غودار وسبايك لي يتعاطفان مع العرب والسود واليهود معاً

جون ديفيد واشنطن وآدم درايفر في «بلاكلاكسمان»
جون ديفيد واشنطن وآدم درايفر في «بلاكلاكسمان»
TT

غودار وسبايك لي يتعاطفان مع العرب والسود واليهود معاً

جون ديفيد واشنطن وآدم درايفر في «بلاكلاكسمان»
جون ديفيد واشنطن وآدم درايفر في «بلاكلاكسمان»

تاريخ المخرج الفرنسي جان - لوك غودار يستحق الدراسة، وأعمال سبايك لي متعددة بدورها بحيث تستحق المعاملة المتأنية ذاتها.
كلاهما في مسابقة «كان» الذي يدخل هذا الأسبوع نصفه الثاني على أمل أن يكون أفضل من نصفه الأول.
كلاهما يعود إلى المهرجان من جديد لكن من منطلقين مختلفين. الأول زبون استثنائي كونه شارك في ثورة 1968 الشبابية، وكونه لا يزال متمسكاً بأسلوب تجريبي يحوله إلى لغة مشتركة بين الكلمة والصورة وبين نص المقال والمعالجة الفنية.
سبايك لي يعود إلى «كان» لأن التقدير العالمي الأول الذي ناله تم من خلال حضوره الأول لمهرجان سنة 1989 بفيلم «افعل الشيء الصحيح» (Do the Right Thing).
نقطة لقاء أخرى بين المخرجين هي أن كليهما ناقد. سبايك لي لأوضاع أميركا وغودار لأوضاع العالم بأسره.
- الجنة المفقودة
فيلم غودار الجديد «كتاب الصور» لا يسرد فيه حكاية على غرار بعض أفلامه، لكن ذلك لا يجعله فيلماً تسجيلياً رغم أنه مؤسس على مئات اللقطات المتوالية المأخوذة من أفلام سينمائية سابقة ومشاهد وثائقية لحروب تبدأ بإلقاء القنبلة النووية وتنتهي في بعض حروب العرب الدائرة. يريد أن يؤكد وجهة نظر مفادها أن العالم وصل إلى نقطة اللاعودة في خضم المتغيرات السياسية الحاصلة. تلك التي لا تحتوي على أي أبعاد إنسانية لها بل تستمد طاقتها ممن يسمينهم غودار في فيلمه «الرأسماليون الحمقى».
كونه معاد للرأسمالية فإن هذا ليس مفاجئاً، فهو كان ماوياً فوضوياً في شبابه. أما بعد تلك الفترة فإنه متمسك بآيديولوجية يسارية عريضة وبقناعاته بأن العالم كان يمكن له أن يكون أفضل لو أن السياسيين كانوا مثقفين وفنانين.
ربما (والثقافة والفن سبيلان للتغيير الإيجابي في كل الأحوال) لكن هذا لا يمنع من أن فيلم غودار، كالكثير من أفلامه السابقة، محكوم عليه بأن لا يصل إلى المعنيين مطلقاً بل لن يصل إلى جمهور كاف لتشكيل رأي مواجه.
بعد سباحة حرة في الشكل التجريبي غير المستند إلى أسلوب يمكن له أن يجيب على كل التساؤلات حول المقصود وحول الكيفية التي وضع فيها المخرج معانيه، يميل مرّة واحدة على العالم العربي فيخصص له نحو ثلث ساعة تبدأ بنقد موقف الغرب منه، لافتاً إلى أن ذلك الغرب عامل العالم العربي كمؤسسة واحدة ومنتهياً إلى نقد العرب لاختلافاتهم التي لا تنتهي كما لقناعته بأن العالم العربي كان، لحين طويل ولتاريخ أبعد، واحة إبداع، متسائلاً عما حدث لكل «تلك الجنة المفقودة»؟.
ما بين البداية والنهاية يمر على تاريخ مصوّر مما فعله الغرب في أفريقيا وفي القارة الأميركية.
في هذا الإطار يستخدم أرشيفاً من المشاهد الموثقة لأفعال وممارسات عنف من مناطق متعددة من الحياة على هذا الكوكب. وهذا كله مفهوم ويمكن قبوله كموقف آيديولوجي لفنان يريد أن يضع هنا شهادته وقد بلغ السابعة والثمانين من العمر.
باستئصال مشاغل الفيلم الوجدانية والسياسية وما يصاحبها من نقد موزع في كل اتجاه، فإن الناتج هو عمد غوداري متأصل لتشكيل فني قائم على استخدام المونتاج البصري والمونتاج الصوتي وحتى حجم الفيلم الذي نراه.
فقط هو يعرف لماذا تقفز الصورة من حجم 35 مم مستطيل إلى 35 مم مربع. فقط هو يعرف لماذا الصوت «مونو» حيناً وستيريو حيناً آخر. ما السبب في أن العناوين تأتي مترجمة هنا وغير مترجمة هناك. وصوته غالباً يعكس مرارة رجل في سنه وأحياناً يبدو كما لو خسر ثلثي ذلك العمر فارتد شباباً. وفقط هو يعرف لماذا اختار مشاهد من أفلام تسبح في اتجاهات مختلفة. هنا «جوني غيتار» لنيكولاس راي (1954) حيث يطلب سترلينغ هايدن من جوان كروفورد أن تكذب عليه وتقول له إنها تحبه وأنها كانت ستنتحر لو لم يعد إليها.
صحيح أن المخرج يتناول من ترداد كروفورد قول ما يطلبه منها هايدن ويصل إلى نتيجة أن السينما وما تلاها يحب العيش في كذب دائم، لكن هذا التفسير الجدلي موجود هنا وغائب في أماكن كثيرة أخرى، بحيث إن الناتج هو عدم معرفة المشاهد كيف ولماذا اختار المخرج تلك المشاهد من أكثر من ثلاثين فيلما منها خمسة للمخرج المصري يوسف شاهين ومشهدين من فيلمين للوي بنوييل وبعض أفلامه هو. لكن المهمّة الفيلمية في إطار هذا الفيلم ناجحة. البعد الذي في بال غودار يصل بوضوح. هو مع السينما جمالاً ومضموناً واختياراته تثير الشجن والرغبة في مشاهدة كل فيلم على حدة من جديد.
- أوجه العنصرية
سبايك لي يأتي من زاوية مختلفة لكنها تلتقي جزئياً: «بلاكلاكسمان» (Blackkkklansman) كوميديا جيدة الصنع كتبها المخرج مع ديفيد روبنوفيتز عن كتاب لرون ستولوورث. حول التحري الأسود (جون ديفيد واشنطن) الذي يخترق مؤامرة لمنظمة كوكلس كلان العنصرية لقتل بعض قادة الحركة الأفرو - أميركية في الستينات. لكي يفعل ذلك يدّعي أنه شخص أبيض يود الانتماء إلى فرع المنظمة في بلدة في ولاية كولورادو. لإتمام المهمّة يطلب من زميله اليهودي فليب زيمرمان (آدم درايفر) الادعاء بأنه عنصري مسيحي متعصب. وهذا ما يفعله فليب مدعياً أنه رون ذاته. لكن بعض الأعضاء في المنظمة يحاولون تصديق هذا الادعاء ويفشلون فتبقى شكوكهم في مكانها إلى أن يتاح لبعضهم كشف الحقيقة.
ما يوجهه الفيلم من نقد منصب على أوجه العنصرية ضد السود - ولو حشراً - وضد اليهود. وهذا في مكانه بلا ريب، لكن الفيلم كان يحتاج لسبايك لي وحده ليصبح مؤلفه الفعلي وليعاود الإطلال على جمهوره بعمل حاد يشبه تلك الأعمال الأولى التي قام بها. نتيجة مشاركته الكتابة واضحة: كان يمكن نقد التعصب ضد السود واليهود معاً من دون الحاجة لشخصية يهودية لأن وجودها اقتنص من بطولة التحري الأسود في فيلم انطلق ليكون بيوغرافياً في الأساس، ولأن شكل الممثل آدم درايفر وصوته لا يمكن لهما أن يكونا لأصولي مسيحي أبيض. هذا ارتفاع في سقف التحديات لا يستطيع الفيلم الوصول إليه.
مزيد حول هذين الفيلمين لاحقاً لكن ما يتم تسجيله لهذا المهرجان هو أنه استحوذهما في دورة بدت ناشفة وجدباء إلى حين عرضهما متواليين.


مقالات ذات صلة

«نورة»... من «كان» إلى صالات السينما بالرياض

يوميات الشرق انطلاق عرض فيلم «نورة» في صالات السينما بالرياض (تصوير: تركي العقيلي)

«نورة»... من «كان» إلى صالات السينما بالرياض

وسط مشاركة كبيرة من نجوم العمل ونخبة الفنانين والنقاد والمهتمين، شهدت صالات السينما في الرياض، الأربعاء، العرض الافتتاحي الخاص للفيلم السعودي «نورة».

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «نورة» حقق إنجازاً غير مسبوق للسينما السعودية (مهرجان البحر الأحمر)

عرض فيلم «نورة» بصالات السينما السعودية والعالمية 20 يونيو

أعلنت «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» عرض فيلم «نورة» في صالات السينما السعودية والعالمية بتاريخ 20 يونيو المقبل، بعد نجاحه اللافت خلال مهرجان «كان» السينمائي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما المخرج الأميركي شون بيكر الحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي عن «أنورا» (إ.ب.أ)

فيلم «أنورا» للأميركي شون بيكر يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان»

حصل المخرج الأميركي شون بيكر البالغ (53 عاماً)، السبت، على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي عن «أنورا»، وهو فيلم إثارة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (كان)
سينما «أنواع اللطف» (مهرجان كان)

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): ساعات قبل ختام دورة «كان» الحافلة

في الساعة السابعة مساء بتوقيت فرنسا، يوم السبت، يبدأ حفل توزيع جوائز الدورة الـ77 من مهرجان «كان»، الذي انطلق في 14 مايو (أيار) الحالي.

محمد رُضا (كان)
سينما «هورايزن: ملحمة أميركية» (وورنر).

شاشة الناقد: أفلام عن الحروب والسلطة

HORIZON‪:‬ AN AMERICAN SAGA ★★★☆ إخراج: كيڤن كوستنر | وسترن | الولايات المتحدة | 2024 لجون فورد وهنري هاثاوي وجورج مارشال، فيلم وسترن مشترك حققوه سنة 1962 من…


«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.