فداء عيتاني
بقرار سياسي أم نتيجة فشل عملياتي، انخفضت حدة القتال على جبهتي كراسيلوفكا وبريموهي (20 كيلومترا شرقي العاصمة كييف)، وأيضاً على جبهة بوتشا ومحيط إربين (20 كيلومترا غرب كييف). وأفادت جميع التقارير الميدانية والعسكرية الأوكرانية عن انخفاض ملحوظ في عدد القوات الروسية في هذه المناطق، ولكن التقارير التي تنشرها وزارة الدفاع الأوكرانية أكدت يوم الخميس بأن القوات الروسية تستقدم المزيد من القوافل من بيلاروسيا والأراضي الروسية إلى هذه النقاط. «هذه النقطة صفر» يقول ضابط أوكراني رفض الإفصاح عن اسمه أو رتبته. والنقطة صفر هي آخر نقطة قبل المناطق المعادية بالتعبير العسكري.
بدا الطريق من العاصمة الأوكرانية كييف إلى مدينة ميكولاييف الواقعة جنوب البلاد، خالياً من الحواجز المركزية عدا حاجز مدخل المدينة الساحلية، الذي يراقب العابرين وخاصة البضائع. على طول الطريق الممتد على مسافة 133 كيلومترا، رصدت «الشرق الأوسط»، مرور شاحنات للجيش الأوكراني، محملة بالذخائر وإمدادات غذائية وأخرى تحمل آليات ثقيلة وعربات مدرعة. ما إن تعبر جسر «ضباب فارفاريفسكي» حتى تبدو الشوارع مقفرة من السكان والسالكين.
لم تؤدِّ التصريحات الروسية حول سحب القوات من بعض المناطق في محيط العاصمة الأوكرانية كييف إلى حالة ارتياح أو استرخاء، بل على العكس تماماً، ازدادت التدابير الأمنية، كما اشتد القصف الروسي في بعض المناطق، حيث أبلغ السكان أقاربهم بأن الأوضاع الإنسانية في المجمعات السكنية القريبة من كييف تزداد صعوبة، وأن أصوات الاشتباكات باتت أقوى من ذي قبل، كما ازدادت التحذيرات الحكومية على الهواتف الخليوية تواتراً، وبقيت أصوات صفارات الإنذار مهيمنة في فضاء المدينة. بات الدخول إلى كييف يتطلب الخضوع لتفتيش دقيق، الآتون عبر القطارات أو عبر الطرق البرية الآن سيُدقق بأوراقهم الثبوتية، وتُفتش حقائبهم من قبل الشرطة، قبل
«أهلا بك في ميكولاييف» يقول ضابط الجيش بعد أن تمعن في كل الأختام على جواز السفر ودقق في بطاقة الاعتماد الصحافية الصادرة عن الجيش الأوكراني، وبحركة شبه مسرحية يشير لنا لنتابع الطريق نحو المدينة التي تعرضت منذ دقائق لقصف صاروخي أدى إلى انهيار ثلث مبنى الإدارة الإقليمية. الطريق إلى ميكولاييف يقول الكثير عن مجريات الحرب، يكاد يخلو من الحواجز المركزية من جهة أوديسا، ما عدا حاجز مدخل المدينة الساحلية، الذي يدخل من خلاله الناس والبضائع.
الساعة السادسة صباحاً: لا تنتظر أوديسا، المدينة الساحلية التي توصف بأنها جوهرة أوكرانيا على البحر الأسود، المزيد من الوقت حتى تطلق لأهاليها العنان. يخرج بعضهم إلى أعماله. يتحرك مواطنون في الشوارع. تبدأ سيارات الأجرة بانتظار الركاب حتى قبل انتهاء فترة منع التجول. هذه المدينة الشهيرة بحبها للحياة لا تعبأ، كما يبدو، بالحرب التي تطرق أبوابها. عدا صاروخين ضُربا باتجاه المدينة، أول من أمس (الأحد)، لا يبدو أن أوديسا تعيش في ظل الحرب الدائرة في كثير من أرجاء أوكرانيا.
بعد مرور أكثر من شهر على الحرب الروسية ضدس أوكرانيا، بدأ الجيش الأوكراني بشن هجمات مضادة، مستغلاً تغير الظروف في أرض الميدان: المشاة، الآليات الثقيلة، الطيران، البحرية، الاستخبارات، الحرب الإلكترونية...
في تمام السابعة والنصف من صباح يوم الأحد، تدخل العاصمة كييف عدة شاحنات محملة بالرمل. تتوزع الشاحنات الضخمة على عدة أحياء في المدينة، وتتجه ثلاث منها إلى وسط العاصمة حيث المقرات الحكومية الرئيسية: وزارة الخارجية والقصر الرئاسي ووزارة الدفاع. تفرغ هذه الشاحنات محتوياتها، ليبدأ بعدها الجنود بتعبئتها في أكياس بيضاء. اليوم التالي لن تشاهد أياً من هذه الأكياس في الشوارع. تتكرر هذه العملية كل يوم، وانتقلت أعمال التحصين من الشوارع إلى مواقع أخرى، بين المنازل أو داخل المباني. حصل الجيش الأوكراني على تدريبات عالية المستوى في الأعوام الماضية. ساهمت بتقديمها جيوش أوروبية إضافة إلى الجيش الأميركي.
بيد أن النائب الأول لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، سيرغي رودسكوي، أكّد أن العمليات العسكرية تركز حالياً على «تحرير» دونباس ومناطق شرق أوكرانيا، إلا أن القوات لا تزال تحشد المزيد من القدرات على محورين.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة