لن يكون مسموحاً في المستقبل بشن إضراب في عدة قطاعات بالجزائر، بعد صدور مرسوم وقّعه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، يحدد لائحة تتضمن الأنشطة التي يمنع فيها التوقف عن العمل، لأي سبب كان. وهو الإجراء الذي دفع 30 نقابة إلى الاحتجاج بشدة، عندما كشفت الحكومة عن ترتيباته في أبريل (نيسان) الماضي.
وصدر «المرسوم المحدد للوظائف الممنوع على منتسبيها شن إضراب»، بالجريدة الرسمية، الاثنين، ويتعلق الأمر بالعدل والداخلية والدفاع المدني والشؤون الخارجية، والمالية والشؤون الدينية والطاقة والنقل، والزراعة والتعليم والتكوين، وهي قطاعات يسميها النص الحكومي «قطاعات استراتيجية وحساسة من حيث السيادة»، وبأنها «ذات أهمية حيوية للأمة»، كما يشدد على أن قطاعي الدفاع والأمن يمنع فيهما الإضراب أيضاً.
ويعرض النص تفاصيل بخصوص الفئات التي يحظر عليها الاحتجاج بالتوقف عن العمل؛ حيث ذكر القضاة الموظفين المعينين بمرسوم، أو الموظفين الذين يشغلون مناصب في الخارج، ومستخدمي مصالح الأمن وأعوان الأمن الداخلي، المكلّفين مهام حماية المواقع والمؤسسات، ومستخدمي مصالح الدفاع المدني، وأعوان مصالح استغلال شبكات الإشارة الوطنية في الوزارتين المكلفتين الداخلية والشؤون الخارجية، والأعوان الميدانيين العاملين في الجمارك وأسلاك إدارة السجون.
يضاف إليهم أئمة المساجد ومراقبو الملاحة الجوية والبحرية، والعاملون في المؤسسات التي تحتوي على منشآت حساسة واستراتيجية، ومستخدمو مراكز مراقبة المنشآت والتحكم عن بعد في المنظومة الوطنية الكهربائية والشبكات الطاقوية، والأعوان المنتمون للأسلاك الخاصة بإدارة الغابات، ومديرو المؤسسات العمومية للتعليم الوطني، وموظفو التفتيش في قطاعات التعليم والتكوين المهني.
وساقت الحكومة عن طريق هذا النص مبررات منع الإضرابات، وهي «الحفاظ على استمرارية المصالح العمومية الأساسية، وضمان توفير الاحتياجات الأساسية للبلاد والسكان، والتي يمكن أن يؤدي انقطاعها إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر، أو بالإمكان أن يؤدي الإضراب من خلال آثاره إلى أزمة خطيرة».
ويأتي المرسوم في سياق ترسانة قانونية جديدة وضعتها الحكومة، بداية بمراجعة «قانون ممارسة الحق النقابي» الذي صادق عليه البرلمان في أبريل الماضي، وكان الدافع إليها «تحقيق توازن بين الحق في الإضراب والحقوق الدستورية الأخرى، وأبرزها حق استمرار أداء الخدمة العمومية ومصالح العمال»، وفق تصريحات وزير العمل فيصل بن طالب يومها. كما أكدت الحكومة أن من أسباب مراجعة القانون «كثرة الإضرابات المخالفة للتشريعات المعمول بها». فمن سنة 2013 إلى 2022، أحصت 2173 إضراباً «غير قانوني»، ما يعادل -حسبها- توقف النشاط لمدة 8 ملايين يوم، وقالت إن المؤسسات والإدارات التي قامت فيها هذه الإضرابات «تكبدت خسائر مالية كبيرة بسبب شل نشاطها».
ودافع الوزير نفسه عن مشروع الحكومة، وقال للصحافة إنه «لا يحمل أي شكل من أشكال التضييق، أو عرقلة ممارسة الحق في الإضراب؛ بل يرمي إلى تنظيم هذا الحق الدستوري، وتكريس الحقوق الأخرى والواجبات المنصوص عليها في الدستور».
ويعد التعليم والصحة من أكثر القطاعات التي تشهد إضرابات متكررة خلال العام؛ حيث تطرح فيهما بحدة عشرات المطالب، تخص رفع الأجور واستحداث منح وعلاوات جديدة، وتحسين ظروف العمل. وتضمن القانون حل النقابات التي تدعو إلى إضرابات وتنظمها: «إذا كانت مفاجئة أو مفتوحة أو متقطعة أو تضامنية، أو التي تنظم لأسباب أو مطالب غير اجتماعية ومهنية».
وأبدت 30 نقابة من القطاعات التي منعت الحكومة الإضرابات فيها، اعتراضاً قوياً على هذه الإجراءات التي عدتها «سياسية الهدف منها إحكام الأقفال على حقوق يكفلها الدستور، وبالخصوص الحق في الإضراب». أما الحزب الوحيد في البرلمان الذي تحفظ على هذه الإجراءات، فهو «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المعارض، في مقابل تأييدها من طرف حزب «جبهة التحرير الوطني»، المؤيد لسياسات الحكومة.