في جولة لـ«الشرق الأوسط» بمحيط قصر تشرين وداخله في حيّ المهاجرين، وساحة الأمويين، وسط دمشق، كان لافتاً توافد كثير من السوريين مبكراً جداً، إلى ما يعرف بـ«منزل الرئيس» أو القصر الرئاسي، في مشهد «سوريالي»، بحثاً عن غرض ثمين أو ممارسة الفضول لمشاهدة لن تتاح بسهولة مرة أخرى.
فبينما كان هناك من يبحث عما يحمله من محتويات البيت (لوحات وقطع فنية)، كان هناك من يبحلق في أرجاء القصر. توزع الأفراد إلى مجموعات، من بينها سكان حي المهاجرين والمالكي، أي جيران القصر، حيث تتركز النخبة الدمشقية الثرية التي تحولت إلى طبقة متوسطة أو أدنى، ومنها مَن جاء مِن أحياء أخرى فقيرة، والجميع يلتقطون الصور التذكارية.
إحدى السيدات كانت تردد بصوت مرتفع: «شوفوا بكام طابق كان عايش ونحنا ببيوت محشورة وبلا كهربا ومي». شاب آخر من سكان المالكي صرخ بأعلى صوته: «شوفو كيف كان هو عايش وكيف كان معيّشنا وقهرنا كل هالسنين». ونادت على آخرين: «تعالوا تصوروا».
ولفت الانتباه داخل القصر مع أهله، طفل (12 عاماً) يبدو عليه الفقر الشديد، وقف يتأمل لعبة ورقية لأولاد الرئيس تقوم على العمليات الحسابية، محاولاً استيعاب منطقها، ابتسم رافعاً إشارة النصر لدى سؤاله: هل تريد أن تعرف كيف تلعب بها؟
دمشقيات أنيقات محجبات من ذوات المعطف الملون والحجاب الأبيض الشامي، وقفن لالتقاط صور في حديقة القصر، غير مصدقات المشهد، وشابات أخريات من ناشطات الثورة بألبستهن الرياضية والشعر المكشوف، طلبن من الشباب المسلحين السماح لهن بالتجول وأخذ تذكارات من القصر كي يرسلوها إلى رفاق منفيين خارج البلاد. ودخلن وهن يرفعن إشارات النصر وابتسامات عريضة ويصدحن بأغاني الساروت.
الصحافية المستقلة زينة شهلا، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «مشاعري مختلطة، مشاعر يصعب التعبير عنها، إنها المرة الأولى التي أتجول في شوارع دمشق دون خوف من الأمن. سوريا لنا نحن السوريين».
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط»، بدت غالبية الأحياء في العاصمة السورية في حالة أشبه بحظر تجول، يوم الأحد، حتى قبل الإعلان عن فرضها عند الساعة الرابعة مساء، مع وجود متفرق للمدنيين في الشوارع، وانتشار نقاط للمسلحين في محيط المؤسسات الحكومة والمباني الرسمية، وبكثافة كبيرة في ساحة الأمويين، حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون ورئاسة الأركان، وسط إطلاق نار متقطع، جعل من الساحة مكاناً غير آمن.
وبينما كان الأهالي لا يزالون في الشوارع يعبرون عن فرحهم، غطت سحب دخان كثيف ورائحة البارود أجواء دمشق، وشوهدت أعمدة الدخان على سفح جبل قاسيون، حيث استهدفت غارات إسرائيلية مطار المزة العسكري وثكنات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في سفح قاسيون.
وبحسب تقارير إعلامية، وضعت إسرائيل بنك أهداف ستقوم بتدميرها قبل وصول فصائل «ردع العدوان» إليها.
وكانت فصائل من ريف دمشق وصلت فجراً إلى وسط العاصمة، وانضم إليهم شباب من دمشق اقتحموا المقرات الأمنية واستحوذوا على السلاح فيها، وحرروا السجناء والمعتقلين، وسمحوا باقتحام تلك المقرات، كما جرى استباحة المصرف المركزي، ومقر الرئيس المخلوع (قصر المهاجرين) وعدد من الأبنية الحكومية.
واندلعت النيران في مبنى الهجرة والجوازات في حي البرامكة، الأمر الذي أثار ذعر الدمشقيين بعد موجة من الفرح العارم. مصدر مقرب من «إدارة العمليات العسكرية»، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خطأ ناجماً عن دخول الفصائل من درعا وريف دمشق، قبل ساعات من وصول فصائل الشمال «عملية ردع العدوان»، ما أدى إلى حصول فوضى، زادها انتشار مسلحين من فلول «الشبيحة» بين قوات الفصائل. مؤكداً أن اليوم التالي لوصول الفصائل سيكون مختلفاً من حيث الانضباط وإعادة الحياة الطبيعية، وأن ذلك يسير وفق خطة واضحة تم العمل عليها وتحضيرها منذ شهور طويلة.
يشار إلى أن عناصر قوات النظام، التي انسحبت من المقار الأمنية والعسكرية في دمشق عند ساعات الفجر، خلّفوا وراءهم كميات كبيرة من السلاح، وذلك قبيل وصول المسلحين من ريف دمشق، كما جرى تسليح أحياء الموالين للنظام، خشية وقوع انتقامات نتيجة الفوضى المتوقع حدوثها، إثر سقوط النظام والانفلات الأمني. وقالت مصادر متقاطعة في دمشق إن ذلك «قد يكون مقصوداً لتعزيز حالة الفوضى».