عارف الساعدي
عدتُ قبل أيام من الشارقة مدعواً في مهرجانها للشعر العربي الدورة 18 بمشاركة أكثر من 30 شاعراً وشاعرة من العرب، وفيهم أيضاً شاعر من جمهورية مالي، يكتب الشعر الفصيح بأصفى ما يمكن أنْ يوصّف به الشعر الصافي، وهو الشاعر عبد المنعم حسن.
تذكرتُ وأنا أقرأ قصائد عددٍ من الشعراء، سواءٌ من على صفحاتهم الشخصية في «فيسبوك» أو «تويتر» أو «إنستغرام» أو في مجاميعهم المطبوعة حديثاً، القصائد الطوال التي كنا نقرأها للشعراء الكبار، عراقيين وعرباً.
مرَّت علينا قبل أيام الذكرى الخامسة والخمسون لرحيل شاعر الحداثة العربية بدر شاكر السيَّاب، ذلك الرحيل المبكر الذي فتح باباً كبيراً لم يكن يخطر ببال السيَّاب. فمنذ رحيله حتى هذه اللحظة، لم تستطع الشعرية العربية وهي تتحدث عن مشروعها التحديثي أنْ تتجاوز السيَّاب، أو تغض النظر النقدي عن مشروعه الحقيقي.
(هذا النص على لسان أحد المتظاهرين الشباب بعد سنوات طويلة من انتفاضة تشرين الأول 2019) سنمرُّ فوق الجسر نضحكُ أو نغنَّي أو نذكِّرُ مَنْ بجانبنا فنسخرُ من أغانينا التي كنَّا نرددها وبعد دقيقةٍ نبكي على أصحابنا القتلى ونأوي تحت نصبك يا جوادُ سنمرُّ فوق الجسر نضحكُ من حماقتنا ونعجبُ كيف أيقظنا البلادَ وكيف أورثنا المدائن سكَّرَ الزمنِ العنيدِ وكيف شبَّ بلحظةٍ هذا الرمادُ سنمرُّ فوق الجسر في تشرين أيضاً بعد حين من حكايتنا وأكثر في يدي طفلٌ وفي قلبي امرأة وعلى فم الذكرى نشيدٌ من صديقٍ مرَّ في المعنى، وأشجارٌ معي غنَّتْ، وأحلامٌ وبقيا من دخانٍ في الرئة سنمرُّ فوق الجسر ثم نقولُ شبنا نحن صبيان البل
أتذكر كيف كان الشاعر والناقد الدكتور خالد علي مصطفى يصدمنا دائماً بآرائه المشاكسة، فمثلاً كان يقول إن الرصافي سيبقى من شعره جميعاً نصف بيت فقط، وما تبقى من شعره ليس شعراً.
شكل شعر عدد كبير الشعراء مصدراً مهماً لكثير من الثورات والاحتجاجات، سواء على مستوى التاريخ أو على المستوى المعاصر، بل اتخِذ من بعض النصوص مصدراً رئيساً لتلك الأحداث. وبهذا، اعتمد الباحثون على تلك القصائد بوصفها وثيقة تؤرخ لمرحلة ما، أو لنهضة ما، أو لثورة ما. وبسبب هذا التوجه المهم في خريطة الشعر العربي - بعيداً عن فنية الأعمال من عدمها - ذهب أدونيس في «ديوان الشعر العربي»، وفي مقدمته العظيمة، في جزئها الأول، إلى تقسيم الشعر العربي من الجاهلية حتى أواسط القرن الثامن الميلادي إلى خمسة اتجاهات، بين ميتافيزيقية، وصورية، واتجاه اللامنتمي، واتجاه سحري، ووضع الاتجاه الخامس لـ«الآيديولوجي».
حملت المختارات الشعرية روحاً تبشيرية، في معظمها وبالتحديد المختارات التي تخصُّ الحركات الشعرية، أو التي تُعنى بجيلٍ محددٍ دون غيره، وقد عُرفت في العراق العديد من المختارات، بعضها يخص الشعر العراقي بشكل عام مثل «مختارات الشعر العراقي الحديث» للدكتور محمد صابر عبيد عام 2002 التي انتصر فيها لمشروع الحداثة، ذلك أنَّه أخذ النصف الثاني من القرن العشرين ابتداءً بالسياب حتى آخر شاعر من الجيل التسعيني (الذين كانوا شباباً في ذلك الوقت)، فقد استبعد محمد صابر عبيد كل تجارب القصيدة العمودية ممثلةً في الجواهري، ومصطفى جمال الدين، وعبد الأمير الحصيري، ومحمد حسين آل ياسين وعشرات آخرين، إذ اكتفى بنصوص التفعيلة
شكلت كتب المختارات طريقة ومنهجاً في التأليف، فقد أخذت تلك الطريقة مساحة كبيرة في النقد العربي القديم، وشكلت ظاهرة لافتة في حركة الشعر العربي، فأولى المدونات الشعرية هي عبارة عن مختارات شعرية لـ130 قصيدة، وهي المفضليات، التي تُعدُّ أقدم مجموعة في اختيار الشعر العربي، ومن بعدها ظهرت الأصمعيات، وجمهرة أشعار العرب، وقد فتحت تلك المختارات نافذة للنقدية العربية في تقسيم الشعراء إلى طبقات من الفحول وغير الفحول، وحسب معايير النقد القديم. ولكن كما أظن تبقى مختارات أبي تمام (ديوان الحماسة) أحد أهم المختارات في تاريخ الاختيار الشعري العربي، حيث كان منسوب الوعي في أعلى مستوياته، هذا إذا علمنا أنَّ الاختيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة