في الثالث والعشرين من شهر أغسطس (آب) عقدت «لجنة جائزة الأكاديمية الإماراتية» المخوّلة بترشيح أحد الأفلام الإماراتية المنتجة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، آخر اجتماع لها، وهو الاجتماع الذي تم فيه اتخاذ قرار جرئ بعدم ترشيح أي فيلم إماراتي هذه السنة نظراً لعدم وجود فيلم يستحق مثل هذه الخطوة.
رأت الغالبية في اللجنة أن عدم ترشيح أي فيلم، هو أفضل من ترشيح فيلم ضعيف، علماً بأنه كان هناك فيلمان، رأى البعض انهما لا بأس بهما ولو أنهما لا يرتقيان إلى المستوى المأمول.
وجهة نظر الأقلية في اللجنة (نحو 14 عضواً) كانت تقول ان ترشيح، فيلم (ولأول مرة باسم دولة الإمارات العربية المتحدة) هو أفضل من الغياب التام. وأشار أحد الاعضاء الى ان دخول فيلم في القائمة الرسمية، قد يعني الكثير على صعيد السينما الإماراتية ذاتها. لكن الآراء الأخرى لم تجد أن هذا سبباً كافياً، بل وجدت أن الأفضل الانتظار لحين انتاج فيلم لديه فرصة للمنافسة.
ست دول
وبعد تكشف هوية المشاركات الأجنبية (أي غير الأميركية وغير الناطقة بالإنجليزية) قبيل موعد الإعلان الرسمي للافلام التي ستتنافس على دخول قائمة الترشيحات لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام المقبل، بواسطة، «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية»، نجد أن بعض الأفلام المرسلة من منطقة الشرق الأوسط لا ترتفع بدورها إلى المستوى المنشود أو المفترض. لكن الآمال تحدو بالسينمائيين العرب الذين بعثوا بأعمالهم للنفاذ بها إلى الجولة قبل الأخيرة للتجربة، للحصول على تقدير ما في تلك الجولة.
المبدأ السائد هو أن تمثيل الدول المنتجة التي تم اختيار أفلامها لهذا المحفل العالمي لا يمكن أن يحتمل أي خسارة. في أسوأ الأحوال سيتم عرض افلامهم على اللجنة المصغرة التي تشاهد الأفلام الأجنبية (نحو 75 فيلما من 75 دولة في السنوات غير الخصبة).
ومن حق اللجنة استبعاد ما لا يعجبها (أو ما لا يعجبها كفاية) عند تأليف القائمة الخماسية وعرض أفلامها على باقي الأعضاء (نحو 6 آلاف عضو).
في أفضل الأحوال سيدخل الفيلم القائمة الرسمية ومن يعلم، لربما حقق المعجزة وفاز بالأوسكار الثمين ذاته.
الأفلام العربية التي تم ترشيحها قبل إغلاق باب الترشيحات في الثاني من الشهر الحالي، تمثل لبنان ومصر والعراق والمغرب وفلسطين وتونس.
وبذلك تغيب السينما السورية والأردنية والإماراتية وربما الجزائرية هذا العام، وهي البلدان الأخرى التي تنتج أفلاماً على نحو سنوي أو سبق لبعضها إرسال أفلام لها في الأعوام الماضية.
الفيلم المصري الذي تم انتخابه هو «الشيخ جاكسون» لعمرو سلامة. الفيلم الذي يتحدث عن أزمة رجل دين (أحمد الفيشاوي) الناتجة عن حبه لأغاني مايكل جاكسون. واختياره أثار حفيظة عدد من السينمائيين في مصر على أساس أن أفلامهم أحق وأفضل. أحد الأفلام التي وجد أصحابها أنه الأجدر بالترشيح هو «مولانا» لمجدي أحمد علي الذي، للمفارقة، يتحدث عن رجل دين آخر يدفعه اعتداله لمناوأة خصوم متطرفين.
من العراق هناك فيلم حسين حسن «العاصفة السوداء» الذي سبق له أن فاز بجائزة «المهر الذهبي» لأفضل فيلم روائي طويل في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي. المفارقة هي أن الفيلم مقدّم باسم العراق، بينما باتت مرجعيته، بعد الاستفتاء الأخير، كردية. يسجل له أنه أول عمل روائي يتحدث عن مأساة اليزيديين، لكنه أيضاً أول فيلم أيضاً يفتقد الفرصة السانحة لتقديم جيد حول هذا الموضوع.
ثلاث مرات
الترشيحات اللبنانية في السنوات الأخيرة لم تفعل شيئاً لتغيير الراكد في مستوى استقبال المجتمع السينمائي لهذه السينما وذلك منذ أن شارك فيلم نادين لبكي بفيلم «كراميل» سنة 2007 من دون أن تبلغ مرحلة الترشيحات الرسمية. في العام الماضي تم انتخاب «فيلم كتير كبير» لمخرجه مير - جان بو شعيا، وهو فيلم مثير للاهتمام أكثر منه مثير للإعجاب، ليمثل السينما اللبنانية ولم يترك أثراً. هذا العام لدى السينما اللبنانية فيلماً أقوى حققه زياد دويري الذي يعيش ويعمل في الولايات المتحدة ولو أنه ما زال يحقق أفلامه خارجها.
