واشنطن تثبت مناطق النفوذ في شمال سوريا بنشر مدرعات في منبج

تقوض طموح تركيا بتوسيع نطاق سيطرتها... والآليات على تماس مع «درع الفرات»

صورة من يونيو الماضي تظهر لافتة تشير لمدينة منبج من مدخلها الغربي - مقاتلون من «الجيش السوري الحر» عند نقطة تفتيش شرق مدينة الباب (رويترز)
صورة من يونيو الماضي تظهر لافتة تشير لمدينة منبج من مدخلها الغربي - مقاتلون من «الجيش السوري الحر» عند نقطة تفتيش شرق مدينة الباب (رويترز)
TT

واشنطن تثبت مناطق النفوذ في شمال سوريا بنشر مدرعات في منبج

صورة من يونيو الماضي تظهر لافتة تشير لمدينة منبج من مدخلها الغربي - مقاتلون من «الجيش السوري الحر» عند نقطة تفتيش شرق مدينة الباب (رويترز)
صورة من يونيو الماضي تظهر لافتة تشير لمدينة منبج من مدخلها الغربي - مقاتلون من «الجيش السوري الحر» عند نقطة تفتيش شرق مدينة الباب (رويترز)

ثبتت الولايات المتحدة الأميركية مناطق النفوذ في الشمال السوري، بإرسال مدرعات إلى منطقة منبج الخاضعة لسيطرة الأكراد، فيما بدا أنها خطوة لتقويض تركيا العازمة على التقدم إلى المنطقة.
وقال مصدر في «قوات سوريا الديمقراطية» لـ«الشرق الأوسط»، إن مدرعات أميركية تابعة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب شوهدت محمولة على شاحنات في محيط منبج من الجهة الشمالية المواجهة لريف جرابلس، وانتشرت بمحاذاة نهر الساجور الواقع شمال منبج.
وقال المصدر، إن الدبابات المحمولة على شاحنات ضخمة شوهدت تعبر نهر دجلة من العراق، كما شوهدت لاحقا في منطقة الخط الفاصل بين منبج وجرابلس بموازاة نهر الساجور. وأشار إلى أن «انتشار القوات الأميركية يأتي في إطار تعزيز القوات الأميركية لوجودها في منبج، التزاما منها بتعهداتها السابقة لحماية منبج من أي هجمات، باعتبارها منطقة محررة من (داعش)».
وهذه هي المرة الأولى التي تنتشر فيها مدرعات تابعة للتحالف الدولي في تلك المنطقة، علما بأن اشتباكات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا، وقعت في الخريف الماضي في المنطقة، إثر تقدم قوات «درع الفرات» بريف جرابلس. وتوقفت المعارك حين وضعت الولايات المتحدة الأميركية خطوطًا حمراء أمام تركيا منعتها من التقدم إلى منطقة منبج التي ساهم التحالف الدولي في طرد «داعش» منها الصيف الماضي.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القوات الأميركية العاملة ضمن صفوف التحالف الدولي نشرت مقاتلين وآليات تابعة لها ولقوات التحالف في محيط مدينة منبج وفي مناطق سيطرة مجلس منبج العسكري، بريف حلب الشمالي الشرقي، بعد التطورات الأخيرة التي جرت في منطقة الباب وريفها، وانسحاب عناصر تنظيم داعش من عدد كبير من القرى التي تسيطر عليها بريف الباب الشرقي، بالإضافة إلى توسيع نطاق خطوط التماس بين القوات التركية والفصائل العاملة في عملية درع الفرات وبين مقاتلي مجلس منبج العسكري، إضافة إلى خطوط التماس الجديدة بين قوات النظام ومقاتلي المجلس على بعد نحو 16 كيلومترا من مدينة منبج.
وقال مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط» في شمال حلب، إن الأميركيين رسموا خطا فاصلاً بين «درع الفرات» في جرابلس وقوات «مجلس منبج العسكري» في منبج، مشيرًا إلى أن الانتشار الأميركي يمتد إلى تخوم خطوط مواجهة لـ«درع الفرات» في غرب منبج، على الحدود الفاصلة إداريا بين منبج والباب.
وقال المصدر، إن تلك أشبه «بخريطة نفوذ يثبتها الأميركيون الذين التزموا بحماية منبج» والذين ساهموا بطرد «داعش» منها، مشيرًا إلى أن هذا الالتزام «ظهر إبان المعركة في جرابلس، حيث سعت تركيا للتمدد إلى منبج، لكن واشنطن ألزمتها بالتوقف عند نهر الساجور» الذي يشكل الحدود الإدارية الشمالية بين منبج وجرابلس.
وبدا الانتشار الأميركي محاولة لتثبيت مناطق النفوذ في شمال سوريا التي تشهد تصاعد الصراع الأكبر بين الأطراف هناك، ويأتي في ظل تشنج بين تركيا وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذين تتهمهم أنقرة بأنهم منظمة إرهابية، وتهدد بالتقدم إلى مناطقهم والسيطرة عليها في منبج بريف حلب والواقعة غرب نهر الفرات، وتطمح تركيا بأن تضمها إلى المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها.
ورأى سفير لبنان الأسبق في واشنطن والباحث السياسي الدكتور عبد الله بو حبيب، أن ما يجري «هو تثبيت لمناطق النفوذ في الشمال»، مشددًا في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أن الأميركيين «داعمون للأكراد، ومتوافقون على حرب (داعش) التي يخوضونها في الرقة»، مستبعدًا أن يسمح الأميركيون بتسليم منبج لتركيا بعدما ساهموا في طرد «داعش» منها.
وقال بوحبيب: «خلافًا للعلاقة بين واشنطن وأكراد سوريا، فإن الأميركيين لا يختلفون مع إردوغان، لكنهم لا يتفقون معه في كل شيء»، لافتًا إلى أن قسمًا من الطائرات الحربية التي تضرب في سوريا لا تزال تنطلق من قاعدة إنجرليك في تركيا. وأضاف: «الإدارة الأميركية الحالية مستمرة في الخطط التي وضعت في عهد أوباما، حيث لا تغييرات أساسية في السياسة الأميركية والاتجاه السياسي هو نفسه».
وبينما يبدو الانتشار الأميركي تقويضًا لمساعي تركيا للتقدم نحو منبج، قال المصدر الكردي إن تركيا الآن وبعدما بات التقدم إلى منبج مستحيلاً «تستعيض عنه بمحاولة الدفع باتجاه عفرين».
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مجلس تل رفعت العسكري عمد إلى وقف مشاركته مع عملية درع الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي، بعد عملية السيطرة على مدينة الباب وبلدتي بزاعة وقباسين وعمليات السيطرة على قرى بمحيطها. ونقل عن مصادر أن مجلس تل رفعت سيصب طاقته في عملية عسكرية سيطلقها في الفترة المقبلة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» التي سيطرت في مطلع العام الماضي 2016 على قرى وبلدات كانت تسيطر عليها الفصائل في الريف الشمالي لحلب، بمساعدة روسية.
وأشار المرصد إلى أن العملية التي يعتزم مجلس تل رفعت العسكري إطلاقها في الشمال الحلبي، بمشاركة مقاتلين محليين، تهدف إلى استرجاع عدد من البلدات والقرى التي تقدمت إليها وسيطرت عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، من أجل إعادة عشرات آلاف النازحين من هذه المناطق إلى مساكنهم وقراهم وبلداتهم. وأكدت المصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن المجلس العسكري بدأ بالعودة مع مقاتليه وعتاده إلى منطقة تل رفعت، للمباشرة بتنفيذ العملية العسكرية.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.