منذ الانهيار السريع لحكم الأسد، عُثر في مناطق مختلفة من سوريا على كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون المكدَّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، لتؤكد التقارير حول دور النظام السوري في صناعة هذه المادة المخدرة المحظورة، وتهريبها إلى دول العالم.
وأفادت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية بأن هناك موقعين رئيسيين: أحدهما فيلا خاصة بالقرب من الحدود اللبنانية، والآخر مصنع للكبتاغون في ضاحية خارج دمشق. وأفادت مراسلة الشبكة بأن «ما يلفت انتباهك هو الرائحة. إنها لاذعة ومعدنية وتلتصق بأنفك».
ويقول الحراس في الفيلا بالقرب من الحدود اللبنانية، إن رائحة الكبتاغون تسبب لهم الصداع. وأحرقوا مخزون حبوب الكبتاغون الذي اكتشفوه؛ لكنهم احتفظوا بالمواد الخام، من براميل الكافيين، والأكياس المكدسة مما يشبه الطحين قليلاً، والكحول؛ وقالوا إنهم تلقوا نصيحة بأنها قد تكون مفيدة للأدوية.
واستولى مقاتلو الفصائل على قواعد عسكرية ومراكز توزيع منشطات يدخل في تركيبها الأمفيتامين. وفي هذا الصدد، يقول «أبو بكر»، وهو جندي من «هيئة تحرير الشام» للشبكة البريطانية: «في إدلب، أي شخص يشارك في مثل هذه الأنشطة يتم طرده من المدينة». وتقول المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» إنهم عثروا على كمية هائلة من المخدرات وتعهدوا بإتلافها. ويقول «أبو بكر»: «لكننا كنا نعلم بطبيعة الحال ما كان يحدث في بقية أنحاء سوريا ومع النظام. كان النظام مفلساً والاقتصاد ميتاً. لذا فقد موَّلوا أنفسهم بأموال المخدرات».
فيلَّا «الرجل الكبير»
وأفادت الشبكة البريطانية اليوم (الثلاثاء) بأن هذه الفيلا كانت مملوكة لضباط من الفرقة المدرعة الرابعة في سوريا، والتي كان يديرها شقيق الأسد، ماهر. ويقول حراس «هيئة تحرير الشام» إن الفيلا كان يديرها «العقيد باسم». يقول «أبو بلال» وهو مزارع يعيش في الجوار: «كان (باسم) الرجل الكبير هنا في هذه المنطقة، وكان يزرع الخوف في كل من يعيش هنا، وكان كل شيء محظوراً».
كما سقط مستودع في مقلع على مشارف دمشق؛ حيث تم إخفاء حبوب الكبتاغون داخل مكونات كهربائية للتصدير. وقال «أبو مالك الشامي» وهو من «هيئة تحرير الشام» وقد ارتدى قناعاً أسود، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه «بعد أن دخلنا وأجرينا عملية تمشيط، وجدنا أن المصنع لماهر الأسد وشريكه عامر خيتي».
وكان ماهر الأسد قائداً عسكرياً، وشقيق رئيس النظام المخلوع، ويُفترض الآن أنه هارب. ويُتهم على نطاق واسع بأنه المسؤول عن تجارة الكبتاغون المربحة. أما عضو مجلس الشعب سابقاً عامر خيتي، ففرضت عليه الحكومة البريطانية عقوبات، وقالت إنه «يسيطر على كثير من الشركات في سوريا التي تسهل إنتاج وتهريب المخدرات»، كما فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات عام 2020 بسبب علاقته بنظام الأسد، وفق صحيفة «الغارديان».
في أجهزة منزلية... وعبوات شوكولاتة
وفي مرأب أسفل المستودع ومناطق التحميل، تم تعبئة آلاف حبوب الكبتاغون ذات اللون البيج، وتخبئتها في ملفات نحاسية لمحولات كهربائية منزلية جديدة. وقال الشامي: «وجدنا كمية كبيرة من الأدوات (الكهربائية) التي وضعت بداخلها أكياس من حبوب الكبتاغون المعدة للتهريب إلى خارج البلد». وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن هناك «كمية كبيرة منها لا يمكن عدها».
وفي المستودع في الأعلى، كانت صناديق من الورق المقوى جاهزة لإخفاء الحبوب المخدرة على أنها حمولة من بضائع اعتيادية، إلى جانب كمية كبيرة من «الصودا الكاوية» المعبأة في أكياس بيضاء.
وكان أحد المصانع ينتج الشوكولاتة ورقائق البطاطس فوق الأرض، والمخدرات تحتها، وكانت الحبوب مخبأة داخل أنظمة التبديل الكهربائية، وحتى الفاكهة البلاستيكية، وكانت تغطي الأرضيات أكوام ضخمة من حبوب الكبتاغون، بقيمة تتراوح بين دولارين و20 دولاراً لكل منها، حسب المكان الذي تباع فيه، وفق «سكاي نيوز» البريطانية.
وفي سياق متصل، أشار المحامي السوري حسن أنور لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن حبوب الكبتاغون كانت تُصدَّر من اللاذقية ضمن ملصقات الملابس الصينية الصنع.
حرق وتدمير
وتمت عملية حرق لحبوب الكبتاغون هذا الأسبوع في قاعدة المزة الجوية، التي أصبحت الآن في أيدي مقاتلي «هيئة تحرير الشام». وخلف الكومة المشتعلة، في مبنى للقوات الجوية تعرض للنهب، كانت هناك كميات أخرى من الكبتاغون، إلى جانب صادرات أخرى غير مشروعة.
وقال أحد أعضاء «هيئة تحرير الشام» الذي يستخدم الاسم الحركي «خطاب» في مطار المزة العسكري: «عندما دخلنا إلى هنا وجدنا كمية كبيرة من الكبتاغون. لذا قمنا بإتلافها وحرقها. إنها كمية ضخمة يا أخي». وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قمنا بإتلافها لأنها ضارة بالناس. تضر الصحة، وتضر الطبيعة والبشر».
وأكد خطاب أن «هيئة تحرير الشام» التي شكَّلت حكومة انتقالية لا تريد إلحاق الأذى بجيرانها من خلال تصدير المخدرات التي يمكن أن تدر مليارات الدولارات.
ما هو الكبتاغون؟
الكبتاغون هو أحد الأسماء التجارية العديدة لفينيثيلين الهيدروكلوريد، وهو مركب كيميائي ينتمي إلى عائلة الأمفيتامينات التي تنشط الجهاز العصبي المركزي. والصودا الكاوية -أو هيدروكسيد الصوديوم- هي عنصر أساسي في إنتاج الميثامفيتامين، وهي مادة أقوى من الأمفيتامين وأخطر.
في الأصل، كان هذا العقار المضاد للخَدَر يُنتَج في أوروبا الوسطى، وسرعان ما اكتسب سمعة سيئة في الشرق الأوسط؛ حيث بدأ النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران في إنتاجه بكميات كبيرة أثناء الحرب الأهلية السورية، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية.
ويتكون الدواء من مادة «أمفيتامين» التي تُحدث تأثيرات نفسية أقوى وأسرع بكثير من الأمفيتامين وحده، وهي تعطي شعوراً بالحيوية والنشاط والسعادة، ومادة «الثيوفيلين» وهي تشبه في تأثيرها تأثير الكافيين في تنشيط المخ.
وبحلول الثمانينات، قررت منظمة الصحة العالمية حظر إنتاج الكبتاغون وتداوله، بعدما ثبت أنه يؤدي للإدمان؛ حيث أشارت إلى أن مضار إدمان هذا الدواء تفوق فوائده الإكلينيكية، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
ويقول خبراء الصحة إن إدمان الكبتاغون يتسبب في زيادة ضغط الدم ومعدل نبضات القلب، وإنه على المدى الطويل قد يصيب الأشخاص بأمراض القلب واختلال الدورة الدموية.
عائد اقتصادي ضخم
دعمت عائدات بيع الكبتاغون طوال سنوات الحرب المستمرة منذ 13 عاماً حكومة الأسد التي سقطت في هجوم خاطف من فصائل مسلحة، بقيادة «هيئة تحرير الشام». وحوَّل الكبتاغون سوريا إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات، وأصبح أكبر صادرات سوريا متجاوزاً جميع صادراتها القانونية مجتمعة، وفقاً لتقديرات مستمدة من بيانات رسمية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
ووفقاً للبنك الدولي، كان الكبتاغون القطاع الأكثر قيمة في الاقتصاد السوري المدمَّر بسبب الحرب؛ حيث تبلغ قيمته ما بين 1.9 مليار دولار أميركي (1.5 مليار جنيه إسترليني) و5.6 مليار دولار أميركي (4.4 مليار جنيه إسترليني)، مع تقدير الناتج المحلي الإجمالي السوري بما لا يزيد عن ذلك بكثير؛ 6.2 مليار دولار أميركي (4.9 مليار جنيه إسترليني) في عام 2023، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية.
وقدر المحللون أن نظام الأسد حقق ربحاً صافياً قدره 5 مليارات دولار سنوياً من التجارة، وهي قيمة أكبر بعدة مرات من الميزانية الرسمية، وشريان حياة حيوي للدولة المفلسة.
وكثيراً ما عُرضت مبالغ كبيرة من المال على الشباب الفقراء من الجنوب للعمل في تهريب المخدرات، ونقل الكبتاغون عبر الحدود الأردنية، وهو ما قد يؤدي إلى حكم الإعدام إذا تم القبض عليهم من قبل حرس الحدود الأردنيين، وفق «الغارديان».
وقال «أبو حمزة»، أحد زعماء الفصائل المعارضة في درعا، جنوب سوريا، للصحيفة البريطانية: «كانت الميليشيات تستغل الفقراء للتهريب، وقد جلبت كثيراً من المخدرات إلى مجتمعنا. والآن نحتاج إلى وضع خطة لإصلاح هذه الأمور».