أسواق حمص التاريخية تتعافى ببطء من سنوات الحرب

أجزاء كبيرة من المدينة تعرّضت للدمار

TT

أسواق حمص التاريخية تتعافى ببطء من سنوات الحرب

أسواق حمص بدأت تستعيد حركتها (الشرق الأوسط)
أسواق حمص بدأت تستعيد حركتها (الشرق الأوسط)

في صالونه للحلاقة الرجالية الكائن في سوق حمص القديمة، يقف سمير قصيراوي أبو تمام (67 عاماً) أمام «صالون وديان» الذي يعود تاريخه إلى 140 عاماً، يمارس مهنة تصفيف الشعر منذ 50 سنة، توارثها عن آبائه وأجداده، في حين يجمع عمال الركام ويرفعون الحجارة وينظّفون جدراناً سوداء اللون من باقي المحال التجارية المجاورة، في خطوة لإعادة السوق التاريخية المهجورة لمدينة حمص إلى ما كانت عليها قبل الحرب.

أسواق حمص بدأت تستعيد حركتها (الشرق الأوسط)

وفي سوق «عوينة الحمة»، إحدى أسواق حمص التراثية الواقعة في جهتها الجنوبية، وتعود تسميتها لوجود نبع كبريتية لمداواة «الحمة» عند الأطفال، قرر مصفّف الشعر أبو تمام فتح صالونه، وهو الوحيد من بين مئات المحال المجاورة المغلقة التي تضرّرت جراء استمرار الحرب في هذا البلد منذ 14 عاماً، بانتظار عودة أصحابها ومهنهم بعد سقوط النظام السابق، وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد.

أيوبي ومملوكي

ويروي قصيراوي لـ«الشرق الأوسط» كيف أُجبر على ترك صالونه وإغلاقه نحو 7 سنوات بين أعوام 2015 و2022، بعدما ضيّقت قوات النظام الموالية للرئيس المخلوع بشار الأسد، الخناق على أصحاب المحال التجارية في هذه السوق، ويقول: «يقع محلي في بداية السوق من جهتها الجنوبية، ونصبت قوات النظام البائد حاجزاً يفتّشون كل من يدخل ويأتي، الأمر الذي تسبّب في ترك العمل وبقيت دون عمل لسنوات».

وعلى الرغم من دمار منزله والجزء الأكبر من هذا المحل قرّر إعادة افتتاحه، وأعرب عن أنه «متفائل كثيراً بعد سقوط النظام، وإن شاء الله ترجع أسواق حمص إلى أحسن مما كانت».

أسواق حمص تعرّضت لأضرار كبيرة من جراء الحرب (الشرق الأوسط)

وأبو تمام فقد أكبر أبنائه بعدما اعتقلته أجهزة المخابرات السابقة سنة 2012، وتُوفي تحت التعذيب في العام نفسه، مثل حال الكثير من السوريين الذين ذاقوا الأمرَّيْن خلال سنوات حكم الأسد، حيث يقع محله في كتلة الأسواق الأثرية في مدينة حمص القديمة المسقوفة، ويعود تاريخها إلى العهدَيْن الأيوبي والمملوكي، وبُنيت وفق الطراز المعماري المملوكي ذات القناطر المزدانة بالنجوم الزخرفية. غير أن كثيراً من المحال والأسواق التجارية تضرّرت نتيجة نيران المعارك القتالية التي دارت في المدينة القديمة، في حين تعرّض قسم منها لأضرار الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير (شباط) 2023.

ياسر الطيباني، وهو أحد أوائل تجار الأحذية العائدين بعد تحرير مدينته حمص القديمة إلى السوق، المعروفة شعبياً بـ«السوق المقبي»، يقول لـ«الشرق الأوسط» كيف تخلّى عن تجارته وإغلاق المحل جرّاء قساوة الحرب قبل سنوات، «هذا المحل يعود تاريخه إلى عام 1875 توارثناه من والد جدي، وكان متجري مثل حال أغلب المحال تعرّض للدمار بشكل جزئي كما كل أسواق حمص»، مشيراً إلى أن استقرار الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية ينعكس على حركة البيع والشراء، «قبل سقوط النظام كل شيء كان غالياً ويفوق قدرة المواطنين، أما اليوم فأغلى قطعة في المحل تساوي 100 ألف»، التي تعادل 10 دولارات أميركية.

بضائع في إحدى أسواق حمص تنتظر المتسوقين (الشرق الأوسط)

وتشبه أسواق حمص القديمة مثيلاتها في مدينتي دمشق العاصمة وحلب الاقتصادية، إلا أنها أصغر حجماً، وتتضمّن 15 سوقاً وعشرات الشوارع الأثرية و982 محلاً، وفق المديرة العامة للآثار والمتاحف في حمص.

دمار هائل

وفي هذه السوق، وعلى الرغم من هطول أمطار في أجواء شتوية، صدحت أصوات الباعة أمام محالهم وبسطاتهم الشعبية، مع مرور زبائن يتبضعون ولو بشكل خجول نسبياً، ليعود التنافس التجاري إلى هذه السوق المسقوفة، وتضم أسواق الملبوسات وصناعة الفرور العربية والنسيج والقيصرية، وغيرها من الأسواق التي استأنفت نشاطها التجاري.

بضائع في إحدى أسواق حمص تنتظر المتسوقين (الشرق الأوسط)

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار السلع والملابس والأحذية ومشتقات الوقود ووصولها إلى أسعار قاربت ما كانت عليه قبل سقوط الأسد، في 8 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، غير أن الكثير من السوريين نقلوا بأن هذا الوضع أفضل بكثير مما كانت عليه سوريا سابقاً، وقالت ميساء الحمصي التي كانت تشتري لفحات صوفية وجوارب سميكة لتقاوم البرد القارس، إن هذا الشتاء «ولأول مرة دافئ وجميل، وإن كل شيء أفضل من ذي قبل، الجميع متفائلون للغاية منذ سقوط الأسد وهروبه».

وبالقرب من ميدان الساعة الجديدة أحد معالم حمص الشهيرة التي كانت تُعد نقطة تماس بين قوات المعارضة والقوات الموالية للأسد خلال معارك المحافظة، ينشغل العمال والورشات التابعة للمحافظة والبلدية برفع الحجارة من أمام أحد مداخل السوق القديمة.

أما ميلاد الذي كان برفقة زوجته ويتجولان في السوق القديمة وشقّا طريقهما إلى ميدان الساعة الجديدة، نقلا أن هذه الأيام كانت حلماً وقد تحقق: «كان حُلمي إني أمشي بالأسواق دون خوف وحواجز أمنية، الحمد لله يا رب وتكون الأيام المقبلة أحسن بكثير».

سوق الفرو

وفي سوق الفرو والمصنوعات النسيجية، أعاد عبد الباسط (52 عاماً) افتتاح ورشته ذي الجدران المبنية من الحجر الأسود، التي ورثها مهنة عن والده وجده، وأخبر بأنه عندما عاد إلى المحل وبدأ تعليق معداته وأدواته في صناعة هذه الحرفة اليدوية: «شعرت وكأنني عدت 20 عاماً إلى الوراء، وكأن المكان استعاد روحه»، وأكد هذا الحرفي أن نسبة الدمار بعد سقوط النظام كانت تُقدّر بنحو 90 في المائة وصُدم مثل غيره من هول المشاهد التي حلّت بالسوق، ليقول: «على أمل إني أرجع أشوف الجيران فتحوا وعادوا إلى مصالحهم، للأسف طلع نسبة الدمار نحو 90 في المائة من السوق كلها مدمرة ما في حجر على حجر».

بضائع في إحدى أسواق حمص تنتظر المتسوقين (الشرق الأوسط)

يُذكر أن السوق الأثرية لمدينة حمص تتربع على مساحة تشكل 4 في المائة من مساحة المدينة القديمة، وتمتاز بشوارعها الأسطوانية، وسقوفها الملونة وعقودها المقببة الضخمة وقناطرها الحجرية؛ حيث بدأت أعمال الترميم بعد الزلزال الذي ضرب سوريا قبل عامَيْن، بإشراف وتنسيق بين مديرية الآثار والمتاحف بحمص وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للحفاظ على طابعها الأثري.


مقالات ذات صلة

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز) play-circle

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

قال وزير الخارجية التركي، السبت، إن قوات سوريا الديمقراطية تستمد جرأتها من إسرائيل، مشيراً إلى أنها لم تتحرك يوماً مع المعارضة ضد نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (أرشيفية - رويترز)

الشرع: سوريا لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي طائفة

أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم (السبت)، أن الدولة لا تحمل أي نزعات إقصائية أو ثأرية تجاه أي مكوّن.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج الرئيس السوري يتسلم أوراق السفير الإماراتي الحبسي بحضور أسعد الشيباني وزير الخارجية (وام)

سفير الإمارات يقدّم أوراق اعتماده للرئيس السوري في دمشق

عيّنت الإمارات حمد الحبسي سفيراً ومفوضاً فوق العادة للبلاد لدى سوريا، الذي قدم أوراق اعتماده إلى الرئيس السوري أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (دمشق - أبوظبي)
المشرق العربي الرئيس السوري خلال مشاركته في ذكرى إسقاط النظام السابق بدمشق يوم 8 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)

الشرع يلتقي 200 شخصية من محافظتي اللاذقية وطرطوس.. ويقدّم تطمينات

عقد الرئيس السوري أحمد الشرع اجتماعاً في دمشق، السبت، مع وفد من أبناء الطائفة العلوية، واستمع إلى مطالبهم.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي عناصر أمن سورية (الداخلية السورية)

مقتل أميركيين في هجوم «داعشي» قرب تدمر... والمُنفذ فرد من الأمن السوري

قُتل ثلاثة أميركيين هم جنديان ومترجمهما المدني، وأصيب آخرون، السبت، في إطلاق نار استهدف وفداً عسكرياً مشتركاً أميركياً - سورياً، قرب مدينة تدمر وسط سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إسرائيل تغتال قيادياً بارزاً في «القسام»

فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
TT

إسرائيل تغتال قيادياً بارزاً في «القسام»

فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)

تواصل إسرائيل الاستفادةَ من التشوش الذي يحيط بخطة «سلام غزة»، بتحقيق مكاسب على الأرض، كما فعلت أمس، باغتيال القيادي في «كتائب القسام» رائد سعد، في غارة استهدفت مركبة، غرب مدينة غزة، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، وذلك في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع حركة «حماس» منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكَّدت مصادرُ فلسطينية اغتيالَ سعد، إلى جانب رياض اللبان، رئيس جهاز الأمن وحماية الشخصيات في حكومة «حماس»، وكذلك 3 نشطاء بارزين آخرين.

وحسب قناة «12» العبرية، فإنَّه أُطلق على العملية اسم «العشاء الأخير».

من جهة أخرى، قال مسؤولون إسرائيليون إنَّ الإدارة الأميركية تخطِّط لأن يبدأ عمل القوة الدولية متعددة الجنسيات في القطاع اعتباراً من الشهر المقبل، من دون خطة واضحة بشأن سلاح «حماس»

وقالت هيئة البث الإسرائيلية (كان 11) إن ممثلي الإدارة الأميركية قدَّموا تفاصيل أولية عن الهيكلية المقترحة لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة.


«حزب الله» يجزِّئ ذراعه المالية هرباً من العقوبات الدولية


أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

«حزب الله» يجزِّئ ذراعه المالية هرباً من العقوبات الدولية


أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

بدأ «حزب الله» بتجزئة ذراعه المالية «مؤسسة القرض الحسن» هرباً من العقوبات والضغوط الدولية والمحلية لإغلاقها، وذلك عبر إنشاء مؤسسة معنية ببيع الذهب بالتقسيط، بديلاً عن رهن الذهب الذي كانت تعتمده «القرض الحسن»، وهو ما يُنظر إليه على أنَّه «سياسة تموضع قانوني».

وقالت مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط» إنَّه من المستبعد أن يُرضي هذا الإجراء وزارة الخزانة الأميركية التي تطالب لبنان بإغلاق المؤسسة، ووضع حد للانفلات بالاقتصاد النقدي، مضيفةً أن «تغيير الشكل لن يُرضي الأميركيين، ما دام الأصل لا يزال قائماً».

في غضون ذلك، سُجّل اشتباك غير مباشر بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي في جنوب الليطاني بجنوب لبنان، حين أصدرت إسرائيل إنذار إخلاء لمبنى فتَّشه الجيش اللبناني صباحاً، فيما أسهمت الاتصالات في تجميد القصف «مؤقتاً» إلى حين تفتيشه مرة أخرى من الجيش الذي لم يعثر على أي أسلحة فيه.


تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
TT

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)

قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، اليوم السبت، إن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تستمد جرأتها من إسرائيل، مشيراً إلى أنها لم تتحرك يوماً مع المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ونقلت وكالة «الأناضول» للأنباء عن فيدان قوله إن ما يجري في جنوب سوريا «ربما يشكل حالياً أكبر منطقة خطر بالنسبة لنا. فالمشكلة في الجنوب لا تكمن بحد ذاتها في حجمها، بل في تحوّل إسرائيل إلى طرف متدخل، ما يخلق منطقة خطر».

وأكد فيدان أن ملف إلقاء تنظيم حزب العمال الكردستاني للسلاح «يسير بشفافية عالية وبشكل جيد جداً من جانب تركيا... لكن لا نسمع أي جملة عما يعتزم التنظيم القيام به».

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية ذكي آق تورك، أمس الجمعة، إن بعض الدول تشجع قوات «قسد» على رفض إلقاء السلاح وعدم الاندماج في صفوف الجيش السوري، نافياً نية بلاده شن عملية عسكرية في سوريا.

وأكد المتحدث خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أنه «لا جدوى من محاولات قسد لكسب الوقت ولا خيار آخر أمامها غير الاندماج بالجيش السوري»، مؤكداً أن أنشطة قوات سوريا الديمقراطية تضر بجهود تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا.

ونفى المتحدث ادعاءات بأن الجيش التركي يستعد لعملية عسكرية في سوريا، مؤكداً أن التحركات الأخيرة للجيش التركي كانت في إطار «عمليات تناوب اعتيادية للوحدات».

وأشار المتحدث إلى أن تركيا سبق أن أعربت عن تطلعها لاندماج «قسد» في الجيش السوري أفراداً، وشدد على أنه يجب متابعة تحركات «تنظيم قسد وأنشطة الجيش السوري».

كان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع اتفاقاً مع مظلوم عبدي قائد «قسد» في العاشر من مارس (آذار) الماضي لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا لكن لم يتم التنفيذ حتى الآن.