محسن المحمدي
قد يتساءل المرء: لماذا العودة إلى أرسطو وهو فيلسوف القرن الرابع قبل الميلاد؟ الجواب بسيط. فالرجل وضع إشكالات شغلت بال المفكرين طوال القرون الوسطى، ووضع للعلماء تفسيرات للظواهر، كان بها عيوب ونواقص حركتهم، وجعلتهم يبذلون الجهد قصد حلها. ولنتذكر أنه في الزمن الحديث، خصوصًا في القرن السابع عشر، جرت مهاجمة أرسطو والعمل على هدم نسقه بالحجة والدليل، إلى درجة هزيمته، ليحل محله النسق العلمي الذي لا نزال نعيش على صداه حتى الآن.
انتهى الوعي الإنساني المعاصر، جراء التطور التكنولوجي وهيمنة التصور الآلي للعالم وبروز الاختلالات البيولوجية والإيكولوجية، إلى أزمة خطيرة ومتعددة الأبعاد، دفعت إلى جر العلم نحو المساءلة المعيارية التي لطالما طردها من قبل. فالوجود أصبح كله في خطر، الأمر الذي دفع إلى ضرورة إقامة تصورات جديدة للأخلاق تتناسب والمتغيرات التقنو-علمية الراهنة المؤثرة على أجيال الحاضر والمستقبل. وهو ما حاول الفيلسوف يوناس هانس (1903 - 1933)، أن يقوم به انطلاقا من مفهوم المسؤولية، الذي أعطاه أبعادا جديدة، وضخه بدلالات وشحنات تجيب عن الإشكالات التي فرضتها التطبيقات التقنية على الإنسان، والتي لم يعهدها من قبل.
تعد فكرة أن الناس بحاجة للدولة، منطلقًا أساسيا عند منظِّري الفلسفة السياسة. لكن السؤال الذي وقع عليه النقاش الحاد هو: ما الحد الذي ينبغي أن تتوقف عنده الدولة في علاقتها بأفرادها؟ أي متى ينبغي أن تضع يدها، ومتى عليها أن تلتزم الحياد؟ بعبارة أخرى، هل يجب أن ندافع عما يسمى «الدولة الأدنى»؟ حيث يصبح دورها فقط، ضمان الحرية والأمن والحفاظ على الملكية، لتبقى الشؤون الأخرى من اختصاص الأفراد أنفسهم. وهذا هو رأي التيار الليبرتاري، الذي دافع عنه مثلاً، الأميركي روبرت نوزاييك (1938 - 2002)، في كتابه: «الفوضوية، الدولة، والطوباوية».
يروى أن الفيلسوف إبيكتيتوس، كان عبدا لشخص يدعى «إبافروديت». وذات يوم قرر سيده أن يلهو به بطريقة غريبة، وهي ليّ ساقه بآلة للتعذيب. فقال له إبيكتيتوس: «إنك ستكسر رجلي». لكن سيده لم يأبه لذلك، وتمادى في ليّها، وإبيكتيتوس يتحمل صابرا ولا يبدي جزعا، حتى كسرت ساقه. ولم يقل بعدها، سوى: «ألم أقل لك يا سيدي إنك ستكسر ساقي؟». بالطبع، هذا الحادث سيجعل إبيكتيتوس يعيش بقية حياته، يعاني من ضعف الجسم وعرج الساق، لكنه يظهر لنا أيضا، وجها من فلسفته المنتمية إلى المدرسة الرواقية، التي تدعو إلى ضرورة الثبات عند الشدائد، والخضوع لتصرفات القدر، والصبر على المدلهمات، والسيطرة على الانفعالات العنيفة..
لا شك أن العرب قبل الإسلام تعلموا من المعارف المتداولة في الحضارات المجاورة، والمتفوقة بحكم الاحتكاك التجاري والرحلات، التي كان يقوم بها البعض. وهنا نستحضر ذلك المثال الذي يقدمه الباحثون، الخاص بالطبيب العربي الحارث بن كلدة، الذي درس في جنديسابور الطب باللغة السريانية في فضاء ثقافي فارسي. ومن المؤكد أنه عندما عاد إلى موطنه المدينة المنورة، كان مزودا بمعرفة اللغتين السريانية والفهلوية أي الفارسية، ومارس الطب في ظل حكم الخلفاء الراشدين. فهو كان متملكًا لخبرة الأقدمين في الطب بلغة تخالف لغته الأصل، لكنه يطبق في وسط عربي.
لقد مر على الشعوب العربية الإسلامية مدة طويلة، وهي تعتبر التنظير ترفا فكريا، وتعتبر كل دعواتنا هي للعمل، وكأن العمل يتم من دون سند نظري. لقد فاتنا أن كل سلوك في الحياة وكل تصرف، سواء أكان فرديا أو جماعيا، لا يتم أبدا إلا بإيعاز نظري مسبق واع أو غير واع. فهناك دوما، بنية ذهنية خفية بمبادئ وأوليات مضمرة أو معلنة، واضحة أو معتمة، تكون بمثابة الإطار المرجعي أو النموذج الموجه للقرارات، الذي لا نستطيع النظر للواقع من دونه. بل حتى مسألة طرح الإشكالات وطرق حلها، مرهونة بهذا السقف النظري. فلماذا إهمال التنظير على أهميته؟ ولماذا تهميشه والاعتقاد في أنه أمر غير مجد؟
يلقب «جيل دولوز» الفيلسوف سبينوزا بـ«أمير الفلاسفة»، ويعتبره نيتشه سلفًا حقيقيًا له، حين يقول: «أنا مندهش جدا، فقد اكتشفت أخيرا أن لي سلفا». فمن هو هذا الفيلسوف؟ ولد سبينوزا (1632 - 1677) في أمستردام، لأسرة يهودية كانت قد فرت من بطش محاكم التفتيش البرتغالية واستقرت في هولندا. درس العبرية واللاهوت والتعاليم اليهودية، وتلقن التلمود أيضا. فوالداه كانا يطمحان في يصبح حاخاما. لكن ميوله كانت تسير على خلاف ذلك. فتعلم اللاتينية، وكانت مفتاحا جعله يخترق النصوص التي تكون في الغالب للنخبة.
لم يكن العرب ما قبل الإسلام معزولين عن بقية العالم. ودرايتهم بما كان يروج من معطيات فلكية عالمية آنذاك، كانت متاحة لهم، على الأقل على مستوى حاجاتهم الأساسية، المتعلقة بالضبط بالاهتداء بواسطة النجوم، في بيداء شبه الجزيرة العربية. فالسماء لعبت دور المعلم. لهذا وجدنا العرب قد تأملوا السماء، وضبطوا ما بها من نجوم وكواكب، وحددوا بروجها، ناهيك عن أن مسألة تدقيق الحساب والتقويم، ما بين القمري والشمسي، كان يشغل بالهم، لتثبيت الزمن، ومن ثم ضمان السير العادي للمواسم والأسواق ورحالات التجارة. فعرفوا منازل القمر وحركة الشمس في فلك البروج بدقة عالية. كما لجأوا إلى النسأة لضبط التقويم.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة