توجهات المستهلكين السعوديين في تغيّر متسارع

وعي أكبر حول التكلفة مع تراجع الولاء للعلامات التجارية

توجهات المستهلكين السعوديين في تغيّر متسارع
TT

توجهات المستهلكين السعوديين في تغيّر متسارع

توجهات المستهلكين السعوديين في تغيّر متسارع

ألقى استبيان «انطباعات المستهلكين في الشرق الأوسط لعام 2018» الذي أجرته شركة «ماكينزي آند كومباني»، الضوء على التغير السريع في سلوك المستهلكين في المنطقة العربية ليصبح أكثر وعياً بالتكلفة، وتراجع الولاء للعلامات التجارية. حيث يظهر التقرير، أن ما يقرب من 55 في المائة من المستهلكين في مختلف الأسواق بالمنطقة يبحثون عن فرص للتوفير، وفي الطليعة يأتي المستهلكون في المملكة العربية السعودية من خلال الكثير من الطرق والأساليب الإبداعية للحد من الإنفاق والتفكير في علامات تجارية بديلة بشكل أكبر من الأعوام الماضية.
وقد سلط الضوء على هذا التقرير، الذي أطلق الأسبوع الماضي، كل من بيتر بروير وجيما دي أوريا من شركة «ماكينزي آند كومباني» خلال عرض تقديمي بعنوان «أسلوب جديد لاتخاذ القرارات في قطاع بيع التجزئة: تأثير انطباع المستهلكين على قرارات التجار في دول مجلس التعاون الخليجي»، وذلك خلال الدورة الرابعة لقمة قادة التجزئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي عقدت في دبي الأسبوع الماضي.
ومن بين النتائج التي كشف عنها الاستبيان، فإنه في الوقت الحالي، يتطلع 35 في المائة من المستهلكين في كافة أنحاء المنطقة إلى الحصول على العلامات التجارية المفضلة لديهم بأي تكلفة دون النظر إلى علامات تجارية أرخص، وذلك أقل من النسبة التي تم استطلاعها في أبريل (نيسان) 2017 والتي بلغ قدرها 45 في المائة.
كما كشف الاستبيان عن نسبة 78 في المائة من المستهلكين في المنطقة قد غيروا من عاداتهم الشرائية لتميل أكثر تجاه التوفير والادخار. كما أن المتسوقين من قنوات عدة قاموا بخفض الإنفاق على مستوى كافة القنوات الشرائية وأصبحوا يفضلون بشكل كبير الخصومات وسلاسل محال البقالة الكبيرة.
وقد أظهر الاستبيان، أن المستهلكين في السعودية والإمارات كانوا مضطرين خلال العامين الماضيين لتغيير عاداتهم الشرائية، وأصبحوا الآن يشعرون بتفاؤل أكبر بشأن قدراتهم على الإنفاق لاستعادة قوتهم الشرائية. كما أن المستهلكين في السعودية وبنسبة 34 في المائة منهم يتطلعون لشراء العلامة التجارية المفضلة بأي سعر، مقارنة بنسبة 42 في المائة وفقاً لاستبيان أبريل 2017، أما في الإمارات، فتشير هذه النسبة إلى 34 في المائة حالياً، مقارنة بنسبة 41 في المائة حسب بيانات العام الماضي.
وقد علقت جيما دي أوريا، مسؤولة قطاع التجزئة بالشرق الأوسط في شركة «ماكينزي آند كومباني» قائلة: «من المثير للاهتمام أن نرى إجابات متقاربة أو متشابهة بين المستهلكين في السعودية والإمارات، على الرغم من الانطباعات المالية المتغيرة في السوقين، حيث يعتقد المستهلكون أنهم أصبحوا يقللون عمليات الشراء والاتجاه نحو الادخار بشكل أقل من ربيع عام 2017».
ووفقاً للاستبيان، يتم تقسيم المستهلكين إلى خمس فئات استناداً إلى سلوكياتهم الشرائية: الأولوية للأرخص، الولاء للعلامات التجارية بحذر، التقليد الانتقائي، التحول إلى الأرخص، والتسوق متعدد القنوات.
ويشير الاستبيان إلى أن الكثير من المستهلكين حول العالم قد تحولوا إلى شراء علامات تجارية أكثر تكلفة، في حين تحولت نسبة ضئيلة إلى الخيارات الأرخص. بينما تشير المؤشرات العامة لانطباعات المستهلكين إلى وجود تحول تجاه الوعي بالتكلفة، ولا تزال هناك نسبة ثابتة من المستهلكين المستعدين للتحول إلى العلامات التجارية الفاخرة.
وعلى مستوى المنطقة، فقد تحولت نسبة 16 في المائة من المستهلكين إلى العلامات التجارية الأقل تكلفة، في حين تحولت نسبة 11 في المائة إلى العلامات التجارية الأكثر تكلفة. وبينما يستمر المستهلكون في الابتعاد عن العلامات التجارية المتوسطة، فقد حصلت السعودية على المركز الثامن، في حين حصلت الإمارات على المركز الـ11 من بين 30 دولة قام فيها المستهلكون بالتحول إلى علامات تجارية أكثر تكلفة. حيث أوضح الاستبيان، أن 14 في المائة من المستهلكين في الإمارات تحولوا إلى علامات تجارية أرخص، ونسبة 12 في المائة تحولوا إلى علامات تجارية أكثر تكلفة، مقارنة بنسبة 16 و11 في المائة على التوالي في السعودية.
ويوضح الاستبيان أيضاً أن نسبة 54 في المائة من المستهلكين الذين تحولوا إلى علامات تجارية أرخص راضون عن العلامات التجارية الجديدة، في حين أن نسبة 46 في المائة يودون العودة إلى العلامات التجارية التي اعتادوا على شرائها مسبقاً. ففي السعودية، أصبحت نسبة 45 في المائة من المستهلكين الذين تحولوا إلى علامات تجارية أرخص راضين عن العلامات التجارية الجديدة، مقارنة بنسبة 41 في المائة للمؤشر ذاته في سبتمبر (أيلول) 2016.
في هذا السياق، قالت جيما دي أوريا: «أصبح المستهلكون أقل انتماءً للعلامات التجارية، على عكس الوقت السابق عندما كانوا يقدِمون على البحث عن العلامة التجارية المفضلة لديهم بسعر أقل. أما الآن فقد تغير الوضع وأصبح المستهلكون أكثر ميلاً للتكلفة الأقل، هذا التحول الناتج من زيادة في الجودة الحقيقية المتحصل عليها من العلامات التجارية الأرخص».
وتشير التقارير إلى أن الرواد في قطاع التجزئة يعتمدون على البيانات والتحليلات، مثل انطباعات العملاء لاتخاذ قرارات مدفوعة بتحليل البيانات، كما تشير إلى التفوق الواضح لكل من يتبع هذا الأسلوب مقارنة بنظرائهم. ودائماً ما كانت عملية صنع القرار معتمدة على البيانات، لكن هناك ثلاثة عوامل تسارع في هذا التطور وهي المستويات غير المعهودة من تطور البيانات، والتكاليف المنخفضة، والحواسيب والبرمجيات ذات القوة الهائلة.
وقد علق بيتر بروي، مسؤول قطاع التجزئة بأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «ماكينزي آند كومباني» قائلاً: «يعد تحسين الجودة وتنوع المنتجات هو التهديد الحقيقي للعلامات التجارية. حيث يعمل كبار تجار التجزئة على تحويل مؤسساتهم لكي تكون مدفوعة بالبيانات والتحليلات، وهذا ممكن حتى في ظل ندرة البيانات المجتمعية. كما أن امتلاك رؤية واضحة عن المستهلكين هي من أهم الأصول التي يحتاج إليها تجار التجزئة، وعليهم أن يركزوا على التأثير الحقيقي على الأعمال عند اتخاذ القرارات المبنية على تحليل البيانات. ويستلزم عليهم إيجاد تأثير سريع، وفي الوقت ذاته العمل على خريطة طريق لتمكين القدرات المتاحة».
كما كشف الاستبيان، عن أن التحول إلى التجارة الإلكترونية يحدث بشكل أسرع مما كان عليه في الماضي. ولا يُنظر إليه فقط بين المستهلكين ذوي الدخل المرتفع، وإنما على جميع مستويات الدخل، وتتماشى في ذلك المؤشرات الإقليمية مع بقية العالم.


مقالات ذات صلة

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة تجمع المسؤولين السعوديين واليابانيين خلال إطلاق صندوق مؤشرات متداولة وإدراجه في بورصة طوكيو (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة السعودي» يستثمر بأكبر صندوق في بورصة طوكيو

أعلنت مجموعة «ميزوهو» المالية، الخميس، إطلاق صندوق مؤشرات متداولة، وإدراجه في بورصة طوكيو.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.