«واحة الغروب»... حينما يضاهي العمل الدرامي روعة الإبداع الروائي

يتابعه القراء والنقاد والأدباء

من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
TT

«واحة الغروب»... حينما يضاهي العمل الدرامي روعة الإبداع الروائي

من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد
من أبطال مسلسل «واحة الغروب» منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب - .. ومنة شلبي في أحد المشاهد

تحظى الأعمال الدرامية المأخوذة عن أعمال أدبية بمتابعة دقيقة من قبل الجمهور، وتقع تحت مجهر الفحص من قبل معشر النقاد والأدباء.
هذا العام تقدم «العدل غروب» عدداً من المسلسلات المتنوعة ما بين الاجتماعي والتاريخي، ويعتبر مسلسل «واحة الغروب»، إضافة جديدة للدراما المصرية من حيث انتقاء الفنانين وتكنيك الإخراج واللعب بالإضاءة والديكور وتصميم الملابس والخدع البصرية.
كما يقال الجواب يظهر من عنوانه بداية من «تتر» أو شارة المقدمة التي تعطي المشاهد وعداً بالتشويق فتأخذه عبر ممرات واحة سيوة المحفورة بين صخور جبل شالي وهي المدينة القديمة بسيوة، ويظهر أبطال المسلسل في لقطات بين هذه الممرات بحركة الكاميرا متهدجة ومتراوحة بين البطء والسرعة و«الزووم إن» و«الزووم أوت» متتبعة لهم، يصاحبهم صوت المنشد وائل الفشني حفيد المنشد العظيم الراحل طه الفشني، وهو موال من جنوب مصر، الشارة توحي بأنّ شخوص العمل يبحثون عن ذواتهم أو عن شيء بين هذه الممرات، وهذا هو فحوى رائعة الأديب المصري بهاء طاهر «واحة الغروب» الصادرة عن دار الشروق عام 2008، وحازت على أول جائزة «بوكر» للرواية العربية.
تدور أحداث المسلسل خلال نهاية القرن الـ19، في أعقاب فشل الثورة العرابية، وتنقل السلطات محمود، ضابط الشرطة كعقاب له على اعتناقه أفكار عرابي إلى واحة سيوة في إجراء، ظاهره تكريم وباطنه عقاب، حيث يمثل أهالي تلك الواحة المعزولة مصدر قلق للسلطات بسبب الصراعات الدائرة بين القبائل، وتمردهم عن دفع الضرائب. يصطحب الضابط زوجته الآيرلندية «كاثرين» المهتمة بالآثار، والتي تسعى للبحث عن قبر الإسكندر الأكبر المفقود وحل لغزه، ليصطدم الاثنان بالوضع الأمني وحالة حرب بين أهالي الواحة. يبدو إنتاج المسلسل مهتما ومراعيا لأدق التفاصيل المتعلقة بالديكورات والملابس والإكسسوارات، فمنذ الحلقة الأولى كان من المثير للإعجاب حقاً براعة المخرجة كاملة أبو ذكري في تجسيد وقائع قصف الإسكندرية عام 1882، إثر هجوم الأسطول الإنجليزي بالبحر المتوسط، لدعم الخديوي توفيق باشا إبّان الثورة الشعبية التي قادها أحمد عرابي ضد حكومته. لم يتكل فريق العمل على مجرد استوديو يجسد الإسكندرية القديمة، بل قاموا ببناء ديكور مماثل للصور الأرشيفية التي توثق هذا القصف العنيف الذي دمر معظم المدينة ونشبت على إثره أحداث شغب راح ضحيتها قتلى من المصريين والأجانب المقيمين بها. روت الحلقة الأولى الأحداث وخلفياتها التي سيترتب عليها تطور درامي كبير في حياة بطل الرواية، وإن كان بها بعض الإطالة في تجسد مشاهد إزالة آثار الدمار وحمل القتلى والمصابين.
ظهر بطل العمل الفنان المتميز خالد النبوي، في دور الضابط محمود عبد الظاهر، الذي ساعدته أيضاً ملامح وجهه بعظامها البارزة في أن يحقق مصداقية كونه شخصاً ينتمي لنهايات القرن التاسع عشر، حقا إنّه اختيار موفق له، فهو يبدو كمن خرج للتو من صورة للضباط في تلك الحقبة، براعته في التمثيل بعضلات وجهه ونظراته الشاردة تجسد باحترافية الشخصية المربكة والمقعدة لبطل الرواية؛ فهو شخص تربّى في منزل أسرة محافظة يحضر مجالس الذكر، والده تاجر ميسور الحال ونشأ في بيت توجد به جواري، حينما شب أصبح يتردد على الخمارات وبيوت الدعارة، وفي الوقت نفسه هو ضابط يسعى لتحقيق العدالة والحفاظ على الأمن العام، يؤمن بأفكار عرابي في التحرر من الاحتلال، وبالتالي أصبح يكره الأوروبيين، ويحضر محافل ماسونية ويسعى للانضمام لحزب سياسي شعاره «مصر للمصريين»، لكنّه يتخلّى عن كل ذلك إنقاذا لوظيفته الحكومية التي أجبره عليها والده، شخصية مصرية مليئة بالتناقضات، يحب جاريته «نعمة» التي لعبت دورها ببراعة مها نصار، لكنّه لن يتزوجها، تتركه نعمة في الحلقة الثانية من المسلسل بعدما نهرها بعنف لتناسيها حقيقة أنّها مجرد جارية، لكنّه سيظل أسيراً لحبها، وهو ما سيكتشفه المشاهد خلال الحلقات التالية. وبرعت مصممة الأزياء ريم العدل في اختيار ملابسها وحليها، وجعلتنا بالفعل أمام صورة فوتوغرافية بعدسات المستشرقين.
تظهر في الحلقة الثالثة بطلة العمل الفنانة منه شلبي في دور كاثرين الفتاة الآيرلندية الشغوفة بالآثار وعلم المصريات، والعاشقة لمصر والمصريين عبر صفحات التاريخ، وهي ستقع في حب الضابط محمود، ولكنّها ستكون هي الطرف الذي يقود العلاقة للزواج، ويبدو محمود منقاداً في هذه العلاقة. برعت الفنانة منة شلبي في إقناع المشاهدين في الحلقة الثالثة، في أول ظهور لها بكونها فتاة أوروبية رقيقة لا تتقن العربية، أيضاً ساعدتها براعة «الاستيليست» ريم العدل، في تغيير مظهرها وظهورها بلون شعر أحمر نحاسي وعيون ملونة في تقمص الشخصية، لكنّنا في الحلقة الـ54 فقدنا تلك القناعة تدريجياً، ووجدنا حضوراً لشخصية منة شلبي التي نعرفها بحركاتها ونظراتها المتمردة في بعض المشاهد، بالطبع ما زلنا في الحلقات الأولى من العمل وأمام «كاثرين» الكثير من المشاهد المعقدة التي ستجعل المشاهد يحكم على إتقان الشخصية. ظهرت جوانب الصراع ما بين أفكار وعادات الشرق والغرب بين سلوكيات محمود وسلوكيات كاثرين، وظهر أيضاً اشتياقه لجاريته «نعمة» وبوادر الخلاف بينه وبين كاثرين التي ستتطور فيما بعد.
السيناريو والحوار مكتوب باحترافية وقد كتبت أول 16 حلقة منه مريم نعوم بمشاركة أحمد بدوي، أمّا باقي الحلقات فكتبتها هالة الزغندي، واستطاع المسلسل أن يقتبس الجمل الحوارية الهامة في الرواية التي تفك شفرات دواخل شخصيات العمل. لغة الحوار دقيقة وسلسلة تجذب الجمهور. أمّا باقي شخصيات العمل وأبطاله حتى الآن، فيبدو جليا أنّ التوفيق حليف المخرجة في اختيارهم؛ فهو يضم مجموعة من الممثلين الصاعدين بقوة هذا العام، على رأسهم الفنان خالد كمال، الذي يلعب دور زميل الضابط محمود، وأيضاً الممثل الصاعد أحمد مجدي في دور «شاهين»، والفنانة الأردنية ركين سعد في دور «مليكة» التي تمثل شخصية معقدة أيضاً فهي فتاة مهووسة بصنع التماثيل الصغيرة أو التي يطلق عليها «المساخيط»، برعت ركين سعد في إقناع المشاهد بكونها فتاة سيوية ذات ملامح بدوية، في الحلقة السادسة تُزفّ على شاهين ابن الشيخ يحيى الذي يلعب دوره الفنان المتمكن أحمد كمال، وتظهر في تلك الحلقة ملامح الصراعات الدفينة بين العائلات في الواحة وصراعهم مع مأمور الواحة. يبدو بعض الاختلاف بين الرواية والمسلسل، حيث من المفترض أن تتزوج مليكة من رجل كبير في السن يدعى «معبد»، لكنّها تتزوّج في الحلقة السادسة من شاب، وقد صاحب الحلقة بعض الإطالة في مشاهد العرس السيوي، لكنها إطالة محمودة تعرف الجمهور على تقاليد واحة سيوة ومراسم الزواج بها. وشهدت تلك الحلقة ظهور الفنان البارع سيد رجب في دور «الشاويش إبراهيم» بنقطة شرطة القرية الذي يبدو أنّه سيكون له دور كبير في علاقة الضابط محمود مع أهل الواحة وما ستحويه من صراع. المثير أيضاً أنّ فريق العمل إلى جانب التصوير الخارجي في واحة سيوة بنى ديكورات مماثلة لمدينة شالي الجبلية.
رصيد المخرجة كاملة أبو ذكري لدى الجمهور العربي كبير، فهي قدّمت عدداً من الأعمال الناجحة، أبرزها دراما «سجن النسا». أمّا إيقاع المسلسل فليس بطيئاً مملاً كما اعتدنا في المسلسلات التي تدور في سياق زمني تاريخي، والأحداث تنطوي على تشويق وإثارة، ونجح المسلسل في استقطاب المشاهدين من بين الزخم الرمضاني الكبير، واستطاع أن يأخذ المشاهد لزمن القرن الـ19، ونجح في إعادة القراء للرواية ومقارنة الأحداث بينهما، ينتظر الجمهور تتابع الأحداث في محاولة للحكم على العمل الذي قد يتوّج بنجاح كبير كونه مأخوذاً عن عمل أدبي متقن.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».