأنفسهم عن الحرب، وقال الجولاني لن يقف المسلمون بوصفهم جمهورا يري أبناءه يقصفون ويقتلون في بلادهم وأنتم آمنون في بلادكم، فضريبة الحرب لن يدفعها قادتكم وحدهم، بل أنتم من سيدفع الجزء الأكبر منها، ولذلك عليكم أن تقوا أنفسكم من هذه الحرب بالوقوف ضد قرار حكامكم، وتمنعونهم من أن يجروا الويلات عليكم وعلي بلادكم بشتى الوسائل.
وتنفذ الولايات المتحدة غارات في العراق منذ 8 أغسطس (آب)، وفي سوريا بمساعدة حلفاء عرب منذ يوم الثلاثاء الماضي في حملة تقول إنها تهدف لتقليص وتدمير المتشددين الإسلاميين الذين سيطروا على مناطق واسعة من البلدين. وتتشارك «داعش» و«جبهة النصرة» في الأفكار والمعتقدات الدينية الجامدة نفسها، إلا أنهما انفصلتا خلال صراع على النفوذ وتقاتلتا خلال العام الماضي. وتواجه «جبهة النصرة» ضغوطا من داخل صفوف التنظيم للمصالحة مع «داعش» لضم الصفوف لمحاربة ما تصفانه بأنها «حرب على الإسلام».
وحذر الجولاني من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده واشنطن، واصفا إياه بـ«حلف الشر». وفي تسجيل صوتي بثته مؤسسة «المنارة البيضاء» التابعة لـ«جبهة النصرة» على الإنترنت، قال الجولاني أنصح وأحذر جميع الفصائل المقاتلة والصادقة على الأرض ألا يستغل الغرب وأميركا ظلم جماعة الدولة (تنظيم داعش) لهم من قتل للقيادات واستيلاء على الثروات، في الانقياد وراء الغرب والمشاركة فيما أسماه بـ«حلف الشر» الذي يستهدف القضاء على جذوة الجهاد أو تسخيرهم لمشروع علماني أو تهجينهم مع النظام السوري في تسوية سياسية.
وحذّر الجولاني في شريط صوتي مسجل فصائل المعارضة السورية من المشاركة في ما سمّاه بـ«حلف الشر» متوعدا الدول الغربية بالقول: «المعركة ضد بلادنا ستنتقل لداركم، ولن تكونوا آمنين في بلادكم ما لم تعترضوا على قرار حكامكم»، مؤكدا أن «فاتورة الحرب على المسلمين ستكون باهظة وقد تعيد الغرب 100 سنة إلى الوراء»، داعيا أهل السنة في لبنان إلى الانقضاض على عدوهم «حزب الله».
وقال: «أذكّر شعوب الغرب بحماقة قادتهم في اختيارهم الحرب على المسلمين»، مضيفا «مهما حاول الغرب أن يقاتلنا من بعيد»، في إشارة إلى عمليّات القصف الجوي من دون إرسال قوات عسكرية على الأرض، فإن «هذا ما سينقل المعركة لقلب داركم».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إن «50 مقاتلا على الأقل من (جبهة النصرة) قتلوا يوم الثلاثاء الماضي في الموجة الأولى من الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة على سوريا»، وأضاف الجولاني، إن «القاعدة انتشرت بعد أن ظن الغرب وأميركا أنهم سينهونها في حرب أفغانستان»، لافتا إلى أن تنظيم «(الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو ما يُعرف بـ(داعش) قاموا بتوفير المبرر للتدخل الغربي في سوريا»، وأوضح الجولاني في كلمة مسجلة بعنوان «لأهل الوفاء يهون العطاء»: «في ظل الحملة الصليبية الجديدة على المسلمين في الشام تحت راية الولايات