عدم ارتياح لبناني للمساعدات الأوروبية وتحذير من «رشوة» لإبقاء اللاجئين السوريين

الحكومة تعوّل على مؤتمر بروكسل وتسعى لتخفيف عبء النزوح بانتظار الحل السياسي

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس الخميس في بيروت (د.ب.أ)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس الخميس في بيروت (د.ب.أ)
TT

عدم ارتياح لبناني للمساعدات الأوروبية وتحذير من «رشوة» لإبقاء اللاجئين السوريين

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس الخميس في بيروت (د.ب.أ)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس الخميس في بيروت (د.ب.أ)

لم تترك نتائج زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس، الخميس، إلى بيروت، ارتياحاً في لبنان بما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين، ولا سيما أنها لم تترافق مع الإعلان عن قرارات في هذا الإطار، ما جعل بعض الفرقاء يعدّون أن المساعدات التي بلغت مليار دولار أميركي هي ثمن بقاء اللاجئين السوريين في لبنان.

ورغم تأكيد رئيس البرلمان نبيه بري بعد لقائهما «أنها المرة الأولى التي نلمس فيها جدية في موضوع النازحين السوريين»، وقول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن «لبنان يشهد مساراً جديداً من الناحية الأوروبية في شأن ملف اللجوء السوري»، ارتفعت الأصوات المحذرة من أن تكون هذه المساعدات هي لإبقاء السوريين مقابل تراجع المطالب بإعادتهم إلى بلادهم، ووصل الحد إلى اعتبار هذه المساعدات «رشوة للبنان»، ولا سيما أن البيانات والمواقف التي صدرت بعد لقاءات رئيسة المفوضية والرئيس القبرصي اكتفت بالإشارة إلى التعويل على تعاون لبنان لمنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المهاجرين وإدارة الحدود ومراقبتها، ما يعني التركيز فقط على وقف تدفق المهاجرين إلى قبرص، ومنها إلى أوروبا.

ومع المواقف المشككة بخلفية المساعدات الأوروبية وهدفها، رفض ميقاتي اعتبارها بمثابة رشوة للبنان، وقال في حديث تلفزيوني: «وضعنا شرطاً أن تعطى المساعدات للسوريين في سوريا لتكون حافزاً لعودتهم ولمست تفهماً أوروبياً كاملاً»، مؤكداً: «لبنان ليس حرس حدود لأوروبا».

خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس في بيروت الخميس (إ ب أ)

وفي الإطار نفسه، عدّ مستشار ميقاتي، السفير السابق بطرس عساكر، الذي كان حاضراً في اجتماعات رئيس الحكومة مع الرئيس القبرصي ورئيسة «المفوضية»، أن الحديث عن «رشوة» هو «كلام شعبوي»، مؤكداً أن «تقديم المساعدات لا يعني التسليم ببقاء اللاجئين»، مع إقراره بأن هذه القضية مرتبطة بالحل السياسي في سوريا وبقرار المجتمع الدولي والدول المعنية، إضافة إلى أن النظام السوري يربط عودتهم بتأمين أماكن سكن لهم ومساعدات وغيرها.

من هنا، يقول عساكر لـ«الشرق الأوسط»: «بانتظار الحل السياسي يعمل لبنان في المرحلة الأولى على الأقل على تخفيف عبء اللاجئين السوريين، وهو يعد الخطة لتقديمها في مؤتمر بروكسل في 27 الشهر الحالي المخصص لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، الذي يعدّه فرصة بالنسبة إلى لبنان، وتعتمد الخطة بشكل أساسي على أهمية تصنيف المناطق في سوريا بين الآمنة وغير الآمنة، مقابل تنظيم وجود السوريين في لبنان وعودة كل من هو يقيم بشكل غير شرعي».

ويتحدث عساكر بدوره عن تبدّل في الموقف الأوروبي لجهة تفّهم الوضع اللبناني وتداعيات أزمة اللاجئين، مشيراً كذلك «إلى حرص الاتحاد الأوروبي وقبرص بشكل خاص على حماية حدودها، وهذا حقهما كما هو حقنا في العمل على إيجاد حل لهذه الأزمة».

وفي ما يتعلق بمطلب البعض بأهمية تواصل الدولة اللبنانية مع الدولة السورية، يذكّر عساكر بما سبق أن قاله ميقاتي إنه تواصل مع نظيره السوري، سائلاً: «ما الذي سيتبدّل إذا لم يكن هناك قرار سياسي في هذه القضية؟».

وكان ميقاتي أعلن أنه اتصل برئيس الوزراء السوري، «وسمعت منه جواباً واضحاً بأن سوريا لا تقف عائقاً في وجه أي سوري يريد العودة».

ومع عدم اتضاح صورة الحل لأزمة النازحين، وبانتظار الخطوات العملية لبدء لتوزيع المساعدات الأوروبية للبنان على القطاعات، ولا سيما الصحة والجيش الأجهزة الأمنية والتربية وغيرها، ارتفعت الأصوات المحذرة من أن تكون المساعدات التي قدّمت إلى لبنان ثمناً لبقائهم.

وكتب في هذا الإطار، عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية»، جورج عدوان، على حسابه على منصة «إكس»، قائلاً: «عندما بات وجود السوريين الموجودين في لبنان بشكل غير شرعي يشكل تهديداً مباشراً لدول أخرى، تحرك الاتحاد الأوروبي فجأة بعدما ساهم لسنوات طويلة بتشجيع إبقائهم في لبنان، وأتت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إلى بيروت لتعلن عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو. هذه الحزمة أو غيرها ومهما بلغت قيمتها، لم تغير ولن تغير من موقفنا بضرورة العودة الفورية للسوريين إلى بلدهم، وأي مساعدة تُساهم في تأخير عودتهم إلى سوريا أو خروجهم إلى بلد لجوء ثالث سنتصدى لها، وهي مرفوضة تماماً، وتشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة وللقوانين اللبنانية». وأضاف: «حبذا لو تُقدم الدول المهتمة والمجتمع الدولي الأموال للسوريين داخل سوريا بعد عودتهم إلى مناطقها الآمنة حيث عاد الاستقرار. الحكومة اللبنانية مطالبة بموقف صارم وحاسم وحازم بهذا الصدد، ومباشرة بالتدابير الفورية لإعادة السوريين إلى بلادهم».

من جهته، عدّ النائب نديم الجميل، عضو كتلة حزب «الكتائب» اللبنانية أن المساعدات هي بدل توطين اللاجئين. وكتب على حسابه على منصة «إكس» قائلاً: «باعوا لبنان وسيادته وأمنه وسلمه الأهلي ومستقبل أبنائه بمليار يورو... هذا توطين مقنع وإعلان موت الدولة وتحللها الكامل، وإعلان حرب على الشعب اللبناني كله، وهذا لن يجرّ لبنان إلا لانفجار كبير». وأكد: «على الحكومة العتيدة العمل جدياً على العودة الفورية بدلاً من تضييع الوقت بصفقات مدمرة للبلاد. إذا كان الاتحاد الأوروبي ومفوضية اللاجئين والجمعيات التي تدور في فلكهما حريصين ومهتمين بالنازحين السوريين في لبنان، فليأخذوهم إلى أوروبا وأراضيها الواسعة، وإلّا فليدفعوا المليارات في سوريا لتأمين عودتهم اليوم قبل الغد. لو قبلنا بالتوطين بالـ1975 لما دفعنا الثمن 30 سنة حرب، ودماء خيرة الشباب، شهدائنا الأبرار».

وفي حين سيكون لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل موقف يوم الأحد حيال المساعدات الأوروبية للبنان، عدّ النائب سيمون أبي رميا، عضو كتلة «التيار»، أن «المجتمع الغربي لا يريد الاعتراف بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد، وما زال يعدّ النظام السوري دكتاتورياً، لذا لا يريد التحاور معه. ومن جهته، الرئيس الأسد غير مستعجل لعودة مواطنين، جلّهم من المعارضين، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بسوريا والتداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية نتيجة هذه الحرب. لذا هو ينتظر أيضاً، بالإضافة إلى الاعتراف بشرعيته ودوره، مساعدات مالية لإعادة إعمار سوريا. ومن الواضح أن الدول الغربية غير مستعدة أو غير قادرة على تلبية هذا الطلب».

وخلص عبر حسابه على منصة «إكس» بالقول: «لا يمكننا انتظار نهاية هذا الكباش ضمن لعبة الأمم الخبيثة. نحن غير مستعدين للعب دور حرس الحدود لحماية أوروبا من موجات النزوح السوري ولسنا شحّاذين كي نقبل بحفنة من اليوروهات أو الدولارات. مصير لبنان في خطر، ولن نقبل بإبر التخدير أو البنج بانتظار تأمين ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة».

ووصف بدوره، النائب مارك ضو المساعدات الأوروبية بـ«الرشوة»، وكتب على حسابه عبر منصة «إكس»: «المطلوب هو سياسة متكاملة لإعادة اللاجئين السوريين مع دعم أوروبي. رشوة مالية بـ250 مليون يورو لـ4 سنوات، هي لشراء سكوت الدولة اللبنانية، وليست حلاً. لسوء الحظّ زيارة الأوروبيين كانت فرصة لطرح خطة من قبل لبنان، ومطالبتهم بالتعاون لتطبيقها. انتخاب رئيس وتشكيل حكومة قادرة مسألة فائقة الضرورة».

والتشكيك بهذه المساعدات أتى أيضاً من قبل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي توجه إلى الحكومة في خطبة الجمعة قائلاً: «لا نريد نحر لبنان بمليار يورو مسمومة، وأوروبا شريكة واشنطن بالخراب في سوريا وبالحصار المضروب على لبنان، ويجب أن يأكلها النزوح كما يأكل لبنان»، محذراً «أصحاب الشأن من لعبة الحارس الأمني والسياسي لأوروبا. إن قضية النزوح بحاجة ماسة إلى حسم، وترف الوقت انتهى، ونحن الآن أمام بلد مهدد بديمغرافيته واستقراره ووضعه الأمني والاقتصادي ولقمة عيشه».


مقالات ذات صلة

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

المشرق العربي رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

نقل رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي رسالة دعم للجهود التي يقوم بها المسؤولون في لبنان لتحقيق الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يحذّر من مسار «غير مطمئن» ويطلب تدخّل عون لحماية الانتخابات

رفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، سقف تحذيراته السياسية على خلفية الإنتخابات النيابية

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري الأسير عماد أمهز في صورة نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على حسابه على «إكس» play-circle 03:20

تحليل إخباري قضية الأسير عماد أمهز تلقي الضوء على أنشطة «حزب الله» البحرية

أعاد إعلان الجيش الإسرائيلي عن عملية نفذتها وحدة الكوماندوز البحري في بلدة البترون، شمال لبنان، وما رافقه من نشر تسجيلات مصوّرة مرتبطة بعماد أمهز.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

خاص «الشرق الأوسط» تنشر الخطوط العريضة لخطة الحكومة اللبنانية لإعادة أموال المودعين

اطلعت «الشرق الأوسط» على الخطوط العريضة للخطة المعروفة باسم «مشروع قانون الفجوة المالية» التي ستُوزَّع على الوزراء بعد ظهر الجمعة

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي النواب اللبنانيون يقفون دقيقة صمت في مستهل الجلسة التشريعية بالبرلمان (الوكالة الوطنية)

البرلمان اللبناني يقرّ قرض إعادة الإعمار بمقاطعة «القوات» و«الكتائب» ومستقلين

لم تحل مقاطعة حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» ونواب مستقلين وتغييريين للجلسة التشريعية دون اكتمال نصاب الجلسة بعد انفراط عقدها لمرتين متتاليتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

قراءة فرنسية في نتائج اجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني

دخان
دخان
TT

قراءة فرنسية في نتائج اجتماع باريس لدعم الجيش اللبناني

دخان
دخان

تعدّ باريس أن الاجتماعات الثلاثة التي حصلت في العاصمة الفرنسية، ما بين مساء الأربعاء وصباح الخميس، في وزارة الدفاع (بين قائد الجيش العماد رودولف هيكل، ورئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال فابيان ماندون)، ثم بين المندوبين الخاصين للدول الثلاث (فرنسا، والولايات المتحدة، والمملكة السعودية)، وبين الثلاثة والعماد هيكل في الإليزيه، كانت ناجحة، وأن أهم ما جاءت به هو الدعم الجماعي والكامل للدول الثلاث لما تقوم به السلطات اللبنانية والجيش اللبناني. وبما أن العواصم المعنية الثلاث (باريس، وواشنطن، والرياض) تعتبر أن أداء الجيش والتزامه بالانتهاء من المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح بيد الدولة مع نهاية العام الحالي، وبالنظر للنتائج التي حققها، والتي تراها مرضية، فإنه قد تم الاتفاق على عقد المؤتمر الدولي الموعود لدعم الجيش اللبناني في شهر فبراير (شباط) المقبل، وتؤكد باريس أن تشكيل لجنة ثلاثية للتحضير للمؤتمر يعكس الجدية بما تقوم به القوات المسلحة اللبنانية والثقة بالسلطات اللبنانية.

وتريد الأطراف الثلاثة، بحسب باريس، توفير الظروف ليلاقي المؤتمر الموعود النجاح المرتقب بحيث يساعد الدولة اللبنانية على استعادة سيادتها، ويوفر لها الدعم السياسي والمادي ويكون مؤشراً على الثقة بالجيش وبها، وللأهداف التي تسعى لتحقيقها في ما خص تنفيذ القرار 1701.

بيد أن العواصم الثلاث، بمبادرة فرنسية، توافقت على ما تدعو إليه باريس لجهة تسليط الأضواء على ما تقوم به وحدات الجيش اللبناني وتوثيقها وإبرازها بالوسائل المتاحة كافة، بما فيها الاستعانة بقوة اليونيفيل، لتحقيق هذا الهدف ولتبيان أن الجيش يقوم بالمهمات التي كلف بها لجهة حصر السلاح، بدءاً من المرحلة الأولى جنوب الليطاني، التي يجب أن تليها المراحل الأخرى في إطار الخطة الموضوعة.

وكان لافتاً أن العماد هيكل أكّد في باريس أن 95 في المائة من أهداف المرحلة الأولى قد تحقق، وأنه لم يدع إلى تمديد المهلة الموضوعة. لكن العواصم الثلاث لا ترى سبباً يحول دون تمديدها لأسابيع قليلة إذا كان ذلك ضرورياً. وتجدر الإشارة إلى أن العماد هيكل شرح بالتفصيل وبالأرقام ما حققته قواته، كذلك أشار إلى حاجتها للدعم التسليحي والمادي ربطاً بالمهمات الإضافية التي سيكون عليه تحملها، خصوصاً مع بدء انسحاب قوات اليونيفيل من جنوب لبنان. كذلك ترى باريس أن الدعم الذي سيقدم للبنان في إطار المؤتمر الدولي لن يكون محصوراً بالجيش، بل سيتناول القوى الأمنية الأخرى، بما يسمح للجيش الاضطلاع بمهامه الرئيسية وترك المحافظة على الأمن الداخلي للأجهزة الأمنية الداخلية.

تركز الأوساط الفرنسية على الأهمية القصوى لإبعاد شبح عودة الحرب إلى لبنان. من هنا، التركيز على ضرورة أن تكون السلطات اللبنانية قادرة مع انتهاء المرحلة الأولى من خطة «درع الوطن» على تأكيد إعادة سيطرتها الكاملة على المنطقة جنوب الليطاني بحيث يفتح الباب أمام انطلاق المرحلة الثانية منها. وينظر إلى أن توفر أمر كهذا سيعدّ تجاوباً مع ما تريده الأسرة الدولية من جهة، وسبباً رئيسياً في دفعها لمساندة لبنان في المؤتمر الموعود. وهذه الميكانيكية تندرج في إطار أن الأسرة الدولية تفضل التعاطي مع النتائج، وليس التعبير عن النوايا فقط.

وما يخص الدعم للجيش اللبناني ينطبق أيضاً على الدعم الاقتصادي ومؤتمر إعادة الإعمار المربوط بالإصلاحات المطلوبة من لبنان.

كثيرة الأسئلة المطروحة داخل وخارج لبنان حول آلية التحقق (الإضافية) مما يقوم به الجيش. ولكن بينها سؤالين مهمين: الأول، هل ستشمل عملية التحقق تفتيش المنازل الفردية؟ والثاني، هل ستقوم وحدات من اليونيفيل بمواكبة وحدات الجيش اللبناني بشكل منهجي وشامل؟ تسارع باريس إلى التأكيد على أن تفتيش المنازل والممتلكات الخاصة كافة جنوب الليطاني ليس مطروحاً إطلاقاً، وأنه سيعمل بها عندما تكون آلية «الميكانيزم» متأكدة من وجود تهديد قائم، وانتهاك لاتفاق نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، الخاص بوقف إطلاق النار. وعندها سيطلب من الجيش القيام بعملية التفتيش. وهذا القول من شأنه تهدئة روع الجنوبيين.

من جانب آخر، تحرص باريس على نفي الرغبة بإيجاد «آلية جديدة» إلى جانب الآلية القائمة، بل عكس ذلك، ترى أنه من الضروري الاستفادة من الآلية المعمول بها حتى اليوم، بحيث تعدّ رافداً يدعم عمل الوحدات العسكرية اللبنانية بالوسائل المتاحة. أما بالنسبة لمشاركة اليونيفيل بعمليات الجيش اللبناني، فإن باريس تذكر بأن هذا قائم بالفعل، وأن وحدات اليونيفيل يمكن أن تكون رافداً أو شاهداً على أداء الجيش المذكور، ما شأنه أن يخدم الهدف الأول، وهو إبراز أن الجيش يقوم بما أنيط به، ومن أجل هدم السردية، وغالباً الإسرائيلية، التي تؤكد عكس ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن المصادر الفرنسية حرصت على تأكيد أن العواصم الثلاث متوافقة حول هذا الأمر، ما سهل من تعيين شهر فبراير (شباط) موعداً لمؤتمر دعم الجيش. أما لماذا لم يحدد الموعد بدقة، فإن باريس ترجع ذلك لتعدد المواعيد والأحداث التي ستجرى في الشهر المذكور، وبالتالي ثمة حرص على اختيار الموعد المناسب الذي يوفر أكبر وأعلى مشاركة في المؤتمر المذكور. والحرص الفرنسي مردّه إلى الشكوك بخصوص التقويم الأميركي لمدى التزام السلطات اللبنانية بتنفيذ القرار 1701 والخطة التي وضعها الجيش لذلك بشكل جدي.

وتعي باريس أن الانتقال المطلوب من المرحلة الأولى من خطة «درع الوطن»، إلى المرحلة الثانية، سيواجه صعوبات جمة، أولاها رفض «حزب الله» تسليم سلاحه واعتباره أن وقف إطلاق النار، الذي تم التوافق عليه، لا يشمل سوى جنوب الليطاني. من هنا، فإن انعقاد مؤتمر دعم الجيش بعد شهرين سيوفر دفعة قوية للسلطات اللبنانية للانطلاق إلى المرحلة الثانية.

في المحصلة، يمكن النظر إلى اجتماعات باريس أنها حققت المبتغى منها لجهة الإجماع حول ما يقوم به الجيش والاستعداد لتوفير مزيد من الدعم له، مع انعقاد المؤتمر الدولي الموعود، كما وفّر دعماً للسلطات اللبنانية التي تجد نفسها محشورة بين المطرقة الإسرائيلية وسندان «حزب الله».


رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين
TT

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

نقل رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، رسالة دعم للجهود التي يقوم بها المسؤولون في لبنان لتحقيق الاستقرار، فيما كان هناك تأكيد وتعويل لبناني على دور القاهرة الأساسي في المنطقة.

وفي زيارة حملت بعداً سياسياً اقتصادياً، التقى مدبولي المسؤولين اللبنانيين في بيروت، حيث أعلن أن «مصر تنظر إلى لبنان باعتباره ركيزة أساسية للاستقرار في المشرق العربي، ونعمل ليكون بمنأى عن أي تصعيد».

الرئيس عون: لبنان يعول على دور مصر

وأكد رئيس الجمهورية جوزيف عون خلال لقائه مدبولي، أن «لبنان يعول على الدور السياسي الأساسي لمصر في المنطقة العربية، وعلى مساعدتها في هذه المرحلة الصعبة». ورأى أن «تفعيل عمل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين أمر ضروري لمصلحتيهما»، معرباً عن تمنياته بـ«نجاح الجهود في تثبيت الاستقرار بلبنان وإحلال السلام بالمنطقة».

والتقى مدبولي كذلك رئيس البرلمان نبيه بري، «حيث تم عرض لتطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، والعلاقات الثنائية بين لبنان وجمهورية مصر العربية»، بحسب ما جاء في بيان صادر عن رئاسة البرلمان.

وفيما أشارت مصادر مطلعة على الزيارة إلى أن مدبولي لم يحمل مبادرة سياسية محددة، لفت رئيس مجلس الوزراء المصري خلال لقائه عون، إلى أن «هدف الزيارة هو نقل رسالة دعم مصر الكامل في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها، ولكل الخطوات التي يقوم بها الرئيس عون والحكومة اللبنانية لتحقيق الاستقرار فيه، وفرض الجيش والمؤسسات اللبنانية السيطرة على كامل الأراضي اللبنانية وبسط السيادة عليها».

وشدد على أن «مصر تدين بشكل كامل كل الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على الجنوب اللبناني، وتؤكد دعمها الكامل لتحقيق استقرار لبنان وبسط سيادته على كامل أراضيه من دون انتقاء وتفعيل القرار الأممي 1701».

سلام: تقدير للدور المصري في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي

وفي ختام المباحثات اللبنانية - المصرية، قال رئيس الحكومة نواف سلام في مؤتمر مشترك مع نظيره المصري، إن «هذه الزيارة تأكيد على عمق العلاقة الأخوية بين لبنان ومصر، وتجسيدٌ لإرادةٍ مشتركة في بناء شراكةٍ فعلية مسؤولة ومنتجة، وتحمل في طيّاتها أكثر من بُعد سياسي أو اقتصادي».

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام مستقبلاً رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي (رويترز)

وفي مؤتمر مشترك بين الطرفين، أكد سلام «التقدير العميق للدور المصري في دعم لبنان في عمله على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوبه الغالي، ولوقف الأعمال العدائية الإسرائيلية المستمرة، والإفراج عن أسرانا، وكذلك تقديرنا لمواكبة مصر الدائمة للبنان في مسيرته الإصلاحية، وتمسّكها الدائم بوحدته وسيادته، في كل الظروف».

تعاون اقتصادي في قطاعات حيوية

وتحدث سلام عن «الاجتماع الثنائي البناء» الذي جمعه بنظيره المصري، إضافة إلى الاجتماع الموسع بين الوفدين الوزاريين، وقال: «ما بدأناه معاً قبل أسابيع في القاهرة في إطار اللجنة العليا اللبنانية - المصرية، نتابعه اليوم بخطى عملية في بيروت».

وأوضح: «ناقشنا اليوم أولويات التعاون في عدد من القطاعات الحيوية: من الطاقة إلى النقل، ومن الصناعة إلى الاقتصاد الرقمي، ومن البنى التحتية إلى التعليم والري، وشددنا على ضرورة المتابعة الدقيقة لما اتُّفق عليه، بروح الشراكة لا المجاملة، وبمنهج التخطيط لا الارتجال».

لقاء بين رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي ورئيس الحكومة اللبناني نواف سلام في السراي الحكومي ببيروت (أ.ف.ب)

وفيما كان للجانب الاقتصادي حيّز في المباحثات التي قام بها مدبولي ببيروت، ثمّن سلام اهتمام نظيره المصري بلقاء الهيئات الاقتصادية، «سعياً لتعميق الشراكة بين القطاعين الخاصين اللبناني والمصري، واستكشاف فرص الاستثمار المشترك في إطار من الشفافية والمنافع المتبادلة».

مدبولي: زيارة تعكس عمق العلاقات بين البلدين

من ناحيته، قال مدبولي إن زيارته إلى بيروت «تعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، وتأتي انعكاساً للتنامي المُطَّرد في وتيرة التواصل السياسي بين بلدينا في ظل العهد اللبناني الجديد، منذ استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الرئيس جوزيف عون، في مايو (أيار) 2025، وما تلا ذلك من زيارات مُتبادلة جَسَّدت خصوصية ومتانة العلاقات المصرية - اللبنانية».

وأشاد مدبولي بـ«النتائج الإيجابية والزخم الكبير الذي تَمخَّض عن الزيارات التي قام بها سلام سابقاً إلى القاهرة، وتوجت بانعقاد الدورة العاشرة للجنة المصرية - اللبنانية العليا المشتركة برئاسة رئيسي وزراء البلدين بالقاهرة لأول مرة منذ 6 سنوات، وما شهدته من توقيع ما يقرب من 15 اتفاقية في مجالات اقتصادية وثقافية وإعلامية ودبلوماسية».

رئيسا الحكومة اللبناني نواف سلام والمصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي مشترك (أ.ب)

تعاون ثنائي وتقدير لعمل السلطات اللبنانية

وتحدث مدبولي من جهته، عما وصفه بـ«اجتماع موسع وبناء»، الذي عقد الجمعة، بحضور وزراء في مختلف القطاعات من البلدين، تناول مختلف أوجه التعاون الثنائي، إلى جانب مناقشة التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها المنطقة، وأثنى بذلك على جهود رئيسي الجمهورية والحكومة، وثمّن الجُهود المضنية التي يبذلها الجيش اللبناني في إطار نهج مُتدرج ورؤية وطنية شاملة، استناداً إلى اتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة، إيماناً بأن الدولة القوية هي الضمانة، وأن الشرعية الجامعة هي الملاذ.

لبنان ركيزة للاستقرار

وجدد مدبولي التأكيد على «حرص مصر على مساندة لبنان في هذه المرحلة الدقيقة التي يواجه فيها تحديات استثنائية على المستويات كافة»، مشيراً إلى أن «مِصْر تنظر إلى لبنان باعتباره ركيزة أساسية للاستقرار في المشرق العربي، وهي لا تألو جهداً في مواصلة مساعيها للنأي بلبنان عن أي تصعيد»، مشدداً على «أنَّ مصر تُؤكد أن استقرار لبنان ووحدته الوطنية هما جُزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة العربية بأسرها».


جعجع يحذّر من مسار «غير مطمئن» ويطلب تدخّل عون لحماية الانتخابات

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)
TT

جعجع يحذّر من مسار «غير مطمئن» ويطلب تدخّل عون لحماية الانتخابات

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

رفع رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، سقف تحذيراته السياسية مهاجماً رئيس البرلمان، نبيه بري، حيث اعتبر أنّ التطورات البرلمانية الأخيرة في لبنان تعكس «مساراً غير مطمئن»، وناشد رئيس الجمهورية، جوزيف عون، استخدام صلاحياته الدستورية عبر توجيه رسالة إلى مجلس النواب، في خطوة رأى أنّها باتت ضرورية لمنع تعريض الانتخابات النيابية للخطر.

وجاء موقف جعجع على خلفية جلسة نيابية انعقدت مؤخراً دعا لمقاطعتها، وسط انقسام سياسي حاد حول جدول أعمالها، ولا سيما في ظل الخلاف المستمر بشأن إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر المتعلق بقانون الانتخابات، وخصوصاً آلية اقتراع المغتربين، وهو ملف يُعدّ من أبرز نقاط الاشتباك السياسي والدستوري في المرحلة الراهنة.

وفي مؤتمر صحافي عقده في معراب، الجمعة، قال جعجع، إنّ ما حصل لا يبشر بالخير، خصوصاً أننا بدأنا نرى بوادر «الترويكا» (أي التفهم خارج المؤسسات بين رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة) التي كانت موجودة في السابق. وأضاف: «أنا أفهم تماماً موقف (محور الممانعة) بأنه سيمنع أي جلسة نيابية تنعقد ويطرح فيها قانون الانتخابات، لكن الأمر المستغرب هو موقف باقي الأفرقاء».

وأوضح أنّه يتفهم موقف القوى الرافضة لبحث قانون الانتخابات داخل المجلس، لكنه عبّر عن استغرابه إزاء مشاركة قوى أخرى في جلسة عُقدت تحت عنوان تشريع قوانين ذات طابع معيشي، معتبراً أنّ جوهر الإشكال لا يكمن في طبيعة البنود المطروحة، بل في «الآلية المعتمدة لإدارة عمل المجلس النيابي». وشدّد جعجع على أنّ الخلل في إدارة المؤسسة التشريعية ينعكس مباشرة على نتائجها، قائلاً إنّ «أي مسار يُدار بطريقة خاطئة لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج سليمة»، في إشارة إلى الجلسة الأخيرة وما رافقها من جدل سياسي ودستوري.

مناشدة رئاسية

وفي رسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية، قال: «لم يبقَ باباً للخلاص سوى بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي تطلبون من خلالها دعوة المجلس إلى الانعقاد خلال ثلاثة أيام لمناقشة الرسالة ومشروع القانون المعجل المكرر، فالانتخابات النيابية في خطر وأنتم الملاذ الأخير».

ويأتي هذا النداء في ظل مخاوف سياسية متزايدة من ترحيل ملف قانون الانتخابات أو تعطيله عبر آلية إدارة الجلسات، بما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات تمديد أو تأجيل غير معلنة للاستحقاق النيابي.

انتقاد الرؤساء الثلاثة

وفي سياق موازٍ، وجّه جعجع انتقادات حادة إلى الرؤساء الثلاثة، معتبراً أنّهم أسهموا في تأمين النصاب للجلسة النيابية الأخيرة، ما عدّه «تواطؤاً سياسياً». وقال: «المادة الخامسة من النظام الداخلي للمجلس النيابي تقر بأن على رئيس مجلس النواب أن يرعى مصالح المجلس النيابي، فيا دولة الرئيس بري عليك أن ترعى مصالح المجلس النيابي لا مصالحك الشخصية».

وقال إنّ صلاحيات رئيس مجلس النواب «ليست مطلقة»، بل «مقيّدة بالنظام الداخلي»، متهماً إياه بممارسة دوره «على مدى خمسة وثلاثين عاماً وكأنّ الصلاحيات غير خاضعة لأي ضوابط»..

ويأتي هذا الموقف في إطار خلاف سياسي مزمن بين «القوات اللبنانية» ورئيس المجلس، يتمحور حول آلية الدعوة إلى الجلسات، والتحكّم بجدول الأعمال، وأولوية إدراج مشاريع القوانين، ولا سيما تلك المتصلة بالاستحقاقات الدستورية الكبرى.

ملاحظات على أداء الحكومة

وفيما يتعلق بالحكومة، رأى جعجع أنّه «كان على رئيس الحكومة مراجعة موضوع مشروع القانون المعجل المكرر للانتخابات النيابية مع الرئيس بري، لكن الرئيس نواف سلام، الذي تربطنا به صداقة شخصية، حضر الجلسة النيابية يوم أمس، وكان ذلك شيئاً غير متوقع».

ملف اقتراع المغتربين

وفي الشق المتصل باقتراع اللبنانيين في الخارج، وجّه جعجع رسالة مباشرة إليهم، قائلاً: «أيها المغتربون، ترتكب بحقكم جرائم كثيرة، ومن الواضح أن رئيس المجلس النيابي لا يريد أن يصوّت المغترب في البلد الذي يوجد فيه». وشدّد على أنه «إذا لم تنجح مساعينا لإعطاء الحق للمغتربين في الانتخاب حيث هم، فأطلب من المغتربين التوجه إلى لبنان يوم الانتخاب للتصويت وتصحيح المسار القائم حالياً».