التنظير وضرورته لخلق الانسجام بين المتناقضات

لماذا نكتفي بما أبدعته المنظومة القديمة أو أنجبته المنظومة الغربية؟

غاليليو
غاليليو
TT

التنظير وضرورته لخلق الانسجام بين المتناقضات

غاليليو
غاليليو

لقد مر على الشعوب العربية الإسلامية مدة طويلة، وهي تعتبر التنظير ترفا فكريا، وتعتبر كل دعواتنا هي للعمل، وكأن العمل يتم من دون سند نظري. لقد فاتنا أن كل سلوك في الحياة وكل تصرف، سواء أكان فرديا أو جماعيا، لا يتم أبدا إلا بإيعاز نظري مسبق واع أو غير واع. فهناك دوما، بنية ذهنية خفية بمبادئ وأوليات مضمرة أو معلنة، واضحة أو معتمة، تكون بمثابة الإطار المرجعي أو النموذج الموجه للقرارات، الذي لا نستطيع النظر للواقع من دونه. بل حتى مسألة طرح الإشكالات وطرق حلها، مرهونة بهذا السقف النظري. فلماذا إهمال التنظير على أهميته؟ ولماذا تهميشه والاعتقاد في أنه أمر غير مجد؟ بل لماذا يدعي البعض أن لدينا ما يكفي من التنظير؟ هل حقا نحن ننظر؟ أم نحن مجرد مستهلكين سواء لإبداعات القدماء أو إبداعات الآخر الغربي المتفوق؟ بعبارة أخرى، لماذا نكتفي بالتقليد النظري سواء الذي أبدعته المنظومة القديمة، أو الذي أنجبنه المنظومة الغربية الحديثة، فلا نبدع لأنفسنا نظريات جديدة، أو على الأقل، نحسم أمرنا ونشتغل بواحدة فقط عوضا عن أن نظل نتأرجح بين القديم والحديث دونما ضوابط إلى حد الانفصام الثقافي؟ لماذا هذا العجز النظري؟ ولكن قبل كل ذلك ما معنى نظرية بداية؟
معنى النظرية؟
لن نجد لفهم النظرية أحسن من أخذ النموذج من العلم الدقيق؛ فنحن نسمع مثلا عن نظرية النسبية لأينشتاين، ونظرية التطور لداروين، ونظرية الانفجار العظيم، ونظرية التجاذب الكوني لنيوتن وغيرها، فما الذي يسمح بإطلاق لقب نظرية على منجز علمي؟ على ماذا تتوفر النظرية لتكون نظرية؟
إن النظرية هي بمثابة افتراض أو إنشاء عقلي مفاهيمي، الغرض منه إيجاد حل لمعضلة علمية معينة. ولكي تصبح النظرية حلا ناجعا للمعضلات التي يواجهها العلماء، فإنها ينبغي أن تكون قادرة على جمع شمل شتات القوانين المكتشفة، وجعلها تكتسي طابع النظام والمعقولية والتناغم والانسجام. وكمثال نوضح به الأمر، سنأخذ نظرية التجاذب الكوني. فهي استحقت أن تصنف كنظرية علمية، لأنها جاءت لتحل المشكلة التالية: لماذا هناك سقوط في الأرض ودوران في السماء؟ بعبارة أخرى، لماذا تسقط التفاحة ولا يسقط القمر؟ فكان الجواب هو الجاذبية، باعتبارها محاولة للتوفيق بين قوانين سقوط الأجسام، التي وضعها غاليليو، وقوانين دوران الأجسام التي اكتشفها العالم الفلكي «كبلر»، في توليفة متناغمة، حيث لم يعد هناك تناقض بين السقوط والدوران. فيكفي مراعاة المسافة والكتلة. فإذا ما غيرنا للقمر كتلته ليصبح مثلا أثقل، لسقط عوضا عن أن يدور. الشيء نفسه نقوله عن القمر الاصطناعي. فحين نرسله إلى الفضاء تصبح حركته دورانية وهكذا. فأين تتجلى قوة التنظير هنا؟ إنها استطاعت أن تدمج السماء بالأرض، وتوحد القوانين في قالب رياضي جامع. وبهذا فالنظرية تكون قد حلت مشكلة. وإذا ما طرأت مشاكل جديدة، تطلب ذلك عدم التشبت بالنظرية القديمة، والاتجاه نحو تنظير جديد.
إن العلم لا يتحرك إلا بالمشكلات. والمشكلة العلميّة، عبارة عن تناقض مزعج ومربك ومحرج، ما بين النماذج الذهنية المقترحة: «أي الباراديغم»، والمكذبات الواقعية التي تحرج هذا الباراديغم، ومن ثم ينبغي البحث عن حل يعيد خلق الانسجام من جديد. فالمتأمل في تاريخ العلم، يكتشف دائما، أن العلم يتحرك بقوة حينما تكون هناك توترات وتناقضات جادة بين النماذج المعتمدة، والوقائع المشاهدة المكذبة لها. فمثلا عندما دارت الأرض مع كوبيرنيكوس لم تعد الفيزياء الأرسطية القائمة على أساس أن السكون هو الأصل، نموذجا صالحا. لأن المكذبات طغت، وأصبح ضروريا وملحا البحث عن نموذج جديد. وهذا ما بلوره «غاليليو» انطلاقا من مبدأ العطالة، أو القصور الذاتي الشهير. وكمثال آخر نذكره، وهو أنه في القرن التاسع عشر، وقع تناقض بين حكاية الخلق، كما وردت في سفر التكوين، والمعارف البيولوجية والجيولوجية الحديثة. والشيء نفسه يقال عن التناقض الذي طرحناه أعلاه مع نيوتن والمتمثل في: لماذا التفاحة تسقط والقمر لا يسقط؟ بعبارة أخرى، هل قوانين السماء هي نفسها قوانين الأرض؟ بالطبع وجد الحل التوليفي في الجاذبية. فالتناقض والأزمات والرجات العقلية، بين النماذج المقترحة ومكذباتها، هي محرك العلم ومهمازه. وهو الأمر الذي تؤكد عليه الابستمولوجيا المعاصرة، وخاصة مع «توماس كون»، بمفهوم الباراديغم، وكارل بوبر بمفهوم القابلية للتكذيب.
العجز النظري؟
تعترض طريق الإنسان العربي الكثير من المشكلات والمآزق في كل المجالات. وعندما يبحث لها عن حلول، يجد أمامه وابلا من النظريات، التي هي بمثابة مقترحات حلول، إلى درجة يقف معها عاجزا عن الاختيار والمفاضلة؟ وإذا علمنا أن الاختيار لا يكون، في غالب الأحيان، على أساس عقلي متين، بل يكون على أساس وجداني، إذ تغيب معايير الانتقاء العلمية عن العقل العربي للأسف، نختار حيثما اتفق، وربما فقط لدواعي الجذور والانتماء أو التاريخ، وليس لدواع إجرائية تنشد أكبر قدر ممكن من المردودية، وأكبر قدر ممكن من جمع التناقضات في توليفة متناغمة ومنسجمة، إذ لا قيمة لأي تنظير يترك النشاز والاضطراب، فالحلول النظرية الجبارة، هي حلول تدمج اللأمنسجم مع بعضه البعض. أما أن تجمع المتآلف فلا يعني أننا في التنظير في شيء. لكن لسوء حظنا، نجد عجزا نظريا هائلا. وهذا ليس جلدا للذات، بل هو الحقيقة التي لا يجب الهروب منها. إنها تشخيص يسمح بأن نطرح أولوياتنا من جديد، وأن نعلنها حاجة عربية إسلامية، ونبحث عن الطاقات خاصة الشابة منها، ونجمع شملها، ونطلق لها العنان للتفكير كي تحدث التراكم الذي ربما يسمح بالكيف المطلوب.
هل نفكر من خلال نظرياتنا المتوارثة، أم نفكر انطلاقا من النظريات الجديدة؟
كم هو مؤلم أن نبحث عن حلول لقضايا العصر، ونجد أن النظريات القديمة الموروثة غير مسعفة، لأنها لا تجيب عن المآزق، كما وأن المكذبات الواقعية تحرجها وتظهر تهافتها، ولا تزيد إلا في تعميق خيبة أملنا. وكم يزداد الألم عندما نقترض النظريات من الغرب، ونجد أنفسنا في وضع غير مريح، لأننا غير هاضمين لها، مع إحساس بأن لدينا الثمار بلا جذور وأصول، أو أن شروط تحقيق هذه الحلول لا تتلاءم وظروفنا التي نحن فيها، على الرغم من كل جهود التبيئة التي يمكن أن نقوم بها. أليس هذا حقا هو الشقاء عينه؟! وتزداد الأمور حدة، عندما نبدأ في الانتقاء تارة من الموروث، وتارة من المنظومة الوافدة الغربية، فتصبح الأمور كاللوحة المشوهة التي لا يحتمل النظر إليها، فلا تعطي سوى الانفصام الثقافي الذي نعاني منه كثيرا. وما الجدل حول الأصالة والمعاصرة الذي أسال المداد عند المفكرين العرب، سوى أحد تمظهرات ذلك. فالديمقراطية ليست ديمقراطية، والحرية ليست هي الحرية. فالمعاني تتضارب ما بين تصور المنظومتين، فيختلط علينا الأمر، ويسوء السلوك، فينطبق علينا مثال الغراب الذي أراد أن يقلد الحمامة في مشيتها، فلا هو أحسن مشيته ولا أحسن مشية الحمامة.
نحن أصبحنا لا نفكر بصفاء نظري. فهناك في جوف كل عربي مسلم، نسقان كبيران يوجهانه، ما يخلق له التشويش وعدم السلوك الواضح. ألم يحن بعد الأوان للتصفية والتنقية النظرية، وتحديد المنطلقات والمبادئ بوضوح، والعمل على إيجاد منظومة نظرية كبيرة بمبادئ مشتركة ومنطلقات واحدة وإشكالات حقيقية، يتجند لها الكل بأدوات وطرائق متفق عليها؟ ألم يحن بعد، الوقت لرسم خريطة الذهن العربي، والقيام بأكبر تحقيق، ورسم الحدود الواضحة التي تجعل التصور يتخذ طهره ويزال عنه تلوثه، ومن ثم نقول هيا للعمل!
ختاما، قد يسأل البعض عن المعايير التي تسمح باختيار النظرية القوية؟
نجيب بأنها تتمثل بالأساس، في كونها أولا وقبل كل شيء، تجمع شمل الشتات في توليفة متناغمة وأيضا قدرتها على إيجاد مخرج لأكبر عدد ممكن من المآزق، ناهيك عن أنه يمكن تعميمها بيسر على حالات متعددة. فالحل الذي لا يكون شاملا ليس بحل. وأقصد بذلك، أن التفسير الحقيقي أينما وضعته يؤتي أكله. أما إذا ما وجدنا مكذبات وتناقضات تمس نظريتنا المقترحة، إلى درجة عجزها على احتوائها بمعقولية كافية، فالتنازل عن الاقتراح يجب أن يكون سريعا لفتح الباب لاقتراحات أكثر قوة. فبين النظريات صراع بقاء، واللبيب هو من لا يحتضن نظريته كما يقول كارل بوبر.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».