في الوهلة الأولى، تلاحظ خطوطا بسيطة، ولكن عندما تتعمق فيها سترى رسوما كاريكاتيرية ارتسمت على الصفحة باحتراف، وهي التي ستشغل تفكيرك، كأنك تقرأ قصة قصيرة، أو تشاهد فيلما بأسلوب المينيمال أرت، أو تقرأ قصائد الهايكو اليابانية الشهيرة التي تتكون من بيت واحد، وهي أقصر الأشكال الشعرية في العالم. كانت هذه لمحة عن ميزات الرسوم الكاريكاتيرية لكامبيز درم بخش التي جرى عرضها في فضاء ساربان للرسم بطهران وهي تحمل عنوان «الروايات المصورة 3».
يزاول كامبيز درم بخش مهنته في مجال تصميم الرسوم، وفن الكاريكاتير، وتصمیم غرافيكس لأكثر من 55 سنة، متعاونا مع عدد من الصحف الإيرانية والعالمية البارزة. ولقد حاز جوائز أفضل رسام كاريكاتيري في الكثير من مسابقات الرسوم الكاريكاتيرية الدولية في اليابان، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وبلجيكا، وتركيا، والبرازيل، وجمهورية يوغسلافيا السابقة، وشارك في الكثير من لجان التحكيم للمهرجانات، والمعارض الدولية للرسوم الكاريكاتيرية.
وقام درم بخش بتأليف الكثير من الكتب في فن الرسوم الكاريكاتيرية، وجرى نشرها في مختلف دول العالم، منها كتاب «من دون تعليق» الصادر في إيران، وكتاب «الفن الساخر المعاصر في إيران» الصادر في النمسا، و«كتاب كامبيز» في إيطاليا، و«العالم بيتي» في فرنسا.
في ما يلي نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الفنان الإيراني بخش بمناسبة إقامة معرضه الجديد للرسوم الكاريكاتيرية في طهران.
* ما الأسلوب الذي تعتمده في الرسوم المعروضة في هذا المعرض؟ ومن أين استلهمت فكرة الرسوم؟
- ليست هذه الأعمال بجديدة، حيث تعود فكرة هذه الرسوم إلى أول كتاب يحمل عنوان «من دون تعليق» قمت بنشره في 1976. ويضم الكتاب عددا من الشرائط المصورة التي قمت برسمها. ويعد فن الشرائط المصورة التي يعتمدها الكثير من رسامي الكاريكاتير في العالم أحد فروع الرسوم الكاريكاتيرية. وتتكون الرسوم الكاريكاتيرية من عدة فروع؛ منها: الرسوم من دون التعليق، والسياسية، ورسم الوجوه، والرسوم التشخيصية. وقد تمركزت رسوماتي خلال الآونة الأخيرة على الرسوم «الرومانسية»، التي تشكل هي الأخرى صنفا من أصناف الرسوم الكاريكاتيرية.
* ولماذا اخترت الرسوم الكاريكاتيرية الرومانسية؟
- يمنحني هذا الصنف في الرسوم الكاريكاتيرية انطباعا جيدا، كما تعطي الرسوم الرومانسية شعورا جيدا للآخرين. نحن بحاجة إلى أجواء نقية نتنفس من خلالها الصعداء. تأتينا المشاكل من كل حدب وصوب، من القنوات التلفزيونية، والصحافة التي تقوم بنشر الأخبار السيئة والمصاعب التي نتعرض لها على غرار غلاء الأسعار، والفقر، وسائر المشاكل السائدة، في إيران خاصة، وفي العالم عامة. يجب على الفنان أن يمنح هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بالإرهاق، والتعب، والعجز، والاستياء شعورا جيدا حتى ولو للحظات. باختصار، لقد وصلت في رسوماتي إلى أجواء لطيفة وشاعرية، وكانت هذه الأعمال تشبه فيلما يضم عدة مشاهد ولكن موقع بثه على الورق، فسميتها الفيلم الورقي. إن أعمالي عبارة عن رسوم متحركة قصيرة، إذ صناعة هذا الفيلم لا تكلف كثيرا، كما أن المتلقي غير مضطر إلى أن يشتري تذكرة ويستغرق ساعات طويلة لمشاهدته. عندما تتأمل هذه الرسوم البالغ عددها 300 رسمة، كأنك تشاهد 300 رسم متحرك قصير من دون أن تضطر إلى دفع مبلغ كبير لمشاهدتها. قد تكون تكلفة هذه الرسوم التي ارتسمت بالريشة على الورق زهيدة، غير أنها تكشف عن سنوات طويلة من العمل المستمر، والتجربة.
* يبدو أن مجلة «همشهري» الإيرانية قامت بنشر أعمالك الفنية التي لاقت ترحيبا واسعا. ما قصة نشر المجلة أعمالك؟
- طلبت مني رئيسة تحرير مجلة «همشهري»، نفيسة مرشد زادة، منذ ثلاث سنوات، أن أتعاون مع المجلة. وقلت لهم إنني سأعطيكم روايات مصورة للنشر، كون المجلة كانت تنشر روايات وقصصا. نحن نقرأ القصة أولا، ومن ثم كل واحد يقوم بتصويرها في مخيلته. وسميت المجموعة «الروايات المصورة»، وهو عنوان قصير وموجز، أو بالأحرى الروايات التي قمت بتصويرها. وقد رحب مسؤولو المجلة بهذه الفكرة التي لقيت ترحيبا واسعا من الرأي العام والقراء، وأصبح لديها معجبون كثر. وتضم رسوماتي أساليب رسم كثيرة، ولكنني اكتفيت بـ«الرواية المصورة» لأنها تمكنت من كسب جمهور واسع.
* لقد تحولت رسوماتك إلى ماركة ثابتة، أي إنك تعتمد أسلوبا واحدا في كل أعمالك، هل هذا صحيح؟
- نعم. هذا صحيح. أسلوب رسوماتي واضح وقد تحول إلى علامة ثابتة. قال لي أحد الأشخاص: كأن أعمالك منتجات صناعية، كلها متشابهة، وتتمتع بنظم خاص. تتميز رسوماتي بالبساطة على غرار أسلوبي في الرسم الذي أستخدم فيه قلما من الرصاص، وورقة، وممحاة. وأقوم بمزج الألوان إذا لزم الأمر.
لقد قمت في مجموعة «المهرجين» بمزج الألوان. إذا تمركزت رسوماتي على اللونين الأسود والأبيض، فهذا لا يعني أنني غير قادر على الرسم بالألوان، ولكن العمل بالأسود والأبيض يمنحني ويمنح المتلقي شعورا جيدا، كأنك تشاهد دوما أفلاما تلفزيونية ملونة، وفجأة تستمتع بمشاهدة فيلم بالأبيض والأسود.
* هل تستلهم الموضوعات التي تتناولها في رسوماتك والتي تشبه أحيانا قطعة أدبية من الحياة اليومية؟
- لقد عملت سنوات في هذا الحقل، وبدأت الرسم الكاريكاتيري وأنا في الرابعة عشرة من عمري، كما أنني كنت أتابع أعمال الرسامين الآخرين. إن أعمالي الفنية ثمرة التجارب التي اكتسبتها خلال هذه السنوات. أعتقد أن الفنانين مرتبطون بعضهم ببعض كحلقات السلسال. كما أنني أستمتع وأستخدم أساليب غيري في رسوماتي، فآخرون يفعلون الشيء نفسه.
إن الفنانين القدماء الذين كانوا ينقشون على الحجر هم الوحيدون الذين لم يستلهموا أعمالهم من أحد. يستفيد الفنانون دوما من تجارب بعضهم، وهذا لا يعني أنهم يقومون بسرقة أعمال غيرهم أو استنساخها. قد يوجد الكثيرون الذين يقومون بسرقة أعمال نظرائهم، ولكنهم يفشلون في النهاية. الفنان الناجح هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين في أعماله الخاصة.
* إذن، هذه الأعمال الفنية هي ثمرة سنوات من التجربة التي اكتسبتها في الرسم؟
- نعم، هذا صحيح. لقد مارست أنواع الرسوم الكاريكاتيرية كافة، منها تلك المنشورة في الصحافة. لقد رسمت أفضل رسوماتي الكاريكاتيرية التي تحمل طابعا سياسيا وساخرا، مارست الرسم، والغرافيكس، أعددت ملصقات، وأنتجت أفلاما. تبلورت النشاطات التي قمت بها خلال هذه السنوات في أعمالي الفنية في الوقت الحاضر. بلغت أعمالي مرحلة من الشفافية وهو مصطلح أدبي. على سبيل المثال، عندما كنت أرسم لم أكن أعلم شيئا عن قصائد الهايكو، ولكن من يشاهد أعمالي يجد وجها للتشابه بينها وبين الهايكو.
* ما تقييمك لمكانة الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية والعالمية؟
- تشهد الصحافة والرسوم الكاريكاتيرية تراجعا في إيران والعالم. وهذا الأمر يشمل الرسوم الكاريكاتيرية في الصحافة الإيرانية وذلك لأسباب سياسية، لأن الساسة في البلاد لا يطيقون النقد، ولقد جرى إغلاق عدد من الصحف الإيرانية للسبب نفسه. لا يجازف مديرو الصحف بنشر الرسوم الكاريكاتيرية. فلهذا لا نلاحظ رسوما كاريكاتيرية تعبر بشكل واضح أو تحمل انتقادات حادة للأوضاع القائمة.
* وهل ينطبق الأمر على الصحافة العالمية أيضا؟
- نعم. ينطبق الأمر نفسه على الصحافة العالمية، وأصبح تراجع دور الرسوم الكاريكاتيرية في التعبير عن حالة اجتماعية أمرا عاديا في الدول المتقدمة التي لم تعد تتأثر بالأمر. على سبيل المثال، منذ 60 سنة ورسامو الكاريكاتير يتناولون القضية الفلسطينية وأنا منهم. ولكن ماذا حصل؟ لا شيء. بالأحرى، إن هذا النوع من الرسوم فقد تأثيره، ولم تعد تجد الرسوم الكاريكاتيرية انتباها من الساسة، ولم تعد الرسوم الكاريكاتيرية تستطيع أن تحدث تغييرات في المعتقدات، والآراء.
* يحمل كتابك الذي جرى إصداره أخيرا في إيران عنوان «المنمنمات السوداء»، ولقي الكتاب ترحيبا واسعا. هلا شرحت لنا باختصار الأعمال المطروحة في الكتاب؟
- لقد قمت بنشر الرسم الأول الذي يتناوله الكتاب منذ 40 سنة. وجرى نشر رسومات هذا الكتاب في الأعوام 1973 إلى 1975 التي تناهض جهاز الاستخبارات التابع للنظام السابق والمعروف بـ«السافاك»، والطابع الديكتاتوري للنظام السابق. ولقد جرى منعي من ممارسة الرسم مرتين في عهد الشاه بسبب هذا الكتاب. يضم هذا الكتاب مجموعة من أفضل رسوماتي السياسية والاجتماعية التي استخدمت فيها فن المنمنمات. وكنت أنا أول رسام يقوم بهذا العمل في تلك الفترة، ولم تفقد هذه الرسوم بريقها بعد مرور كل هذه السنوات، ولقد قمت بتحويل تلك الرسوم إلى كتاب قيم أوشكت على إصدار الطبعة الثانية منه. وكتب جواد مجابي مقدمة الكتاب الذي صدر عن دار «تاش» للنشر. وتولى «حسن كريم زادة» و«أنوشة» الأعمال الفنية للكتاب.
* اعداد {الشرق الأوسط} بالفارسية (شرق بارسي)

