كانت أمسية مغربية خالصة، حضرت فيها كل توابل المتعة والحنين إلى مغرب الفن الجميل، مغرب ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، على الخصوص، أيام كانت بساطة الحياة، في مختلف تجلياتها، تملأ على المغاربة يومهم، فتجدهم يجدون في إبداع فنانيهم متعة، مع الانفتاح على الفن القادم من الغرب والشرق، من دون عقد. أمسية كرَّم فيها المغاربة، من خلال مهرجان الفيلم بمراكش، في دورته السادسة عشرة، ذكرى المخرج والمنتج وكاتب السيناريو والمنتج عبد الله المصباحي، الذي توفي يوم 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، كما كرَّموا عبد الرحيم التونسي، الذي عُرف بأدائه لشخصية «عبد الرؤوف»، الفنان الفكاهي، الذي حقق حوله إجماع المغاربة، على مدى عقود، بعد أن أدخل البسمة إلى بيوتهم وقلوبهم، على حد سواء. لذلك توفقت الفنانة الفكاهية حنان الفاضلي كثيرًا عند تقديمها لهذا الهرم الفني، حين قالت: إن «المغربي، على مدى عقود ماضية، حين كان يرى الشوارع وأحياء المدن والقرى المغربية فارغة من سكانها، يقول إن هناك حدثًا من اثنين: إما أن المنتخب الوطني يجري مباراة في كرة القدم، أو أن هناك مسرحية معروضة لعبد الرحيم التونسي في التلفزيون المغربي، سوى أنه مع المنتخب المغربي لكرة القدم تتوتر الأعصاب ويكون المغاربة مع خسارة أو ربح أو تعادل، فيما يبقى الربح مضمونًا مع (عبد الرؤوف)؛ لأن الفرجة تكون مضمونة».
وشددت الفاضلي على أن «تكريم عبد الرحيم التونسي هو تكريم للفكاهة المغربية وللفكاهيين المغاربة؛ لأنه أمتع الجمهور المغربي بفكاهة حلوة من دون ميوعة، وامتهن التمثيل الشعبي بتلقائية مباشرة، علمتنا أن نضحك على كل شيء حتى لا نبكي على كل شيء، كما كان الناطق الرسمي الساخر باسم الفقراء والمظلومين والبسطاء، بحيث إن ما لم يكن يستطيع المواطن البسيط التعبير عنه، في ذلك الوقت، كان ينقله عبد الرحيم التونسي عبر شخصية (عبد الرؤوف)، كما أنه تفادى النمطية بشخصية واحدة، فكانت موضوعاته جريئة وعميقة، لعب فيها على الجميع دور الساذج والمهرج، الذي لا يفهم شيئًا، فيما كان يمرر رسائل ومواقف تفضح آفات كثيرة تنخر المجتمع وتنغص حياة المغاربة، كالرشوة والاستغلال والاحتيال والزبونية، وغيرها».
وتحدث عبد الرحيم التونسي، في كلمات قليلة، عن حدث تكريمه، معتبرًا التكريم أسعد أيام حياته، قبل أن يشكر العاهل المغربي الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد، ويهدي تكريمه للجمهور المغربي وللفنانين المغاربة.
واشتهر عبد الرحيم التونسي، الذي ولد بالدار البيضاء، في 1936، بفضل شخصية «عبد الرؤوف» الهزلية البسيطة والساذجة التي خلقها لنفسه، في بداية مشواره في ستينات القرن الماضي، حيث استطاع أن يحقق، بفضل التلفزيون المغربي، نجاحًا كبيرًا، وبرزت شخصيته، التي استوحاها من زميل سابق له في الدراسة كان يعتبر تجسيدًا لبلاهة، ترادف في العامية المغربية كل ما هو مثير للسخرية والتهكم، فاشتهر بأدواره الهزلية ولباسه الفضفاض وطربوشه الأحمر الشهير.
وتتفق شهادات المغاربة، بمختلف أطيافهم وطبقاتهم وتوجهاتهم وأعمارهم وتجاربهم الحياتية على الإشادة بمسيرة عبد الرحيم التونسي، وشخصية «عبر الرؤوف» التي تقمصها، ومن ذلك أن يقول عنه الفكاهي جمال الدبوز: «(عبد الرؤوف) هو عميد كل الفكاهيين المعاصرين»، فيما قال عنه الفكاهي حسن الفد: «إنه أكثر من مجرد فكاهي، بل هو من أطلق الفكاهة الفردية في شكلها الحديث»، فيما تحدث عنه الفكاهي جاد المالح، مستحضرًا طفولته الخاصة: «(عبد الرؤوف) صديق وأخ، بل هو معلمي، هو معلم كل الفكاهيين ورمز لكثير من الهزليين. عندما كنت صغيرًا، كنت أشاهد أشرطته مرارًا وتكرارًا، وكنت، أيضًا، أستمع له كثيرًا؛ لأنه في تلك الفترة، كانت أشرطة الكاسيت هي المتوفرة. في غرفتي، كنت أضعها بصوت عال، وكان والدي يصرخ في وجهي بسبب ذلك. كنت أستمتع بعروضه. وعندما أسمعه اليوم، أجد أنه يحتل فعلاً صفحة مهمة من حياتي بالمغرب». أما الممثل عزيز داداس، فلخَّص قيمة عبد الرحيم التونسي، وشخصية «عبد الرؤوف»، حين قال: «عبد الرحيم التونسي، من خلال شخصية (عبد الرؤوف)، أضحك والدي، قبل أن يضحكني. إنه رمز الفكاهة في المغرب».
«شارلي شابلن» المغربي في مهرجان مراكش
«عبد الرؤوف» الشخصية التي أضحكت أجيالاً من المغاربة
«شارلي شابلن» المغربي في مهرجان مراكش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة