تركيا والصين «شراكة ضرورة» تفرضها المصالح والخلافات مع الغرب

تعقيدات تجارية ومساع حثيثة للتقارب تعترضها الشروط الغربية

الرئيس الصيني لدى استقباله أمس نظيره التركي (أ.ب)
الرئيس الصيني لدى استقباله أمس نظيره التركي (أ.ب)
TT

تركيا والصين «شراكة ضرورة» تفرضها المصالح والخلافات مع الغرب

الرئيس الصيني لدى استقباله أمس نظيره التركي (أ.ب)
الرئيس الصيني لدى استقباله أمس نظيره التركي (أ.ب)

يحمل «منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي» أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا والصين على الرغم من تعدد الأطراف المشاركة فيه لكون العلاقات بينهما باتت شراكة تحتمها ظروف تقلبات العلاقات مع الغرب بالنسبة لأنقرة وحالة التباعد التقليدي مع بكين.
يشارك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في المنتدى على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير، حيث تولي أنقرة المنتدى أهمية كبيرة وتنظر إليه بوصفه فرصة كبيرة للتقارب مع بكين، كما أن بكين أيضا تنظر باهتمام إلى المبادرات التركية للتقارب على الرغم من تعقد ملفات التجارة بين البلدين. ودليلا على هذا الاهتمام المتبادل، قالت وكالة الأنباء الرسمية الصينية (شينخوا) إن المنتدى سيجمع «التنين والهلال» فالتنين يرمز للصين والهلال للدولة التركية، لافتة إلى أن إردوغان كان من بين الزعماء الأوائل الذين دعاهم الرئيس الصيني لحضور المنتدى.
وقبيل مغادرته إلى بكين، الجمعة، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن المبادرة التي اقترحها الرئيس الصيني عام 2013 مهمة للغاية وتاريخية وتهدف إلى تأسيس شبكة للبنية الأساسية والنقل والاستثمار والطاقة والتجارة، لافتا إلى أن تلك الجهود سوف يكون لها تأثير إيجابي، ليس فقط على العلاقات التركية الصينية، وإنما أيضا على العالم بأسره.
وتهدف تركيا إلى تنفيذ مشروع «خط وسط قزوين» خلال أعمال المنتدى. وفي هذا الإطار، من المنتظر أن تنتهي أعمال بناء مشروع «ممر الوسط» الذي يعتبر أحد أهم أقسام مشروع باكو - تبليسي - قارص لسكك الحديد، خلال العام الحالي.
وكانت حكومتا تركيا والصين وقعتا على مذكرة تفاهم في إطار قمة العشرين التي أقيمت قبل عامين في مدينة أنطاليا التركية، حول مشروع طريق الحرير، وتعزيز العلاقات التجارية والملاحة البحرية للبلدين، إضافة إلى مذكرة تفاهم تتعلق بمبادرة «ممر الوسط» الذي يعد أحد أهم عناصر مشروع إحياء طريق الحرير التاريخي، إذ يصل بين تركيا والصين مروراً بجورجيا وأذربيجان وبحر قزوين بواسطة العبارات ومنها إلى تركمانستان وكازاخستان ثم أفغانستان وباكستان. ومن أبرز ميزات الممر، أنه منخفض التكاليف بالمقارنة مع «ممر الشمال»، فمسافته أقصر بألفي كلم من الثاني، ومن المتوقع أن يختصر زمن المرور 15 يوماً بالمقارنة مع ممر الشمال.
ويرافق إردوغان خلال زيارته للصين في جولته، كل من طغرل توركاش نائب رئيس الوزراء، وبكير بوزداغ وزير العدل، ومولود جاويش أوغلو وزير الخارجية، ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية برات البيرق، ووزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري أحمد أرسلان. وأكد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي أن محادثاتهم في الصين تتمحور حول العراقيل التي تفرضها سلطات بكين على دخول المنتجات التركية إلى أسواقها.
وأوضح أن حالة عدم التوازن في التبادل التجاري مع الصين، أمر لا يمكن قبوله، وأنه ناقش مع الرئيس إردوغان قبيل الزيارة كيفية علاج هذا الوضع.
وتابع: «نقوم ببيع منتج إلى الصين، لكننا نشتري مقابل ذلك 10 سلع استهلاكية، وهذا الأمر غير مقبول، فقيمة الصادرات الصينية إلى تركيا 25 مليار دولار، ووزارتنا تراقب المنتجات المستوردة من الصين عن قُرب».
واعتبر الخبير في شؤون العلاقات الدولية أركين أكرم أن تركيا يمكنها التعاون مع الصين خلال الفترة المقبلة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، لا سيما في ظل تضارب مصالحها مؤخراً مع الغرب والولايات المتحدة، وأن تركيا بإمكانها جذب الاستثمارات الصينية ونقل تكنولوجيا هذا البلد من خلال إقامة تعاون وثيق مع سلطات بكين.
في السياق نفسه، تبدي تركيا اهتماما بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي أشار إردوغان أكثر من مرة وسط التوتر مع الغرب وحلف الناتو إلى إمكانية أن تتوجه تركيا للانضمام إلى هذه المنظمة، وقال السفير الصيني في أنقرة يو هونغ يانغ إن بلاده رحبت بفكرة انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي وأبدت استعدادها للتعاون مع المسؤولين الأتراك في هذا الشأن. ولفت إلى التقارب بين أنقرة وبكين في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن إردوغان سليتقي بينغ على هامش منتدى بكين، للمرة الرابعة خلال العامين الأخيرين للتباحث حول ملفات سياسية واقتصادية ومواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك. وأضاف أن تركيا شاركت بشكل فعال خلال الأعوام الأخيرة في أعمال منظمة شنغهاي وباتت بمثابة شريك، ولا شك في أن الصين ترحب بفكرة انضمامها إلى المنظمة وهي مستعدة لبحث انضمامها بالتشاور مع الدول الأعضاء.
وبحسب السفير الصيني، فإن بلاده تجري أيضا مباحثات مكثفة مع الجانب التركي في إطار منظمة التعاون الفضائي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبسكو)، وتسعى لتعميق هذا التعاون خلال الفترة المقبلة. وفيما يتعلق بمجال الطاقة النووية، قال هونغ يانغ إن بكين تولي أهمية للتعاون مع تركيا في هذا الموضوع خلال الأعوام الأخيرة، نظرًا لخبراتها وإمكاناتها الكبيرة في تكنولوجيا الطاقة النووية.
واعتبر خبراء في العلاقات الدولية أن التعديلات الدستورية الأخيرة في تركيا التي تخول إردوغان صلاحيات واسعة ستمكنه من تمرير كثير من المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى رؤوس أموال ومتعهدين قادرين على توفير مليارات الدولارات، وسيكون قادرا على استخدام سلطاته الجديدة للاستفادة من علاقة وثيقة مع الصين وإتاحة المجال للشركات الصينية لتصدير رؤوس الأموال والتكنولوجيا إلى تركيا.
ويرى الخبراء والمحللون أن التحالف مع بكين سيعود بالفائدة على إردوغان أكثر من أي تحالف مع موسكو أو طهران وأن ثمة إمكانية في ترسيخ العلاقات بينهما في الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على تلافي اعتمادها المفرط على واشنطن وتطلع بكين إلى تعزيز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري في منطقة تزداد أهمية لمصالحها.
ولم تشهد العلاقة بين تركيا والصين ازدهارا حتى سبعينات القرن العشرين نتيجة للتقارب بين أنقرة وواشنطن لكنها تعمقت في التسعينات عندما عمدت الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقييد مبيعات الأسلحة إلى تركيا بسبب القضية الكردية، ما دفع بأنقرة إلى البحث عن جهات بديلة لتزويدها بالسلاح. واستمرت العلاقات في النمو منذ ذلك الحين. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2010، قام رئيس الوزراء الصيني السابق ون جيا باو بزيارة إلى تركيا ثم تبعه الرئيس شي جين بينغ بزيارة أخرى في عام 2012، بينما رد إردوغان الزيارة إلى الصين في العام التالي. وفي عام 2012 أصبحت تركيا أيضاً «شريكاً في الحوار» مع منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة متعددة الأطراف تهيمن عليها روسيا والصين ويعتبرها الغرب أحياناً طامحة إلى منافسة المؤسسات التي ترأسها الولايات المتحدة أو الحلول محلها ومنها الناتو.
وأجرت القوات الجوية التركية والصينية مناورات مشتركة متعدّدة من بينها مناورة عسكرية أجريت في عام 2009 وقامت خلالها المقاتلات الصينية بالهبوط في إيران للتزود بالوقود في طريقها إلى تركيا.
لكن التقارب بين أنقرة وبكين يسير بحذر نظرا لتباين التوجهات في عدد من القضايا، منها الملف السوري، وخلافٌ بين الحكومتين بشأن أقلية الأويغور الصينية التي تربطها علاقات تاريخية وعرقية مع تركيا وخلافات تركيا مع دول في منطقة الشرق الأوسط تسعى الصين للتقارب معها مثل مصر.
وقد ظهرت عقبات على الصعيد العسكري أيضاً. ففي عام 2013، بدت العلاقات الاستراتيجية بين الصين وتركيا مؤهلة للمضي قدماً عندما أعلنت تركيا عن خطط لشراء نظام دفاع صاروخي من الصين من شركة خاضعة لعقوبات أميركية إلا أن الخطوة لم تفضِ في النهاية إلى شيء؛ ففي عام 2015، أُلغيت صفقة البيع بسبب الاحتجاجات الغربية ورفض حلف الناتو والمشكلات التعاقدية.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.