أسبوع الموضة الرجالي في لندن خسر «بيربري» وكسب فيفيان ويستوود

مستقبله يتأرجح ما بين مخاوف «البريكست» والتفاؤل بإقبال الرجل على الموضة

من عرض دار «يو ماست كريايت»  -  من اقتراحات كريغ غرين
من عرض دار «يو ماست كريايت» - من اقتراحات كريغ غرين
TT

أسبوع الموضة الرجالي في لندن خسر «بيربري» وكسب فيفيان ويستوود

من عرض دار «يو ماست كريايت»  -  من اقتراحات كريغ غرين
من عرض دار «يو ماست كريايت» - من اقتراحات كريغ غرين

في يوم الجمعة الماضي، بدا عنوان «180 ذي ستراند» بلندن، مقر أسبوع الموضة البريطاني الجديد، كئيبا وباردا من الخارج. فالجو كان رماديا قاتما والطقس ليس في صالح من وصلوا المكان قبل العاشرة صباحًا، موعد افتتاح الأسبوع الرجالي لخريف وشتاء 2017. لحسن الحظ أن الإحساس تغير بعد دخول المبنى رغم معماره الوظيفي والصناعي، لأن وجود عمدة لندن، صادق خان فيه لافتتاحه أعطاه قوة كان في أمسّ الحاجة إليها بعد انسحاب أسماء كبيرة كانت تضخه بالبريق والأهمية، مثل «بيربري» وتوم فورد و«كوتش» الأميركية. فالأزمة الاقتصادية ثم تغير ثقافة الموضة، بدمج العروض النسائية والرجالية مع بعض، أصابت الأسبوع بوعكة ملموسة. ففي السنوات الأخيرة لاحظنا تفاؤلا متزايدا بمستقبل القطاع الرجالي تجسد في إطلاق عدد من مجلات الموضة الرجالية ومستحضرات تجميل خاصة بالجنس الخشن فضلا عن ولادة أسابيع موضة جديدة في عواصم عالمية على رأسها لندن ونيويورك. لكن اكتشف الجميع أخيرًا بأنهم اندفعوا في هذا التفاؤل، وبدأت الظروف الحالية تُحتم عليهم فرملة حماسهم.
الطريف أن عمدة لندن صادق خان لم يُعبر عن هذا الأمر لا من بعيد ولا من قريب، وكان خطابه حماسيا لم يبخل فيه بالمديح لا على قطاع الموضة ولا على منظمة الموضة البريطانية، إلى حد أنه بالغ بالقول إن الأسبوع اللندني سحب السجاد من كل من «ميلانو» و«باريس»، الأقدمين تاريخًا. ما كان محقًا فيه أن لندن لا تزال مهد الإبداع وتفريخ المواهب الصاعدة والواعدة بلا منازع، وهو ما أكدته العروض طوال الأسبوع. فهذا واقع لم تؤثر عليه لا الأزمة ولا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لحد الآن. والنتيجة أن قوة الموضة من الناحية الاقتصادية لم تضعف بعد، حسب قول صادق خان: «فهي لا تزال صناعة توظف 800 ألف شخص في بريطانيا، وهو أكبر رقم من بين كل المجالات الإبداعية، كما تصب ما لا يقل عن 28 مليار جنيه إسترليني في خزينة الاقتصاد البريطاني»، مُعربًا عن سعادته بدعمه المادي للمصممين الشباب.
بدوره أكد ديلان جونز، الرئيس التنفيذي للأسبوع الرجالي ورئيس تحرير مجلة «جي كيو» على أهمية لندن في مجال الموضة، لافتًا الانتباه إلى أن تناقضاتها، بين المتمرد والكلاسيكي، هي التي تعطيها نكهتها الخاصة وتميزها عن غيرها مشيرًا: «لهذا ليس غريبا أن تكتسب قوة أكبر كمركز للإبداع في الستة أشهر الأخيرة».
المتابع لأسابيع الموضة بلندن يعرف أنه على حق، فتفردها يتلخص فعلاً في تناقضاتها، أو بالأحرى احتضانها لكل الأساليب والمواهب على اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم وأعمارهم. فإلى جانب عراقتها في التفصيل الرجالي، وهو ما يشهد عليه شارعها العريق «سافيل رو» الذي يتمركز فيه أهم خياطي العالم، هناك جنوح نحو الفني يخض التابوهات والتقاليد وتشجع عليه معاهدها الشهيرة.
صحيح أن هذا الجنوح بدأ يخضع لمتطلبات السوق والتسويق في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يصل إلى حد تكبيل خيالهم ولا الحد من غرفهم من ثقافة الشارع. ثقافة طبعها هذا الموسم الأسلوب «السبور» الذي كان عنوانا لكثير من العروض، وكان واضحًا أنه يتوجه لشرائح الشباب بكل لغات العالم. أما احترام التقاليد فلم يظهر في البدلات والمعاطف المفصلة فحسب، بل أيضًا في إعادة إحياء بيوت أزياء قديمة مثل «برايفت وايت في سي» من قبل رجل الأعمال نيك آشلي، ودار «إي توتز» من قبل باتريك غرانت، إضافة إلى استثمار كثير من المصممين الآخرين في معامل بريطانية على أمل الإبقاء على صناعة الموضة البريطانية منتعشة، ربما استباقا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد تفعيل البند 50.
في خطابه الافتتاحي، لم يغفل صادق خان الإشارة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما كانت له دلالاته، لأن معظم صناع الموضة، 90 في المائة من بين 290 منهم، كانوا مع البقاء، وأعربوا دون تحفظ عن رفضهم وخوفهم من تأثيرات «بريكست» السلبية على صناعة الموضة. صادق خان كان معهم طوال الحملة، لكنه، مثل الجميع، أذعن لنتيجة الاستفتاء قائلا لـ«رويترز»: «علينا أن نلتزم بالنتائج ونعمل على ضمان أن يصب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مصلحة قطاع الموضة ومصلحة بلدنا أيضًا». لكن هذا لا يمنع أن التخوفات من المستقبل القريب لا تزال قائمة، فشهر العسل كان قصيرا بالنسبة للأسبوع الرجالي تحديدًا. فقد كان من المتوقع أن ينمو هذا القطاع بنحو 22.5 في المائة ما بين عامي 2015 و2020 ليصل إلى 17.3 مليار جنيه إسترليني حسب دراسة قامت بها شركة «مينتل» لأبحاث السوق في عام 2016. وحسب شركة «يورو مونيتور» كان من المتوقع أن تصل مبيعات المنتجات الرجالية إلى 480 مليار دولار، أي ما يعادل 325 مليار جنيه إسترليني، بحلول عام 2019 مقارنة بـ40 مليار دولار (ما يعادل 27 مليار جنيه إسترليني) في عام 2014. فهل يا ترى ستتغير هذه الأرقام بعد «بريكست»؟!
سؤال ستجيب عنه الأيام وإن كان المُطمئن في المشهد أن الرجل الشاب أدمن على الموضة بشكل لا رجعة فيه، وبالتالي فإن المبيعات لن تتأثر كثيرًا، وهو ما تشير إليه العروض بجرأة ألوانها وتصاميمها منذ يوم الجمعة إلى يوم الاثنين الماضيين. اليوم الأخير كان يوما حافلا بالمعاناة والمتعة. المعاناة بسبب إضراب سائقي القطارات بلندن الذي عرقل حركة السير وجعل التنقل من مكان إلى آخر وسط البلد أصعب وأطول من السفر إلى بلد أوروبي جوا. أما المتعة فندين بها للمشاركة الأولى للمخضرمة فيفيان ويستوود منذ عام 1982 التي أكدت فيها أن السنوات لم تنل من روحها الشابة والمتمردة شيئا.
افتتحت الأسبوع ماركة «توبمان ديزاين» بروح رياضية. فقد عادت بنا إلى حقبة التسعينات من خلال مجموعة من السترات الرياضية الواسعة التي تحمل شعارات حماسية طريفة، إضافة إلى تفاصيل تشمل أهدابا وشراشيب زينت حواشي سترات بألوان النيون، تم تنسيقها مع بنطلونات جينز واسعة. حقبة التسعينات ظهرت أيضًا في عرض بوبلي أبلي، وهو مصمم له قدرة عجيبة على مزج تصاميم حداثية عصرية بنقشات مرحة رسمها هذه المرة بألوان أكثر توهجا وجرأة. أما الأسلوب الـ«سبور» المستقى من ثقافة الشارع اللندني، الذي ظهر في عدة عروض، فأخذ بُعدًا مختلفًا في عرض كريستوفر شانون. سترات الجينز مثلاً اتسعت، كذلك البنطلونات، فيما وصفه المصمم بالموضة الديمقراطية التي تحاول احتضان الكل، مشيرًا إلى أنها «للكل لكن مع لمسة مشاكسة». ما يشفع لها مشاكستها أنها تتمتع أيضًا بجانب تجاري يناسب أرض الواقع ليس في بريطانيا وحدها بل في كل أنحاء أوروبا، حتى بعد «بريكست».
الحنين إلى أسلوب التسعينات وحياتها الليلية وموسيقاها، ظهر أيضًا في عروض أستريد أندرسون، كوتوايلر وغريغ غرين وغيرهم.
في المقابل، اختار المصمم الصيني الأصل زاندر زو التوجه إلى المستقبل عوض الماضي، وأرسل مجموعة مستوحاة من ملابس العسكر وكأنه يُحضرنا لدخول حرب في الخريف والشتاء المقبلين. أما الإيحاءات المستقبلية فكانت مستمدة من الخيال العلمي، وظهرت بوضوح في تصاميمه المفصلة كما في القطع التي تشبعت بالإيحاءات الآسيوية. فقد ظهرت حينا في الخطوط الواسعة والقصيرة وحينا آخر في الأكتاف الصارمة إضافة إلى أسلوب الطبقات المتعددة.
* أهم التوجهات
رغم الجنون الواضح في بعض التصاميم، وهو جنون قد يثير الرهبة في نفوس بعض المتحفظين، فإن تشريح الإطلالة وتفكيكها، أي التعامل مع كل قطعة على حدة يحل المشكلة، ويُبين أنها ليست بذلك الجنون الذي ظهرت به على منصات العرض، وأن جنونها ينحصر على التنسيق الذي تتطلبه العروض عموما. في أرض الواقع وعندما تصل هذه القطع إلى المحلات فإنها تكون مناسبة للاستعمال اليومي إلى حد كبير ما دمنا سنستعملها بأسلوب يناسب شخصياتنا وحياتنا. من التوجهات التي تابعناها خلال الأسبوع:
- ألوان النيون التي يستهدف منها كسر قتامة الألوان الداكنة المرتبطة بالخريف والشتاء عموما. صحيح أنها مرعبة عندما تكون من الرأس إلى أخمص القدمين، لكن عندما تكون في قطعة صوفية واحدة فإنها مقبولة.
- الجلد نافس الصوف بقوة، حيث ظهر في عروض كثيرة نذكر منها عروض ماثيو ميللر، آغي أند سام وسيمون لي وكريستوفر شانون وغيرهم.
- البنطلونات الواسعة أيضًا ستكون حاضرة بأشكال متنوعة. فإذا كانت باريس أعطت الرجل البنطلونات الضيقة التي ترقص على إيقاعات الروك أند رول، وميلانو البنطلونات الواسعة ذات الطيات والبليسيهات عند الخصر التي تستحضر نجوم هوليوود في الخمسينات من القرن الماضي، فإن لندن أعطته بنطلونات واسعة ومريحة بأطوال متباينة. وهو أسلوب يتباين بين الشبابي والكلاسيكي، إذ إنه عندما يأتي قصيرا فهو شبابي يضج بالراحة لكن لا يناسب الكل، وعندما يأتي طويلا فهو كلاسيكي يمكن التعامل معه حسب طريقة تنسيقه مع باقي القطع.
- أسلوب الطبقات المتعددة لا يزال منتعشا وجاريا به العمل، حيث ظهر في عدة عروض.
- أسلوب الـ«سبور» كان قويا ومستقويا بثقافة الهيب هوب وغيرها، لكنه خضع على يد المصممين إلى عملية تجميل جعلته يناسب عصره. المصممة أستريد أندرسون مثلا طعمته بأقمشة ناعمة مثل الدانتيل كما غزلت الصوف بألوان متوهجة منحته ديناميكية. فمصممو لندن أجمعوا على أنه بإمكان الرجل الناجح أن يتبنى الأسلوب الـ«سبور» من دون أن يتعارض مع نجاحه ومصداقيته.
* أسبوع لندن رجالي بأنامل نسائية
قد يكون الأسبوع موجهًا للرجل، لكن نسبة المصممات المشاركات فيه كانت لافتة، من من لو دالتون إلى فيفيان ويستوود مرورا بأستريد أندرسون وكايتي إيري ومارغريت هاول وغيرهن.
لو دالتون التي كانت وجهًا مألوفًا في الأسبوع منذ تخرجها قدمت عرضًا أكدت فيه نضجها وتطورها من خلال تشكيلة مستوحاة من الملابس العسكرية خففت الأقمشة التي تتفنن فيها المصممة من صرامتها، مثل الجينز المعالج والصوف المغلف بطبقة واقية من المطر وما شابه من التقنيات. المصممة أستريد أندرسون، في المقابل، قدمت تشكيلة تستوحي خطوطها وألوانها من عالم الرياضة ونوادي التسعينات الليلية، فيما أخذت المصممة كايتي إيري أيضًا عناصر من ثقافة الشارع صبت عليها جرعات قوية من الترف. من أهم الأحداث والعروض التي شهدها الأسبوع طبعا عودة فيفيان ويستوود إلى العاصمة البريطانية. وبدا واضحا يوم الاثنين الماضي أن السنين لم تنل من ملكة البانك شيئا ولا خففت من جموحها وجنوحها نحو التمرد والتحدي.
تزامن عرضها مع إضراب سائقي القطارات، ومع ذلك لم تمنع المعاناة ولا الصعوبات عشاقها عن الوجود في عين المكان قبل الوقت، خوفا أن تفوتهم هذه المناسبة التاريخية. فالسيدة ويستوود تعود إلى لندن بعد عدة عقود من العرض في كل من ميلانو وباريس. طبعا لا يمكن أن نتجاهل أنها شخصية عالمية مثيرة للجدل وتحب إحداث الجدل، وبالتالي فإن عروضها عادة بمثابة مسرحيات.
أول ما يلفت في مسرحيتها الأخيرة أنها لم تكن للرجل وحده بل لعبت فيها المرأة دورا مهما، حيث قدمت فيها المصممة مجموعة من الأزياء الرجالية والنسائية التفصيل القاسم المشترك بينهما. فإلى جانب فساتين السهرة المصنوعة من اللاميه حينا وأزياء النهار المصنوعة إما من الصوف أو التويد، كانت هناك الكثير من المعاطف والتايورات والبنطلونات المفصلة بأحجام مريحة تنسدل على الجسم بانسيابية. كانت هناك أيضًا لمسات من أسلوب البانك في قطع مصنوعة من صوف الموهير وأخرى مقطعة وممزقة في بعض أجزائها. لكن الأهم من كل هذا أنها كعادتها استعملت العرض لتسليط الضوء على قضية إنسانية أو بيئية لزيادة الوعي بها. كان واضحا من عنوان التشكيلة «إيكوتريسيتي» أنها تهتم بالبيئة، وهو ما أكدته الكلمات التي كُتبت على ورق وضعته على كراسي الضيوف وجاء فيها أن «ما يفيد كوكب الأرض يفيد الاقتصاد، وما يضر بالأرض يضر بالاقتصاد».
والطريف أن رسائلها، مثل تصاميمها، ليست مجنونة كما تبدو للوهلة الأولى أو مجرد عبارات حماسية لإحداث الصدمة، بل نابعة من شخصية بالفعل مسكونة بهذه القضايا، وسخرت نجاحها في بناء إمبراطورية تُقدر بمئات الملايين لخدمة هذه القضايا وإشباع ميولها الإنسانية والفنية على حد سواء. ربما هذا ما يحلم به أي مصمم شاب: تلك المرحلة التي يستطيع أن يقول فيها أي شيء وُيعبر عن نظرته الفنية من دون خوف من أي خسائر مادية، لأنه في هذه المرحلة يكون قد حقق المعادلة الصعبة مثلها، بين الفني والتجاري.
* تاريخ قصير... خبرات طويلة
* تجدر الإشارة إلى أن أسبوع لندن الرجالي ليس بقدم معرض «بيتي أومو» الفلورنسي ولا أسبوعي ميلانو والباريسي، إذ انطلق أول مرة في عام 2012 فقط، وكان يحمل حينها اسم «مجموعات لندن للرجال» (مينز كوليكشنز)، ويمتد ثلاثة أيام. في دورته العاشرة هذا العام تغير مكانه وكذلك اسمه إلى «أسبوع لندن لموضة الأزياء الرجالي » واستمر أربعة أيام شاركت فيه أسماء شابة وأخرى مخضرمة من «سافيل رو»، من دون أن ننسى عودة المتمردة فيفيان ويستوود التي كانت تعرض في ميلانو وباريس منذ عام 1982.



نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.