رئيس الأركان اللبناني الجديد يمارس مهامه... من دون قرارات

تساؤلات حول عدم نشر مرسوم تعيينه في الجريدة الرسمية

لقاء سابق بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم (الوكالة الوطنية للإعلام)
لقاء سابق بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

رئيس الأركان اللبناني الجديد يمارس مهامه... من دون قرارات

لقاء سابق بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم (الوكالة الوطنية للإعلام)
لقاء سابق بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم (الوكالة الوطنية للإعلام)

بعد نحو شهر على تعيين مجلس الوزراء اللبناني رئيساً جديداً لأركان الجيش إثر خلافات سياسية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم المحسوب على «التيار الوطني الحر» المقاطع لجلسات الحكومة، لا يزال تنفيذ هذا القرار معلّقاً لعدم صدور مرسوم بشأنه من الحكومة، مع ما يترافق ذلك مع اختلاف في مقاربة هذا الأمر؛ إذ في حين ترى رئاسة الحكومة أن القرار باتّ نافذ، يربط خبراء قانونيون نفاذه رغم قانونيته، بصدور مرسوم حكومي مع تأكيدهم أنه قرار ثابت وملزم، ولا يمكن الرجوع عنه إلا بقرار آخر.

وكان وزير الدفاع و«الوطني الحر» قد هاجما هذا التعيين، واصفين إياه بأنه تجاوز ومخالفة دستورية وقانونية من رئيس الحكومة الذي رمى المسؤولية على سليم لعدم قيامه بواجباته لجهة اقتراح أسماء لملء المراكز الشاغرة في المجلس العسكري، ما أدى بمجلس الوزراء إلى اتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن وتعيين العميد الركن حسان عودة رئيساً للأركان بعد ترقيته إلى لواء. وهذه الخطوة أدت إلى إعلان «التيار» بأنه سيقدم طعناً بمرسوم التعيين، كما عمد وزير الدفاع قبل أيام إلى إرسال رسالة إلى الوزارات والجهات المعنية يؤكد فيها عدم قانونية تعيين رئيس الأركان. لكن ورغم مرور أكثر من شهر على التعيين لم تصدر الحكومة حتى الآن مرسوم تعيين رئيس الأركان، ما بات يطرح علامة استفهام حول قانونية عمله وقراراته.

مع العلم أن أهمية تعيين رئيس الأركان، تعود إلى طبيعة عمله التي ينص عليها قانون الدفاع الوطني الذي يجيز له وحده أن يحلّ مكان قائد الجيش، إضافة إلى أنه يعاون قائد الجيش في تحمل مسؤولياته وتنفيذ مهماته. وبالتالي فإن عدم التعيين يقيّد حركة قائد الجيش العماد جوزف عون ولا سيما لجهة السفر إلى الخارج، وهو ما حال دون قدرة عون على مغادرة البلاد طوال مدة الفراغ في رئاسة الأركان، قبل أن يعلن منذ أيام عن مغادرته البلاد للمشاركة في اجتماع دعم المؤسسة العسكرية. لكن هذا الغياب لم يدم أكثر من ساعات قليلة، وفق ما تؤكد مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة في الوقت عينه إلى أن رئيس الأركان يمارس عمله منذ اليوم الأول لتعيينه، لكن حتى الآن لم يصدر عنه أي قرار.

وإذا كان قائد الجيش تمكّن من الغياب لساعات قليلة مع وجود عودة، فإن علامة الاستفهام لا تزال تطرح حول قانونية عملية القرارات التي ستصدر عنه. وهو ما يجتمع عليه كل من نقيب محامي الشمال السابق والوزير السابق رشيد درباس والخبير الدستوري سعيد مالك، مؤكدين أن أي قرار للحكومة لا بصبح قابلاً للتنفيذ ما لم يصدر بمرسوم من الحكومة، لكن في المقابل، يكتفي مصدر حكومي بالقول لـ«الشرق الأوسط» رداً على هذا الموضوع: «القرار صدر عن مجلس الوزراء وباتّ نافذ مع إبلاغ المعنيين به وبدء رئيس الأركان ممارسة مهامه».

ويوضح درباس لـ«الشرق الأوسط» أن كل القرارات والقوانين لا تصبح نافذة ما لم تصدر بمرسوم، وهذا الأمر ينطبق على تعيين رئيس الأركان، الذي قد يقوم بمهامه تصريفاً للأعمال، لكن لا يمكن للقرارات التي يأخذها أن تحمل الصفة القانونية في حال عدم صدور المرسوم.

لكن في المقابل، يرى درباس أن ما قامت به الحكومة عند تعيين رئيس الأركان كان نتيجة عدم قيام وزير الدفاع بمهامه، قائلاً: «في الظروف الصعبة يتم اللجوء إلى الحلول الصعبة، أي أنه في حالة حكومة تصريف الأعمال وعدم قيام وزير الدفاع بمهامه وامتناعه عن تقديم أسماء لتعيينها في المراكز الشاغرة، لم يكن أمام الحكومة إلا التصرف لتقليل الخسائر، واصفاً ما حصل بـ«العلّة بحسن نية تطبيق الدستور». ويضيف: «مجلس الوزراء يعبّر عنه رئيس الحكومة، وإذا لم يعجب هذا الوزير أو ذاك فعليه عندها أن يستقيل أو يقال، علماً بأن هذا الامتناع يعدّ مخالفة لطبيعة الوظيفة، وهو ما يقتضي مساءلته».

من جهته، يؤكد مالك أن قرار التعيين قانوني لكنه غير نافذ بانتظار صدور مرسوم بهذا الخصوص. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، من الثابت والأكيد أن قرار تعيين رئيس الأركان هو قرار نهائي وملزم صادر عن مجلس الوزراء، ولا يمكن الرجوع عنه إلا بقرار مقابل لكن تنفيذه مرتبط بمرسوم، مشيراً إلى أنه «ما يتوجب القيام به راهناً هو أن يطلب رئيس الحكومة من الدوائر المعنية نشره في الجريدة الرسمية حتى يصدر نافذاً، ويلزم وزير الدفاع التقيد به»، لافتاً في الوقت عينه إلى أنه وانطلاقاً من معارضة أطراف سياسية للقرار، فإن صدور المرسوم بشأنه «سيعرضه للإبطال من قبل كل صفة ومصلحة أمام مجلس شورى الدولة».


مقالات ذات صلة

بري متفائل بانتخاب رئيس في 9 يناير: «الأجواء جيدة»

المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مودعاً رئيس الحكومة اليوناني (رئاسة البرلمان)

بري متفائل بانتخاب رئيس في 9 يناير: «الأجواء جيدة»

جدّد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري التأكيد على تفاؤله بأن الجلسة التي حددها في 9 يناير (كانون الثاني) ستشهد انتخاب رئيس للجمهورية، واصفاً الأجواء بالجيدة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جانب من الدمار في قرية يام اللبنانية بعد غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

سقوط 3 جرحى جراء غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

أغارت طائرة مسيرة إسرائيلية ظهر اليوم (الاثنين) على أطراف بلدة النجارية في جنوب لبنان، ما أدى إلى سقوط ثلاثة جرحى.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)

قائد الجيش يتقدم قائمة المرشحين لرئاسة لبنان

كشفت مصادر نيابية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتصدر لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، ويتمتع بتأييد محلي ودولي، مؤكدة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)

اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل

أكثر من 40 اتفاقية تعاون موقّعة بين لبنان وسوريا باتت رهن الإلغاء أو التعديل مع سقوط النظام السوري، إلا أن هذه الخطوة رهن إرادة الحكم الجديد.

يوسف دياب (بيروت)
تحليل إخباري جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون قبل ثلاثة أسابيع (الوكالة الوطنية للإعلام)

تحليل إخباري قائد الجيش اللبناني يتقدم رئاسياً وباسيل يواجه صعوبة بتأمين البديل

لا يزال قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون يتصدر لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، ويتمتع بتأييد محلي ودولي وفق ما تؤكد عليه مصادر نيابية.

محمد شقير (بيروت)

مسؤول أميركي سابق: المقابر الجماعية السورية تكشف «آلة الموت» في عهد الأسد

أحد مواقع المقابر الجماعية في سوريا (أ.ف.ب)
أحد مواقع المقابر الجماعية في سوريا (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أميركي سابق: المقابر الجماعية السورية تكشف «آلة الموت» في عهد الأسد

أحد مواقع المقابر الجماعية في سوريا (أ.ف.ب)
أحد مواقع المقابر الجماعية في سوريا (أ.ف.ب)

قال السفير الأميركي السابق لقضايا جرائم الحرب، ستيفن راب، اليوم (الثلاثاء)، إن الأدلة التي ظهرت من مواقع المقابر الجماعية في سوريا كشفت «آلة الموت» التي أدارتها الدولة في عهد الرئيس بشار الأسد، الذي أطاحت به المعارضة السورية المسلحة.

وبحسب تقديرات راب، الذي كان يعمل في مكتب العدالة الجنائية العالمية، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، تعرض ما يزيد على 100 ألف شخص للتعذيب والقتل منذ عام 2013.

وقال راب، بعد زيارة موقعين لمقابر جماعية في بلدتي القطيفة ونجها، قرب دمشق، لـ«رويترز»: «لدينا بالتأكيد أكثر من 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى الموت في هذه الآلة». وأضاف: «لا يوجد لديّ شك كبير بشأن هذه الأرقام بالنظر إلى ما رأيناه في هذه المقابر الجماعية».

وقال راب، الذي تولى مسؤولية الادعاء أمام محكمتي جرائم الحرب في رواندا وسيراليون: «عندما تتحدث عن هذا النوع من القتل المنظم من قبل الدولة وأجهزتها، فإننا لم نشهد شيئاً كهذا تماماً منذ عهد النازيين».

وأضاف: «من الشرطة السرية التي أخفت الناس من الشوارع والمنازل، إلى السجانين والمحققين الذين جوّعوهم وعذّبوهم حتى الموت، إلى سائقي الشاحنات والجرافات الذين أخفوا جثثهم. آلاف الناس كانوا يعملون في منظومة القتل تلك».

وتحدث سكان سوريون، يعيشون بالقرب من قاعدة عسكرية سابقة، حيث يقع أحد المواقع ومقبرة تستخدم لإخفاء الجثث من مواقع الاحتجاز، عن رؤيتهم المستمرة لشاحنات التبريد التي كانت تنقل الجثث لإلقائها في خنادق حفرتها جرافات بشكل طولي. وفي القطيفة، رفض الناس التحدث أمام الكاميرا أو استخدام أسمائهم خوفاً من الانتقام، قائلين إنهم غير متأكدين بعد من أن المنطقة آمنة بعد سقوط الأسد.

وقال أحدهم، اليوم (الثلاثاء): «هذا هو مكان الرعب».

وداخل موقع محاط بجدران أسمنتية، كان 3 أطفال يلعبون بالقرب من مركبة استطلاع عسكرية روسية الصنع. وكانت التربة مسطحة ومستوية، مع وجود آثار حفر لخنادق بشكل طولي حيث دفنت الجثث.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي حلّلتها «رويترز» أعمال حفر واسعة النطاق بدأت في الموقع بين عامي 2012 و2014، واستمرت حتى عام 2022.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية المتعددة، التي التقطتها شركة ماكسار، خلال تلك الفترة، حفاراً وخنادق كبيرة مرئية في الموقع، إلى جانب 3 أو 4 شاحنات كبيرة.

وقال عمر حجيراتي، وهو أحد قياديي الاحتجاجات السابقة ضد الأسد، ويعيش بالقرب من مقبرة بلدة نجها، إنه يعتقد أن عدداً من أفراد أسرته المفقودين دفنوا في هذه المقبرة.

وأضاف أن السلطات اعتقلت بعضهم، ومنهم اثنان من أبنائه و4 من أشقائه، على ما يبدو بسبب الاحتجاج على حكومة الأسد.

وبينما كان يقف وخلفه خندق طويل مكشوف، كانت تدفن فيه الجثث على ما يبدو، قال حجيراتي: «كان ذنبي، لِمَ يأخذون أسرتي؟»

وقال إنه ينبغي محاسبة المسؤولين عن تلك المقابر الجماعية عبر عملية قضائية واضحة، وإلا فإن الناس سيأخذون حقوقهم بأيديهم.

وأضاف: «(نريد) حقنا، وحقنا على القانون السوري، ليس على قانون من ورا الكواليس... المجازر ومسالخ الموت لا أحد يقبل بها، من عنده إنسانية»، مطالباً بتدخل المنظمات ذات السمعة الطيبة حتى لا يتم التستر على هذا الأمر.

تعرض ما يزيد على 100 ألف شخص للتعذيب والقتل منذ عام 2013 في سوريا (أ.ف.ب)

في سياق متصل، قالت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم (الثلاثاء)، إن الولايات المتحدة تعمل مع عدد من هيئات الأمم المتحدة لضمان المساءلة وحصول السوريين على إجابات عن تساؤلاتهم المتعلقة بالمقابر الجماعية ومواقع الاحتجاز والتعذيب في سوريا.

وخلال إفادته الصحافية الدورية، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، إلى تقديم إجابات لأسر الأفراد الذين تعرضوا للإخفاء والتعذيب والقتل في سوريا ومحاسبة من فعلوا ذلك.

وقال ميلر إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعمل مع المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، من بين هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة.

وأضاف: «لا يزال الضمير في صدمة جراء ظهور الأدلة في سوريا على مدى 10 أيام بعد سقوط نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد... لا يزال يتكشف أمام أعيننا مزيد من الأدلة على مدى وحشيتهم في إساءة معاملة شعبهم، وفي تعذيب شعبهم وقتله».

وتشير تقديرات إلى أن مئات الألوف من السوريين قتلوا منذ عام 2011، عندما تحوّلت حملة الأسد على الاحتجاجات ضد حكمه إلى حرب أهلية واسعة النطاق.

ويتهم السوريون وجماعات حقوق الإنسان وحكومات أخرى الأسد ووالده حافظ، الذي سبقه رئيساً للبلاد وتوفي عام 2000، بارتكاب عمليات قتل واسعة النطاق خارج نطاق القضاء، بما في ذلك عمليات إعدام جماعية داخل نظام السجون، سيئ السمعة في البلاد.

ونفى الأسد مراراً ارتكاب حكومته انتهاكات لحقوق الإنسان، ووصف معارضيه بالمتطرفين.