عاد الإرهاب لخطورته من جديد في مصر، سواء عبر محاولات نوعية لاستهداف رموز حكومية أو تجديده نفسه في سيناء عبر نقله معاركه لمناطق جديدة، وتغييره أسلوب عملياته الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش في سيناء، وهو بذلك يرسم خط صعود جديدًا بعد أن تراجعت عملياته في سيناء أو انحساره وصده عن العاصمة والمحافظات الأخرى خلال الفترة الماضية، بشكل واضح، وانعدام عمليته الكبرى، التي يبدو أنه مصرّ على العودة لها من جديد، تزامنًا مع لحظات أزمة وفوران سياسي واجتماعي متعدد، واستهدافًا لكل الإنجازات التي تتم والاستقرار الذي يتمكن وعودة السياحة المأمولة، وفي مشهد متحول يبحث عن الوضوح في عدد من الملفات كذلك.
عاد مؤشر خطورة عمليات الإرهاب من جديد وبوضوح في عمليات 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نفذت ولاية داعش سيناء، في 13 أكتوبر الحالي، عمليات ضد قوات الجيش في سيناء، راح ضحيتها 12 «شهيدًا» وعدد من المصابين في منطقة من قوات الأمن بر العبد، وعشرات الإرهابيين، وتم القبض على كثير منهم، دون بيان نهائي حتى الآن، التي وقعت في مواقع جديدة غير المعتادة وغير المعروفة لنشاط «داعش سيناء»، وهي المثلث المعروفة أضلاعه في «العريش، والشيخ زويد، ورفح»، والانتقال بمسافة نحو 80 كلم غربًا في منطقة بئر العبد، وهي خطورة - يحددها الخبير الأمني خالد عكاشة - ينبغي الوعي بها بالنظر إلى المساحات الشاسعة والمتجددة التي ستدخل على معادلة المجابهة والمواجهة «فضلاً عن دقتها الاستراتيجية (المحور الأوسط، وقناة السويس)».
كذلك لم تنحصر الخطورة سيناء وحدها، حيث حاولت جماعات إرهابية أخرى كحركة «حسم» في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي محاولة فاشلة لاغتيال مساعد النائب العام المصري الحالي في منطقة التجمع بالقاهرة الجديدة، التي أعلنت حركة «حسم» مسؤوليتها عنها في اليوم التالي 30 سبتمبر، ورغم أنه لم يصب فيها إلا أحد المارة، ونجا المستهدف من المحاولة الفاشلة، فإنها كشفت تحولاً وصعودًا أكثر جرأة لهذه الحركة التي سبق أن استهدفت في 5 أغسطس (آب) الماضي المفتي الأسبق الشيخ علي جمعة، أثناء استعداده لإلقاء خطبة الجمعة في مساجد السادس من أكتوبر.
خريطة جماعات الإرهاب في مصر
تتحول وتتطور باستمرار خريطة التنظيمات العنيفة في مصر، يختفي بعضها على وقع العمليات الأمنية، ويعود بعد فترة كما مثلنا بحركة حسم، أو يغيب بشكل واضح ولا يظهر مثل «كتائب الفرقان» التي أعلنت مسؤوليتها عنها في سبتمبر 2013 عن هجوم صاروخي على سفينة بقناة السويس، نفته القوات الأمنية حينها، ثم اختفت بعد ذلك، أو حركة حسم التي أشرنا لها سابقًا، أو حركة المقاومة الشعبية في مصر التي قامت بعدد من العمليات الأخرى، كان آخرها في مايو (أيار) 2016 راح ضحيتها قتيلاً ثمانية من رجال شرطة في منطقة حلوان جنوب القاهرة، ويتراوح عدد التنظيمات المتطرفة في سيناء مثلاً بين ثمانية وأربع عشرة جماعة على الأقل، سنعرض لأبرزها فيما يلي:
1 - ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس): كانت بداية أنصار بيت المقدس في 2001، عندما طبيب الأسنان السيناوي خالد المساعيد بتأسيس جماعة التوحيد والجهاد التي كانت ضالعة في كثير من العمليات الإرهابية التي استهدفت السياحية في شرم الشيخ وطابا ما بين عامي 2004 و2006، ثم تحولت لاحقًا إلى جماعة أنصار بيت المقدس. وقد ارتبطت جماعة أنصار بيت المقدس لفترة طويلة بتنظيم القاعدة، ففي يناير (كانون الثاني) 2014 تم اكتشاف مراسلات بين الجماعة وأيمن الظواهري يعلن فيها دعمه وتأييده لأعمال أنصار بيت المقدس. وقد أعلنت هذه الجماعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 مبايعتها لأبو بكر البغدادي، وإعلان ما يُعرف بـ«ولاية سيناء».
2 - مجموعات متطرفة مختلفة: هي تنظيمات لم تندمج بالكامل في تنظيم كبيت المقدس الذي تحول في أكتوبر 2014 لـ«ولاية داعش في سيناء»، أو في غيره من التنظيمات، وظلت مجموعاتها مستقلة ترتبط بفكر أو تنظيم القاعدة، ومن أشهر هذه التنظيمات «التوحيد والجهاد» و«أنصار الجهاد» وأحدثها تنظيمًا هو «مجلس شوري المجاهدين - أكناف بيت المقدس» تعتنق هذه الجماعة أفكار «تنظيم القاعدة» بينما لا ترتبط به تنظيميًا، في حين ترتبط بجماعات متطرفة بفلسطين، وكانت عملياتها تقتصر على العدو الإسرائيلي وتتبرأ من استهداف الجيش المصري وسبق أن تبنت عملية إطلاق صواريخ على إيلات واستهداف مركبات إسرائيلية، علما بأن تنظيم «التوحيد والجهاد»، داخل تلك الجماعة نفسها يعد أشرسها وأعنفها على الإطلاق.
وهذا التنظيم هو الذي قام بتفجيرات سيناء الشهيرة، والمعروفة إعلاميًا باسم تفجيرات طابا وشرم الشيخ في 2004 و2006، كما أن كل أفراد التنظيم ينتمون إلى سيناء. وارتبط هذا التنظيم ارتباطًا كبيرًا بعدد من الفصائل الفلسطينية، إذ إن عناصره تعبر الأنفاق لكي تتدرب على السلاح والمتفجرات في قطاع غزة، كما أن هناك عددًا قليلاً من الفلسطينيين كانوا ينضمون إلى التنظيم، وهم الذين قاموا بتدريب أفراده على استخدام المتفجرات.
أما تنظيم «أنصار الجهاد» فهو أحد نماذج «القاعدة» المنتشرة في العالم، وتمثل الظهور الإعلامي الرسمي لهذا التنظيم عقب بيان مبايعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقد ظهر التنظيم على السطح عقب ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من تدهور أمني. وقام «أنصار الجهاد في سيناء» بكثير من العمليات المؤثرة، منها التفجيرات المتتالية لخط الغاز المؤدي إلى إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء، وكذلك تفجير إيلات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين في أغسطس 2011. كما أن بقايا تنظيمات متطرفة أخرى وعناصر تعرف بـ«جيش جلجلة» كما توجد أيضًا خلايا لجماعة «التكفير والهجرة» و«جيش الإسلام»، وهي مجموعات اختفت مع هيمنة «داعش» في سيناء بشكل واضح.
3 - جماعة محمد جمال: تعد شبكة «محمد جمال الإرهابية» إحدى أهم أدوات تنظيم القاعدة لتنفيذ هجماته الإرهابية في سيناء، حيث تلقى جمال تلقى التدريب على صناعة المتفجرات في معسكرات القاعدة بأفغانستان في الثمانينات، وعاد إلى مصر في التسعينات حيث أصبح القائد العسكري لجماعة «الجهاد الإسلامي» التي كان يقودها في ذلك الوقت أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من إلقاء القبض على محمد جمال في 2012، فإن جماعته استمرت في هجماتها الإرهابية، لا سيما أنها تتلقى تمويلا منتظمًا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. كما أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الجماعة على قائمة الإرهابيين في الخارج في 7 أكتوبر 2013.
4 - جماعة رمزي موافي: وهي الجماعة التي أنشأها رمزي موافي، الطبيب الخاص لأسامة بن لادن، والمشرف على إنتاج الأسلحة الكيماوية في تنظيم القاعدة، وتم القبض عليه قبل ثورة يناير 2011، إلا أنه استطاع الهرب من السجن في عام 2011. وتم القبض عليه في يوليو (تموز) 2013. ويُعتبر موافي المسؤول عن توحيد الجماعات المتشددة التي تستلهم فكر تنظيم القاعدة في جزيرة سيناء لمحاربة الجيش المصري.
5 - مجموعات المقاتلين الأجانب: على الرغم من أن بدايات وجود المقاتلين الأجانب في سيناء تعود إلى فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فإن أعدادهم قد تزايدت بعد عزل مرسي في 2013، خصوصًا بعد الدعوة التي أطلقها أيمن الظواهري، في 24 يناير 2014 التي يقول فيها نصًّا: «إلى إخوتنا في سيناء»: «نرجو منكم توفير ملاذ آمن لإخوتكم المهاجرين الذين جاءوا لدعمكم»، ورغم الضربات التي قللت أعدادهم في الآونة الأخيرة، إلا أن سهولة الاتصال بين سيناء وقطاع غزة، واستمرار الصراع في ليبيا ساعد على مراوحة أعدادهم، وإمكانية الانضمام أو الفرار.
6- «المرابطون» أو «جماعة هشام عشماوي»: في يوليو 2015، حيث أعلن ضابط القوات الخاصة المفصول من القوات المسلحة هشام عشماوي عن تنظيم «المرابطون»، الكشف عن أول انفصال كبير حديث مع التنظيم الجديد في سيناء، ويبدو أن التنظيم الأم في الرقة حاول التقريب بين الطرفين مخاطبًا، ففي مايو 2015 وجه زعيم التنظيم - أبو بكر البغدادي - رسالة إلى مجموعة عشماوي التي أطلق عليها «الأشقاء في بر مصر من تنظيم القاعدة»، ولكن هذه الرسالة لم تحقق المراد منها. فقد قام تنظيم عشماوي بعمليات عنيفة في مصر خارج حدود سيناء، ومن أشهرها عملية الهجوم على كمين الفرافرة في الصحراء الغربية في يوليو 2014، الذي أسفر عن مقتل نحو 21 جنديًا ومن المعتقد أن عشماوي أصيب فيها وأعيد إلى ليبيا مرة أخرى.
7- جماعات مرتبطة بالإسلام السياسي العنيف: مثل حركة «حسم» وحركة «المقاومة» وحركات ومجموعات أخرى احتوت وأسسها وارتبطت بدعوى الثورة والانقلاب.. والانقلاب مجددًا.
تراجع سابق وصعود جديد
شهد الربع الأول من عام 2016 على مدار الثلاثة أشهر الأولى تراجعا كبيرا في نشاط العمليات الإرهابية في سيناء مقارنة بعام 2015، كما شهدت تلك الأشهر نقلات نوعية لأداء الأجهزة الأمنية حيث نفذت كثيرًا من الهجمات الاستباقية في شمال سيناء، بالتركيز على مثلث العريش ورفح والشيخ زويد، ونجحت من خلال تلك العمليات في إحباط كثير من العمليات قبل وقوعها، وحصرت تحركات الجماعات الإرهابية هناك في 2 في المائة من مساحتها فقط، حسب تصريح للرئيس السيسي في 3 يونيو (حزيران) الماضي.
في هذه المرحلة الجديدة، تبدو ملامح الخطورة ومؤشراته واضحة في عدد من الملامح نوجزها 3 ملامح رئيسية هي:
أولاً: الرهان توظيف لحظات الأزمة: يظل رهان جماعات الإرهاب في مصر على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأزمات الأخرى، في لحظة وطنية وإقليمية وعالمية حرجة ومربكة للجميع، وهو يقتنص لحظات تصاعد الأزمة، الصاعدة معه اجتماعيا واقتصاديا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ثانيًا: التنوع في الارتباطات والولاءات الإرهابية: فبينما عادت حركة سواعد مصر «حسم» ذات الارتباط الإخواني للظهور، بالتزامن مع دعوة الأخيرين للتظاهر في 11 نوفمبر المقبل، وإصرارها على العودة والحكم بعد خلعها منه، ويرتبط «داعش سيناء» بأزمة تنظيم داعش الخارجية في الموصل والرقة، وسعيه الدؤوب للاستثمار والتوسع في مناطق ودول جديدة تمثل ملاذا آمنا له حال فشله هنا أو هناك.