<img alt="" src="/sites/default/files/diagrams7/17845840.jpg" style="width: 850px; height: 475px;" />لا يزال يُنظر إلى النشر الذاتي على أنه علامة فشل ودليل قاطع على أن الكاتب لم يفلح في إثبات ذاته والوصول إلى القراء، لكن المفارقة اليوم هي أن يتوجه البعض ممن سبق وأن وصلوا للقمة نحو الاتجاه المعاكس، أي أن يتوجه كُتاب حصلوا على اعتراف الوسط وعلى الرواج الشعبي بأعمال تصدرت قائمة المبيعات إلى تبني تجربة النشر الذاتي سواء قسراً أم اختياراً.
«ها هو الرجل بكامله وهو يهاجم ساقه بينما المذنب هو حذاؤه... »، هذه المقولة المشهورة لصمويل بيكيت قد تلخص لحد ما الجدل الذي يعيشه الوسط الثقافي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فمنذ فترة يحتشد الغرب لفرض مقاطعة ثقافية على روسيا لم يسبق لها نظير ولم يشهدها العالم، ولا حتى في أوج الحرب الباردة.
«الشمس تسطع بقوة... وأنا أتلفت شاهدت خيالي ولمحت معه خيال الحرب الأخرى وراء الحرب الحالية... لم تفارقني طيلة هذه السنين مغلفة أفكاري بغمامة من الحداد... ليل نهار... ربما يكون قوامها الداكن ظاهراً على صفحات هذا الكتاب...» كانت هذه العبارات الأخيرة التي ختم بها الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ، آخر وأهم أعماله «عالم الأمس...
لماذا نهتم بأعمال الكتاب التي لم يتم نشرها في حياتهم؟ السؤال يفتح باب النقاش في موضوع إصدارات ما بعد الموت الذي ألقى بظلاله بقوة على الساحة الأدبية الفرنسية هذه الأيام بعد صدور أعمال جديدة لم تنشر قبل لكل من فرنسواز ساغان ومارسيل بروست بعد رحيلهما بفترات طويلة. قبيل الدخول الأدبي الفرنسي انتشر خبر عن عمل أدبي جديد سيكون مفاجأة الموسم تبين مؤخراً بأنه رواية غير مكتملة للكاتبة الفرنسية الراحلة فرنسواز ساغان بعنوان «الجهات الأربع للقلب» (دار نشر بلون). العمل الذي ينشره ابن الكاتبة ووريثها الوحيد دوني واستوف، وبعد فترة الحماس التي رافقت الإعلان عن صدوره بدأ يواجه موجة من ردود الأفعال السلبية.
للكتابة قدرة شفائية مذهلة، هذا ما يؤكده لنا خبراء علم النفس، ومعظمهم يوصي باللجوء للكتابة لتفادي الوقوع في براثن الضيق والاكتئاب. فحين تتشابك في ذهن الشخص ذكريات وأحداث مؤلمة يكون قد تعرض لها في الماضي، قد تصبح الكتابة ملاذه الوحيد، إذا كان كاتباً بالطبع. هذا ما عاشه كثير من الكتاب والمبدعين ممن تعرضوا في طفولتهم للمآسي الشخصية، لكنهم تمكنوا بقوة الكلمات من التغلب على الألم والحرمان، وتحويل المعاناة إلى إبداعات على الورق، ومنهم جان جونيه الكاتب الفرنسي (المعروف بمساندته للقضية الفلسطينية) الذي تخلت عنه والدته عند ولادته.
غالباً ما يخضع رؤساء فرنسا وحكامها لـ«اختبار المكتبة»، الامتحان الذي لا مفر منه لمعرفة أذواقهم في الأدب وميولهم الفنية، فتبين مثلاً أن فرنسوا ميتران كان أكثرهم شغفاً بالكتب والأدباء، وأن فاليري جيسكار ديستان كان يكتب في أوقات فراغه، ويحلم باعتراف الوسط الأدبي. أما جورج بومبيدو، فكان عاشقاً كبيراً للشعر، لدرجة إدراج أبيات كاملة في خطاباته السياسية، بينما جاك شيراك كان مولعاً بالفنون البدائية، وشيد أكبر متحف لها.
وحده شكسبير كان أكثر رواجاً من أغاثا كريستي... ملكة الرواية البوليسية كانت أكثر روائيي العالم انتشاراً بأكثر من ملياري نسخة بيعت على مدى 40 عاماً من العطاء في عالم الرواية البوليسية والمسرح وحتى الشعر... ورغم ذلك، فإنها كانت أكثر الشخصيات الأدبية غموضاً. كانت الأم الروحية لـ«هوركيل بوارو» المفتش ذي الخلايا الرمادية المتفوقة، و«الآنسة ماربل» العجوز العانس ذات الذكاء الخارق، نموذجاً للّباقة البريطانية. كانت قليلة الكلام وتتفادى الأضواء دائماً، وحين تُسأل عن حياتها الخاصة، تجيب بأن «الكتب هو ما يهم القرّاء؛ وليس البحث في حياة الكُتاب».
بـ«أكثر من انتعاش»، يصف الملاحظون الزخم الكبير الذي يميز قطاع الصناعات الثقافية الصيني بـ«الثوران»: متاحف ضخمة، قاعات للعرض ومهرجانات ثقافية ترى النور كل يوم وفي كل بلدة. لكن صحوة التنين الصيني تصطدم بحقيقية أخرى تكمن في افتقاد مؤسساته الناشئة المحتوى الثقافي وغياب المهارة الكافية لتسييرها، فرصة ذهبية للغرب الذي يتسابق لمنح خبرته هذا القطاع الواعد. جاء الزمن الذي تدخل فيه المتاحف معترك التحديات الجيوسياسية وتصبح أداة تأثير فاعلة في يد الدول لبسط نفوذها. منطق جديد يجعل هموم التنين الصيني تتحول من معدلات النمو إلى كيفية ملء المتاحف الضخمة التي يبنيها كل يوم.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة