محمد عبد الله فرماجو رئيس الصومال الجديد

من اللجوء لأميركا إلى سدة الحكم في مقديشو

محمد عبد الله فرماجو رئيس الصومال الجديد
TT

محمد عبد الله فرماجو رئيس الصومال الجديد

محمد عبد الله فرماجو رئيس الصومال الجديد

انتُخب محمد عبد الله فرماجو رئيسًا للصومال، يوم 8 فبراير (شباط) الحالي، بعدما حصل على 56 في المائة من أصوات نواب البرلمان، البالغ عددهم 329 نائبًا، على أقرب منافسيه، وهو الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود الذي حصل على 28 في المائة فقط. وعلى الأثر، انسحب شيخ محمود مقرًا بالهزيمة، وغدا فرماجو أول رئيس من صوماليي المهجر (الدياسبورا) يتولى الرئاسة في البلاد. ولقد تزامن انتخاب الرئيس الجديد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، مع الجدل الذي أثارته القرارات التنفيذية التي اتخذها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب بمنع مواطني سبع دول إسلامية (بينها الصومال) من دخول الولايات المتحدة.
يتوّج فوز محمد عبد الله فرماجو (54 سنة) برئاسة جمهورية الصومال مسيرة حياة سياسية قصيرة نسبيًا، بعد اغتراب طويل في الولايات المتحدة التي دخلها وهو دبلوماسي شاب، عام 1985. ثم مكث فيها لاجئًا لمدة 25 سنة، عاد بعدها ليُعين رئيسًا للوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، واستقال من المنصب في يونيو (حزيران) 2011. وعاد بعدها بعام ليترشح للرئاسة في 2012، لكنه جاء سابعًا بـ5 في المائة فقط من أصوات النواب، لكنه عوضها هذه المرة حاصدًا 56 في المائة من الأصوات، ليصبح الرئيس التاسع للجمهورية الصومالية.
ولد محمد عبد الله محمد فرماجو في حي بونطيري الشعبي، في العاصمة مقديشو، عام 1962. وكان أبوه قد هاجر إلى مقديشو في بداية الخمسينات من القرن الماضي، واستقر فيها متنقلاً بين أكثر من وظيفة حكومية مدنية. ويحمل الرئيس الصومالي الجديد لقب أبيه «فرماجو» Fromaggio، وهي كلمة إيطالية معناها «الجبنة»، لكنها بعدما دخلت القاموس الصومالي، صارت مرادفًا لـ«المحبوب» أو «الحلوى». وتختلف الروايات حول سبب التسمية، منها أن أبا الرئيس كان يحب الجبنة التي أدخلها الإيطاليون إلى الصومال، ومنها أيضًا أن الرجل كان صاحب شخصية لطيفة ومحبوبة، فلقب بـ«فرماجو»، وغلب اللقب على اسم العائلة منذ ذلك الوقت.
الصغير محمد ألحقه أبوه مدرسة تابعة للجيش الصومالي، يدرس فيها أبناء المحاربين القدامى. ومع أن الأب كان من الطبقة المتوسطة، فإنه اختار إلحاق ابنه البكر بمدارس أبناء المحاربين القدامى، ليكسبه روح الجندية. لكن الابن لم يلتحق بالجيش، بل حصل بعد تخرجه من الثانوية، وأدائه الخدمة العسكرية الإلزامية، على وظيفة في وزارة الخارجية الصومالية، عام 1982. وأمضى 3 سنوات في أروقة الوزارة بمقديشو، عيّن بعدها سكرتيرًا أول في السفارة الصومالية بواشنطن. وفعلاً، عمل 4 سنوات في العاصمة الأميركية، لكنه اختلف مع النظام عام 1989، وقرّر البقاء في الولايات المتحدة طالبًا اللجوء السياسي، وحصل لاحقًا على الجنسية الأميركية.

الحقبة الأميركية
بعد حصول فرماجو على اللجوء السياسي، انتقل إلى ولاية نيويورك، وتحديدًا مدينة بافالو، حيث التحق بجامعة ولاية نيويورك SUNY في بافالو - التي تعرف اليوم بـ«الجامعة في بافالو» - حيث التحق بقسم التاريخ والعلوم السياسية، وتخرج فيها عام 1993. وأثناء الدراسة، تعرف على السيدة زينب معلم، وهي أيضًا صومالية مهاجرة، وتزوّجا وأنجبا 4 أطفال (ولدان وبنتان)، أكبرهم في الـ23. وبعد إنهاء الدراسة الجامعية، عمل في وظائف إدارية عدة، كما نشط في مجال الحقوق المدنية للأقليات، وعُرف بمقدرته على تنظيم المجتمع المدني في نواحي مختلفة، وبالذات اجتذب أنظار المسلمين المهاجرين، كما انضم لصفوف الحزب الجمهوري، وأصبح عضوًا مسجلاً في قائمة أعضائه.
وعام 2009، حصل من الجامعة في بافالو على درجة الماجستير في الدراسات الأميركية، وكان عنوان أطروحته «المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الصومال: من فترة الحرب الباردة إلى الحرب على الإرهاب». وفيها، انتقد سياسات الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الابن، واعتبر «أن المتطرفين الإسلاميين هم أكبر عقبة أمام استقرار الصومال، وذهب إلى أن حركة الشباب والمنظمات الإرهابية الأخرى تنامت بسبب السياسات غير الحكيمة للولايات المتحدة في المنطقة».
ومع أن فرماجو كان يحلم بالعودة يومًا إلى الصومال، وعمل شيء لبلاده، فإن المصادفة وحدها كانت وراء ظهور اسمه على المسرح السياسي الصومالي لأول مرة، عام 2010، عندما التقى بالرئيس الصومالي آنذاك، شيخ شريف شيخ أحمد، الذي كان في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ويومها، دبّر اللقاء عن طريق أصدقاء، في إطار اللقاءات التي كان يعقدها شيخ أحمد على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة مع النشطاء والمثقفين الصوماليين في أميركا.
هكذا، تعارف الرجلان، وأعجب الرئيس شيخ أحمد بأفكار فرماجو وطروحاته. وخلال أيام من هذا اللقاء الأخير، تلقى دعوة من مكتب الرئيس لزيارة مقديشو، واللقاء به مجددًا. ومع أن فرماجو ما كان يعلم سبب الدعوة، فإنه قبلها، وذهب لرئيسه في العمل طالبًا إجازة قصيرة سافر خلالها إلى مقديشو التي لم يرها منذ 25 سنة. وحينذاك، كانت الحرب محتدمة بين قوات الحكومة، المدعومة من قوات الاتحاد الأفريقي، ومقاتلي حركة الشباب.

رئيسًا للحكومة
وعرض الرئيس شريف شيخ أحمد على فرماجو ترؤس حكومة جديدة، مهمتها إخراج حركة الشباب من العاصمة، وقبل فرماجو العرض، وشكّل حكومة تكنوقراط يشكل المهاجرون العائدون من الخارج جزءًا أساسيًا منها، وأعطاها اسم «حكومة تايو» (الكفاءات). وخلال تلك الفترة، عُرف فرماجو ببساطته، إذ كان يرفض السفر على طائرات خاصة، كما اعتاد أسلافه في منصب رئيس الحكومة، وكان يسافر بالدرجة الاقتصادية مع الركاب في رحلاته الخارجية، توفيرًا للتكاليف. كذلك على المستوى الشخصي، فإنه شخصية خجولة إلى حد ما، وليس خطيبًا مفوّهًا عندما يتكلم، بل يستخدم لغة بسيطة تصل إلى الشارع العادي. ولذا اجتذب أنظار الفئات الشبابية، وخرّيجي الجامعات المتحمسين، الذين يشكلون غالبية فريقه، سواء أثناء رئاسته للوزارة أو الحملة الانتخابية، وكذلك بعد دخوله القصر الرئاسي.
لم يمكث فرماجو طويلاً في منصب رئيس الحكومة، إذ نشبت الخلافات بين رئيس الدولة - آنذاك - شريف شيخ أحمد ورئيس البرلمان الشريف حسن شيخ آدم، حول إنهاء المرحلة الانتقالية، وعقد انتخابات في أغسطس (آب) 2011. وتوسّط الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك أغسطين ماهيغا، بين الرجلين، فيما عرف بـ«اتفاقية كمبالا»، 9 يونيو 2011، ضمن «صفقة» سياسية نصت على تمديد الفترة الانتقالية لمدة عام، وإزاحة فرماجو من رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة، وعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية في أغسطس 2012.
تردّد فرماجو - بدايةً - في تقديم استقالته، وانتقد صفقة «اتفاقية كمبالا». ونظّم مؤيدوه مظاهرات في مقديشو ومدن أخرى، وكاد الأمر يخرج عن السيطرة. إلا أنه تدارك الموقف واستقال، وعاد إلى الولايات المتحدة. لكن «اتفاقية كمبالا» أثارت جدلاً سياسيًا كبيرًا في الصومال، وتعاطف الشارع بقوة مع فرماجو، باعتباره رجلاً وطنيًا مظلومًا أطيح به من أجل صفقة سياسية بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان.

بداية جديدة
أسّس محمد عبد الله فرماجو في بداية عام 2012 - ومعه عدد من أعضاء حكومته المستقيلة - تجمعًا سياسيًا جديدًا باسم «تايو» (الكفاءات)، واختير أمينًا عامًا له، وما زال يشغل هذا المنصب حتى الآن، بيد أن التجمع لم يتطور إلى حزب سياسي حقيقي، مع أن أمينه العام قام بحملة ترويجية له في كثير من أماكن تركز الجاليات الصومالية في أوروبا وأميركا.
وفي تلك الفترة، كانت التحضيرات جارية لإجراء الانتخابات الرئاسية المقرّرة في العام نفسه. وترشح فرماجو، لكنه احتل المرتبة السابعة جامعًا 5 في المائة فقط من أصوات أعضاء البرلمان. ومن ثم، عاد إلى أميركا، حيث تقيم عائلته في بلدة غراند آيلاند، بولاية نيويورك، على حدود كندا. بعدها، طرح اسمه مجددًا، كمرشح لرئاسة الحكومة مرتين، أثناء فترة الرئيس السابق حسن شيخ محمود، قبل اختيار مرشحين آخرين، إلى أن جاءت انتخابات العام الحالي 2017، عندما رشّح نفسه للرئاسة مجددًا.
ومع أن التوقعات كانت تشير إلى أنه سيحل رابعًا في الجولة الأولى من التصويت، فإنه فاجأ المشهد بعدما حل في المرتبة الثانية بفارق ضئيل، إذ حصل على 72 صوتًا مقابل 88 للرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود. وبعدها، اكتسح فرماجو الساحة في الجولة الثانية، وحصد 184 صوتًا (56 في المائة)، مقابل 97 صوتًا (28 في المائة) لحسن شيخ محمود، أقرب منافسيه. وقبل خوض الجولة الثالثة، أعلن الرئيس المنتهية ولايته انسحابه من السباق، وأعلن رسميًا عن فوز فرماجو بمنصب الرئاسة، فبات الرئيس التاسع لجمهورية الصومال منذ الاستقلال عام 1960.
في الواقع، يرث الرئيس الجديد تركة سياسية وأمنية واقتصادية ثقيلة من سلفه، ويواجه التحديات القديمة نفسها، وسيتوجب عليه تحويل نظام الحكم الشكلي إلى سلطة حقيقية على كامل التراب الصومالي، وإنهاء اعتماد الحكومة شبه الكلي على المعونات الخارجية، وتحقيق الاستقرار الأمني، وأكثر من ذلك إنعاش الآمال التي تداعب قلوب الملايين من الصوماليين، وهو أن يروا بلدهم يخرج من حالة الفوضى التي تجتاحه منذ نحو 3 عقود. لقد ترك فرماجو وراءه وظيفة متوسطة الدخل، كانت تدر عليه 84 ألف دولار سنويًا (7 آلاف دولار شهريًا)، وكان يعول عائلة من 6 أفراد (هو وزوجته و4 أولاد)، وينتقل لرئاسة إحدى أكثر دول العالم فقرًا، التي تتصدر في الوقت ذاته قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم. وللعلم، يشكل الشباب دون سن الـ30 أكثر من 70 في المائة من مجموع سكان الصومال، بمعدل بطالة يصل إلى 65 في الصومال، وهو أحد المعدلات الأعلى في العالم. يضاف إلى كل ذلك، سقف التوقعات العالي من فرماجو وحكومته المرتقبة، الأمر الذي قد يجعل مهمة الرئيس الجديد أكثر صعوبة من أي رئيس صومالي سبقه في المنصب.

نظام السلطة في الصومال
* نظام السلطة في الصومال نظام رئاسي برلماني مختلط، يتقاسم السلطة فيه 3 أطراف: الرئيس، ومجلس الوزراء، والبرلمان. وقد صمم منذ الاستقلال لتفادي تركز السلطات في جهة واحدة. ويجري تقاسم السلطة وفقًا للدستور، على أساس نظام المحاصصة القبلية الذي يصنف المجموعات القبلية في البلد بـ5 قبائل رئيسة تنضوي تحتها عشرات العشائر وفروعها، ولكل منها حصة مقرّرة في الحكومة والبرلمان.
وتعد معظم سلطات الرئيس معنوية أكثر منها تنفيذية، لأنها مشروطة بالموافقة المسبقة من البرلمان أو مجلس الوزراء. ومن أهم سلطاته:
- القائد العام للقوات المسلحة، الذي له سلطة إعلان حالة الطوارئ، وسلطة تعيين قادة القوات المسلحة على المستوى الوطني والفيدرالي، وسلطة تعيين رئيس الوزراء، وإقالة الوزراء ونوابهم من مناصبهم.
- التوقيع على القوانين التي يصادق عليها البرلمان، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية، بعد مصادقة البرلمان عليها.
- تعيين رؤساء المحكمة العليا والمحكمة الدستورية، والسفراء والقناصل، ومنح الأوسمة الوطنية.
- تعيين أصحاب المناصب العليا في الدولة على المستوى الفيدرالي.
- له حق منح العفو، وتخفيف العقوبات عن المحكومين.
في المقابل، لا يملك الرئيس الصومالي سلطة إقالة رئيس الوزراء، إلا بعد سحب الثقة عنه من قبل البرلمان، كما أن سلطاته التنفيذية مشروطة في معظم الأحوال بموافقة مجلس الوزراء مسبقًا. وتبلغ مدة الرئيس الصومالي 4 سنوات، تبدأ من تاريخ أدائه اليمين الدستورية. ويمنح الدستور الرئيس المنتخب مهلة ثلاثين يومًا لتعيين رئيس لمجلس الوزراء، ويبعث باسم مرشحه إلى البرلمان الذي يصوت له بالموافقة أو الرفض، فإذا حصل على موافقة البرلمان، فإن رئيس الوزراء أمامه ثلاثين يومًا لتشكيل حكومته، حيث يقدمها للرئيس لأخذ رأيه، ثم يتم عرض قائمة مجلس الوزراء على البرلمان الذي يصوت بالموافقة أو بالرفض.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،