علي سالم

علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل

آخر معارك يوليو

احتفالا بذكرى والده، اتهم المهندس عبد الحكيم عبد الناصر الرئيس أنور السادات بأنه سرق الثورة، يقصد ثورة يوليو (تموز) بالطبع، وكان دليله على ذلك هو أن السادات أعلن سياسة الانفتاح الاقتصادي. كأن الأمانة كانت تقتضي أن تتبع مصر سياسة الانغلاق الاقتصادي وربما الانغلاق في كل مجال. غير أن الرجل للحقيقة والتاريخ لم يتهم السادات بأنه تمكن حربا وسلما من استعادة سيناء. الواقع أن علاقة جمال عبد الناصر بأنور السادات جديرة فعلا بالتناول وإلقاء المزيد من الضوء عليها. أعتقد أن السادات كان أول من فطن من زملائه إلى أن «الزميل» جمال لم يعد له وجود بعد نجاح «الحركة» المباركة، وأنه أصبح حاكما مطلقا وزعيما أوحد.

ذكريات من يوليو

بالمقاييس السائدة في تلك الأيام من أربعينات القرن الماضي وبداية الخمسينات، أي قبل «ثورة يوليو» (أو حركة أو انقلاب أيها تفضل)، كانت الوطنية هي أن تكره الإنجليز إلى حد التحريم، وأن تبتهل إلى الله أن تتمكن القوات الألمانية من هزيمتهم. تلك القوات التي كانت على وشك دخول الإسكندرية قادمة على الساحل من الغرب بقيادة الجنرال الألماني ذائع الصيت روميل. ولأن الوطنية بطبيعتها في حاجة إلى قدر من الحواديت، لذلك اخترع المصريون عدة حواديت عن هتلر، منها أنه أشهر إسلامه وسمّى نفسه الحاج محمد هتلر.

السمك المقلي والجاسوسية

ومع الشيخوخة يحدث ارتداد لمرحلة الطفولة، وأهم ما يتميز به الطفل هو الدهشة وإطلاق الأسئلة. غير أن الشيخوخة تتميز بشيء مهم هو الشك في كل الإجابات القديمة وكأنها مرحلة بعث للأسئلة القديمة بحثًا عن إجابات جديدة أكثر صحة.. السؤال الذي هاجمني بالأمس مساءً وحرمني النوم هو.. ما هو الغباء؟ الإجابة المحفوظة هو أنه نوع من التخلف المعرفي، أو التدهور العقلي أو الانهيار الثقافي أو الجهل المعتبر.. أو سمّه ما شئت، أما الآن وبكل القدر الذي حققته من الخبرة والمعرفة أقول لك: الغباء مرض معدٍ. لست أعرف اسم الميكروب أو الفيروس الذي يسببه فهذه مهمة العلماء.

لا بد من الدولة وإن طالت الحرب

استعادة عدن من أيدي الفوضى والفوضويين خطوة حاسمة على طريق استعادة الدولة اليمنية. ورسو سفينة الإغاثة الدولية في الميناء، وهبوط طائرة الإغاثة السعودية في المطار الذي تم تحريره، يثبتان للعالم كله أن الميناء والمطار أصبحا آمنين تماما. ولقد كانت سرعة وصول أعضاء الحكومة اليمنية من السعودية إلى عدن فيها إشارة واضحة للعالم كله.. من هنا نحن نبدأ بناء الدولة. لا بد من التذكير بأن القضاء على «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية لا يمثل الهدف الأساسي الذي بتحقيقه نكون قد انتصرنا في معركتنا واكتسبنا الحق في أن ننام آمنين في مخادعنا. بل هي معركة على طريق الحضارة لاستعادة قوة الدولة وهيبتها.

الشاطئ ما زال بعيدًا

يبدو أننا لم نرسُ على الشاطئ بعد. هو قريب منا، ونستطيع تبين ملامحه، غير أننا لم نصل إليه بعد. هذا ما أدركته بعد سماع تصريحات السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، وهو يقول إن سياسة إيران لم تتغير في المنطقة بعد الاتفاقية، وإن هذه السياسة تتعارض مع السياسة الأميركية بمائة وثمانين درجة. وفي الوقت نفسه صرح السيد حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية بأن إيران ستقوم بتنمية علاقاتها بدول الجوار بعد الاتفاقية. والسياسة علمتنا أن نأخذ كل كلمة ينطق بها مسؤول، على محمل الجد. لذلك سنصدق الرجلين.

الاتفاقية والوحش المقيد إلى شجرة

حتى لو كان تصدير الثورة مادة من مواد الدستور الإيراني، فهذا أمر متوقع من الثورات الأممية حتى بغير وجود لهذه المادة في الدستور، كان هذا هو بالضبط الركن الأساسي في الثورة الشيوعية في روسيا في بداية القرن الماضي. وحتى الحكومات العسكرية الثورية في منطقتنا، هي أيضا كانت حريصة على تصدير المتاعب لجيرانها. هذا هو ما يفكر فيه الثائر دائماً عندما يصل إلى السلطة. هو يشعر بالخوف طوال الوقت، ويتوقع ضربة قادمة من مكان ما تطيح به وبثورته. كل هذا الخوف يصب في اتجاهين؛ أن يزعج جيرانه حتى لو أنفق في سبيل ذلك نصف ميزانية شعبه، والاتجاه الثاني هو البطش بخصومه في الداخل بكل قسوة.

عن الاتفاقية.. بكل الحذر

إذا كان لي أن أتخذ من برامج إذاعة «BBC» مرجعية لقياس الرأي العام في الشارع الإيراني، أستطيع القول إن الشباب في إيران بعيدون عن التطرف، وإنه قد ظهر جيل جديد في إيران تحرر نهائيًا من الاضطرابات العقلية النجادية الثورية، وهو ما يؤكد أنهم اكتشفوا أن أميركا ليست شيطانًا أكبر أو متوسط الحجم، لأن الدول لا يوجد بها ملائكة أو شياطين، بل توجد مصالح تسعى كل دولة لتحقيقها.

تسقط الكلمات.. تحيا الأفعال

أفكر في جدي الكبير ساكن الكهف، لم يكن في حاجة إلى الكلمات لذلك أستبعد تماما أنه كان يتكلم. غير أنه بالتأكيد تعبيرا عن انفعالاته، كان يهمهم أو يصدر أصواتا غاضبة أي يزمجر أو يصرخ رعبا أو ليخيف الآخر. ومع المزيد من إحساسه بالطمأنينة والأمان وبعض الممارسات الممتعة التي لم يكن يعرف لها اسما، بدأ ينحت الحروف أو ربما وجد أنه من السهل تحويل الصيحات والآهات والغمغمات إلى حروف لا تتطلب جهدا كبيرا في التعامل بها. ولكن متى عرف الكلمات؟ أعتقد أنه عرف الأفعال في البداية، ثم هداه عقله أو غريزته إلى استخدام الحروف لصنع كلمات تعبر عن هذه الأفعال.

الأمير الراحل ودور الفرد المبدع

الأمير سعود الفيصل هو عنوان لفصل في كتاب الزمن هو: دور الفرد المبدع في التاريخ. وكيف أنه القاطرة الحقيقية التي تشد عربات التاريخ إلى الأمام على قضبان الزمن والحضارة. وبغياب الفرد المبدع أو بخفوت صوته أو بحصاره بقوات العجزة غير الأكفاء من جموع أهله تنتكس حركة التاريخ وتتوه الجماعة وتضيع الحضارة. هذه ليست مجرد كلمات، بل هي حقائق واقعية على الأرض تحيط بنا الآن ممثلة في شعوب بأكملها تركت بيوتها وهامت على وجهها في الوديان والجبال والصحارى.

أهلاً بعصر الأسوار الحصينة

وبعد أحلام الوحدة العربية الوردية التي ما يغلبها غلاب، انتقلنا بنعومة وبغير تمهيد إلى كابوس الفرقة العربية والخوف من بعضنا البعض، وكأن الخوف من الإرهاب لا يغطي احتياجاتنا من الخوف. نحن أكبر مستهلك للخوف على الأرض. فبعد خوفنا من مؤامرات الغرب والشرق علينا وفزعنا من محاولات تفتيتنا وتقسيمنا والقضاء على ثرواتنا أو بالأحرى ديوننا، وعجزنا وفقرنا وتخلفنا، اكتشفنا بئرا جديدة للخوف قد تغطي احتياجاتنا للمائة عام القادمة وهو الخوف من أنفسنا. يا لقدر الحزن الذي شعرت به عندما قرأت خبرًا يقول إن الحكومة التونسية ستبني سورًا بينها وبين ليبيا.