«الفاشية» مصطلحاً لتوصيف حركات إسلامية متطرفة

TT

«الفاشية» مصطلحاً لتوصيف حركات إسلامية متطرفة

لقد طفت خلال السنوات الماضية بعض المصطلحات مثل «الفاشية الإسلامية» لتوصيف الحركات الإسلامية المتطرفة الحديثة، وهذه الحركات في حقيقة الأمر لها جذورها الفكرية والسلوكية في التاريخ الإسلامي تحت تسميات مختلفة على رأسها «الخوارج» بفرقها مثل «الأزارقة» وغيرهم، بكل ما عليها من تطرف وعنف وإرهاب ممن ينطبق عليهم قوله تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)، وأغلبية هذه الحركات الإسلامية المتطرفة الحديثة لا تخرج عن هذا الرداء الفكري التكفيري مستندة لمفاهيم مُحدثة لكتاب مثل «سيد قطب» و«المودودي» وغيرهما، وهو تاريخ طويل وممتد قد لا تدركه الأغلبية المسلمة، ناهيك عن العالم الخارجي، ومن ثم فقد سعى بعض المفكرين لمحاولة استخدام هذا التشبيه المصطلحي لترسيخ صورة ذهنية للمتلقي غير المُلم بهذه الجذور الفكرية، ولا بأس في ذلك فهو أسلوب يُسهل على المتلقي فهم ما لا يمكن استيعابه إلا بدراسة فكرية وثقافية مُفصلة للحركات الإسلامية المتطرفة، والأمر لا يخلو من محاولة لتبسيط الروابط الذهنية بين حركتين تتشابه سلوكياتهما وبدرجات أقل آيديولويجيتهما.
ولا خلاف على وجود تشابه بين الفاشية والحركات الإسلامية المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بإيمانهم المطلق بالحكم الشمولي لتنفيذ الرسالة الفوقية السامية التي أوتيت لهم ليحكموا بها بين الناس، ففي الفاشية تجسدت الرسالة السامية في الحلم القومي المتطرف لإعادة الدولة الرومانية إلى مجدها في إيطاليا وجسدها «موسوليني» والذي قام بدوره بتصفية المعارضة بكل عنف والتفرد بالحكم وتوجيه كل الطاقات لخدمة الدولة الفاشية، وكذلك تجهيز الآلة العسكرية للدولة من أجل التحرك العسكري لخدمة الغرض الأسمى للتوسع الخارجي، وهو نفس ما تمخضت عنه تجارب وسير الخوارج وغيرهم عبر التاريخ الإسلامي من حيث الدعوة للحكم المطلق للفرد (باستثناء قلة منهم نفت وجوبية الإمامة) لأنه يُطبق شرع الإله وفقاً لرؤيتهم وتفسيراتهم الضيقة والخارجة عن روح الدين، مستخدمين العنف والقتل والإرهاب. فالاتفاق واضح في مفهوم السلطة المطلقة تنفيذاً لرسالة سامية، بل ويمكن إضافة ما تضمنته ممارسات الحركتين من انصهار عملي بين مفهوم الدولة والعقيدة الفكرية - سواء السياسية في الفاشية أو الدينية لدى هذه الحركات، بما وحد عملياً الحاكم والدولة والعقيدة. كذلك يتشابه الاثنان في تمجيد الروح القتالية أمام عدو خارجي، سواء كان حقيقياً أو مُختلقاً، كما تتفق الحركتان في أن ظهورهما كان مرتبطاً بشكل كبير بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، وهي الأرض الخصبة التي كثيراً ما تُنبت التطرف الفكري والسلوكي.
وإلى هنا فالتشابه واضح، ولكن حقيقة الأمر أن هناك من الاختلافات الصريحة بين الاثنين، فالفاشية كما تابعنا لم يكن لها جذور آيديولوجية عميقة، فقد نبتت من عشوائية فكر قومي عام وتطبيق متطرف له، وفقاً لرؤية القيادة السياسية وذلك على عكس الحركات الإسلامية المتطرفة، بمن فيهم خوارج هذا العصر والذين نسمع بهم كل يوم ممن تسول لهم أنفسهم استخدام العنف والإرهاب لتنفيذ رسالتهم، فهؤلاء لهم آيديولوجية مبنية على فكر محدد مشتق من تفسيرات منحرفة لكتاب الله عز وجل، فصحيح أنهم يتفقون مع الفاشية في وجود رسالة سامية تُمكن لهم وتُشرعن لحكمهم، ولكن طبيعة هذه الرسالة مختلفة تماماً، فالأولى اصطناعية الطابع لمفهوم قومي واسع، والثانية لها جذورها المرتبطة بتطبيق شرع الله سبحانه في الأرض وفقاً لرؤى ضالة، فأخطر ما يصيب أي جماعة هو الاعتقاد بوجود تكليف إلهي لها لأنه يُغلق المجال تماماً أمام أي اختلافات معها سواءً في الرؤى أو التفسير، فمعارضة هذا النوع من التطرف الديني لا يُولد إلا الكفر، ومن ثم فليس من المستغرب أن يتهم خوارج هذا العصر معارضيهم ومحاربيهم بالخروج على الدين من الأساس وما يتبعه من تكفير.
من ناحية أخرى، فإن الفاشية وهذه الحركات يختلفان آيديولوجياً حول المكون الفكري والسياسي للدولة المنشودة ذاتها، فبينما تتجه الفاشية إلى الدولة الوطنية أو القومية، فإن الخوارج وهذه الحركات تتجه نحو فكر أممي أوسع بكثير من بوتقة الدولة الوطنية أو القومية، فالهدف إقامة دولة أممية لا مجال فيها للقومية أو مفهوم الوطن، ومن لا يخضع لفكرهم وهويتهم فيخضع لسيفهم، وهو محور اختلاف خطير للغاية مع الفاشية، ولكنه مبرر هام لاستخدام العنف والإرهاب في الحالتين، من ناحية فالعنف أو الآلة العسكرية الفاشية كانت موجهة صوب أهداف محددة لتطبيق التوسع الاستعماري لصالح الدولة الإيطالية، ولكن الحركات المتطرفة مفهومها للعدو الخارجي مفتوح تماماً ليشمل كل من خالفهم العقيدة من غير المسلمين أو حتى المسلمين، فهم في رسالة واضحة ضد الخارج بلا تمييز، فالعالم الخارجي بالنسبة لهم إما منهم أو تحت سيفهم، ولعل هذا ما يفسر توجيه آلاتهم العسكرية صوب المسلمين في الأساس.
خلاصة القول، أن التماس السلوكي بين الفاشية والحركات الإسلامية المتطرفة واضح، أما البعد الآيديولوجي فتتباين بعض مفاهيمه، ولكن هذا التباين تذوب آثاره تدريجياً أمام سلوكيات الحركتين وطريقة ممارستهما لرسالتهما السامية وفقاً لتطرفهما وقصر نظرهما، فهكذا تضلل الآيديولوجيات المتطرفة المجتمعات تحت تسميات قومية كانت أو دينية، والتقدير أنه لو أطلق العنان لهذه الحركات الإرهابية المتطرفة فإننا لن نكون أمام نموذج دولة «فاشية» بل «نازية» بامتياز!



انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.