الفيلم هو «الإهانة» الذي كان خرج من مهرجان فينيسيا بجائزة أفضل تمثيل رجالي (ذهبت للممثل الفلسطيني كامل الباشا) واحتار الأمن العام اللبناني في شخص مخرجه كون دويري قام قبل عامين بتصوير فيلمه السابق («الهجوم»، ويعرف أيضاً بـ«الصدمة») في الداخل الإسرائيلي. تم إلقاء القبض عليه حال عودته إلى لبنان ثم أخلي سبيله. السؤال الذي لا جواب عليه الآن هو، إذا ما كان الموقف اللبناني الرسمي معادياً للمخرج كيف قامت وزارة الثقافة إذن، وهي من صلب الحكومة، باختيار فيلمه؟
ليس أن الفيلم لا يستحق، بل على العكس تماماً لكن السؤال يشبه ذلك المتعلق بالتمثيل العراقي إلى حد.
التمثيل المغربي متوفر في شخص فيلم جديد للمخرج نبيل عيوش هو «راتزيا». مثل فيلم دويري وفيلم عمرو سلامة، شارك فيلم عيوش في مهرجان تورنتو الأخير قبل ترشيحه رسمياً للأوسكار. الفيلم مؤلف من خمس حكايات تتوازى في سردها وتدور جميعاً في الشوارع الشعبية الداكنة في مدينة الدار البيضاء. يحضرنا حالياً أن المغرب شارك في ترشيحات أوسكار أفضل فيلم أجنبي 12 مرة سابقاً ومن بين هذه المرات ثلاثة أفلام للمخرج عيوش هي «مكتوب» (1998) و«علي زاوا: أمير الشوارع» (2000) و«خيول الله» (2013). بفيلم «راتزيا» يكون نبيل عيوش شارك أربع مرات، لكن من دون اختراق الحاجز الأول ولا مرّة.
أما الاشتراك الفلسطيني فتمثله آن ماري جاسر تحت عنوان «واجب». شوهد في لوكارنو حيث استقبل بإعجاب وبترحيب نقدي واسع ويدور حول العلاقة المتوترة بين الأب وابنه. ليس الفيلم السياسي لكن ملاحظات المخرجة تمضي في هذا الاتجاه بضربات ناعمة.
من تونس يأتي فيلم علاء الدين سليم «آخر واحد فينا» ومن بين ما شوهد من هذه الأفلام هو الأفضل في بعض جوانبه والأكثر غرابة في جميعها. تقع أحداثه في أرض مجهولة تبدأ بوصول لاجئ غير شرعي إلى غابة يعيش فيها رجل مسن بمفرده وبمعزل عن العالم بأسره وعندما يموت العجوز يرث ذلك الشاب (يعرفه الفيلم بحرف N فقط) المكان والوحدة كاملين.
الفيلم بلا حوار، والصوت الوحيد الذي نسمعه من بطله (جوهر سوداني) هو صوت صرخته ألما عندما يجرح ساقه (لاحقاً ما يطببها العجوز بنجاح) وصوت لهاثه من حين لآخر. لا يتبادل مع العجوز أي حوار. لا نعرف إذا ما كانا يفهمان بعضهما البعض لو تكلّما. هذا الصمت يعزز حضور الحالة الفريدة المنشودة ويبلور طموح المخرج التونسي في تقديم أفضل ما يمكن تحقيقه ضمن الأدوات (والميزانيات) المتاحة. إنه فيلم فريد عربياً وطموح عالمياً. أمران قلما التقيا في إنتاج عربي واحد.
الثابت في هذا المجال هو أن السينما العربية تتحرك حول عطارد الأوسكار. تدور حول كوكبه كذلك نحو 70 إلى 80 دولة أخرى. لا نتوقع هنا نفاذ أي فيلم من تلك الواردة أعلاه حتى وإن استحق بعضها ذلك. لكن إذا ما وقعت المعجزة فإن فيلم دويري هو الأقرب إليها من سواه.
هذا ليس نتيجة موقف مسبق من الأفلام العربية، بل لأن المنافسة الحقيقية ليست بين بعضها البعض، بل بين كل منها وما توفره السينمات العالمية الأخرى من أعمال دائماً ما تبدو أكثر حضوراً فنياً وثقافياً من سواها. وإذ سندخل حلبة المنافسات كافة، سيكون من المهم مقارنة ما تعرضه الأفلام العربية مع تلك المحيطة بها في الجوار (أفلام هندية ويونانية وتركية وإيرانية وإسرائيلية) وما يميّز كل أفلام الدول المتسابقة هذه السنة، وذلك في الأسابيع المقبلة.