العثور على «مختبر» لصنع المتفجرات قرب باريس

فرنسا تؤكد وجود «روابط» سورية وعراقية لثلاثة موقوفين بشبهة الإرهاب

عنصرا أمن فرنسيان في ضاحية فيلجويف قرب باريس حيث عثر على مواد متفجرة في أحد المنازل (إ.ب.ا)
عنصرا أمن فرنسيان في ضاحية فيلجويف قرب باريس حيث عثر على مواد متفجرة في أحد المنازل (إ.ب.ا)
TT

العثور على «مختبر» لصنع المتفجرات قرب باريس

عنصرا أمن فرنسيان في ضاحية فيلجويف قرب باريس حيث عثر على مواد متفجرة في أحد المنازل (إ.ب.ا)
عنصرا أمن فرنسيان في ضاحية فيلجويف قرب باريس حيث عثر على مواد متفجرة في أحد المنازل (إ.ب.ا)

عاد التهديد الإرهابي ليبسط ظله على فرنسا المنشغلة هذه الأيام بالأضرار الكارثية التي أوقعها إعصار «إيرما» في المقاطعات الفرنسية في بحر الكاريبي، وبتبعات مراسيم إصلاح قانون العمل التي أصدرتها الحكومة.
هذه المرة، لعبت الصدفة الدور الأول وقد تكون هي التي أنقذت باريس من عملية إرهابية محققة، وفق تأكيدات مصادر أمنية. وتفيد التفاصيل أن تسربا من أنابيب المياه في شقة واقعة في ضاحية فيل جويف على مدخل باريس الجنوبي دفع بمسؤولين عن المبنى إلى استدعاء عامل متخصص صباح أول من أمس.
وبما أن الأخير لم يتمكن من الدخول إلى الشقة بسبب غياب ساكنيها، فقد سعى للتعرف على الضرر من خلال أحد الشبابيك. لكنه لاحظ وجود أوان أثارت لديه شكوكا؛ الأمر الذي دفع به لإبلاغ الشرطة. ووقع رجال الشرطة على ما يشبه «المختبر» لتصنيع المتفجرات؛ إذ عثروا على كمية مائة غرام من مادة «تي إيه تي بي» جاهزة للاستخدام، إضافة إلى قوارير غاز ومواد كيميائية وأوراق مكتوبة باللغة العربية. وبحسب المصادر الأمنية، فإن رجال الشرطة عثروا كذلك على «وسائل آلية وكهربائية لإعداد طرد مفخّخ».
ما كان لهذا «الاكتشاف» إلا أن يدفع بالأجهزة الأمنية لاعتبار أن ما وقعوا عليه إنما هو تحضير لعمل إرهابي. فالمادة المتفجرة المذكورة سبق أن استخدمت في عمليات إرهابية في باريس، وهي تسمى في معجم تنظيم داعش «أم الشيطان» التي غالبا ما يستخدمها.
وما عثر عليه في باريس يشبه كثيرا ما وجده رجال الأمن الإسبان عقب العمليتين الإرهابيتين اللتين ضربتا مقاطعة كتالونيا الإسبانية في 17 و18 أغسطس (آب) الماضي. والمعروف أن مادة «تي إيه تي بي» تحضر وفق مزيج خاص من مواد يمكن شراؤها من المتاجر العادية مثل الأسيتون وماء الأكسجين ومواد حمضية. كما أن وجود قوارير غاز يدل على نية إرهابية مؤكدة، إضافة إلى وجود أسلاك كهربائية وعلب معدنية تدفع بدورها إلى الاعتقاد بوجود نية إجرامية. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد؛ إذ إن الشرطة عثرت في ضاحية «تييه» القريبة من فيل جويف، في غرفة تستخدم مستودعا، على مواد كيماوية شبيهة لتحضير المادة المتفجرة.
إزاء هذه المعطيات، عمدت الشرطة أول من أمس إلى إلقاء القبض على رجلين في مدينة كرملين بيستر المعروفة بمستشفاها المتخصص بمعالجة أمراض السرطان؛ أحدهما يبلغ من العمر 36 عاما، وهو مولود في مدينة أميان شمال باريس، والثاني عمره 47 عاما وهو مولود في تونس. وحتى عصر أمس، لم تكن الأجهزة الأمنية قد كشفت عن هويتيهما، كما لم تكشف عن هوية رجل ثالث ألقي القبض عليه أمس الخميس، وهو على علاقة بالرجلين الأولين. وبعكس هذين الموقوفين غير المعروفين لدى الأجهزة الأمنية لجهة راديكاليتهما أو تطرفهما الديني، فإن الرجل الثالث البالغ من العمر 37 عاما، كان في مرمى المخابرات الداخلية التي كانت تتابعه بسبب راديكاليته.
ككل مرة وعند استشعار وجود نية لعمل إرهابي، تتدخل النيابة العامة المتخصصة في شؤون الإرهاب التي سارعت إلى فتح تحقيق قضائي كما عمدت إلى وضع الرجال الثلاثة رهن التوقيف الاحترازي من أجل التحقيق معهم. ولم ينتظر وزير الداخلية جيرار كولومب النتائج، فسارع في حديث صحافي صباح أمس لتأكيد أن الموقوفين الثلاثة «كانوا على ارتباط بالإرهاب». وذهب كولومب أبعد من ذلك؛ إذ أشار إلى وجود «روابط مع مناطق أجنبية» وتحديدا مع «المسرح العراقي - السوري» للأشخاص الموقوفين، مستندا إلى «عدد من الروابط والاتصالات الهاتفية» تحديدا مع سوريا.
حقيقة الأمر أن المعطيات المتوافرة ما زالت غير كافية، ويتعين انتظار استكمال الاستقصاءات للتأكد مما يقوله وزير الداخلية، والالتفات إلى عاملين اثنين: الأول، أن الموقوفين الأولين غير معروفين لدى الأجهزة الأمنية بوصفهما «إسلاميين متطرفين»، فضلا عن ذلك، فإن الوزير كولومب نفسه نقل عنهما أن «المتفجرة» التي كانا بصدد تحضيرها كان الغرض منها استخدامها بعملية سطو على مصرف للحصول على الأموال وليست لعمل إرهابي. وقال كولومب إن هؤلاء الأشخاص «كانوا يريدون تفجير مكاتب مصارف للاستيلاء على أوراق مالية، وهم ينفون الطابع الإرهابي ويقولون إن الأمر من فئة اللصوصية المنظمة».
أما العامل الثاني، فمفاده أن الرجل الذي أوقف أمس والمعروف بميوله المتطرفة لا يبدو أنه على علاقة بما عثرت عليه الشرطة في الشقة من مواد كيماوية أو في مستودع ضاحية «تييه». وفي أي حال، فإن الأجهزة الأمنية تبدو أكثر تحفظا من وزير الداخلية في تناولها علاقة الأشخاص الموقوفين بـ«المسرح السوري - العراقي» وفق تسمية كولومب. لكن الثابت أن عدة مئات من الفرنسيين المتطرفين ما زالوا موجودين في سوريا والعراق، وأن عددا من العمليات الإرهابية التي ارتكبت على الأراضي الفرنسية كانت مسيرة من متطرفين فرنسيين موجودين في سوريا، وتحديدا في منطقة الرقة.
في سياق مواز، ما زالت الأجهزة الفرنسية تبحث عن احتمال وجود روابط بين المجموعة التي نفذت الاعتداءات الإرهابية في منطقة كتالونيا وبين خلايا موجودة على الأراضي الفرنسية. ومباشرة بعد اعتداء برشلونة، تم التأكد من أن السيارة التي استخدمت في عملية الدهس في منتجع كامبريلس رصدت في باريس وعلى الطريق السريعة رقم «أي 6» الذي يربط العاصمة بالحدود الإسبانية. وحتى اليوم، لا يعرف المحققون ما الذي قام به اثنان على الأقل من الشبكة المسؤولة عن الاعتداءات في إسبانيا على الأراضي الفرنسية قبل أسبوع من تنفيذها. ولدى سؤال وزير الداخلية عن وجود روابط بين ما حصل في برشلونة وبين الأشخاص الموقوفين، كان رده أن أمرا كهذا «محتمل»، مضيفا أن «إسبانيا مكان عبور للشبكات الآتية من المغرب، ومن الممكن أن تكون هناك روابط، لكنني بصراحة لا أعرف المزيد».


مقالات ذات صلة

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا اللفتنانت جنرال فيض حميد (منصة إكس)

بدء محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية

بدأ الجيش الباكستاني محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، في خطوة من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم التحديات القانونية ضد رئيس الوزراء السابق المسجون.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا أمرت النيابة العامة الفيدرالية بألمانيا باعتقال رجل يشتبه في كونه عضواً بجماعة «حزب الله» اللبنانية بهانوفر حيث يُعتقد أنه يعمل لصالحها داخل ألمانيا (د.ب.أ)

ألمانيا: إيداع سوري مشتبه في تعاطفه مع «داعش» بالحبس الاحتياطي

بعد عملية واسعة النطاق نفذتها الشرطة البافارية الأحد تم إيداع شخص يشتبه في أنه من المتعاطفين مع «تنظيم داعش» قيد الحبس الاحتياطي.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ - شتوتغارت )
آسيا شرطي يراقب أفراداً من الأقلية المسيحية الباكستانية وهم يستعرضون مهاراتهم في الاحتفال بأعياد الميلاد على أحد الطرق في كراتشي بباكستان 8 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل شخصين يحملان متفجرات بانفجار قرب مركز للشرطة

انفجرت عبوة ناسفة كان يحملها مسلحان مشتبه بهما على دراجة نارية في جنوب غربي باكستان، بالقرب من مركز للشرطة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
أفريقيا وزير الدفاع الجديد تعهّد بالقضاء على الإرهاب في وقت قريب (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

بوركينا فاسو: حكومة جديدة شعارها «الحرب على الإرهاب»

أعلن العسكريون الذين يحكمون بوركينا فاسو عن حكومة جديدة، مهمتها الأولى «القضاء على الإرهاب»، وأسندوا قيادتها إلى وزير أول شاب كان إلى وقت قريب مجرد صحافي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.