المغرب: ملتقى دولي في الداخلة يبحث تحولات الاقتصاد العالمي الجديد

دعوات لتأسيس جيل جديد من الحوكمة القائمة على التنسيق بين مختلف مكوناتها

جانب من جلسات الملتقى الدولي في الداخلة المغربية («الشرق الأوسط»)
جانب من جلسات الملتقى الدولي في الداخلة المغربية («الشرق الأوسط»)
TT

المغرب: ملتقى دولي في الداخلة يبحث تحولات الاقتصاد العالمي الجديد

جانب من جلسات الملتقى الدولي في الداخلة المغربية («الشرق الأوسط»)
جانب من جلسات الملتقى الدولي في الداخلة المغربية («الشرق الأوسط»)

شكل موضوع «الاقتصاد العالمي الجديد... التحولات الهيكلية، الآثار وأجوبة الفاعلين، وتجارب دولية مقارنة»، محور النقاشات التي عرفها الملتقى الدولي الخامس للداخلة (أقصى جنوب المغرب)، الذي تشرف عليه الجامعة المفتوحة للداخلة، بتعاون مع جمعية الدراسات والأبحاث للتنمية، والجمعية الفرنكوفونية الدولية للذكاء الاقتصادي.
وقال إدريس الكراوي، رئيس جمعية الدراسات والأبحاث في التنمية، ومنسق اللجنة الدولية المكلفة تنظيم الملتقى الدولي للداخلة، إن الموضوع الذي اختير للملتقى فرضته نوعية المخاطر والأجيال الجديدة من الحروب التي بدأت تفرزها التحولات الجديدة للنظام الاقتصادي العالمي، جراء التغير الجذري لموازين القوى الاقتصادية والديموغرافية والتكنولوجية والعسكرية والأمنية التي يعرفها العالم.
وذكر الكراوي، وهو أيضا أمين عام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، أن هذه التحولات تفرض إعادة التفكير بمقاربة جديدة تتماشى مع نوعية هذه المخاطر الجديدة المحدقة بالعالم، والجيل الجديد من الحروب التي يشهدها، مشيرا إلى أن المنظومة الدولية إذا أرادت الحفاظ على الأمن الإنساني بمفهومه الشامل عليها أن تؤسس لجيل جديد من الحكامة (الحوكمة) القائمة على التنسيق بين مختلف مكوناتها، سواء على صعيد السياسات الاقتصادية في مختلف أبعادها أو على صعيد السياسات الأمنية والعسكرية، وكذا التغيرات المناخية.
وأوضح الكراوي أن التنسيق بين مكونات المنظومة الدولية هو الكفيل بتحقيق ثلاث أجندات مهمة، تكمن الأولى في تحقيق هدف التنمية المستدامة 2030. والثانية في تحقيق أرضية الحماية الاجتماعية الشاملة للمكتب الدولي للشغل، بينما تكمن الثالثة فيما أقرته لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة الداعية إلى البحث عن آلية جديدة لتحقيق دخل ثابت عام، بهدف احتواء الفوارق الاجتماعية والفقر المطلق في عالم اليوم.
من جهته، قال محمد بنعبد القادر، الوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، إن جهاز الإدارة العمومية هو أهم جهاز ينبغي إخضاعه للإصلاح، بهدف تحقيق إقلاع اقتصادي قوي، يضمن الرفاهية للمواطنين، ويحول دون وقوع انفلاتات محتملة في المجتمع... مشددا على الأهمية القصوى للحكامة في تحقيق ذلك.
وقال بنعبد القادر إن المغرب قطع أشواطا مهمة في بناء الاقتصاد العصري والمنتج؛ وهو ما مكّن من ترسيخ الثقة في الاقتصاد الوطني، مُبرزا أن الإصلاح الإداري «أضحى تحديا كبيرا لضمان ازدهار البلاد، والرفع من مرونة أداء الإدارة، وتطوير آليات اشتغالها، لمواكبة الورش التنموية التي انخرط فيها المغرب، وتسهيل عملية الاستثمار، والاستجابة لتطلعات المواطنين».
وحذر الوزير المغربي من «حالة الاستلاب» التي أفرزتها العولمة، والتي أدت إلى تعميق الهوة بين الدولة والأمة، وظهور ولاءات ذات طبيعة انفصالية عبر مختلف أرجاء العالم، مشيرا في سياق ذلك إلى أن أوروبا وحدها يوجد بها ما لا يقل عن أربعين منطقة تسعى إلى الانفصال عن بلدانها.
وزاد بنعبد القادر قائلا إن النزعات الانفصالية تستند إلى شبكة من المصالح التجارية والسياسية، مشيرا إلى أن «المغاربة حسموا الأمر مع هذه المسألة، حيث استقرت عزيمتهم على تعزيز الدولة الأمّة الضامنة للتماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والأمن والسلام واستتباب الاستقرار».
أما عثمان الفردوس، كاتب الدولة (وزير دولة) لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المغربي، المكلف الاستثمار، فأشار إلى أن السياسات العمومية بالمغرب ترتكز على مقاربة استشرافية في التعامل مع التحولات التي يعرفها الاقتصاد العالمي الجديد.
وأضاف أن هذه المقاربة الاستشرافية تتمثل في تعزيز موقعه في الشراكة الأورومتوسطية، وإطلاق دبلوماسية اقتصادية لتعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية.
وأبرز الفردوس أيضا دور البنيات التحتية التي شيدت لربط شمال المملكة المغربية بجنوبها، وتعزيز موقع المغرب في الاقتصاد العالمي الجديد، مبرزا على وجه الخصوص دور ميناء طنجة المتوسط في ربط المغرب بأبرز محاور الملاحة الدولية.
وأوضح الفردوس أن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية (الصحراء)، الذي يهدف إلى إنجاز مشاريع بنيات تحتية بقيمة إجمالية تبلغ 7 مليارات دولار، يشكل أحد أوجه المقاربة الاستشرافية للسياسات العمومية، مذكرا بمشاريع كالطريق السريع اتجاه الداخلة، والمحطة الطرقية بالعيون التي ستكون الأكبر من نوعها بأفريقيا، وصلة وصل مع الأسواق الأفريقية.
وأبرز الفردوس نجاعة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب من خلال أحداث منظومات اقتصادية لتعزيز تنافسية المقاولات المغربية، موضحا أن الشراكة داخل مؤسسات القطاع العام لا تقل أهمية، خاصا بالذكر دمج كل من الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات، والمركز المغربي لإنعاش الصادرات، ومكتب الأسواق والمعارض في إطار الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات بهدف تشجيع الاستثمارات والمستثمرين.
وذكر المسؤول المغربي بجهود السياسات العمومية لإدماج الشباب في الاقتصاد المهيكل عن طريق مبادرة «المقاول الذاتي».
من جهته، أبرز والي جهة الداخلة واد الذهب، لمين بنعمر، أن المغرب ينهج، في سياق التغيرات الاقتصادية العالمية، مقاربة تعاون جنوب - جنوب لتعزيز علاقاته الاقتصادية مع محيطه الأفريقي، خاصة بعد العودة المظفرة للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي، وطلب العضوية في المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (سيدياو).
وعرفت الجلسات العلمية للملتقى الدولي مناقشة عدة محاور، منها «حالة الاقتصاد العالمي الجديد: تجزئة، اضطراب وإعادة تجميع»، ألقاها أنطونيو ربييلو دي سوزا (البرتغال)، إضافة إلى سبع جلسات علمية أخرى، بحثت مواضيع «التحولات الهيكلية للجهات الفاعلة في الاقتصاد العالمي الجديد، العوامل والآثار»؛ و«أجوبة الدول والجماعات الترابية والمقاولات والمجتمع المدني والمؤسسات الإقليمية والدولية»؛ و«المخاطر الجديدة والفرص المستقبلية للاقتصاد العالمي الجديد»؛ و«موقع أفريقيا من الاستعدادات الحالية والمستقبلية للاقتصاد العالمي الجديد»؛ و«مستقبل المغرب العربي في الاقتصاد العالمي الجديد»؛ و«الذكاء الاقتصادي، اليقظة الاستراتيجية والأمن العالمي في الاقتصاد العالمي الجديد»؛ و«أي نموذج للحكامة في الاقتصاد العالمي الجديد»، تلتها محاضرة ختامية ألقتها الوزيرة الفرنسية السابقة كورين لوباج؛ فيما خصصت الجلسة الختامية، الذي ترأسها الكراوي، لتقديم استنتاجات وخلاصات الملتقى.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.