ضمن نتائج إحدى الدراسات الطبية الواسعة طويلة الأمد في المتابعة، أفاد مجموعة من الباحثين الطبيين اليابانيين بأن ثمة علاقة مباشرة بين التدخين والإصابة بضعف السمع. ووفق ما نُشِر ضمن عدد 14 مارس (آذار) الحالي لمجلة «بحوث النيكوتين والتبغ» Nicotine & Tobacco Research، تابع الباحثون اليابانيون أكثر من 50 ألف شخص، تراوحت أعمارهم بين 20 و64 سنة، وكانوا خالين من أي ضعف في قدرات السمع عند بدء المتابعة الطبية التي استمرت لمدة تفوق 8 سنوات، وذلك لمعرفة تأثيرات التدخين على قدرات السمع.
- التدخين والسمع
أجرى الباحثون تقييماً لمستوى قدرات السمع لدى شريحة المشمولين بالدراسة، وذلك بشكل سنوي طوال مدة المتابعة في الدراسة، وتمت مقارنة ذلك مع تصنيف حالة التدخين لدى كل منهم، أي إما شخص مُدخن حالياً، أو شخص سبق له التدخين وتوقف عنه لاحقاً، أو شخص لم يسبق له التدخين. كما نُظِر في عدد السجائر التي يُدخنها في اليوم الواحد أولئك المستمرون في التدخين، وكذلك عدد السجائر في اليوم الواحد التي كان يُدخنها منْ توقفوا عن التدخين، ومنذ متى توقفوا عنه. وأيضاً فحص الباحثون مستوى الضجيج اليومي، في العمل وغيره، الذي يتعرض له المشمولين في الدراسة. وهو ما لخصه الباحثون بالقول في مقدمة الدراسة: «هدفنا إلى تحديد العلاقة المحتملة لحالة التدخين وكثافة التدخين والإقلاع عن التدخين مع خطر فقدان السمع لدى مجموعة واسعة من اليابانيين. ولم تُدرَس العلاقة المحتملة بين التدخين وفقدان السمع بشكل جيد من قبل. وعلى حد علمنا، فإن دراستنا هي الأكبر حتى الآن التي تحقق في العلاقة بين التدخين وفقدان السمع».
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن المُدخنين، مقارنة بمنْ لم يُدخنوا مطلقاً، هم الأعلى عُرضة للإصابة بضعف السمع بنسبة تصل إلى 1.6 ضعف، وذلك بغض النظر عن مستوى الضجيج الذي يتعرضون له في عملهم أو حياتهم اليومية. كما لاحظ الباحثون أن العلاقة قوية بين التدخين وحصول الضعف في سماع كل من: الأصوات العالية التردد (High - Frequency)، والأصوات المنخفضة التردد (Low - Frequency). ولاحظ الباحثون أن مقدار زيادة التدهور في قدرات السمع مرتبط بشكل مباشر مع ارتفاع عدد السجائر التي يتم تدخينها من قبل الشخص في اليوم الواحد، أي Dose–Response Manner. وأضاف الباحثون في نتائج دراستهم ملاحظتهم أن ارتفاع خطورة الإصابة بضعف السمع جراء التدخين يبدأ بالزوال التدريجي بعد التوقف عنه، ويتطلب الأمر مرور 5 سنوات لتلاشي تأثير التدخين على قوة السمع لدى الشخص الذي كان مُدخناً في الماضي ثم توقف عنه لاحقاً.
وعلق الدكتور هوهوان هو جين، الباحث الرئيس في الدراسة من المركز الوطني الياباني للطب والصحة العالمية في طوكيو، بالقول: «في دراسة شملت شريحة واسعة من الناس، وتابعتهم لمدة زمنية طويلة، وذلك بهدف تقييم العلاقة بين التدخين وضعف السمع، تقدم دراستنا دليلاً علمياً قوياً على أن التدخين عامل مستقل بحد ذاته في رفع خطورة الإصابة بضعف السمع»، وأضاف: «هذه النتائج تقدم دليلاً علمياً قوياً على أن التدخين عامل يسبب الإصابة بضعف السمع، ما يُؤكد الحاجة إلى مكافحة التدخين لمنع أو لتأخير الإصابة بضعف السمع». والواقع أن الباحثين الطبيين لاحظوا خلال الـ30 سنة الماضية أن ثمة علاقة بين التدخين وتدني قدرات السمع. وفي عام 1998، وضمن عدد يونيو (حزيران) لمجلة «الرابطة الطبية الأميركية» JAMA، لاحظ الباحثون من الولايات المتحدة، في دراستهم التي شملت نحو 4 آلاف شخص، أن زيادة الضعف في قدرات السمع مرتبطة بزيادة عدد السجائر التي يُدخنها المدخن، وزيادة عدد سنوات التدخين، وأن المدخنين هم الأعلى عُرضة للإصابة بضعف السمع بنسبة 70 في المائة، مقارنة بغير المدخنين.
