د. محمد عبد الستار البدري
عادت لي ذكريات وقوفي في المدرسة تحية للعلم بعد انتصارات حرب أكتوبر (تشرين الأول) المجيدة، ونحن ننشد أغاني وطنية تلهب حماسة الأطفال والكبار على حد سواء، فأذكر أغنية وردة «على الربابة بغني»، وتذكرت كيف أن الأغنية والفيلم ربطاني بالوطن مبكراً، وهكذا تشكل بداخلي وبداخل جيلي رباط وطني يصعب تمزيقه مع الزمن، ولا خلاف على أن الأغنية وعوامل التعبئة المرئية، التي كانت متواضعة للغاية آنذاك مقارنة باليوم، جاءت بآثارها المحمودة، حتى أنني كنت دائماً احتفظ بشريط كاسيت عليه هذه الأغاني، حتى بعد مرور عقدين على هذه الحرب، وهو ما كان موضع بعض التهكم لدى الشباب آنذاك حتى ثورة 2011 التي أحيت هذه الأغاني مرة أخرى،
إننا أمام ظاهرة تنامي «صورة نمطية» سلبية ممتدة، تزامنت مع الحركات الاستعمارية، وتساهم في تقييم ثقافتنا وطريقة حياتنا بشكل غير موضوعي، ارتباطاً برؤيتها لمجتمعاتهم وتطوراتها على مر التاريخ، أوصلنا اليوم لأن يكون حكم بعضنا نحن على تراثنا وفكرنا مرتبطاً ارتباطاً شديداً ومقارناً بوجهة نظر الغير فينا، لا سيما الغرب، حتى أصبحنا متأثرين برؤيتهم لنا، وبفكرهم وبنظرتهم إلينا. وإذا كنا عالجنا مصادر هذه الرؤية النمطية في المقال السابق، فاليوم نتناول المشكلات المرتبطة بنا كمجتمعات مُستقبلة لهذه الرؤية السلبية، ضمن حركة العولمة الواسعة، ودورنا نحن لحماية ثقافتنا وثوابتها.
يقول غاندي: «إن ثقافة الأمة تكمن في قلوب وأرواح شعوبها»، فعجبي على بعض القوم الذين يقيسون أنفسهم بمرآة غيرهم! ولا أنكر هنا أنني أقصد قطاع منا نحن العرب، ممن وقعوا تحت براثن هذه المرآة، بالأخص الغربية، فنثبت عندما يأتينا الإطراء منهم، فنؤكد على سمو ثقافتنا وحضارتنا.
لعبت «المدرسة اللاهوتية» لكنيسة الإسكندرية دورها الريادي البارز في استخدام الفكر والفلسفة لدعم المسيحية وانتشارها من خلال الدفاع عن المعتقدات الأساسية للمسيحية وكنوع من التسويق الفكري للعقيدة المسيحية وسط مجتمعات فلسفية وروحية عميقة.
في الإسكندرية، سيداعبك الهواء النقي وأنت تتأملها من أعلى نقاطها، فيمتد البحر أمامك لأقصى مرمى يدركه بصرك، فيحل جمالها عليك، ويحتويك عمقها التاريخي، وستغشيك الروح الثقافية أغلب الظن لو تذكرت تاريخها الثقافي والفكري، فلقد كانت الإسكندرية، منذ أن أسسها «الإسكندر الأكبر» عام 322 ق. م.
لا خلاف على أن التواصل بين الأمم على مر العصور استلزم وجود لغة وسيطة لنقل المعرفة والفكر والعلم، وفي كثير من الأحيان عبر التاريخ الإنساني تتبوأ لغة ما مكانة خاصة، ليس فقط في مجتمعها أو دولتها ولكنها تمتد إلى ما بعد حدودها نتيجة لعوامل مختلفة، فتصبح لغة الفكر والتواصل عبر حدود الدول لا سيما بين النخب، وهي المكانة التي حظيت بها اليونانية خصوصاً مع توسعات الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى مع تفتت إمبراطوريته فقد احتفظت اليونانية بمكانتها لقرون ممتدة حتى طغت عليها اللغة اللاتينية مع التوسع الروماني، ومع ذلك لم تستطع اللاتينية القضاء على اليونانية تماماً لأسباب مختلفة، ولكنها جعلتها
لقد طفت خلال السنوات الماضية بعض المصطلحات مثل «الفاشية الإسلامية» لتوصيف الحركات الإسلامية المتطرفة الحديثة، وهذه الحركات في حقيقة الأمر لها جذورها الفكرية والسلوكية في التاريخ الإسلامي تحت تسميات مختلفة على رأسها «الخوارج» بفرقها مثل «الأزارقة» وغيرهم، بكل ما عليها من تطرف وعنف وإرهاب ممن ينطبق عليهم قوله تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)، وأغلبية هذه الحركات الإسلامية المتطرفة الحديثة لا تخرج عن هذا الرداء الفكري التكفيري مستندة لمفاهيم مُحدثة لكتاب مثل «سيد قطب» و«المودودي» وغيرهما، وهو تاريخ طويل وممتد قد لا تدركه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة