جنون كبار فناني العالم حين يستوحون «النقطة وتجلياتها»

ضمن معارض الشارقة في احتفالاتها بالخط العربي

الروسي بوكراس لامباس وأعماله الحروفية المعولمة
الروسي بوكراس لامباس وأعماله الحروفية المعولمة
TT

جنون كبار فناني العالم حين يستوحون «النقطة وتجلياتها»

الروسي بوكراس لامباس وأعماله الحروفية المعولمة
الروسي بوكراس لامباس وأعماله الحروفية المعولمة

خطاطون، رسامون، مصممو غرافيك، فنانون، لهم مشارب مختلفة ومن دول متباعدة، يقدمون أعمالهم المستوحاة من سحر الخط والحروفيات وما توحيه الكلمات، ضمن «ملتقى الشارقة للخط» في دورته السابعة، الذي صدر حوله كتاب شيق يتجاوز الـ500 صفحة، يقدم موجزًا عن كل فنان، مع عينات من أعماله المعروضة. مظاهرة طريفة ضمن الملتقى، مليئة بالابتكارات، في «متحف الشارقة للفنون»، باسم الحرف وما يمكن أن يعنيه للقرائح اليقظة والذكية، حيث يعرض الروسي إلى جانب الكولومبي، والفنانة السعودية مع اليابانية والصينية، والمصري مع الألماني والأميركي، حتى يبدو أن العالم كله، يتآخى فنيًا.
معرض خلاب، لأنه يأتي في إطار الاحتفاء بالخط لا سيما الخط العربي، في تركيز على موضوع «النقطة» التي تلعب دورًا مهمًا في فك عجمة الحروف العربية. لكن الفنانين الآتين من مختلف أنحاء العالم، في هذا المعرض، ولا يعرفون من لغة الضاد سوى شكل أبجديتها، يتركون، أحيانا، لأنفسهم العنان ليحلقوا في عوالم تستوحي روح الخط العربي، وليشكلوا عوالمهم الخاصة والبديعة.
كل عمل في معرض «النقطة وتجلياتها» متعة للناظر، بفضل الاختيار الموفق، لفنانين موهوبين، لكل منهم لمسته وحصته من الجنون الإبداعي الخاص.
من أكثر هؤلاء الفنانين لفتًا للنظر بوكراس لامباس، ابن الأربعة والعشرين عامًا، والآتي من روسيا. لوحاته سواء كانت مربعة أو مستديرة هي خليط من حروف أوروبية، عربية، آسيوية وروسية، كل ناظر إلى لوحاته، قد يجد حروفياته فيهًا أيًا كانت جنسيته. هذا الشاب الموهوب الذي يرسم بالأسود والأبيض هو ابن تجربة مختلطة، فهو يشارك في مهرجانات وفنون شارع ورسم جداريات، عمله هو تأملات لما سيكون عليه الخط في المستقبل، مع اختلاط الثقافات، وتقارب الحضارات. يقترب منه في روحية العمل الأميركي كارلوس مار الذي ترى فيما ينتجه نحت لحروف مفرغة متعرجة متشابكة وكأنها تتصارع أو تتعانق، منحوتة من المعدن الذهبي، خلفها منحوتة أخرى مشابهة لها، ولكن لها شكل مختلف من اللون الأبيض. يقول مار إنه لا يعرف العربية، ولا معنى حروفها لكنه فقط يستوحيها، مما فهمه عن التراث وما يحمله في رأسه من ذكريات لدول عربية زارها، أما الجلباب الأبيض الخليجي الذي يلبسه، وقد ازدان كمه ومحيطه السفلي بكتابات بالأسود تشبه المنحوتات التي أنجزها، فهي من صنع زميله السعودي الموهوب نغيمشي الذي يعرض هو الآخر، فيلمًا اعتراضيًا قصيرًا جدًا عن التحول الذي أدرك حياة أهل الجزيرة العربية بعد اكتشاف البترول، لينهي شريطه بكلمه «ذهب» يكتبها بفرشاته على الشاشة، ثم يحطمها بمطرقته. ومن السعودية أيضًا الفنانة لولوة الحمود التي اختارت النقطة، بشكلها المكعب، لتستولد رسومات هندسية تتلاعب فيها على مفهومي الفراغ والامتلاء، وتدرجات الفاتح والغامق من الألوان. وتقول: «النقطة بالنسبة لي هي البداية والنهاية، وحاولت أن أرسم للنقطة أبعادًا ثلاثية، لأمدها بنكهة بصرية مختلفة». ليست بعيدة عنها فكرة الصينية - الكندية هان زانج التي استخدمت صحون الأرز، ووضعتها بقرب بعضها بعضًا لتشكل منها مستطيلاً وملأت بعضها بالحبر الصيني الشهير لتكتب بالصحون المملوءة بالأسود كلمة «السلام» بلغتها الأم. وتمكنت أليكساندرا توبورويكز من بولندا أن تقدم تجهيزًا بسيطًا ولافتًا، إذ أحاطت حائطين من الغرفة المخصصة لها بالمرايا وجعلت أحرفًا لاتينية هي أكثر من 22 ألف حرف، تتدلى من السقف وكأنها تجتاح الغرفة، ومع صوت ولمعان الشريط التصويري الذي يعرض على حائط آخر، تلتمع الحروف وتضاء الغرفة بألوان مختلفة، حيث تدعوك الفنانة لأن تلتقط صورًا بين غابة حروفها وتكتشف بنفسك تأثير انعكاس الألوان عليها وعلى ملامح وجهك.
من وحي استغلال السقف كمساحة، والغابة كمكان تزرع فيه أفكارك، تجهيز من نوع آخر للأميركية باميلا بولسرود التي استفادت من مهنتها كمعلمة لتطلب من الأطفال كتابة قصصهم على أوراق مستديرة ملونة، وتعلقها في خيوط كأسطوانات متدلية، حتى لتشعر أنك داخل غابة من الأوراق وأنت تجتازها وتحاول أن تتحرك داخلها. باميلا التي تعمل على أبحاث حول الشفاء بالطاقة، والمتعددة الاختصاصات والآتية من جامعة كولومبيا، لها عشق بالحرف والكلمات والورق المصنوع يدويًا، وقد نشرت أعمالاً عدة حول هذا الموضوع.
محمد أبو النجا القادم من مصر، يقدم نتاجه بروح مختلفة تمامًا، هو ابن الحضارة الفرعونية التي صنعت ورق البردي، ولإتمام معرفته في المجال ذهب إلى اليابان، بمنحة خاصة، لدراسة صناعة الورق هناك، وهو حائز على جوائز عالمية، يعرض وجوها من الورق، يخطر لك أنها وجوه مومياوات رفعت عنها لفائفها، وتكشفت ملامحها وقد فقدت أجزاء منها، وجوه كثيرة. وصحائف تبدو لك وكأنها نبشت بكتاباتها نصف الممحوة، من أحد الأهرامات المكتشفة للتو.
أجمل أشكال الجنون هو ذاك الذي يستولد الفنون، من رحم يومياتنا، وهؤلاء الفنانون في غالبيتهم، لهم صلات وثيقة بحياة الناس، بينهم الذين يقيمون ورش عمل للتعليم والمولعون بالغرافيتي ومن هؤلاء التونسي المشارك في المعرض، الذي وُلد في إحدى الضواحي الفرنسية آيل سيد الذي ذهب إلى القاهرة مع مجموعة من الفنانين، واختار واحدًا من أكثر الأحياء فقرًا ليغير مع أصدقائه وجهه البائس بالألوان والرسومات، وطلاء حيطان المباني بالرسوم البهيجة.
المعرض يضم عشرات الأعمال التي توزعت على طابقين، هي في غالبيتها متعة للنظر وتستحق التأمل، فيما استوحاه كل هؤلاء الفنانين، سواء أجادوا اللغة العربية وعرفوا حروفها، أو كانت لهم صلات ود معها، وما أمكنهم أن يبتكروه من موضوعات، ورسوم ومنحوتات وتجهيزات، لها كلها علاقة وطيدة بالكتابة والعيش ومكانة النقطة من كل هذا. الكولومبي كاميلو روهاس قضى 7 أيام مع عدد من المتطوعين ليركب تجهيزًا يتطلب دقة فائقة، إذ إنه في الغرفة الصغيرة التي أعطيت له، ينسج خيوطه الحمراء الدقيقة، ويمدها بكل الاتجاهات، ليتمكن من كتابة كلمة «الانعكاس» على الحائط. هذه الخيوط الممتدة من كل الاتجاهات، تحتاج لقياسات رياضية لا مجال للتساهل فيها. الفنان لا يعرف العربية، ووضع تجهيزه بمساعدة أصدقاء عرب، والكلمة التي هي محور تجهيزه اختارها بنفسه، ويوم ينتهي المعرض في السادس من الشهر المقبل، يفكك عمله ويعود كل شيء إلى نقطة الصفر، غير آسف على ذلك، كما يقول.
وتستمر الشارقة في احتفالاتها بالخط العربي التي بدأت مطلع شهر أبريل (نيسان) الماضي حتى السادس من يونيو (حزيران) المقبل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.