«أوبر» تسعى لغزو العالم... والبداية من الهند

في أعقاب انسحاب الشركة العام الماضي من الصين إثر منافسة شرسة

سائق «أوبر» يستخدم تطبيق الهاتف الذكي للتجول في شوارع بنغالور شديدة الازدحام ({نيويورك تايمز})
سائق «أوبر» يستخدم تطبيق الهاتف الذكي للتجول في شوارع بنغالور شديدة الازدحام ({نيويورك تايمز})
TT

«أوبر» تسعى لغزو العالم... والبداية من الهند

سائق «أوبر» يستخدم تطبيق الهاتف الذكي للتجول في شوارع بنغالور شديدة الازدحام ({نيويورك تايمز})
سائق «أوبر» يستخدم تطبيق الهاتف الذكي للتجول في شوارع بنغالور شديدة الازدحام ({نيويورك تايمز})

لا يبدو مكتب نانديني بالاسوبرامانيا هنا على الطرف الجنوبي للعاصمة التكنولوجية للهند، مكاناً مرشحاً للاضطلاع بدور محوري في خطط أقوى الشركات الناشئة على مستوى العالم لاجتياح الكوكب بأسره.
في كثير من الأيام، يعاني المكتب من انقطاع الكهرباء، مما يضطر بالاسوبرامانيا على إبقاء الباب مفتوحاً، مما يفسح المجال نحو الداخل لضوضاء وغبار شوارع بنغالور. وعلى أحد الجدران، بجوار مكتب تستقبل من خلاله سيلاً من الباحثين عن فرصة عمل من أبناء الضاحية، توجد قائمة بالوثائق التي تطلبها من كل متقدم للعمل معها؛ رخصة قيادة وثيقة تأمين وترخيص للسيارة ووثيقة حساب مصرفي، بجانب عشرات المستندات الأخرى التي تفرضها البيروقراطية الهندية.
كما توجد صورة لترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبر» الأميركية الصاعدة بقوة. جدير بالذكر أن بالاسوبرامانيا (32 عاماً) لا تعمل لحساب «أوبر»، وإنما تعد واحدة من «أصدقاء أوبر»، بمعنى أنها تشكل جهة مستقلة للتوظيف وتحصل على أجر من الشركة مقابل كل سائق تدفع به إلى الأخيرة. وعن عملها، قالت بالاسوبرامانيا إنه مربح، لكنه صعب في أغلب الوقت، خصوصاً أن بعض سائقي الهند يفتقرون إلى خبرة حقيقية بمجال قيادة السيارات.
من جانبها، تولت بالاسوبرامانيا تدريب أفراد لم يسبق لهم قط العمل بهذا المجال من قبل، بجانب آخرين ممن ليست لديهم خبرة تذكر في إدارة الأموال أو التفاعل مع العملاء من أبناء الطبقة الوسطى. كما أن الكثيرين يجهلون كيفية استخدام تطبيقات الهواتف الذكية - التي تعد بمثابة القلب النابض لمنظومة عمل «أوبر» بأكملها - أو يواجهون صعوبة في قراءة خريطة ما.
وتعمل بالاسوبرامانيا بالتعاون مع فريق من المعنيين بالتوظيف يبحثون في شتى الأرجاء عن سائقين مناسبين. كما استعانت أخيراً بمزيد من الموظفين لإجراء اتصالات هاتفية بالسائقين المرشحين للعمل، وتحرص بالاسوبرامانيا على التأكد من استمرار من تختارهم في العمل مع «أوبر»، وألا يرحلوا عن الشركة لأسباب تتعلق بنفورهم من العمل هناك أو صعوبته بالنسبة لهم.
يذكر أن بالاسوبرامانيا تمثل واحدة من المئات من مكاتب «أصدقاء أوبر» التي أنشأتها الشركة الأميركية عبر مختلف أرجاء الهند، حيث تعكف الشركة حالياً على العمل بدأب بالغ للاستعداد لغزو شبه القارة الهندية بأكملها. في أعقاب انسحاب الشركة المؤلم العام الماضي من الصين، حيث تعرضت لمنافسة شرسة ثم الهزيمة أمام منافس محلي، «ديدي تشوشينغ»، تدفع «أوبر» حالياً بكامل جهودها نحو غزو الهند البالغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، مع إغداقها المال والقوة البشرية من المهندسين والخبرة اللوجيستية على محاولاتها الهيمنة على ما يمكن أن يتحول ذات يوم إلى أكبر سوق لخدمات النقل عالمياً.
بوجه عام، تشتهر «أوبر» بحدة منافستها، ويتجلى ذلك في طموحاتها المرتبطة بالهند. اللافت أن عدداً قليلاً نسبياً من الأفراد هنا يملكون سيارات. وعليه، فإن الهدف طويل الأمد لـ«أوبر» يتمثل في القفز بالبلاد، بحيث تتجاوز ثقافة امتلاك السيارات على الطراز الغربي، والتحرك مباشرة نحو مجتمع لا يقدم فيه الأفراد على شراء سيارات، وإنما يكتفون بالاعتماد على «أوبر».
أيضاً داخل الهند تحطم تصور «أوبر» لنفسها كشركة تعتمد على البرامج المتطورة على أعتاب واقع الحياة البسيطة داخل هذا البلد الآخذ في النمو السريع. ولا يزال الحلم الأكبر للشركة المتمثل في الهيمنة على خدمات نقل الأفراد على مستوى العالم يواجه مصاعب وتحديات كبرى.
وخلال مقابلة معه، قال كالانيك: «ننظر إلى هذا الأمر من زاوية أن الهند من الدول فائقة الأهمية في العالم بما تملكه من مدن ضخمة واحتياجات هائلة بقطاع النقل، ونحن من جانبنا نود الإسهام على هذا الصعيد. إننا نرغب في المشاركة هناك على نحو كبير».
يذكر أن هذه المقابلة جرت في منتصف يناير (كانون الثاني)، قبيل تعرض «أوبر» لسلسلة من الأزمات. الآن، تواجه الشركة فضيحة تحرش جنسي وتتركز الأنظار على نحو أكبر على الثقافة السائدة داخلها.
وألقت هذه المشكلات بظلالها على أي خطط لدى الشركة ذات الملكية الخاصة، التي تقدر قيمتها بنحو 70 مليار دولار، فيما يخص طرح أسهمها على الاكتتاب العام. كما أن التحديات التي تواجه عملها داخل الهند على وجه التحديد، تسلط الضوء على أنه لا يزال أمام الشركة شوط كبير لتقطعه كي تحقق حلم الهيمنة العالمية الذي يراودها.
كانت «أوبر» بدأت عملها في الهند عام 2013، واليوم تعمل داخل 29 مدينة، بينها بعض أكثر المدن ازدحاماً في العالم. وبمختلف أرجاء البلاد، تتسم الطرق في الغالب ببشاعتها، والازدحام المروري الشديد ووجود حفر بالطريق وتحرك المشاة في أماكن غير مخصصة لهم والتفسير الفضفاض لقواعد المرور.
ولا تقتصر المشكلة على الطرق، وإنما أيضاً تتسم خدمات شبكات الهواتف الجوالة داخل الهند بتقطعها وبطئها، إضافة إلى أن خدمات الصرافة وبطاقات الائتمان والخدمات المالية الرئيسية الأخرى لا يمكن التعامل مع توافرها كمسلمات. علاوة على ذلك، فإن ثمة تباينات شاسعة على مستويي التعليم والثروة تخلق ديناميكيات اجتماعية بين الركاب والسائقين من المتعذر التغلب عليها بالاعتماد على تطبيق عبر الهواتف.
في الواقع، لا يألف كثير من سائقي «أوبر» التعامل مع الهواتف الذكية، بل ويجهل بعضهم القراءة والكتابة. وفي كثير من الحالات، لا يتحدث سائقو وركاب سيارات «أوبر» اللغة ذاتها. كما يحتاج كثير من السائقين لمساعدة مالية لشراء أو استئجار سيارات، ثم يحتاجون إلى مساعدة مستمرة لإدارة شؤونهم المالية والتفاصيل الأخرى لنشاطهم التجاري الصغير.
وعلى رأس كل ما سبق، تأتي المنافسة، ذلك أن «أوبر» تواجه منافساً هندياً قوياً ويتمتع بتمويل جيد، «أولا كابس»، التي تعمل داخل 100 مدينة وتوفر مجموعة أوسع من الخدمات عما تتيحه «أوبر».
من جانبهما، ترى «أوبر» و«أولا» أن الجهود التي تبذلانها ستخلق تحولات كبرى في أسلوب الحياة الهندية على المدى البعيد، وتشيران إلى أن التشارك في ركوب السيارات بدأ يحدث تغييرات بالفعل على صعيد الحياة الحضرية الهندية، خصوصاً أن التجول عبر أرجاء المدن أصبح أرخص وأكثر أمناً، خصوصاً بالنسبة للنساء. وفي الوقت ذاته، ثمة تغييرات تطرأ على حياة مئات الآلاف من السائقين، الذين ينتمي كثيرون منهم إلى بعض أشد طبقات المجتمع الهندي فقراً.
ومن الواضح أن مساعي «أوبر» نحو إعادة صياغة خدمات النقل داخل الهند، التي تعتبرها الشركة نموذجاً ستجرى محاكاته داخل دول نامية أخرى، ستكون طويلة ومكلفة ومعقدة. وقد أعلنت الشركة، الجمعة، تكبدها خسائر بقيمة 2.8 مليار دولار عام 2016. ولم تكشف الشركة عن حجم خسائرها داخل الهند، لكن كالانيك قال إن استثمارات الشركة هنا «أقل كثيراً» عما أنفقته على مغامرتها الفاشلة في الصين.
وخلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف، أقر أميت جين، رئيس «أوبر الهند» بأنه «لا نحقق أرباحاً داخل أي من المدن التي نعمل بها في الوقت الراهن، لكنّ أمامنا طريقاً واضحة للوصول إلى هذا الهدف، ونحن على ثقة من تحقيقه».
* الفرصة الهندية
داخل سان فرانسيسكو، حيث يوجد المقر الرئيسي لـ«أوبر»، تتسم عملية استدعاء واحدة من سيارات الشركة بالبساطة؛ فأنت تفتح التطبيق وتضغط على زر، وفي غضون أقل من دقيقتين يخرج إليك «بريوس»، أو شبيه له، بفاتورة بالمبلغ المطلوب وخريطة يقدمها التطبيق.
في الواقع، شكلت هذه السهولة البالغة مكمن عبقرية أداء «أوبر»، فمن خلال برنامج بسيط، نجحت الشركة في التغلب على جميع السلبيات المرتبطة بركوب سيارة أجرة تقليدية؛ العثور على سيارة أجرة وإقناع قائدها بالوقوف لك وإيجاد وسيلة لدفع تكلفة النقل إذا لم يكن لديك مبلغ نقدي وتساؤلاتك المستمرة بداخلك حول ما إذا كنت قد تعرضت للاحتيال.
داخل الهند أيضاً، وجدت «أوبر» قطاع نقل مناسباً تماماً للشروع في إعادة صياغته. ومع تنامي الاقتصاد الهندي على مدار الأعوام الـ40 الماضية، انتقل مئات الملايين من الأفراد إلى داخل مناطق حضرية قادمين من قرى. والآن، توجد بالهند 3 مدن؛ مومباي ودلهي وكولكاتا، يتجاوز عدد سكانها 15 مليون نسمة، بجانب عشرات المدن التي يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة.
في المقابل، لم تواكب البنية التحتية الهندية هذا النمو السكاني، وبحلول نهاية القرن الماضي، كانت أصوات بعض العلماء والخبراء تتعالى محذرة من أزمة بمجال النقل داخل المناطق الحضرية، أسفرت بدورها عن تلوث الهواء وتلوث ضوضائي، في وقت جاءت أعداد ضحايا حوادث الطرق الهندية بين أعلى المعدلات عالمياً.
وأصبحت مسألة التنقل من مكان لآخر عسيرة على نحو خاص بالنسبة للفقراء، بينما لم تتمكن سوى شريحة صغيرة للغاية من أثرى أثرياء الهند من شراء سيارات خاصة والاستعانة بسائقين خصوصيين في تنقلاتهم. أما باقي شرائح المجتمع، فلجأت إلى مجموعة متنوعة من الخيارات الأصعب؛ الدراجات والـ«سكوتر» والدرجات المعدلة والحافلات المكدسة للغاية لدرجة تجبر بعض الركاب على التعلق بأبواب الحافلات من الخارج.
علاوة على ذلك، تفتقر معظم المدن الهندية إلى منظومة مناسبة للنقل العام، وبسبب مستويات تلوث الهواء الضخمة وندرة الأرصفة، يصبح المشي في حد ذاته أمراً خطيراً. في بنغالور، يتعرض 3 مشاة للقتل على الطرق كل يومين.
بالنسبة لـ«أوبر» و«أولا»، حملت الظروف السابقة فرصة كبيرة، ورأى الجانبان أن التكنولوجيا الحديثة بإمكانها معاونتهما في توفير خدمات نقل أفراد أرخص عن وسائل النقل الأخرى المتاحة بالفعل وإتاحة الخدمات الجديدة أمام قطاع أوسع من الهنود.
في هذا الصدد، قال براناي جيفراكا، أحد الشركاء المؤسسين لشركة «أولا»: «قبل أن تظهر شركتنا إلى الوجود، كانت مسألة ركوب سيارة أجرة في غالبية المدن الهندية، صعبة ومكلفة. وكان يتعين على العميل الاتصال قبل الموعد بيوم. وبدأنا في حجز سيارات الأجرة قبل الموعد بـ12 ساعة، ثم 4 ساعات، والآن بدأنا في توفير السيارات فوراً. واليوم، إذا ما تأخرت السيارة الأجرة لأكثر من 5 دقائق، يبدأ الناس في الشكوى».
أما «أوبر»، فتضع نصب عينيها هدفاً أكبر، ذلك أن كالانيك أوضح منذ فترة بعيدة أن مجال المنافسة الرئيسي لـ«أوبر» يكمن في مجال ملكية السيارات الخاصة - إذا تمكنت «أوبر» من توفير خدمة توصيل فورية، فإنها بذلك قد تشكل خياراً أفضل يغني عن تكبد تكاليف ومشقة امتلاك سيارة خاصة. ورغم أنه داخل الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، تعتبر مسألة امتلاك سيارة خاصة ثقافة مترسخة، فإن هذا الأمر لا ينطبق على الهند.
وأضاف كالانيك: «من المستحيل أن يقود كل فرد من المقيمين في دلهي سيارة. هذا الأمر لن يفلح، والمدينة ذاتها لا تملك بنية تحتية تستوعب ذلك».
* الهدف الطموح
بطبيعة الحال، لا يزال هدف القفز على مرحلة امتلاك الأفراد سيارات خاصة على نطاق واسع أمراً بعيد المنال. في الوقت الراهن، يعمل لدى «أوبر» داخل الهند 200.400 سائق داخل الهند. أما «أولا»، فأعلنت أن عدد السائقين العاملين لديها يبلغ 640.000. وتبدو هذه الأرقام ضخمة حتى تنتبه إلى أن ثمة قرابة 400 مليون نسمة يعيشون داخل المدن الهندية الكبرى. ومع ذلك، أوضح مسؤولون لدى «أوبر» و«أولا» أن قطاعات مهنية معينة مثل العاملين بمجال التكنولوجيا ومن يضطرون إلى السفر باستمرار أصبح أبناؤها عنصراً أصيلاً في نسيج الحياة الحضرية الهندية.
من ناحيته، قال كريستيان فريز، المدير العام لمكتب «أوبر» في بنغالور، الذي أنشأت الشركة به المركز الهندسي الوحيد لديها خارج سان فرانسيسكو، إنه قبل ظهور «أوبر»، «كان الناس يقضون جل وقتهم قابعين داخل المنازل. الآن، يمكنك رؤيتهم يتجولون بالخارج، خصوصاً في العطلات الأسبوعية، ذلك أن كل المطلوب منك الضغط على زر وتصبح السيارة في خدمتك».
* خدمة: «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».