وضمن عدد 29 مايو (أيار) 2014 لمجلة «رابطة بحوث طب الأذن والحنجرة» Association for Research in Otolaryngology، نشر الباحثون من جامعة مانشستر في بريطانيا نتائج دراستهم المتعلقة بتتبع العلاقة بين التدخين وضعف السمع، وهي الدراسة التي شملت أكثر من 160 ألف شخص ممنْ تم لهم إجراء فحص السمع في الفترة بين عامي 2007 و2010. وتبين للباحثين أن التدخين يرفع من مخاطر الإصابة بضعف السمع، وأن ذلك يشمل المدخنين والمخالطين للمدخنين Passive Smoking، وأن احتمالات الإصابة بضعف السمع ترتفع مع زيادة عدد السجائر التي يتم تدخينها في اليوم، وطول مدة الاستمرار في التدخين.
تأثيرات على الأعصاب
ومعلوم أن النهايات العصبية في الأذن الداخلية هي المسؤولة عن إرسال المعلومات عن الأصوات التي تصل إليها، بعد اجتيازها الأذن الداخلية والأذن الوسطي، وكمثيلاتها من النهايات العصبية الأخرى، في الجلد أو اللسان أو الأنف، فإنها بحاجة إلى تروية جيدة بالدم من خلال الأوعية الدموية السليمة.
وحول تفسير آلية تسبب التدخين بتدني قدرات السمع، علق في حينه الدكتور بيرز داويس، الباحث في مركز التواصل البشري والصمم بجامعة مانشستر، على نتائج الدراسة بقوله ما ملخصه: «نحن لا نعلم ما إذا كانت المواد الكيميائية الضارة في دخان السجائر تتسبب مباشرة بتلف السمع، أم أن الأمر له صلة بتأثيرات التدخين على الأوعية الدموية، وتسببه بتغيرات في تدفق الدم من خلال الشعيرات الدموية الصغيرة التي تغذي الأجزاء المهمة في الأذن، أي الخلايا العصبية الإحساسية Sensory Cells في الأذن الداخلية، وبالتالي تدني ترويتها بالدم. وربما الأمرين كلاهما يحصل، ويُؤدي إلى ضعف السمع».
وعلى الرغم من عدم وجود تفسير طبي دقيق للآلية التي يتم من خلالها تسبب التدخين بضعف السمع، فإن ثمة محاولات علمية لتفسير تلك العلاقة، وتشير المصادر الطبية إلى أن تبغ السجائر يحتوي على تشكيلة كبيرة من المواد الكيميائية ذات التأثيرات السلبية على عدد من أنواع الأنسجة في الجسم عند دخولها إلى الدم عبر الرئتين، ولبعضها بشكل خاص تأثيرات سلبية متلفة لأنسجة الأذن الداخلية Inner Ear Ototoxic. والمواد ذات التأثيرات المتلفة للنهايات العصبية في الأذن الداخلية تشمل الأمونيا Ammonia، والأرسينيك Arsenic، والبنزين Benzene، وأول أكسيد الكربون Carbon Monoxide، والنيكوتين، والفورمالدهايد Formaldehyde، وسيانيد الهيدروجين Hydrogen Cyanide، وهي مواد يتم استنشاق كميات منها عند تدخين السجائر طوال السنين.
وإضافة إلى التأثيرات السلبية المباشرة للتدخين على الأوعية الدموية المُغذية للأذن، هناك تفسيرات أخرى تتعلق بتأثيرات التدخين على تنشيط عمليات الحساسية والالتهابات في الحلق والأذن، ما يتسبب بتدني كفاءة عمل الأذن، وبالتالي ضعف السمع.
- استشارية في الباطنية