محكمة تونسية تقضي بسجن سبعة عناصر إرهابية من «كتيبة أبي بكر الصديق»

وقفة احتجاجية تطالب بالكشف عن قتلة القيادي اليساري شكري بلعيد

جندي تونسي يحرس مدخل ثانوية في العاصمة أثناء إجراء امتحانات الباكالوريا أمس (إ.ب.أ)
جندي تونسي يحرس مدخل ثانوية في العاصمة أثناء إجراء امتحانات الباكالوريا أمس (إ.ب.أ)
TT

محكمة تونسية تقضي بسجن سبعة عناصر إرهابية من «كتيبة أبي بكر الصديق»

جندي تونسي يحرس مدخل ثانوية في العاصمة أثناء إجراء امتحانات الباكالوريا أمس (إ.ب.أ)
جندي تونسي يحرس مدخل ثانوية في العاصمة أثناء إجراء امتحانات الباكالوريا أمس (إ.ب.أ)

نظم قيادات تحالف الجبهة الشعبية (يسار وقوميون) وحزب الوطنيين الديمقراطيين (يسار) في تونس، أمس، وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بالعاصمة، للمطالبة بالكشف عن قتلة القيادي اليساري شكري بلعيد، الذي اغتيل في السادس من فبراير (شباط) 2013.
ورفع مئات المحامين وزملاء بلعيد وقيادات سياسية وحقوقية عدة شعارات، من بينها «متمسكون بكشف حقيقة اغتيال الشهيد» و«القضاء المستقل دعم لكشف الحقيقة».
وبمناسبة نظر محكمة الاستئناف في القرار القضائي القاضي بإنهاء الأبحاث الأمنية في اغتيال بلعيد، تقدم نحو 300 محام للمرافعة في حق زميلهم، الذي كان يعمل محاميا قبل وقوع الجريمة. إلا أن دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف اختارت محاميين اثنين فحسب. وحضرت بسمة أرملة بلعيد، إلى جانب بقية المحامين، وعبد الستار بن موسى رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، وفاضل محفوظ عميد (نقيب) المحامين التونسيين، وإلى جانبهم عدد كبير من المحامين قدموا إلى العاصمة من عدة ولايات (محافظات) تونسية.
وقالت بسمة بلعيد لـ«الشرق الأوسط» إن عائلة الفقيد لن توافق على إنهاء الأبحاث الأمنية، وإنها مستعدة لعرض القضية على منظمات حقوقية دولية، وإنها ستواصل المطالبة بالكشف عن الحقيقة كاملة، مضيفة أنها لن تسمح لأي طرف سياسي أو قضائي بإقفال الملف دون معرفة المجرم الذي لم يكشف عن هويته.
وكانت أحدث التحقيقات الأمنية قد تحدثت عن رصد تحركات مشبوهة في محيط منزل شكري بلعيد قبل 45 يوما من وقوع الجريمة في السادس من فبراير 2013. بيد أن قيادات وزارة الداخلية لم تعر الأمر اهتماما كثيرا، ووجهت تحرياتها نحو إمكانية تحضير مجموعة من العصابات الإجرامية لعملية سطو على أحد الفروع البنكية القريبة من مقر سكن بلعيد. وأشارت التحقيقات ذاتها إلى رصد تحركات القتلة والسيارة والدراجة النارية التي استعملت في تنفيذ الجريمة.
وتبدي معظم المنظمات الحقوقية والقيادات السياسية، خاصة منها ذات التوجهات اليسارية، شكوكا قوية تجاه النسق البطيء للتحقيقات التي لم تفض إلى نتائج نهائية، وواصلت تنظيم وقفات احتجاجية أسبوعية أمام مقر وزارة الداخلية للمطالبة بالكشف عن مقترفي أول جريمة اغتيال سياسي بعد الثورة.
على صعيد متصل، أبدت عدة أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية خشيتها من ضرب الحريات والتضييق على النشاط السياسي والحقوقي، تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب الجديد، الذي يناقش حاليا من قبل أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) قبل عرضه خلال الأيام المقبلة على التصويت.
وفي هذا السياق، قال أزاد بادي، رئيس كتلة وفاء البرلمانية، في معرض مناقشته لقانون مكافحة الإرهاب «نحن مع ضرب الإرهاب، لكن لا يجب أن نضرب حقوق الإنسان». وأشار إلى «ضرورة توخي معالجة متعددة الجوانب للإرهاب وعدم الاقتصار على الحلول الأمنية التي أظهرت محدودية حل الظاهرة»، على حد قوله.
أما الصحبي عتيق، رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان، فقد أكد على ارتباط الإرهاب في تونس بمرجعية دينية معينة، وأنه من الضروري «التفرقة بين مقاومة الجرائم الإرهابية وضرب حرية التدين»، على حد تعبيره.
وتخشى أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية من عودة التضييق على الحريات بذريعة مكافحة الإرهاب. وعانت قيادات حركة النهضة ومعارضون لنظام زين العابدين بن علي، في تسعينات القرن الماضي، من حملات أمنية متلاحقة، تحت شعار مقاومة الإرهاب. لكن غايتها، كما تقول تلك القيادات السياسية، كانت إزاحة طرف سياسي من الساحة.
في السياق ذاته، أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس سبعة أحكام بالسجن في حق العناصر الإرهابية المنتمية إلى «كتيبة أبو بكر الصديق»، والتي جرى تفكيكها أول من أمس في قفصة (جنوب غربي تونس)، وتتكون من 14 عنصرا إرهابيا، ينتمون إلى تنظيم أنصار الشريعة السلفي المحظور. وأفرج القضاء عن خمسة متهمين، وأمر بإعادة التحقيق مع اثنين منهم.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن