علاوي: أميركا خرّبت العراق وإيران شريكتها وبايدن تمسّك بالمالكي

رئيس الوزراء العراقي الأسبق روى لـ«الشرق الأوسط» رحلته مع «البعث» وصدام وعراق ما بعد الاحتلال (3)

TT

علاوي: أميركا خرّبت العراق وإيران شريكتها وبايدن تمسّك بالمالكي


علاوي والمالكي في أحد لقاءاتهما ببغداد عام 2010 (غيتي)
علاوي والمالكي في أحد لقاءاتهما ببغداد عام 2010 (غيتي)

عندما احتلت أميركا العراق أصيب العرب بالذهول والقلق واختاروا الابتعاد عن الساحة العراقية كي لا يُتهموا بدعم الاحتلال. وظّفت إيران هذا الغياب العربي وأطلقت عملية واسعة لمنع قيام نظام عراقي موالٍ للغرب. سهّلت الغزو لكنها سارعت إلى زعزعة الاستقرار الذي كان الأميركيون يراهنون عليه لبناء ما سمّوه العراق الديمقراطي الجديد. أفادت إيران أيضاً من قرارات خطرة اتخذتها واشنطن، بينها حل الجيش العراقي واجتثاث البعث، وتوهّم القدرة على إعادة بناء العراق من الصفر بعد تفكيك دولته.

سألت الرئيس جلال طالباني، الذي كان عائداً من رحلة إلى طهران، عمّا تريده إيران فعلاً من أميركا، فقال إنه استنتج أنها مستعدة للتفاوض مع أميركا من أفغانستان إلى لبنان. قال أيضاً ما يوضح ويشرح: «إيران لا تقول إنها تريد حصة، بل تقول إنها تريد علاقات طبيعية مع أميركا وإنهاء العداوة والحصار، وحجز الأموال الإيرانية في أميركا. وهي تؤكد أنها ساعدت أميركا في أفغانستان، لكنها نالت جزاء سنمار. مرة قال لي وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في هذا البيت (مقر طالباني): «قل لصديقك السفير الأميركي زلماي خليل زاد - وكان يومها سفيراً في بغداد - ماذا يريد الأميركيون منا؟ نحن أيّدنا تحرير العراق من صدام، وأيّدنا مجلس الحكم وانتخاب رئيس الجمهورية، وأيّدنا هذا الوضع الجديد الذي أقامه الأميركيون في العراق. لا يوجد شيء عمله الأميركيون لم نؤيده، فقل لصديقك: ماذا يريدون منّا أكثر؟». نقلت هذا الكلام لخليل زاد فقال لي: «نريد الاستقرار والأمن في العراق».

المالكي مترئساً اجتماعاً أميركياً ــ إيرانياً في بغداد مايو 2007 (غيتي)

وأضاف طالباني: «حاولنا الجمع بين خليل زاد ومتقي لكننا لم ننجح. كنا توصلنا إلى موافقة مبدئية من الطرفين ثم ذهبت كوندوليزا رايس إلى الكونغرس، وألمحت إلى اللقاء الذي كان يُفترض أن يلتئم في شكل سريّ فتراجع الإيرانيون. ما أقصده أن إيران ترغب في حل هذه المشاكل وإقامة علاقات جيدة مع أميركا».

كان طالباني أكثر واقعية من علاوي. أدرك باكراً أن العلاقة مع واشنطن لا تكفي، ولا بد من المرور عبر طهران.

في 2007 بعثت إيران برسالة بالغة الدلالات. في العراق الذي تحتله قوات «الشيطان الأكبر»، هبطت في مطار بغداد طائرة الرئيس محمود أحمدي نجاد، وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري رئيس البعثة المرافقة له. لم يعترض الأميركيون على زيارة نجاد، بل رحّبوا بها. نفّذت نقاط التفتيش الأميركية التوجيهات بتسهيل مرور موكب الزائر إلا واحدة اعترضته، وسرعان ما تبيّن أن الجنود الأميركيين لا يريدون أكثر من التقاط صورة، لكن الجانب العراقي طلب من نجاد عدم الخروج من سيارته.

جندي أميركي يقاتل في الفلوجة نوفمبر 2004 (غيتي)

كانت زيارة نجاد رسالة مفادها أن الجيش الأميركي سيغادر ذات يوم لكن إيران، وبحكم الجغرافيا، باقية قرب العراق وفيه، وهذا ما حصل، خصوصاً أن سليماني راح يزعزع الأرض العراقية تحت أقدام الجيش الأميركي.

سمع زيباري ذات يوم نصيحة تستحق التسجيل. استقبل الرئيس حسني مبارك الوزير العراقي، وتطرق الحديث إلى الأميركيين. فوجئ زيباري بالرئيس المصري يقول عنهم: «ليس لديهم دين ولا رب، ولا أمان معهم، ويبيعون أصدقاءهم بسهولة.. زيّ الميه». وأعطى مثلاً الرئيس الباكستاني برويز مشرف. وشرب مبارك لاحقاً من كأس أميركية أشد مرارة من تلك التي شرب منها مشرف.

لم يكن إياد علاوي رجل الأميركيين. لم يسلّم بحقهم في رسم أزياء العراق الجديد على هواهم. اجتماعاته بعدد من المسؤولين الأميركيين لم تكن ناجحة. وفي الوقت نفسه لم يعثر على لغة للتفاهم مع طهران. لا يقبل بشروطها ولا تقبل بنهجه.

في السابع من مارس (آذار) 2010 شهد العراق انتخابات عامة. فازت لائحة «العراقية» بزعامة علاوي بـ91 مقعداً، في حين فازت لائحة «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي بـ89 مقعداً. وبحسب التفسير المعمول به للدستور، يُفترض أن توكل إلى علاوي مهمة تشكيل الحكومة. انتزع المالكي من المحكمة الاتحادية العليا تفسيراً آخر للمادة التي تتحدث عن الكتلة الأكبر، واندلعت أزمة سياسية حادة استمرت نحو تسعة أشهر، وانتهت لصالح المالكي. سألت علاوي عن الجهات التي حالت دون قيامه بتشكيل الحكومة وتركته يروي.

حققنا الفوز في الانتخابات رغم كل ما تعرضنا له. تعرضوا لـ500 شخص بإجراءات تحت ذريعة «اجتثاث البعث». وكان بين هؤلاء عدد من المرشحين معنا. اغتالوا تسعة أشخاص. أغلقوا مناطق بأكملها لمنع أنصارنا من الانتخاب، ورغم ذلك تقدمنا عليهم بثلاثة مقاعد. الحقيقة أنني فوجئت بما حدث. لم أتوقع أن يصل الموقف الأميركي والموقف الإيراني إلى هذا الحد. منعني من تشكيل الحكومة أميركا وإيران. عملتا معاً. في تلك الفترة كان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يتردد نحو ثلاث مرات شهرياً على بغداد. كان همّه أن أتنازل لمصلحة المالكي. طرح عليّ أن أتولى رئاسة الجمهورية، فقلت له إن الشعب انتخبنا لنشكّل الحكومة فكيف أصبح رئيساً للجمهورية بلا شغل أو عمل (طابع المنصب شبه بروتوكولي). جدد بايدن محاولته، وقال لي: «إذا وافقت أن تصبح رئيساً للجمهورية سأكون أنا مدير حملتك». فقلت له: «إنني لست بحاجة إلى حملة، فأنا حملتي الشعب العراقي، وانتُخبت لأكون رئيساً للحكومة». تصوّر أن بايدن قال لممثّلي السنّة أمامي: «أنتم لن تنالوا أي وزارة»، فردّوا عليه: «نحن لا نريد وزارة، بل يكفينا أن يصبح علاوي رئيساً للوزراء لأنه غير طائفي». كرر بايدن مطالبته لي بالتنازل للمالكي فقلت له: «والله إن لم تسمحوا لي بأن أصبح رئيساً للوزراء فإن الإرهاب سيعشش أكثر وستنغرس الطائفية في القلوب وكذلك الكراهية للنظام والديمقراطية بأكملها».

علاوي والمالكي في أحد لقاءاتهما ببغداد عام 2010 (غيتي)

في تلك الفترة كانت تجري في مسقط مفاوضات أميركية - إيرانية. كان الوفد الأميركي برئاسة بن رودس نائب مستشار الأمن القومي في عهد أوباما. نقل الجانب الإيراني إلى الجانب الأميركي تهديداً، مفاده أن إيران ستوقف المفاوضات وستُحدث مشاكل في العراق إذا تولى إياد علاوي رئاسة الوزراء. ألّف بن رودس لاحقاً كتاباً بعنوان «العالم كما هو». روى فيه قصة التهديد الإيراني، واتهم بايدن بخطف العملية الانتخابية من علاوي، وإهدائها إلى المالكي تحت الضغط الإيراني.

الحقيقة أنني التقيت بايدن نحو 20 مرة. عرفته مذ كان مسؤولاً عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. شخصيته مهزوزة، وهو كذّاب ومنافق.

> هل أفهم من كلامك أن أميركا خرّبت العراق؟

- نعم، أميركا خرّبت العراق.

> هل كان لها شركاء؟

- نعم، إيران. من حلّ الجيش العراقي، إلى «الحشد الشعبي»، والميليشيات المسلّحة والإرهاب، ووأد الديمقراطية وانتشار الطائفية السياسية.

> لم تزر إيران علانية، هل زرتها سراً؟

- لم أزر إيران طوال عمري.

> هل سهّلت إيران الغزو الأميركي للعراق؟

- سهّلت كثيراً. وافقت على قيام مجلس الحكم ولم تعترض.

> لماذا وقفت إيران ضدك إلى هذا الحد؟

- لأنني لا أنتمي إلى الفكر السياسي الإسلامي. ثم إن قضيتي مع صدام حسين، التي دفعتني إلى الابتعاد نهائياً عن البعث هي التنازلات الكبيرة التي قدّمها في اتفاق عام 1975 مع إيران حول شط العرب. التقيت تلك السنة وخلال المفاوضات وزير الخارجية آنذاك شاذل طاقة. قال لي إن صدام كان يرسل لهم خلال المفاوضات رسائل مفادها: تراجعوا تراجعوا تراجعوا، أي قدّموا التنازلات. وهذا أضر بالعراق كثيراً. والإيرانيون يعرفون موقفي هذا. ثم إنني حين توليت رئاسة الوزراء كانت إيران تطالب بتعويضات قدرها 120 مليار دولار. قلت لهم: عن أي تعويضات تتحدثون؟ نحن نطالبكم بـ200 مليار دولار لأنكم من 1982 وحتى 1988 رفضتم وقف إطلاق النار في الحرب العراقية - الإيرانية.

أنا اللواء قاسم سليماني

بعد سقوط نظام صدام حسين ظهر على المسرح العراقي لاعب بارز، هو الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني. لم يقتصر دوره على استنزاف الجيش الأميركي والهيبة الأميركية، بل تعدّى ذلك إلى فرض مشاركته في اختيار الرؤساء وتشكيل الحكومات وتحديد المسارات، وهو دور لعب سليماني ما يشبهه في لبنان وسوريا واليمن أيضاً. سألت علاوي عن علاقته بسليماني فاستعاد محطاتها.

تعرّفت على الجنرال سليماني في بيت عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء لاحقاً). دعاني عادل إلى العشاء، ولم يقل لي من سيكون حاضراً. كان لديّ زوّار، فقال: «أحضرهم معك فبيتنا بيتك». ذهبنا. وبعد نصف ساعة وصل إلى المكان رجلان، الأول شعره أبيض والثاني شعره أسود. اقترب الأول منّي وقال لي: «أنا اللواء قاسم سليماني». خلال اللقاء قال لي سليماني: «نحن عملنا ضدك كل الوقت». فأجبته: «وأنا كنت ضدكم كل الوقت». قلت له: «لماذا عملتم ضدنا؟ أنا أشركتكم في لقاء شرم الشيخ متحدياً الإرادة الدولية. فتحت لكم كل المجالات. أوقفنا نشاط (مجاهدي خلق) وسحبنا الأسلحة الثقيلة منهم. أرسلت إليكم أقوى وفد اقتصادي، وعلى أساس تحسين موقف الجوار العراقي. لماذا هذا الموقف؟». أجاب: «نحن أخطأنا، وأنا الآن في حضرة قائد كبير». قلت له: «أنا لست قائداً كبيراً ولا بطيخاً. لا تتدخلوا في شؤون العراق الداخلية فترجع الأمور إلى مسارها الطبيعي».

بعد سنة وتحديداً بعد الانتخابات في 2018، اتصل بي أبو مهدي المهندس (الذي قتل مع سليماني في مطار بغداد) وقال لي: «هناك صديق يريد أن يكلمك». لم يدع لي مجالاً لأسأل عن هوية الصديق، وأعطى الهاتف للرجل وتبيّن أنه سليماني. قال لي: «نريد أن نأتي إليك». أجبته أنني مدعو إلى فطور، وكنا في رمضان. سألني متى أرجع فقلت في الساعة الواحدة. قال: «نكون عندك في الواحدة والنصف».

جاءوا في الموعد المحدد. سليماني وأبو مهدي المهندس ومسؤول من «حزب الله» في لبنان اسمه محمد كوثراني. وكان حاضراً على ما أذكر أربعة من أصدقائي بينهم النائب كاظم الشمري وأكرم زنكنة. قال سليماني: «لماذا لا تدعو (قادة) الشيعة إلى فطور؟» قلت له: «أنا لست صائماً فكيف أدعوهم إلى فطور». أجاب: «لا مشكلة في ذلك. وجّه لهم الدعوة ونحن نساعدك كي تتزعم الحركة الشيعية».

استغربت كلامه. حكيت له القصة التالية. عندما أردت خوض الانتخابات جاءني عبد العزيز الحكيم، رحمه الله، وقال لي إن السيّد (يقصد آية الله السيستاني) أرسلني إليك. سألني: «لماذا لا تدخل معنا في القائمة الشيعية؟». فقلت: «كيف؟» أجاب: «ثلث لك، وثلث لنا، وثلث للشيعة الآخرين». قلت له: «دربي غير دربكم، ما هذا؟ شيعي وسني ومسيحي؟» ثم قال لي الحكيم: «هذا ما يقول السيّد، ونحن سنضمن أن تكون رئيساً للوزراء إذا تعاونَّا». أجبته: «من قال لك إنني أقبل أن أكون رئيس حكومة طائفي في العراق؟ أنا لا أقبل».

رويت القصة لسليماني فسألني: «هل أنت ضد الشيعة؟»، قلت: «لا، أنا شيعي لكنني لست ملتزماً بالفكر السياسي الإسلاموي للشيعة. أنا بعيد عن هذه الأفكار. نشأتُ في حزب وطني وقومي وعروبي وليست لدي هذه الأمور». قلت ذلك في حضور الذين شاركوا في اللقاء.

بوتين: لماذا لا تذهب إلى إيران؟

طلبت من علاوي أن يتذكر أبرز النصائح التي وُجّهت إليه لزيارة إيران، وسأتركه يروي.

في الشهر السابع من عام 2010 زرت موسكو، ولم تكن لي أي صفة رسمية.

دعاني الرئيس فلاديمير بوتين إلى عشاء في الكرملين لم يحضره سوى المترجم. سألني بوتين لماذا لا أذهب إلى إيران، فأجبته: هل تذهب أنت مثلاً إلى فنلندا لتصبح رئيس جمهورية روسيا؟ فقال: لا. قلت: لماذا تريديني أن أذهب إلى إيران كي أصبح تابعاً لهم؟ أنا لا أريد رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية. أنا خادم للشعب العراقي والأمة العربية وأتشرف بذلك، ولست مستعداً لتوسّل إيران أو غيرها من أجل منصب. سألني هل لديك مانع في أن أرسل إليهم مستشاراً من عندي، فأجبت: لا، ولكن بشرط أن ألتقيهم هنا أو في مصر أو في بغداد لكنني لن أذهب إلى إيران.

قال لي بوتين من حقك أن تصبح رئيساً للوزراء، ملمحاً إلى أن القضية تصطدم بصعوبات. استفسرت منه، فقال إن هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الأميركية) قالت له إن من حق علاوي أن يصبح رئيساً للوزراء، لكنه لن يصبح.

سألها عن السبب، فأجابت بأنه لن يحصل على الأصوات الكافية في البرلمان. قال لها: فليحاول، وإن فشل يكلّف رئيس الجمهورية شخصاً آخر. كانت إيران حازمة في رفض أن أتولى المنصب.

مقاتلون من الحشد الشعبي يستعدون لمقاتلة داعش غرب الموصل عام 2017 (غيتي)

الحقيقة أن بوتين شخص لطيف ومهم وملم. ورأيي الخاص أن روسيا في أخلاقياتها أقرب إلى العرب من أميركا. أكثر جدية وصراحة ومباشرة من الأميركيين.

في الحقيقة، استوقفني كلام لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. قال لي: نحن كنا مقصرين ولم نفهم أن للصراع في المنطقة طابعاً سنياً - شيعياً في جانب منه. ونحن يجب أن نقف مع الشيعة لأنهم يمثّلون عمقاً مهماً، وهم أكثر، من العراق إلى سوريا إلى اليمن. هذه الدول كلها أو أكثريتها شيعية. قلت له إن الصراع ليس سنياً - شيعياً، بل هو بين فريق يؤمن بالأمة العربية وفريق لا يؤمن بها. وأكدت له أن العروبة شيء موجود وليست مجرد شعار.

في الواقع، كنت قد زرت بوتين مع وفد في 2004 بصفتي رئيساً للوزراء. كانت بداية الاجتماع سيئة. استهل كلامه على نحو أزعجني، مستخدماً كلاماً قاسياً نوعاً ما حول الاحتلال والشرعية. رددت عليه بكلام أقسى من كلامه. قلت له: جئنا إلى هنا تلبية لدعوتكم، ولنا هدفان من هذه الزيارة. الأول أننا نريد أن نقيم ضدكم قضية قضائية حول ديونكم للعراق، لأنكم بعتم أسلحة بأسعار خيالية إلى العراق أثناء حربه مع إيران. الثاني أننا نريد تشكيل لجنة مشتركة لإنهاء عقود شركاتكم أو إعادة مناقشتها، ولعلمكم سيادة الرئيس أننا ناضلنا ضد صدام حسين وتعرضنا للكثير من الاضطهاد، فإن كنتم تعتقدون أننا دخلنا مع الأميركيين وعلى دباباتهم فأنتم واهمون. ساد الصمت القاعة ومرر لي أحد الوزراء العراقيين ورقة قال فيها إننا قد نُطرد من موسكو. لكن بعد تلك المشاحنة تحوّل الاجتماع إلى لقاء إيجابي ونشأت علاقة بيني وبين بوتين.

في 29 سبتمبر (أيلول) 2010، لبّيت، على رأس وفد من «العراقية»، دعوة لزيارة سوريا. بادرنا الرئيس الدكتور بشار الأسد بالقول إنه سيسافر إلى طهران لكي يتكلم في موضوع تشكيل الحكومة العراقية. استغربت هذا الطرح العجيب بأن يجري تشكيل الحكومة العراقية من دمشق وطهران، من جهة، والإدارة الأميركية، من جهة أخرى. حضر اللقاء من الجانب السوري وزير الخارجية فاروق الشرع والدكتورة بثينة شعبان واللواء محمد ناصيف (أبو وائل) مستشار رئيس الجمهورية.

قال الأسد إن الشرع سيزور إيران غداً وسيتصل بنا عند عودته.

إيرانيون يرفعون صوراً لسليماني أثناء جنازته يناير 2020 (غيتي)

واسترسل قائلاً إنه بات واضحاً أن إيران ضد علاوي ولن تسمح له بتشكيل الحكومة، وأن الإدارة الأميركية متوافقة مع إيران في هذا الأمر، فما هو موقف «العراقية» وما هي البدائل؟ شرحت للرئيس السوري أن الأمر لا يتعلق بشخص رئيس الوزراء، بل بالنهج الذي سيتبعه، وإننا نريد إخراج العراق من المحاصصة والطائفية السياسية وبناء عراق يتسع لكل شعبه وإعادته إلى حاضنته العربية. سألني الأسد: من تقترحون أن يشغل هذا الموقع إن لم يكن لكم؟ فاقترحت أن يكون عادل عبد المهدي، واستناداً إلى برنامج إصلاح وعلى قاعدة الشراكة الحقيقية. تأثر الجو حين قال الأسد: وإذا أصرّت إيران على المالكي ولم ترض بعادل عبد المهدي؟ أجبته: هل تسافر إلى إيران للتفاوض أم للاستماع إلى إملاءات إيران على العراق؟

بعد اللقاء دعانا محمد ناصيف إلى غداء في مطعم مطل على دمشق. قال: لماذا لا تسافر إلى إيران؟ يمكن أن نعمل لك ترتيباً معهم. فقلت له: أخي أبو وائل إذا استمر إصراركم على هذا الكلام، فلن أحضر الغداء ولن أزور سوريا أبداً في المستقبل، فاتركوا هذه المسألة.

في الشهر السابق لزيارتي سوريا، ذهبت إلى الكويت لحضور مؤتمر. أبلغت أن الأمير الشيخ صباح الأحمد يدعوني للاجتماع به. ذهبت وتكلمنا عن الانتخابات وأوضاع المنطقة والعراق. ثم فاجأني قائلاً: لماذا لا تذهب إلى إيران؟ فأجبته: أخي أبا ناصر كيّف أستجدي من إيران رئاسة الوزراء؟ أنا مستعد للقائهم في أي مكان، في الكويت أو مصر أو بغداد. قال إنه سيوفد مبعوثاً لإبلاغهم. وبالفعل أرسل مستشاره السفير السابق لدى الأمم المتحدة محمد أبو الحسن حاملاً رسالة منه إلى الرئيس أحمدي نجاد. بعد يومين، عاد المبعوث وزارني في مقر إقامتي وقال إن السلطات الإيرانية ترحّب باللقاء وتفضّل أن يكون في إيران، وإذا كان ذلك صعباً فإن المسؤولين سيجدون الوقت المناسب لزيارة الكويت.

الحقيقة أنني كنت أبديت لدى تولي رئاسة الوزراء في 2004 رغبة في زيارة إيران في إطار جولة في دول الجوار. طلبت أن نناقش في الزيارة المشكلات العالقة لبناء علاقات طبيعية بين جارين. أصروا على أن تكون الزيارة بروتوكولية لأنهم يعرفون موقفي من اتفاقية الجزائر والتعويضات والتدخلات.

بوش لا يستحق الرئاسة

سألت علاوي عن انطباعه عن لقائه مع الرئيس جورج بوش الابن، فأجاب: لا يستحق أن يكون رئيساً لأميركا. لم أره ثابتاً على وضوح أو أفكار. لم تكن لديهم سياسة بعد إسقاط النظام. حلّ الجيش واجتثاث البعث وكل هذه الممارسات العشوائية. لقد شرحت ذلك لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وطلبت منه أن يتحدث معه أكثر في موضوع العراق.

* غداً حلقة رابعة


مقالات ذات صلة

مستشار السوداني: إذا لم نبادر إلى حل الفصائل فسيحلها الآخرون بالقوة

المشرق العربي كتائب «حزب الله» العراقية هدَّدت مراراً بزيادة هجماتها على الأميركيين والإسرائيليين (إكس)

مستشار السوداني: إذا لم نبادر إلى حل الفصائل فسيحلها الآخرون بالقوة

أدلى أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي بتصريحات مثيرة حول ضرورة أن يبادر العراق إلى هيكلة الفصائل المسلحة وحلّها قبل أن تُحلّ بالقوة من قِبل آخرين.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي سوريون يحتفلون في مدينة أربيل شمال العراق بانهيار نظام الأسد بسوريا (أ.ف.ب)

تباين المواقف العراقية بعد أسبوعين من سقوط الأسد

على الرغم من الموقف الرسمي العراقي حيال الأزمة في سوريا والمتمثل بمواقف وإجراءات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

حمزة مصطفى (بغداد)
الخليج ولي العهد السعودي لدى استقباله في المخيم الشتوي بالعُلا رئيس الوزراء العراقي (واس) play-circle 00:19

محمد بن سلمان والسوداني يبحثان التطورات الإقليمية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها.

«الشرق الأوسط» (العلا)
تحليل إخباري الصمت يسود فضاء الفصائل العراقية المسلّحة

تحليل إخباري الصمت يسود فضاء الفصائل العراقية المسلّحة

خلافاً للصوت العالي الصادر عن الفصائل المسلحة العراقية الذي كان يُسمع كل يوم تقريباً خلال الأشهر الماضية، يسود هذه الأيام صمت كبير داخل أوساط هذه الجماعات.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي ماهر الأسد (أ.ف.ب)

تضارب أنباء بشأن وجود ماهر الأسد في العراق

نفت بغداد والسليمانية تقارير إعلامية عن لجوء ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد إلى جبال في إقليم كردستان.

حمزة مصطفى (بغداد)

«إدارة العمليات العسكرية» تستهدف أمراء الحرب وتطول مرتبطين بأسماء الأسد

TT

«إدارة العمليات العسكرية» تستهدف أمراء الحرب وتطول مرتبطين بأسماء الأسد

صور مفقودين معلقة على البوابة الرئيسية لسجن صيدنايا بشمال دمشق (أ.ف.ب)
صور مفقودين معلقة على البوابة الرئيسية لسجن صيدنايا بشمال دمشق (أ.ف.ب)

يحاكَم غداً الخميس المحتجزون والأسرى الذين أودعوا سجن حماة المركزي، ممن سلموا أنفسهم لقوات العمليات العسكرية أو اعتُقلوا من قبل «العمليات» في معاركها التي سقط فيها نظام الأسد، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي قال إن مصادره أكدت أن محاكمتهم ستكون على دفعات.

وستنظر لجنة قضائية في أمور الموقوفين، وهي تتبع وزارة العدل في الحكومة المؤقتة التي شكلتها «هيئة تحرير الشام»، وفق تأكيد مدير «المرصد»، رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط».

وتحدث تقرير من «المرصد» عن أن «إدارة القيادة العسكرية» تنفذ حملة مداهمة واعتقالات في الساحل السوري وحماة وحمص، «ضد أمراء الحرب الذين تاجروا بدماء أبناء سوريا، مع قيادات متنفذة في النظام، من بينها شخصيات مرتبطة مع أسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع، ومسؤولين سابقين، ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في عهد النظام السابق».

سيدة سورية تمسك مشنقة داخل سجن صيدنايا أثناء بحثها عن أقاربها (رويترز)

الحملة تطول أيضاً الضباط والعناصر و«الشبيحة» وكل المرتبطين بالأجهزة الأمنية في «كتابة التقارير»، وارتكبوا جرائم بحق السوريين.

ومع انهيار النظام السابق واشتداد العمليات العسكرية، سلم مئات من العناصر والضباط أسلحتهم، فيما اعتُقل عدد كبير منهم سيعاملون بوصفهم أسرى حرب.

صور مفقودين معلقة على البوابة الرئيسية لسجن صيدنايا بشمال دمشق (أ.ف.ب)

وطلب «المرصد السوري» من «إدارة العمليات العسكرية» معاملة السجين «وفق ما يتضمنه القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وتأمين اتصالهم مع ذويهم لطمأنتهم، وإخضاع الموقوفين لمحكمة مستقلة ونزيهة مشكّلة تشكيلاً قانونياً». كما طالب بـ«إعلام الأشخاص المدانين بالإجراءات القضائية المتوفرة لإنصافهم، والمدد الزمنية لكل إجراء».

فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهول الهوية بمخزن للأدوية في منطقة السيدة زينب بدمشق (أ.ف.ب)

وكان عضو مجلس الإدارة في الدفاع المدني السوري، عمار السلمو، قد أعلن، اليوم الأربعاء، أن فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهول الهوية في مخزن للأدوية بمنطقة السيدة زينب بدمشق.

وكانت منطقة السيدة زينب، الواقعة جنوب دمشق، منذ 2012 معقلاً لعناصر من «حزب الله» اللبناني، وغيره من المجموعات المدعومة من إيران، الذين «قالوا إنهم دخلوها للدفاع عن هذا المقام المقدّس بعد انطلاق الانتفاضة على الرئيس المخلوع، بشار الأسد».

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد خلت المنطقة الآن تماماً من عناصر «حزب الله» وفصائل أخرى موالية لإيران، وحل مكانهم مسلحون محليون.

وقال السلمو، من مكان قرب مقام السيدة زينب، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «وصل إلينا بلاغ عن وجود جثث وهياكل عظمية وروائح كريهة في هذا المكان».

ووفق السلمو، فإن «الأعداد الموجودة هنا لا تتجاوز 20 ضحية، لكن العظام منشورة في كل مكان. سنحاول تجميع هذه العظام ومعرفة الرقم التقديري».

وشاهد مصور «وكالة الصحافة الفرنسية» في المكان مخزناً قرب مقام السيدة زينب مباشرة، «وفي داخله غرفة لتخزين الأدوية، تحتوي براداً صغيراً، عثر فيه على نحو 10 جثث، بالإضافة إلى جماجم وعظام مبعثرة على الأرض. كما تناثرت على الأرض كذلك علب طعام».

ورفعت فرق الدفاع المدني الجثث والعظام ووضعتها في أكياس لتجميعها لبدء عملية التعرف عليها.

وأضاف السلمو أن «المكان مخصص ليكون مستودع أدوية (...)، لكن داخل المستودع يوجد براد، هذا البراد يحتوي جثثاً متفسخة وهياكل عظمية يبدو أنها لأشخاص ماتوا قبل سنتين أو سنة ونصف السنة، بشكل تقريبي».

وأوضح السلمو أن ثمة «أرقاماً موجودة على تلك الأكياس التي كُتب عليها (حلب - حريتان). لا ندري لمن تعود هذه الجثث. سنحاول معرفة أي تفاصيل تدلنا على هويتها».

وتابع أن «ما نستطيع أن نفعله الآن هو توثيق هذه الجثث لمعرفة أعمارها... وفيما بعد أخذ عينات لفحص الحمض النووي» لمعرفة هويتها.

وتعذر على «وكالة الصحافة الفرنسية» التأكد بشكل منفصل من سبب وجودها أو هوية أصحابها.

وفرّ بشار الأسد من سوريا يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي في أعقاب هجوم خاطف من فصائل المعارضة قادته «هيئة تحرير الشام»، بعد أكثر من 13 عاماً من قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، الذي أدى إلى اندلاع إحدى أكثر الحروب دموية في هذا القرن.

مصادر «المرصد السوري» أكدت أن القوات في «إدارة العمليات العسكرية» تشن الحملات لـ«محاكمة المجرمين، نتيجة مطالبات شعبية ووجود دلائل على تورط الملاحَقين في سفك الدماء، إضافة إلى الحفاظ على الاستقرار في مختلف المناطق، كي لا يلجأ الأفراد إلى القصاص بشكل فردي ممن عرضوهم أو أفراد من عائلاتهم للضرر في عهد النظام السابق».

ويعدّ تحقيق العدالة مطلباً أساسياً للثورة السورية «شدد عليه السوريون في هتافاتهم وخطاباتهم، وعلى ضرورة محاسبة كل من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من القتلة والمجرمين الذين استغلوا الوضع لتحقيق مكاسب شخصية».