بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

صحوة التنظيم الإرهابي و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزء من تداعيات الأزمة السورية

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
TT

بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})

بدأت عملية تحرير الموصل من قبضة «داعش» يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد مرور ما يزيد على العامين من سقوطها بأيديهم صيدا سهلا، في أعقاب فرار قوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في 9 و10 يونيو (حزيران) 2014.
إلا أن هذه المعركة تظل صعبة بكل المقاييس، ولا يمكن الجزم سريعا بأنها نهاية أبدية لـ«داعش»، رغم الإصرار الدولي والإقليمي والوطني على ضرورتها وتصويرها كذلك. وذلك، لعدد من العوامل والأسباب، بعضها متعلق بسياقات المعركة وبعضها متعلق بأطرافها، أما السياسات فقد بقيت نفس السياسات، وفشلت عملية الإصلاح وصناعة الإجماع العراقي والوطني، وما زالت الخلافات والاختلافات بين أجندات الأفرقاء، من حكومة أربيل إلى حكومة بغداد وصولا إلى الشركاء الإقليميين والدوليين.
يجمع الخبراء الاستراتيجيون والمحللون السياسيون على أن الجانب الأخطر في سياق الحرب على تنظيم داعش الإرهابي المتطرف هو بقاء «الحاضنة» المساعدة على نموه من جديد، وبالأخص أنه سبق أن اندثرت «دولة» أعلنها تنظيم القاعدة في العراق من قبل، تحديدًا عام 2007، ولكنها عادت «أكثر من دولة» عند سقوط الموصل قبل سنتين، فهدمت منذ ذلك علامات حدود استقرت قبل نحو 100 عام بين سوريا والعراق. وسنحاول قراءة بعض هذه العوامل فيما يلي:

تكتيكات التنظيم
أولا: التكتيكات الجديدة لـ«داعش»: يستخدم «داعش» تكتيكات جديدة نسبيًا لصد القوات المستهدفة له في الموصل، ولئن كانت أغلب هذه التكتيكات قد سبق استخدامها من قبل التنظيم عام 2015 إلا أنها تظل مواضع صعوبة في هزيمته ويمكن تحديدها فيما يلي:
1 - هجمات مباغتة بعيدا عن الموصل: مثل الهجمات غير المتوقعة كتلك التي حدثت في كركوك يوم 21 أكتوبر الحالي، ونفذها ما لا يقل عن 40 انتحاريًا داعشيًا، عاونتهم كثير من الخلايا النائمة للتنظيم في كركوك، وقد حاولوا السيطرة على المدينة الواقعة تحت السيطرة الكردية، ومهاجمة مقر الحكومة والإدارة العليا للأمن وعدد من أقسام الشرطة، وقد راح ضحيته ما لا يقل عن 90 عنصرا كرديا على الأقل. ويعد التفجير الأضخم والأبعد أثرا الذي يستهدف فيه «داعش» المدينة منذ يناير (كانون الثاني) 2015 حسب دراسة أخيرة لـ«معهد دراسات الحرب» الأميركي، وقد حذر فيها المعهد ميليشيا البيشمركة الكردية والقوات الحكومية العراقية من عدم توقع هجوم مباغت من الخلف للعناصر الداعشية على كركوك. ولعله سبب مبطن لتأكيد رئيس إقليم «كردستان العراق» مسعود بارزاني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس «التحالف الوطني» عمار الحكيم أن قواته لن تشارك في اقتحام المدينة.
2 - أساطيل السيارات المفخخة: وقد استخدمه «داعش» في مداهمة القوات العراقية والبيشمركة عند قرية باطنايا بشمال الموصل وعند مدينة بعشيقة بشمال شرقي الموصل، يومي 21 و21 أكتوبر الماضي، وكذلك في بلدة برطلة التي تتمركز فيها قوات مكافحة الإرهاب الأميركية، بشرق الموصل، مما أعاق تحرك القوات العراقية والبيشمركة وأربكها. ومن الاستراتيجيات الجديدة نسبيا الإكثار من الأنفاق والدروع البشرية داخل قرى ومدن شمال الموصل.
3 - طبيعة ومشاركة «الحشد الشعبي»:
أكدت ميليشيا «الحشد الشعبي» التي تمثل الهيئة الجامعة للميليشيات الطائفية الشيعية، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين المبايعين للولي الفقيه في إيران، مشاركتها يوم 28 أكتوبر الحالي. وتنشر مواقعها بصفة مستمرة مشاركاتها، وللعلم، كثير من فصائل «الحشد» المكونة متهمة سابقا في أعمال العنف والتمييز الطائفي ضد السنّة في العراق في الموصل والأنبار على السواء إبان عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. كذلك اتهمت بعض فصائل «الحشد» مثل لواء «عصائب أهل الحق» - رغم إنكاره - بممارسة أعمال عنف ضد مدنيين في ديالى أثناء صلواتهم في مساجدها أكثر من مرة عامي 2015، مما يجعل بعض المراقبين يرى أن ديالى قد تكون معركة أصعب من الموصل نفسها. ويشتهر قادة «الحشد» الكبار بأنهم رموز تاريخية في الثورة الإيرانية، وأعضاء تاريخيون في الحرس الثوري الإيراني، ونكتفي بذكر ثلاثة منهم هم:
- أبو مهدي المهندس، واسمه الحقيقي جمال جعفر محمد آل إبراهيم، نائب قائد «الحشد الشعبي» المطلوب للقضاءين الكويتي والأميركي، في محاولة تفجير السفارة الكويتية في بغداد في 10 يوليو (تموز) 2005 في تفجير السفارة الأميركية في بيروت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 1983 وأيضًا مطلوب للشرطة الدولية (الإنتربول)، ومتهم في تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت خلال ديسمبر 1983، مما أسفر حينها عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 80 آخرين من بينهم رعايا غربيون.
- هادي العامري، وزير النقل السابق في حكومة المالكي وقائد «الحشد الشعبي» ومنظمة بدر. واسمه بالكامل هادي فرحان عبد الله العامري الملقب بـ(أبو حسن العامري) من مواليد 1954 في محافظة ديالى زوجته إيرانية وأبناؤه يعيشون في إيران، وبالذات في منطقة لسكن قادة فيلق القدس وظل يعيش بها إلى ما قبل الاحتلال وإلى حين عودته إلى العراق في عام 2003. ولا ينكر العامري في تصريحاته وأحاديثه ارتباطه بإيران، بل يؤكد ذلك ويعتز به. وفي عام 2006 وبأمر من فيلق القدس نظم شبكات عمليات اغتيال ضد القوات الأميركية، كذلك اشتهر العامري بتقبيله يد المرشد الإيراني على خامنئي، حين كان يعمل وزيرا للنقل في حكومة المالكي أثناء مؤتمر «المجمع العالمي لأهل البيت» في مدينة مشهد يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2011.
- قيس الخزعلي: الخزعلي هو زعيم «عصائب أهل الحق» التي أسسها مع عبد الهادي الدراجي وأكرم الكعبي، وفي يوليو 2006 تم تأسيس عصائب أهل الحق وانفصلت كلية عن الصدر و«جيش المهدي» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008. ويبدو أن محاولة الصدر لثني «عصائب أهل الحق» عن المشاركة في تحرير الموصل لم تجد أثرا، بعد اجتماعه بهم في بغداد قبل أيام. ويذكر أن فرعا لـ«عصائب أهل الحق» يقاتل في سوريا، وتحديدا في حلب مع بقايا نظام الأسد ونصرائه، يسمى «لواء حيدر الكرّار» يقوده أكرم الكعبي. ولقد سبق اتهام «عصائب أهل الحق» تحديدا بارتكاب جرائم حرب في ديالى عبر استهداف مدنيين العام الماضي كما سبق أن ذكرنا.