المتحدة، فلا بد من وقفات نذكر وننصح فيها المسلمين وتحذيرا للكافرين.. لقد سعت أميركا ومنذ اندلاع المظاهرات في الشام وبروز راية الجهاد وحمل السلاح في وجه النظام لإجهاض العمل الجهادي عبر وسائل متعددة ابتداء من وضع (جبهة النصرة) على قائمة الإرهاب، قبل أن يُعلن عن ارتباطها بقاعدة الجهاد ومرورا بمحاولة صناعة قادة سياسيين عبر ما يسمى بـ(الائتلاف) لتسويدهم على أهل الشام، فيطبقون أجندة الغرب سامعين طائعين»، ويعتقد أن الضربات الجوية أسفرت عن مقتل محسن الفضلي زعيم «تنظيم خراسان» الذي يعمل بالتعاون مع «جبهة النصرة»، ولم يذكر الجولاني الفضلي بالاسم، لكنه قال إن «الضربات الجوية قتلت محاربين سيشعر الجميع بخسارتهم في الحرب برمتها»، موضحا أن «المتشددين شهدوا انتكاسة كبيرة»، وقال: «الحرب التي يخوضها الغرب في الشام لا شك أنها خاسرة لهم ومربحة لنا، إن شاء الله، ولو ذقنا منها بعض الألم»، وحث المعارضة في سوريا على ألا تستغل الضربات الأميركية لتضرب «داعش».
وحول «داعش» قال الجولاني: «لا يدفعن أحد منكم للانقياد خلف الغرب للمشاركة في (حلف الشر) الذي يسعون فيه للقضاء على جذوة الجهاد، ومن تعذر بدفع صيال الدولة، فليقم بذلك دون اللجوء للتحالف الصليبي.. ولا يعتقد أحد أن أميركا والتحالف أتوا لتخليصكم من الشر، فها هو بشار الأسد منذ 3 سنوات وهو يقتل ويذبح ويأسر ويعذب، ولم يهدد ذلك السلم والأمن الذي يزعمون».
ووجه رسالة إلى شعوب الغرب قال فيها: «أحب أن أذكر شعوب الغرب بحماقة قادتها باختيار الحرب على المسلمين فقد خرج بوش يهنئ بإسقاط حكومة طالبان وبعد 10 سنوات خرج أوباما يطمئن الشعب نفسه.. علما أن قاعدة الجهاد التي كانت محصورة في أفغانستان بعد ضربها هناك امتدت إلى باكستان، واليمن، والصومال، ومالي، والجزائر، والعراق ثم إلى الشام، وأخيرا وليس آخرا في شبه القارة الهندية، واتسعت المعركة ولا تزال، يا شعب أميركا وأوروبا ماذا جنيتم من حربكم ضد المسلمين والمجاهدين سوى المزيد من الأحزان على بلادكم وأبنائكم.. عليكم الوقوف ضد هذه الحرب وقرار حكامكم، وإياكم أن يكذب عليكم هؤلاء الحكام ويصورون حربهم بأنها حماية لكم».
وأضاف الجولاني في التسجيل الذي تبلغ مدته 25 دقيقة، أن «من يرد من تلك الفصائل قتال جماعة الدولة أو صد عدوانها، فليقم بذلك دون أن يكون شريكا في (تحالف الشر)»، مضيفا: «لا يظنن ظان أن الغرب وأميركا جاءوا لتخليص المسلمين من الظلم، فها هو بشار (الأسد) منذ 3 سنوات يقتل ويذبح ويأسر ويعذب ويلقي بالمواد الكيميائية فوق رؤوس أهل السنة، وقد بلغ عدد الضحايا مليونا بين قتيل وجريح، ولم يهدد ذلك السلم والأمن الدولي الذي يتحدث عنه الغرب».
من جهة أخرى، قال الجولاني إن «اعتقاد الغرب أن قتالهم من بعيد أو عن طريق الوكلاء سيجنبهم الاستنزاف، خاطئ ولن يفلح وستكون فاتورة الحرب باهظة وتعيد الغرب 100 سنة إلى الوراء».



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن