أجازت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في السابع عشر من مايو (أيار) الحالي، موافقتها على البدء باستخدام عقار جديد لمعالجة نوبات الصداع النصفي، أو صداع الشقيقة. وهذا العقار الجديد هو الأول من بين فئة مجموعة جديدة من العقاقير التي تعمل على معالجة نوبات الصداع النصفي المؤلمة قبل بدء ظهورها.
والعقار الجديد، واسمه العلمي «إيرينيوماب Erenumab»، أو «أيموفيغ Aimovig»، هو الأول من بين أربعة من العقاقير الجديدة لمعالجة الصداع النصفي، التي لا تزال تنتظر موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، للتصريح بالبدء باستخدامها إكلينيكياً كأحد الخيارات المتوفرة في معالجة المرضى.
- فئة عقاقير جديدة
وتمتاز عقاقير هذه الفئة الجديدة من أدوية علاج الصداع النصفي، بأنها تعمل على استهداف أحد أنواع البروتينات الصغيرة الحجم التي يتم إنتاجها في الخلايا العصبية للدماغ والحبل الشوكي، وهذا الببتيد (البروتين الصغير) يُسمى علمياً بـ«الببتيد ذي الصلة بالجين الوراثي للكالسيتونين CGRP».
وعقار «أيموفيغ» الجديد هو من نوعية الأجسام المضادة، وتحديداً هو جسم مضاد وحيد النسل Monoclonal Antibody. وخلال السنوات القليلة الماضية توسع الاستخدام العلاجي للأجسام المضادة كأدوية موجهه للعمل بشكل دقيق ومحدد، على عدد من النقاط المفصلية في نشوء الحالات المرضية في عدد من الأمراض. والعقار الجديد يُعطى على هيئة جرعة يتم حقنها، وذلك لمرضى الصداع النصفي الذين يُعانون من نوباته في الشهر لمدة أربعة أيام أو أكثر. وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد قامت بتقييم النتائج الإيجابية لثلاث دراسات إكلينيكية لاستخدام عقار «أيموفيغ»، وذلك قبل إعطائها موافقتها على اعتماده كأحد الخيارات في معالجة الصداع النصفي.
- صداع منهك
قال إريك باستينغ، نائب مدير قسم منتجات الأعصاب، في مركز إدارة الأغذية والأدوية التابع لإدارة الغذاء والدواء الأميركية: «يوفر (أيموفيغ) للمرضى خياراً جديداً، لتقليل عدد أيام المعاناة من شدة ألم الإصابة بالصداع النصفي»، وأضاف: «نحن بحاجة إلى علاجات جديدة لهذه الحالة المؤلمة والمنهكة بشكل بالغ للمرضى، في كثير من الأحيان».
ووفق نتائج «دراسة العبء العالمي للأمراض»Global Burden Of Disease Study الصادرة في عام 2016، يُصيب الصداع النصفي أكثر من 23 في المائة من البالغين على مستوى العالم، كما يُعتبر الصداع النصفي الثالث في ترتيب الأمراض الأعلى شيوعاً في العالم، كما يُعتبر عالمياً الأعلى تسبباً في «عيش سنوات من العجز» لدى منْ تتراوح سنهم ما بين الخامسة عشرة والتاسعة والأربعين، وهي الفترة التي يكون فيه الإنسان عادة أعلى قدرة على الإنتاج، وأكثر اجتهاداً في تطوير مسيرته العملية، وأشد رغبة بالبدء في تكوين الأسرة.
وتشير الإحصائيات الأميركية إلى أن نحو 39 مليون أميركي يعيشون مع تكرار الإصابة بالألم الشديد النابض والغثيان، في نوبات الصداع النصفي، وأن أعراض الصداع النصفي تعطل القدرات على العمل بكفاءة لدى واحد من بين كل خمسة أشخاص يُعانون منه.
وأشار تقرير بريطاني حديث إلى أن الصداع النصفي يُصيب نحو 10 ملايين شخص في المملكة المتحدة، ويُعاني من نوبات صداعه المؤلم في كل يوم نحو 200 ألف شخص، ما يجعل الصداع النصفي: الحالة المرضية العصبية الأعلى تسبباً في زيارات أقسام الإسعاف في المستشفيات البريطانية. وأضاف التقرير البريطاني الحديث أن ما يُعادل 86 مليون «يوم عمل» تتم خسارتها سنوياً في بريطانيا بسبب الصداع النصفي.
كما تشير المصادر الإكلينيكية إلى أن معاناة المرضى من الصداع النصفي ليست فقط في تلك الأيام من ذلك الألم الشديد والحاد في الرأس خلال نوبات الصداع النصفي؛ بل أيضاً في المعاناة خلال أيام وأسابيع الفترات ما بين النوبات المتكررة للصداع، وذلك نتيجة للقلق الذي يعتري المريض طوال الوقت، خشية من العوامل التي تثير حصول النوبات تلك والعمل على تفاديها.
- خفض ضجيج الألم
علقت بعض المصادر العلمية بأن بدء استخدام العقار الجديد لمعالجة الصداع النصفي، واستكمال طرح استخدام المجموعة الأخرى من أدوية هذه الفئة الجديدة، هو بالفعل «خفض» لصوت الضجيج المرضي، وضجيج المعاناة الذي لا يزال يُحدثه الصداع النصفي بين فئات واسعة من المرضى.
والحقيقة أن الباحثين الطبيين لاحظوا خلال السنوات الماضية، أن البروتينات الصغيرة أو الببتيدات ذات الصلة بالجين الوراثي للكالسيتونين CGRP لها دور مهم في نقل إشارات الشعور بالألم في الدماغ. ويضيف الدكتور ريتشارد ليبتون، مدير مركز «مونتيفيوري» للصداع، قائلاً: «لقد اعتقدنا لفترة طويلة أنCGRP يلعب دوراً مهماً جداً في مستوى الشعور بالألم خلال نوبات الصداع النصفي، وأحد أهم الدواعي لهذا الاعتقاد الطبي هو أنه عندما يُصاب الأشخاص بنوبة الصداع النصفي، يمكن ملاحظة ارتفاع واضح في قياس نسبة هذه البروتينات الصغيرة لـCGRP في دمائهم».
ويُضيف الباحثون في أنواع الصداع وآليات نشوء نوبات أنواعه المختلفة، أن هذه الببتيدات ذات الصلة بالجين الوراثي للكالسيتونين CGRP لا تتسبب في حصول نوبة الصداع النصفي، بمعنى أنها ليست مثيراً أو محفزاً لظهور نوبة الصداع لدى المرء؛ بل هي تعمل على «رفع مستوى صوت» ألم الصداع الذي يشعر المريض به. ولذا يُوضّح الدكتور ستيفن سيلبرشتاين، مدير مركز الصداع في جامعة «جيفرسون» بفيلادلفيا: «هذا يجعل الخلايا العصبية أكثر استعداداً لزيادة شعور المرء بالألم، ويبدو الأمر كما لو أن لدينا جهاز راديو، ونقوم برفع الصوت إلى الأعلى والأعلى بواسطة هذه البروتينات الصغيرة عند حصول نوبات الصداع النصفي»، وبالتالي، كما يُضيف الدكتور ستيفن سيلبرشتاين، فإننا إذا قمنا بوقف إنتاج هذه البروتينات الصغيرة لـCGRP، فإننا سنخفض من مستوى صدور ضجيج الشعور بألم الصداع النصفي.
- عقاقير أخرى واعدة
وإضافة إلى عقار «أيموفيغ»، هناك ثلاثة عقاقير أخرى تستهدف الببتيدات ذات الصلة بالجين الوراثي للكالسيتونين CGRP، وهي ضمن لائحة الانتظار لموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، للتصريح باستخدامها في معالجة المرضي، وهي عقار «فريمانزوماب Fremanezumab»، وعقار «غالكانيزوماب «Galcanezumab، وعقار «إيبتنيزوماب Eptinezumab»، وهي عقاقير تُعطى بالحقن في الوريد.
وحالياً يخضع عقار «فريمانزوماب» للمراجعة من قبل الإدارة، كعقار يُستخدم لمنع حصول نوبات الصداع النصفي، ومن المتوقع أن ينال موافقة الإدارة عليه لتلك الغاية العلاجية في وقت لاحق من هذا العام. كما أنهى عقار «غالكانيزوماب» تجارب المرحلة الثالثة للوقاية من الإصابة بنوبة الصداع النصفي، أسوة بعقار «فريمانزوماب»، ومن المتوقع أيضاً أن تتم الموافقة عليه في وقت لاحق من هذا العام. ويخطط صانعو عقار «إيبتنيزوماب» لتقديم الطلب إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية في وقت لاحق هذا العام، بعد انتهاء تجارب المرحلة الثالثة له، كعقار لمنع حصول نوبة الصداع النصفي.
- استشارية في الباطنية