سياقات أزمة سوريا
ثانيًا: بقاء سياقات الأزمة من العراق لسوريا: إن بقاء الأسباب والروافد التي صنعت للعالم وللعراق وسوريا أزمة «داعش»، التنظيم الأخطر في العالم، حسب تصريحات الأمم المتحدة، لا يمكن أن تكون جزءا من حلها، وأسباب زواله بعد ذلك. ولا شك أن أقوى ما يتقوى به «داعش» استمرار نفس الأسباب والسياقات والظروف، فقد عاد المالكي وظل الأسد، ويشتعل خطاب التأجيج الطائفي ضد المواطنين السنّة الذين سبق أن اتخذ «داعش» بعضهم حاضنة له قبل بناء «دولته» المزعومة عام 2006 فيما عرف بـ«حلف المطيّبين»، أو في «صحوته» الجديدة في العراق عام 2013 بعد يوم واحد من فض اعتصامات الأنبار بالقوة. وقد ظهر حينها «أبو محمد العدناني» المتحدث الرسمي باسم «داعش» والمقتول في 30 أغسطس (آب) الماضي داعيا أهل الأنبار للتخلص من قمع المالكي والنظام الإيراني المعادي لهم وداعيا إياهم لاحتضان تنظيمه من جديد.
ولعل كون عدد من قيادات «داعش» العراقيين من أبناء العشائر التي سبق أن تعرضت لاضطهاد المالكي يؤكد هذا الاحتمال، وهذا رغم أن كثرتها ضد «داعش» - سابقًا ولاحقًا - وكون بعض أبنائها الصحوات التي قضت على دولتها الأولى في الأنبار عام 2007، وتعرضت لاستهدافات «القاعدة» و«داعش» في العراق أكثر من مرة مثل البونمر والبوجبارة والبوعلوان وغيرهم.

عودة المالكي وبقاء الأسد
تتقد اللغة الطائفية المثيرة لسنّة العراق وغيرهم معا في تصريحات أمثال نوري المالكي نفسه، الذي صرح يوم السبت 23 أكتوبر الحالي في مؤتمر ما يسمى «الصحوة الإسلامية في العراق» وجه فيه الشكر للمرشد الإيراني على خامنئي، رابطا الحرب من أجل تحرير الموصل ونينوى العراقيتين وبين ما يراه تحريرا في الرقة السورية واليمن، حيث قال: «إن عمليات (قادمون يا نينوى) تعني في وجهها الآخر (قادمون يا رقة) (قادمون يا حلب) (قادمون يا يمن) قادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون».
وهو ما يذكرنا - نصا ومضمونا - بما سبق أن صرح به مسؤولون آخرون، مثل مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني، الذي صرح يوم 22 سبتمبر 2014 بدء الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن، واحتلال العاصمة صنعاء، مع أن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبينًا أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد لثورة الخميني. وأضاف زاكاني خلال حديثه أمام أعضاء البرلمان الإيراني حينها، أن إيران تمر بمرحلة «الجهاد الأكبر»، منوها أن هذه المرحلة تتطلب سياسة خاصة، وتعاملا حذرا من الممكن أن تترتب عليه عواقب كثيرة.
كانت صحوة «داعش» و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزءا من تداعيات الأزمة السورية بعدما عسكرها وطوأفها نظام بشار الأسد وأنصاره في إيران. إذ برر استدعاء الأسد وملالي طهران لنصرات شيعية طائفية ضد شعب سوريا بدأها حزب الله اللبناني ثم الميليشيات العراقية الموالية لإيران ثم الأفغانية (من الهزارة الشيعة) التي أسست لواء «فاطميون» وغيرها كثير، لدخول التنظيمات السنّية المتطرفة على الخط واعتبارها حربا «جهادية» لا ثورة مدنية.
ولا شك أن استمرار وبقاء الأسد، ونسف فرص الحل السياسي وفق «جنيف 1» يبقي الفرصة لهؤلاء قائمة، رغم أي تراجع للاستنفار وللاستثمار في الأزمة السورية بعموم.. إذ يعني كفر الأسد بالحل السياسي وإعدامه وهو ما يؤكد إذ ذاك قناعات تنظيم داعش وأخواته أن المواجهة في سوريا حرب طائفية ودينية، وأنهم على حق حين يكفرون بكل مقولات السياسة وأدواتها كذلك.
ومن ثم، فإن بقاء أسباب الأزمة وروافدها يعني استمرارها وتناميها سوريًا وعراقيًا. وكما تحرك الدواعش حين سيطروا على الموصل من سوريا للعراق فجأة قد يتحركون ثانية أو العكس.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.