غالباً ما يخضع رؤساء فرنسا وحكامها لـ«اختبار المكتبة»، الامتحان الذي لا مفر منه لمعرفة أذواقهم في الأدب وميولهم الفنية، فتبين مثلاً أن فرنسوا ميتران كان أكثرهم شغفاً بالكتب والأدباء، وأن فاليري جيسكار ديستان كان يكتب في أوقات فراغه، ويحلم باعتراف الوسط الأدبي. أما جورج بومبيدو، فكان عاشقاً كبيراً للشعر، لدرجة إدراج أبيات كاملة في خطاباته السياسية، بينما جاك شيراك كان مولعاً بالفنون البدائية، وشيد أكبر متحف لها. على أن أضعفهم علاقة بالأدب والفنون كانا هولاند وساركوزي، خصوصاً ساركوزي الذي قلل في عدة مناسبات من أهمية الأدب، متبنياً خطاباً معادياً للثقافة والمثقفين، لا سيما حين استهزأ برواية «أميرة كليف»، بعد إدراجها عام 2006 في مسابقة انتداب ملحقين إداريين، قائلاً في سخرية: «هل سألتم من يجلس خلف شبابيك الإدارة عن رأيه في (أميرة كليف). تصوروا المشهد المضحك».
الوضع يبدو مختلفاً مع إيمانويل ماكرون، الذي أثبت عبر خطاباته أنه يمتلك ناصية جيدة للغة موليير، وهو حسب تصريحاته للصحافة، ورغم مسؤولياته، يقرأ كل يوم، لا سيما في الليل، روايات وكتباً في الفلسفة، قائلاً: «إذا نسينا القراءة، فنحن مخطئون». كما أنه كتب 3 روايات لم ينشرها، منها رواية إباحية مستوحاة من علاقته مع زوجته بريجيت ماكرون، التي تبدو أقرب ما يكون لعالم الأدب والأدباء. فهي حائزة على شهادة جامعية في الأدب الفرنسي، كما أنها مارست مهنة التدريس لمدة تناهز الثلاثين سنة، والأهم هو أن حب الأدب هو ما قربها من زوجها إيمانويل ماكرون. هو التلميذ المتفوق الذي يحلم بأن يصبح كاتباً، وهي الأستاذة التي شجعت طموحه، وقدمته بنجاح لمسابقة الفصاحة، ثم مسابقة اللغة الفرنسية لنادي الروتاري. إيمانويل ماكرون نفسه يعترف في كتابه «الثورة» (دار نشر إكزو) بأنه اقترب من بريجيت أكثر فأكثر بعد أن اشتركا معاً - هو كتلميذ وهي كأستاذة - في اقتباس عمل للكاتب الإيطالي إدواردو فيليبو، في مسرحية مثل فيها تلاميذ الثانوية. «الكتابة أصبحت حجة؛ كنا نتبادل أطراف الحديث لساعات طويلة».. يكتب الرئيس الفرنسي.
أما السيدة الأولى، فقد صرحت في حوار لصحيفة مدام لوفيغارو: «كنت لا أراه إلا وبيده مجموعة من الكتب، كان يناقش الأساتذة في كل قراءاته، ويفضل رفقتهم على رفقة زملائه، كنت على يقين بأنه سيصبح كاتباً معروفاً». وعن قراءاته، يذكر الرئيس الفرنسي إعجابه بمؤلفات ستاندال وأندريه جيد وموباسان ورامبو وروسو وفولتير. زوجته بريجيت تشاركه حبه لستاندال والشاعر رامبو وبودلير الذي تحفظ عن ظهر قلب كل قصائد ديوانه الشعري المعروف «زهور الشر»، على أنها عاشقة كبيرة للروائي غوستاف فلوبير الذي تعده من أعلام الأدب العالمي. وفي حوار لها مع مجلة «إيل»، تقول السيدة ماكرون: «(مدام بوفاري) من أقرب الروايات إلى قلبي؛ دقة الأسلوب والبراعة في رصد التفاصيل لا تدع خياراً للقارئ. عندما يكتب فلوبير أن (حديث تشارل كرصيف الشارع)، فهو في جملة واحدة يقضي على هذه الشخصية، مبرزاً رتابتها وغباءها. أما شخصية فريديريك مورو، من رواية (التربية العاطفية)، فهو مذهل كبطل للإخفاق، مثله مثل معظم شخصيات فلوبير».
ويشير الباحث دومينيك ماوزي، في مقال بصحيفة «سلات» (في طبعتها الفرنسية)، تحت عنوان «تعليقنا على الصورة الرسمية للرئيس»، إلى أن رواية «الأحمر والأسود» تحديداً تحمل مكانة خاصة في قلب إيمانويل ماكرون، مما جعله يختارها للظهور في الصورة الرئاسية الرسمية (حيث نرى الكتاب بصورة واضحة على يده اليسرى)، وهو رمز قوي يجعلنا لا نستغرب صورته عند البعض كبطل رومانسي من وحي روايات ستاندال.
الكاتب فيليب بيسون، في كتابه «شخصية رواية» (دار نشر جوليار)، ذهب لأبعد من ذلك، حين قارن شخصيات رواية ستاندال «الأحمر والأسود»، جوليان سورال وحبيبته مدام لويز رينال، بالثنائي إيمانويل وبريجيت ماكرون. ويشرح فيليب بيسون: «مثل جوليان سورال، إيمانويل شاب ذكي طموح وقع في حب سيدة برجوازية تكبره بسنوات. مقاطع كاملة من الرواية ترصد أوجه التشابه: حين تطلب مدام رينال من جوليان مغادرة البلدة، والذهاب لباريس، ثم الإفصاح عن مخاوفها من فارق السن بينهما وكلام الناس؛ كل هذا عاشه الاثنان حين غادر إيمانويل بلدته الصغيرة أميان للعاصمة باريس وهو ابن السادسة عشرة هرباً من كلام الناس، بعد شيوع أخبار التلميذ الذي يواعد أستاذته المتزوجة».
وتكتب الباحثة بريجيت بورغون على صفحات مدام فيغارو: «على غرار بطلات ستاندال لويز دو رينال (الأحمر والأسود) أو كليليا (دير بارما)، اللواتي رفضن العلاقة الآثمة قبل أن يستسلمن للعشيق، فإن بطلات ستاندال يقعن ضحية صراع بين العفة والرذيلة، مما يذكرنا بمقطع من السيرة الذاتية للسيدة الأولى يروي موقفها الرافض لمعاهدة الأهل على عدم مواعدة إيمانويل الشاب الذي يصغرها بأربعة وعشرين سنة».
أما المخرجة الكاتبة التي خصصت لبريجيت ماكرون شريطاً وثائقياً بعنوان «بريجيت ماكرون رواية فرنسية»، فتكتب: «حياة بريجيت ماكرون رواية لا يستطيع أي كاتب تأليفها، من ثانوية بلدة أميان إلى قصر الإليزيه، قصة زوجة وأم انقلبت حياتها رأساً على عقب، بعد أن تعرفت على شاب وقع في حبها، وتحدى العالم من أجلها؛ كيف لا نرصد الموازاة بينها وبين شخصية إيما بوفاري التي كانت تعاني الملل في حياتها الزوجية، وتحلم بالرومانسية».
بريجيت وإيمانويل ماكرون أمام «اختبار المكتبة»
الرئيس الفرنسي وزوجته اجتمعا على حب الأدب والأدباء
بريجيت وإيمانويل ماكرون أمام «اختبار المكتبة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة