أفلام عربية حائرة بين أصولها المحلية والتمويل الأجنبي

بينما تنعم السينما السعودية بالاختلاف والتنوّع

لقطة من السباحتان  (أ-زد سلتِك فيلمز)
لقطة من السباحتان (أ-زد سلتِك فيلمز)
TT

أفلام عربية حائرة بين أصولها المحلية والتمويل الأجنبي

لقطة من السباحتان  (أ-زد سلتِك فيلمز)
لقطة من السباحتان (أ-زد سلتِك فيلمز)

ما هو مثير بالنسبة إلى السينما السعودية ليس أنها بدأت، قبل سنوات قريبة، قويّة ومدعومة وواعدة. هذا في حدِّه ممتاز، لكن المثير هو أن أفلامها مصنوعة في السعودية. أفلام وطنية. منذ أن قدّم محمود الصبّاغ «بركة يقابل بركة» ليتبعه عبد العزيز الشلاحي في «حد الطار»، وشهد أمين في «سيدة البحر»، وهيفاء المنصور في «المرشّحة المثالية»، ثم المجموعة الجديدة التي أطلقت مؤخراً أفلاماً عدّة من بينها «أغنية الغراب» لمحمد السلمان، و«سطار» لعبد الله العراك، و«طريق الوادي» لخالد فهد، و«المدرسة القديمة» لعبد الله الخميس. منذ ذلك الحين وهناك منوال صحيح لتأمين الدعم الكافي لهذه الإنتاجات من هيئة الأفلام في المملكة بالتعاون مع الشركات الخاصّة المنتجة لها.

هوية الفيلم إنتاجه

هذه أفلام عضوية في المنشأ والصناعة والعروض وتختلف عن مهام أخرى لصناديق الدعم السعودية المستعدة لمنح إنتاجية لأفلام غير سعودية.

على أن هذا التميّز لا يقف وحده، بل هناك تميّز مهم آخر متّصل به: الأفلام المذكورة وعدد آخر من الإنتاجات الوطنية ثرية بالتنوّع ما بين الدراما الجادة والكوميديا والرومانسية والرعب وسينما الطرق والرحلات. إنها سينما تحتفل باختياراتها من النصوص وأساليب العمل. السبب في ذلك يعود، ولو إلى حد معيّن، إلى حقيقة أنها أفلام تتجه إلى السوق السعودية الكبيرة أولاً كأفلام تجارية صرفة. إذا ما حققت الخطوة للعروض الخارجية، كما الحال في أفلام هيفاء المنصور ومحمود الصباغ وآخرين، كان ذلك فعلاً بديعاً، لكن في الأساس هي تعبير عن سينما وطنية.

هذه لا نجدها في التداول كثيراً هذه الأيام في سينمات عربية أخرى ولسبب مهم آخر: بات الكثير من الأفلام المنتجة يبحث عن تمويل خارجي لأنه لا توجد قدرات اقتصادية وصناعية محلية كافية.

لم يعد خافياً أن الكثير مما يلفّ مهرجانات العالم من أفلام عربية هو، في عرف احترافيٍّ محض، ليس عربياً. القول بأن هوية المخرج هي التي تمنح هوية الفيلم ليس صحيحاً. أفلام فريتز لانغ الهوليوودية ليست ألمانية تبعاً لمنشئه. أفلام ألفريد هيتشكوك الأميركية ليست بريطانية. أفلام يوسف شاهين ليست كلها مصرية لأنه مصري.

انتماء الفيلم الفعلي هو إلى التمويل الغالب. نعم يبقى لبعض الأفلام قدر من الوطنية لكنه قدر محدود لأن الشركة التي عمدت إلى تمويل الفيلم بنسبة تزيد على الثلثين هي أجنبية.

هذا الاعتماد على الإنتاج الأجنبي ازداد منذ مطلع هذا القرن، وفي المقابل باتت الإنتاجات العربية - العربية أمراً شبه مفقود منذ ذلك الحين أيضاً. انحسرت أكثر من أي وقت مضى بينما ارتفع الاعتماد على التمويل الغربي أكثر من أي وقت مضى أيضاً.

الفيلم السعودي «إنشودة الغراب» (تلفاز 11)

هذا الوضع يطول الكثير من الأفلام التي نمت في لبنان من أفلام فيليب عرقتنجي ودانيال عربيد، إلى أفلام نادين لبكي وغسان سلهب، مروراً بنحو 75 في المائة من الأفلام الأخرى.

«ذيب» و«أوديسا عراقية» و«لأجل سما» هي إنتاجات بريطانية لمخرجين عرب (إخراج ناجي أبو نوّار، وسمير جمال الدين، وعهد الخطيب، على التوالي). الكثير من أفلام المغرب العربي، مثل «أمهات»، و«نحبك هادي»، و«بابيشا»، و«ريح ربّاني»، إلخ... هي أفلام منتجة من شركات فرنسية. أفلام نادين لبكي هي شغل ألماني، كذلك أفلام التونسية كوثر بن هنية، خصوصاً فيلميها الأخيرين «الرجل الذي باع ظهره» و«بنات ألفة».

ومؤخراً شاهدنا «ولد من الجنة» لطارق صالح، و«السباحتان» لسالي الحسيني. الأول إنتاج دنماركي، والآخر بريطاني.

الدعم الفعلي

طبعاً لا يخلو الأمر من رأسمال محلّي (يسمّونه Seed Money) وفي الكثير من الحالات هناك جهات عربية داعمة بنسب متفاوتة، لكن من دون وجود الإنتاج الأجنبي فإن معظم هذه الأفلام لن يشهد نور التوزيع الخارجي والكثير منها لن يجد طريقه إلى المهرجانات وفرص الخروج بالجوائز على غرار ما حدث مؤخراً لأفلام مثل «بنات ألفة» و«على فوهة بركان» و«أم كل الأكاذيب». رأس المال الأول لهذه الأفلام تونسي ولبناني ومغربي لكن الدعم الفعلي ألماني وفرنسي.

هذا يحدث لأسباب محددة تختلف من بلد لآخر أحياناً.

على سبيل المثال، يحتاج بلد يعيش أزمات اقتصادية حافلة، مثل لبنان، إلى التمويل الخارجي. يحتاج بعض شركات الإنتاج المحلية إلى هويات أجنبية لتسهيل التسويق. كذلك يرمي المخرجون المعروفون من خلال تحقيق أفلام مموّلة من الخارج إلى تثبيت أسمائهم في تلك الأسواق الخارجية. على أن السبب الجامع يكمن في أن السوق المحلية لمعظم الدول العربية لا تكفي لتأمين التكلفة لو أُتيحت من داخل البلد ذاته، ناهيك بجني أرباح ما.

ضعف السوق العربية له أسباب أخرى من بينها صعوبة اللهجات وقلة عدد صالات السينما واختفاء التوزيع البديل وفوضى التوزيع للمنصات والمحطات التلفزيونية ثم المشكلات السياسية التي تمنع وصول أفلام بعض الدول إلى أسواق بعض الدول الأخرى.

بعض الدول (كلبنان وسوريا والعراق) تمتعت سابقاً بمثل هذه الصناعات المحلية، لكنَّ ذلك كان من قبل أن تتحوّل صالات السينما في الكثير من مدنها إلى محلات بيع ملابس أو تُهدم لصالح بناء عمارة بمرآب تحتها. هذا حدث لسبب آخر إضافي وهو حقيقة أن صالات السينما لم تعد القناة الوحيدة لعرض الأفلام، بل باتت العروض المنزلية سمة طاغية في بلاد عربية كانت حتى نهاية الثمانينات تعيش رغداً ملحوظاً.

مشهد من «الباريسية» (لو فيلم بيلييه).

الفيلم

إيضاح هذه المسببات المتآلفة والتي تشكّل عراقيل وعوائق تمنع ازدهار صناعة السينما داخل حدود الدول العربية (مفترقة أو مجتمعة) يؤدي بنا إلى دراسة ما يوفره معظم هذه الأفلام للعين الأجنبية التي للمنتج الأجنبي حق اعتمادها كدافع لتمويل فيلم ما.

هل هناك رغبة في مشاهدة فيلم يوظّف الخيال بعيداً عن الواقع على طريقة الأفلام الفانتازية الكبرى؟ هل هو بصدد قبول فيلم كوميدي ولو كان جيّداً؟ هل هو وراء الإبداع والتميّز بحد ذاتيهما؟ هل يريد فيلماً عن فرد ناجح ومجتمع سعيد؟

معظم الأفلام العربية التي وجدت طريقها للمهرجانات والجوائز عبر سنوات (بما فيها جوائز من مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا ولوكارنو وسواها) كانت من تلك التي تتناول مواضيع الأزمات التي تفتح العين الغربية على مصاعب عيش وعلى مجتمعات بائسة. تلك التي تتحدّث عن نساء منكوبات، ورجال تحت الأعباء، وبيئات غير سعيدة، ومواضيع سياسية وعاطفية تدخل في بند الممنوعات.

تبعاً لذلك، استجاب عدد كبير من الذين يكتبون عن الأفلام فباتت كتاباتهم تبحث في المضمون ولا تكترث للشكل أو الأسلوب أو العناصر الفنية ذاتها. المضمون الذي لا يصنع الفيلم مهما كان مهمّاً بل يحكيه فقط.

إنها حجارة الدومينو التي إذا أُحسن رصفها تتساقط على التوالي: المنتج بحاجة لتمويل. التمويل بحاجة لموضوع يهم المُشاهد الأجنبي. الاثنان يريدان فيلماً يُعرض في المهرجانات. الجميع لا يسأل عن الصورة الغائبة أو عن تقييم صحيح للأوضاع الاجتماعية وبالتأكيد ليس عن الوجه الإيجابي لأي شيء عربي. وفي النهاية لديك حماس بعض النقاد والكتّاب من دون تخيل أو فحص لما يدور.

مخرجون عرب حققوا مؤخراً الاختلاف عن السائد

قائمة ببعض المخرجين الذين أنجزوا أفلامهم (بصرف النظر عن تقييم نقدي) ضمن حدود السينما العربية وحدها.

شهد أمين: «سيدة البحر»، (السعودية).

محمد السلمان: «أنشودة الغراب»، (السعودية).

حكيم بلعبّاس: «لو يطيحو الحيوط»، (المغرب).

حميد بن عمرة: «كيوكو، موسم حصاد الأحلام»، (الجزائر).

رضا الباهي: «جزيرة الغفران»، (تونس).

مروان حامد: «تراب الماس»، (مصر).

يوسف الشابي: «أشكال»، (تونس).


مقالات ذات صلة

جدل «الست»... هل يثير شهية صناع الدراما لمعالجة السيّر الذاتية؟

تحليل إخباري لقطة من فيلم «الست» (حساب الكاتب أحمد مراد على موقع «فيسبوك»)

جدل «الست»... هل يثير شهية صناع الدراما لمعالجة السيّر الذاتية؟

أثار فيلم «الست» جدلاً وزخماً نقدياً مكثفاً خلال الأيام الماضية، منذ الإعلان عن صناعة الفيلم قبل أشهر عدة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)

«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

لا يقدم فيلم «فلسطيني على الطريق» عملاً وثائقياً تقليدياً عن مكان أو مسار، بل ينطلق من تجربة إنسانية تمثلت في لحظة فقد قاسية.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

لم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

قال المخرج المصري، أبو بكر شوقي، إنه يبحث دوماً عن الأفلام التي تدخله عوالم جديدة، كما في فيلميه السابقين «يوم الدين» و«هجان».

انتصار دردير (جدة )
سينما كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين.

محمد رُضا (لندن)

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
TT

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين. إنها الجوائز الأكثر استقطاباً للاهتمام بين كل المناسبات السنوية في مثل هذا الموسم. المناسبة التي باتت، منذ سنوات، محط آمال الكثير من السينمائيين، في مختلف المجالات، ومن خارج الولايات المتحدة، كما من داخلها.

القائمة القصيرة تشمل فروعاً مختلفة ليس من بينها بعد سباق الأفلام الرئيسية أو سباق الممثلين والمخرجين. هي تمهيد مثير للاهتمام يسبق الحفل الثامن والتسعين لتوزيع الجوائز يوم 15 من مارس (آذار) المقبل.

توقعات

لا بد من التذكير أنه في العام ما قبل الماضي ظهر فيلمان عربيان فقط في هذه القائمة، هما «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير (المغرب) و«أربعة بنات» لكوثر بن هنية (تونس). في العام التالي، 2024، مثّل «من المسافة صفر» الذي أشرف على إنتاجه الفلسطيني رشيد مشهراوي، السينما العربية وحيداً. أما هذا العام، فإن الأفلام المدرجة في قائمة الأوسكار القصيرة تحمل دلالة مهمّة كونها المرّة الأولى التي تدخل أربعة أفلام من إخراج سينمائيين عرب هذه القائمة معاً.

هذه الأفلام هي «كعكة الرئيس» لحسن هادي (العراق) و«كل ما بقي منك» لشيرين دعيبس (الأردن) و«فلسطين 36» لآن ماري جاسر (فلسطين) و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية (تونس).

من «كعكة الرئيس» (مايدن فوياج فيلمز)

باستثناء «كعكة الرئيس»، فإن الأفلام الثلاثة الأخرى مرتبطة بالقضية الفلسطينية كتاريخ («فلسطين 36» و«كل ما بقي منك») أو كحاضر («صوت هند رجب»)؛ ما يدل على أن المقترعين يريدون لهذه الأفلام أن تعبّر علناً عما يقع في فلسطين لدرجة أن فيلماً إسرائيلياً ناقداً للوضع المفروض على الفلسطينيين في الداخل، وهو «البحر» لشاي كارميلي - بولاك، لم يُتح له الوصول إلى هذا الخط قبل النهائي.

بما أن الترشيحات الرسمية التي ستُعلن في الثاني والعشرين من الشهر المقبل تضم، في سباق «الأفلام العالمية» خمسة أفلام فقط؛ فإنه ليس من المتوقع وجود أكثر من فيلم عربي واحد. وما هو مؤكد أنه سيكون واحداً من هذه الأفلام الثلاثة ذات الموضوع الفلسطيني.

المخرجة شيرين دعيبس (أي أم بي فايرووركس)

هذا ما يعني أن المنافسة بين أفلام كوثر بن هنية، وآن ماري جاسر وشيرين دعيبس ستكون حادّة خلال التصويت على القائمة الرسمية في الشهر المقبل.

يزيد من هذا الاحتمال وجود أفلام أجنبية مهمّة في القائمة القصيرة ستتنافس فيما بينها كما ستنافس الأفلام المذكورة في سعيها لتحقيق الوثبة صوب الأوسكار.

الأفلام الأجنبية

هناك أحد عشر فيلماً آخر تتنافس في هذا المحور، وهي:

> «صراط» (Sirat) لأوليڤر لاكس (أسبانيا)

> «العميل السري» (The Secret Agent) لكلايبر مندوزا فيلو (البرازيل)

> «لا خيار آخر» (No Other Choice) لبارك - تشان ووك (كوريا الجنوبية)

> «مناوبة متأخرة» (Late Shift) لبترا بيوندينا ڤولبي (سويسرا)

> «الفتاة ذات اليد اليسرى» (The Left‪-‬Handed Girl) لشيه تسينغ تساو (تايوان)

> «بَلِن» (Belén) لدولوريس فونزي (الأرجنتين)

> «كانت مجرد حادثة» (It Was Just an Accident) لجعفر بناهي (فرنسا)

> «باتجاه البلد» (Homebound) لنيراج غاوان (الهند)

> «كوكيهو» (Kokuho) لسانغ إلي لي (اليابان)

> «قيمة عاطفية» (Sentimental Value) لواكيم ترايير (النرويج)

الصوت النسائي

لا بد من العودة إلى الأفلام العربية ضمن هذا الجمع من الأعمال لملاحظة أن الأفلام التي تداولت الموضوع الفلسطيني، وهي، مرّة أخرى، «صوت هند رجب» و«فلسطين 63» و«كل ما بقي منك» هي من إخراج نساء (ليس من بينها فيلم رجالي)، وهذا مقابل فيلم «كعكة الرئيس» الذي حققه العراقي حسن هادي. ربما يكون ذلك تعبيراً عن اهتمام أعلى أو ربما لأن المخرجات المذكورات (بن هنية، جاسر ودعيبس) سبقن الرجال العرب في السنوات الأخيرة صوب التقاط ما هو مهم وناجح.

المخرجات العربيات جزء من حضور أكبر في هذا السباق المهم؛ إذ إن هناك سبع مخرجات في هذه القائمة التي تحتوي على 15 فيلماً. كذلك، وفي نطاق قائمة الأفلام التسجيلية الطويلة المؤلفة أيضاً من 15 فيلماً، نجد عشرة أفلام من إخراج نسائي.

ملاحظة أخيرة، وهي أن الأفلام العربية الأربعة ليست من إنتاج بلد واحد وإن انتمت، في قائمة الأوسكار كما لو كانت كذلك. «صوت هند رجب» المتقدّم باسم تونس هو أيضاً إنتاج مشترك بين فرنسا، وبريطانيا، والسعودية والولايات المتحدة. فيلم آن ماري جاسر الذي يرفع الراية الفلسطينية يُداخله تمويل سعودي، وقطري، وفرنسي، وبريطاني، وسويدي، وأسترالي ونرويجي. كذلك الحال مع «كل ما بقي منك»؛ إذ بجانب نسبة تمويل أردنية هناك مشاركة سعودية، ومصرية، وقطرية، وألمانية، ويونانية وأميركية.

أما «كعكة الرئيس»، فتمويله الأساسي ورد من قطر والولايات المتحدة.


شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
TT

شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)

والأسماك تطير فوق رؤوسنا ★★★★And the Fish Fly Above Our Heads

• إخراج: ‪ ديما الحر‬

• لبنان | تسجيلي

• عروض 2025: مهرجان مراكش

تؤلف المخرجة اللبنانية ديما الحر فيلمها الجديد من أشباح مدينة بيروت القابعة على شاطئ البحر. حين تنتقل إلى داخل تلك المدينة تكشف عن حزنها حتى من دون أن تصوّره في نماذج وقصص. يفتقد الفيلم ما كانت عليه يوماً ويلمح لما هي عليه الآن.

ما ينصبّ اهتمام المخرجة عليه هم رجال وحيدون جعلوا البحر صديقهم الوحيد. بغياب أمل ما، حلم فقد طريقه أو حب جرفته الأيام بعيداً لمدينة أو لإنسان، يُمضي رضا وعادل وعلي أيامهم على ذلك الشاطئ. لا شيء آخر يشدّهم كما البحر في صفائه أو في هيجانه. لا شيء يحرّكهم بعيداً سوى العودة إلى داخل المدينة التي تؤويهم ليلاً. لا تعرض المخرجة مشاهد لهم وهم يغادرون البحر ولا منازلهم وكيف يعيشون ومع مَن، بل تنتقل من نهار بارد إلى آخر مع رجال يرتدون لباس البحر ويستلقون فوق صخوره أو يقفزون إليه.

تتناول المخرجة بنجاح لافت هذه الشخصيات التي باتت تعيش على الهامش. يبتسمون أحياناً لكن كلماتهم لا تخفق في فتح دواخلهم الحزينة. يتذكرون وربما يضحكون أحياناً لكنه الضحك الذي يُخفي الحزن. وبينما تُمضي الكاميرا وقتاً طويلاً بصحبة هؤلاء (منفردين غالباً) تتيح كذلك النظر إلى المدينة في وصفٍ لا يحتاج إلى كلمات. كل هذا لأن «والأسماك تطير فوق رؤوسنا» ليس فيلماً عنها بل عن نماذج بشرية هجرتها الروح وأقبلت على البحر كأملٍ وحيد باقٍ.

العنوان ممتزج بمشهد مؤلَّف على نحو تجريبي جيد يعكس وصف من يغطس في الماء بعيداً إلى أن تصبح الأسماك بمنزلة طيور تحلِّق فوق رأسه. نرى البحر في لقطة تميل مقلوبة على نفسها حتى يصبح البحر فوق والمدينة تحتها. تعبير جميل لفيلم معنيّ بتعابيره متحدّثاً عن شخوص تعيش بمنأى عن كل شيء آخر.

ضع روحك على يدك وامشِ★★★★ PUT YOUR SOUL ON YOUR HAND AND WALK

• إخراج: زبيدة فارسي

‫• فرنسا | تسجيلي | ألوان (110 د) ‬

• جائزة «غولدن أثينا» في مهرجان أثينا.

مثل فيلم كوثر بن هنية «صوت هند رجب» يعمد هذا الفيلم إلى إيجاز حياة أنثى في أثناء النكبة الكبرى المتمثّلة في العدوان الإسرائيلي على غزّة. مثله أيضاً تنتهي حياة تلك الأنثى بالموت قتلاً. أكثر من ذلك، يتشابه الفيلمان في أنهما يعمدان إلى توظيف الحقائق وسردها عبر تواصل بين جهتين تتابعان ما يحدث من لحظة التقاط كل فيلم شخصيّته حتى موتها. كل ما في الأمر أن فيلم بن هنية روائيٌّ، وفيلم فارسي تسجيليٌّ.

«ضع روحك على يدك وامش» (Rêves d‪’‬Eau Produtions).

فارسي مخرجة إيرانية خرجت من السجن السياسي في إيران لانتقادها النظام عندما كانت تعمل داخل بلادها. انتقلت للعيش والعمل في باريس. بعد عدّة أفلام تناولت فيها جوانب الحياة في بلدها اختارت أن تقدّم هذا الفيلم التسجيلي القائم على ما تبادلته عبر الكمبيوتر والهاتف مع المصوّرة الصحافية فاطمة حسّونة.

لم تكن أي منهما تعلم أن حياة حسّونة ستنتهي بعد يومين من إعلان قبول الفيلم للعرض في مهرجان «كان» (حيث شهد عرضه العالمي الأول) بسبب قصف جوي نالها وأفراداً من عائلتها. لكن فاطمة، ابنة الخامسة والعشرين ومن خلال المكالمات المصوّرة مع المخرجة، تتنبأ بقرب نهايتها؛ فالموت والحياة يتجاوران كل يوم.

عنوان الفيلم مأخوذ عن عبارة تذكرها فاطمة في أحد المشاهد واصفةً حالها، وهي تسجّل بكاميرتها مدينة تم تدميرها بإمعان وقسوة. تصف حالها وحال من تراه يوماً ثم يغيب عنها في يوم آخر. فاطمة ذات ابتسامة عريضة دائمة لكن ما يتفاعل في داخلها يخرج في لحظات مؤثرة. هذا فيلم يقصد أن يبلغ رسالته على نحو مباشر لأنه لا مجال لنحو آخر.

فتاة عسراء ★★★LEFT‪-‬HANDED GIRL

• إخراج: شي-تشينغ تساو

• تايوان، فرنسا، الولايات المتحدة | دراما

• عروض 2025: ترشيحات الأوسكار.

هناك هجرة من بلد لآخر (أو من قارة لأخرى أيضاً) وهجرة داخلية من الريف إلى المدينة أو العكس. ما تختار المخرجة تساو سرده هو حال ومشكلات عائلة مؤلّفة من أم وابنتيها من قرية ريفية إلى مدينة تايباي بهدف الانتماء والعمل.

«فتاة عسراء» (Cinema Inutile)

تفتتح الأم شو (جانل تساي) مطعم «نودلز» في سوق مكتظة لكن العيش في مدينة كبيرة له تأثيران مختلفان. بالنسبة إلى الفتاة الكبرى آي آن (شي- يوان ما) تمثّل المدينة مرحلة مهمّة في حياة المراهقة التي تريد أن تعيش سنوات حياتها كما تراها: فرصة لممارسة حرّيتها. أما بالنسبة إلى آي جينغ (نينا يَ) ذات السنوات الخمس فإن الوقت مبكر جداً لكي تتأثر بعوارض الاغتراب. هي الفتاة المعنية بالعنوان التي يخبرها جدّها بأن استخدام اليد اليسرى كعادتها يُعد فعلاً شيطانياً. كونها محوراً فعلياً بين شخصيات الفيلم لا يعني أن هناك الكثير مما يقع لها. اهتمام المخرجة بها هو جزء من اهتمامها بما يقع لهذه العائلة الصغيرة والتوتر الذي يسود العلاقة بين الأم وابنتها الكبيرة.

الفيلم من كتابة وتوليف المخرج الأميركي شون باركر (أربع أوسكارات العام الماضي عن فيلمه Andora) وسبق له التعاون مع المخرجة تساو التي قامت بإنتاج بعض أعماله. يُحسن باركر توليف فيلم جيد وسريع الانتقال بين مشاهده، لكنَّ السيناريو يميل إلى ميلودرامية مفرطة ويشبه في تكوينه أفلاماً آسيوية معنية بأشكال استعراضية وبأحداث تفيض عن الحاجة من بينها نهاية غير متوقعة تبدو دخيلة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
TT

«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)

منذ عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي، وصولاً إلى عرضه الخاص في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة الأسبوع الماضي، أثار فيلم «صوت هند رجب» نقاشاً واسعاً؛ لاعتماده على الصوت بوصفه مركز التجربة السينمائية، وهو عمل توقفت عنده منصات سينمائية عالمية لكونه فيلماً يختبر قدرة مكالمة هاتفية على حمل مأساة كاملة، عبر السرد السمعي وحده.

وفي هذا الأسبوع، يصل الفيلم إلى صالات السينما السعودية ومجموعة من الدول العربية، حاملاً معه ذلك الصدى العالمي، ومطروحاً أمام جمهور جديد يترقّب عرضه يوم الخميس 18 ديسمبر (كانون الأول). الفيلم من كتابة وإخراج كوثر بن هنية، المرشحة مرتين لجوائز الأوسكار، وقد فاز بـ«جائزة الأسد الفضي» وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي. كما نال تكريمات في مهرجان سان سيباستيان، محققاً أعلى تقييم في تاريخ المهرجان، إلى جانب مشاركته في مهرجان شيكاغو السينمائي، مما أسهم في ترسيخ حضور الفيلم بوصفه أحد أكثر الأفلام غير الإنجليزية تداولاً خلال العام.

المكالمة الهاتفية... نقطة البداية

ينطلق «صوت هند رجب» من واقعة حقيقية شهدها قطاع غزة في يناير (كانون الثاني) 2024، حين حوصرت الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الأعوام الستة، داخل سيارة تعرّضت لإطلاق نار في أثناء محاولتها الخروج من المدينة برفقة أفراد من عائلتها. ومع تعقّد المشهد الميداني، تتواصل الطفلة عبر الهاتف مع متطوعي الهلال الأحمر، فيما تتتابع محاولات التنسيق للوصول إليها. من هذه اللحظة، يتشكّل البناء السردي للفيلم، حيث يصبح الصوت مساحة الحكاية الوحيدة، ويتحوّل الانتظار إلى عنصر درامي قائم بذاته.

تختار المخرجة التونسية، كوثر بن هنية، أن تضع الهاتف في قلب التجربة السينمائية، وأن تمنح الصوت وظيفة تتجاوز كونه وسيطاً تقنياً إلى كونه حاملاً للزمن والقلق والمعنى. الكاميرا تتابع محيط الحدث، وحركة المسعفين، ومسارات التنسيق المتشابكة، فيما يبقى مركز الثقل معلقاً عند الطرف الآخر من الخط. هذا البناء يفرض على المشاهد حالة إصغاء مستمرة، ويضعه في موقع المشاركة الشعورية، حيث تتقدّم الدقائق بثقلها وتتراكم الأسئلة مع كل محاولة وصول مؤجلة.

يركز الفيلم على عجز المسعفين على إنقاذ الطفلة التي تستنجد بهم (أ.م.د.ب)

اختبار العجز الإنساني

في مقاربته الحدث، يختار «صوت هند رجب» مساراً إنسانياً يركّز على الفعل ذاته: الاستغاثة، والمحاولة، والسعي للوصول. هذا التركيز يمنح الفيلم بعداً إنسانياً، ويجعله مفتوحاً على تلقي جمهور واسع يرى في القصة اختباراً أخلاقياً لمعنى الإنقاذ حين تتشابك الظروف وتتأخر الاستجابة. هنا، تتحول السينما إلى مساحة تأمل في حدود الفعل الإنساني، وفي المسافة بين النداء والاستجابة.

كوثر بن هنية، التي راكمت حضوراً بارزاً في المشهد السينمائي الدولي خلال السنوات الماضية، تواصل في هذا العمل مشروعها الفني القائم على مساءلة العلاقة بين الواقع والتمثيل، وذلك بعد أفلام لاقت اهتماماً عالمياً مثل «الرجل الذي باع ظهره» و«بنات ألفة»، حيث تأتي هذه التجربة لتؤكد انشغالها بتحويل الوقائع المعاصرة إلى بناء سينمائي متزن، يعتمد على الشكل بوصفه مدخلاً للفكرة. ففي هذا العمل يظهر هذا الوعي في الاختزال السردي، وفي الثقة بقدرة الصوت على حمل الثقل الدرامي.

يشارك في بطولة الفيلم مجموعة من الممثلين، من بينهم سجا كيلاني، ومعتز ملحيس، وكلارا خوري، وعامر حليحل، في أدوار تتوزع بين محيط الحدث ومسارات التواصل ومحاولات التنسيق، وكل ذلك يحدث في مكان واحد، على مدى ساعة ونصف هي مدة الفيلم، حيث تتحرك الشخصيات ضمن سياق جماعي، تتكشف ملامحه عبر الأصوات وردود الفعل أكثر من الأداء القائم على الصورة.

الصوت في الصدارة

يبرز الصوت في الفيلم بوصفه الشخصية الأهم: صوت الطفلة، وأصوات المسعفين، وأصوات المتطوعين، جميعها تتحول إلى مكوّنات درامية تحمل الخوف والارتباك والأمل المؤجل... ومع امتداد التجربة من دون ذروة تقليدية، يبقى المشاهد داخل حالة توتر مستمرة تعكس طبيعة الحدث، وتمنح العمل ثقله الأخلاقي.

وخلال عرضه الخاص ضمن الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حظي الفيلم بتفاعل لافت داخل القاعة الرئيسية. فالعرض، الذي اقتصر على مناسبة واحدة فقط، نفدت تذاكره سريعاً، واختُتم بوصلة تصفيق امتدت لنحو 4 دقائق، في مشهد عبّر عن حجم الأثر الذي تركته التجربة لدى الجمهور، وسط تفاعل عاطفي عكس ثقل الموضوع وطبيعة المعالجة التي يفرضها الفيلم على مشاهديه.

في سباق الأوسكار

يمثّل الفيلم الترشيح الرسمي لتونس في فئة أفضل فيلم دولي ضمن سباق جوائز الأوسكار لعام 2026، في منافسة تضم أعمالاً من 86 دولة، وهذا السياق يضع العمل ضمن مسار شديد التنافس، تتقاطع فيه القيمة الفنية مع طبيعة الموضوع ونمط التلقي، مدعوماً بخبرة مخرجته والأصداء التي رافقت عروضه الأولى.

في المحصلة، يقدّم «صوت هند رجب» تجربة سينمائية تنتمي إلى سينما الذاكرة والتوثيق الإنساني، حيث يتحول الصوت إلى أداة لحفظ الأثر، وتصبح المكالمة الهاتفية سجلاً زمنياً للحظة كاملة. ومع وصوله إلى صالات السينما السعودية، يفتح الفيلم مساحة جديدة للنقاش حول دور السينما في مقاربة المآسي المعاصرة، عبر الإصغاء، والتأمل، وتثبيت الذاكرة بوصفها فعلاً ثقافياً وإنسانياً.