المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

يقيك مزاجية الطقس وتقلبات الموضة

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته
TT

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

رجل اليوم لا يبقى في مكان واحد؛ فهو إن لم يكن شابًا مغامرًا يرغب في اكتشاف الجديد وزيارة أماكن بعيدة، فهو رجل يحب السفر ويعتبره مهمًا للتعرف على ثقافات أخرى أو للهرب من روتين الحياة اليومية أو فقط للاستجمام والتسوق. هذا الرجل يثير اهتمام صُنّاع الموضة منذ زمن، إلى حد أنهم بدأوا يغيرون بعض تفاصيلها ويفصلونها على مقاسه لنيل رضاه، بطرحهم قطعًا كلاسيكية لا تعترف بزمان أو مكان، يمكنه استعمالها خريفًا وصيفًا. أي أن تخدمه أينما كان، مع مراعاتهم أن تكون بتصاميم أنيقة وتقنيات عالية.
من هذه القطع، التي تبرز في هذا الوقت تحديدًا من كل عام، نذكر المعطف المضاد للمطر. فحلول الربيع وتفتح الأزهار على دفء أشعة الشمس، لا يعني بالضرورة تحسن الطقس وصفاءه الدائم، إذ هناك دائمًا مفاجآت، تأخذ شكل زخات مطرية بين الفينة والأخرى أو انخفاض ملموس في درجات الحرارة مساء، الأمر الذي يجعل حاجة الرجل إلى قطعة تتميز بالعملية والأناقة؛ بأن تكون خفيفة على العين، ومن ناحية الوزن أيضًا. فالخفة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قدرة القطعة على أن ترافقه في كل وجهاته من دون أن تثقل كاهله أو حقيبة سفره. وهذا تحديدًا ما نجح فيه هذا المعطف، بالنظر إلى أنه عندما يُطوى يبدو وكأنه مجرد إيشارب من الكشمير. ولأن العديد من هذه المعاطف تُغطي الفترة الواقعة بين الربيع والصيف، وفي بعض البلدان الأوروبية، تمتد إلى الخريف والشتاء، فإن صناعها يحرصون على استعمال أقمشة تتنفس لتمنح صاحبها الانتعاش حتى وإن كانت مبطنة. قد تكون دار «بيربري» أكثر من ارتبط اسمها بهذه القطعة الأيقونية، لأنها أكثر من أبدع فيها من الناحية الجمالية، كما أنها تدخل ضمن جيناتها، مما يجعلها تعود إليها في كل موسم لتجديدها وتطويرها. وتأكيدًا منها على أهمية هذا المعطف، وكيف غزا كل الثقافات إضافة إلى ديمقراطيته، رفعت أخيرًا شعارًا قويًا يقول: «يُصنع في بريطانيا ويستعمل في كل أنحاء العالم». ديمقراطيته بالنسبة لها تعود إلى أن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ظهرت به في عدة مناسبات سابقًا، كما ظهر به النجم براد بيت والنجمة الفرنسية كاثرين دونوف وهلم جرا من الشخصيات العالمية. وتزامنًا مع افتتاح ثاني محل لها في «مول الإمارات» بدبي، الذي تعتبره الأكبر مساحة، 15 ألف قدم مربع، وأيضًا أهمية في المنطقة العربية، إذ ستوفر فيه الدار كل تصاميمها، إلى جانب مستحضرات التجميل والعطور، إلا أنها، من ناحية الأزياء، ستعتمد على معطفها لكسب ود زبون المنطقة. والدليل أنها ستحتفل به في فعالية ضخمة بعنوان «فن الترانش» Art of the Trench تتزامن مع افتتاح المحل، وهي فعالية تجند لها منذ العام الماضي شخصيات عربية فنية واجتماعية، لإبراز جماليته ومناسبته للبيئة العربية. فقد تكون السوق العربية الأكثر مقاومة للمعطف لحد الآن، ربما لأن فكرة معطف وواقٍ من المطر غير واردة في بيئة لا تتساقط فيها الأمطار لعدة أشهر. بيد أن الدار البريطانية العريقة مصممة على أن تغير هذه النظرة وتدخلها خزانة الرجل والمرأة في المنطقة، من باب الأناقة والألوان والأقمشة المترفة، من الصوف والقطن إلى الدانتيل والبروكار وغيرها من الخامات والألوان التي تعشقها المنطقة. الجميل أنها منحت كل شخصية ظهرت به في حملتها حرية ارتدائها بالطريقة التي تتوافق مع متطلبات حياته اليومية، لهذا ارتداها بعض الرجال مع جينز أو مع الثوب، وبعض الفتيات فوق عباءة أو قفطان أو مع فستان أو تنورة. في كل الحالات كانت النتيجة مثيرة، تؤكد قوة هذه القطعة من الناحيتين الجمالية والعملية ومرونتها، أيًا كانت الثقافة والبيئة.
هذا التنوع تحديدًا هو ما يفسر القوة المتزايدة لهذا المعطف، فنظرة خاطفة إلى السوق وصفحات المجلات، تشير إلى أنه على الرغم من التغيرات الكثيرة التي تعرضت لها الموضة عبر العقود، بقي تصميمه صامدًا لم يتغير في أساسياته، كما ظل القطعة التي يتفق عليها الأبناء مع الأجداد والآباء بالنظر إلى تاريخها الطويل. وإلى الآن فإن صورته التي تظهر على منصات ميلانو هي نفسها التي تظهر على منصات نيويورك أو باريس أو لندن، وهي أيضًا الصورة نفسها التي رسمها السيد توماس بيربري في عام 1856، وصممها من أجل المحاربين الإنجليز في الحرب العالمية الأولى. ما يفرق بين تصميمه وباقي التصاميم الحالية أنه لم يبق مصنوعًا من قماش الغاباردين الذي يتميز بخفة فضلاً عن كونه يمنح الدفء في الشتاء، ويتنفس في الصيف فقط، وأدخل عليه كريستوفر بايلي مصمم «بيربري» أقمشة أخرى مثل البروكار، الدانتيل، الصوف وغيرها، مستغلاً تطور التكنولوجيا ومحترمًا متطلبات السوق.
في عصر توماس بيربري، لم تكن هذه التكنولوجيا متوفرة، ومع ذلك فإنه كان مبتكرًا، لأن الغاباردين كان جديدًا في ذلك الوقت، حيث اكتشف أنه يحمي المزارعين من تقلبات الطقس، ففكر أن يطوعه للجنود الذين كانوا يحفرون الخنادق ليختبئوا فيها خلال الحرب، ومن تم جاء اسمه «ترانش» وتعني الخندق.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن توماس بيربري هو أول من مصمم هذا المعطف أو فكّر فيه؛ فقد سبقه إلى ذلك تشارلز ماكنتوش الذي كان، في الحقيقة، أول من قدمه من المطاط والنايلون المقاوم للمطر. كان واسعًا بعض الشيء وطويلاً إلى الكاحل. ويبدو أن بداية القرن العشرين كان فترة حاول فيها العديد من الخياطين اكتشاف خامات جديدة. وفي حين نجح بعضهم فشل البعض الآخر، لكنهم في كل الأحوال زرعوا الفكرة وعبّدوا الطريق للمزيد من الاختبارات والتطوير ركزت غالبًا على الخامات، إما باستعمال غشاء خفيف لتغليفه من الخارج أو بإدخال ألياف طبيعية أو بطلائه بمادة الراتينغ والشمع، بينما أدخل البعض الآخر مادة النايلون، وما شابها من مواد، للرفع من قدرته على المقاومة. ولحد الآن لم تتوقف عمليات التطوير وأغلبها يتم في معامل بريطانية أو سويسرية أو إيطالية مجهزة بآليات متطورة، كما توظف حرفيين مهرة يؤمنون بضرورة إرضاء الزبون حتى يبقى راضيًا ووفيًا لها. رضا الزبون، حسب قناعتهم، يأتي بحمايتهم له من الأمطار والرياح في الخريف، والإبقاء عليه منتعشًا في الربيع والصيف، مع الإبقاء على تصميمه الأساسي. فالتغييرات هنا تشمل تعديلات طفيفة، مثل الجيوب، أو إدخال تفاصيل على شكل طيات أو تطريزات على الظهر أو تحديد الخصر والأكتاف أو اللعب بأحجام وألوان الأزرار. ورغم أن ولادته كانت في بريطانيا، فإن شعبيته امتدت لكل أنحاء العالم، وبات مصممون آخرون يتبنونه بالتدريج، بمن فيهم الإيطاليون والفرنسيون. «بريوني» الإيطالية، مثلاً، التي تخاطب الرجل الكلاسيكي، أصبحت تطرحه بتصميم واسع بعض الشيء، تمزج فيه الحرير بالنايلون، بينما تقدمه «كانالي» على شكل سترات، نظرًا لطوله القصير، وتستعمل فيه المواد نفسها مع إمكانية ارتدائه على الوجهين، أما «برونيلو كوتشينيللي» فتقدمه حاليًا من الحرير المطلي بالراتينغ وبتصميم كلاسيكي. فالملاحظ أن القاسم المشترك بين البيوت الإيطالية، من «بريوني» و«كانالي» إلى «كوتشينيللي»، أنها تطمح لإرضاء الرجل والاستحواذ على اهتمامه، وإمكانياته طبعًا، بإغناء خزانته وتوفير كل القطع التي يمكن أن يحتاج إليها، لكن من دون أن تخضه أو تخض ما تعود عليه منها من تصاميم كلاسيكية. طبعا هناك إيطاليون آخرون من أمثال جيورجيو أرماني، سالفاتوري فيراغامو وغيرهم، لم يبخلوا عليه بتصاميم أكثر جرأة من حيث تبنيها الأسلوب الشبابي الذي يتجسد في جاكيتات قصيرة أو ألوان متوهجة أو خامات من البلاستيك المعالج. العنصر الثاني الذي لا يقل أهمية، وأصبح واضحًا أكثر رغم أنه ليس جديدًا، هو الأسلوب «السبور». فأغلب المصممين يحرصون عليه حاليًا ويتبارون على التميز فيه معتمدين على التكنولوجيا. المصمم البريطاني كريستوفر رايبورن، مثلاً قدم مجموعة بالتعاون مع شركة «فيكتورينوكس» السويسرية، أقل ما يمكن وصفها به أنها مزيج من الدقة والفنية والعملية، إضافة إلى مرونة تأخذ عدة أشكال، بما في ذلك ارتداؤها بأكثر من وجه.

* همسات

- تصاميمه الكلاسيكية تركز على الألوان الداكنة والطبيعية مثل الأزرق الغامق، والكحلي والأسود والبيج بكل درجاته، بينما التصاميم الشبابية تستعمل درجات ألوان من الطبيعة مثل الأخضر والأزرق والأحمر والأصفر. ولا يقتصر استعمال هذه الألوان المتوهجة على مصممين شباب بل أيضًا على أسماء مخضرمة في هذا المجال، مثل «بيربري» و«ماكنتوش». هذه الأخيرة قد تكون بقيت مخلصة لاستعمالها القطن المخلوط بالمطاط، لكنها لم ترَ مانعًا في إضافة جرعة لا بأس بها من الألوان الفاتحة، مثل الأحمر والأصفر.
- مهما اختلفت تصاميمه، لا يمكن القول إنه غير رسمي. فمهمته أن يقي الرجل من عوامل الجو، وفي الوقت ذاته أن يحمي ما يرتديه تحته، سواء كان بدلة مفصلة من الصوف أو بلايزر من الحرير، حتى إذا وصل إلى وجهته، ظهر متألقًا.
- يمكن القول إنها القطعة الأنسب في فصل الشتاء في بلداننا العربية حيث يكون الطقس دافئا رغم المطر، كما أنها الأنسب في الدول الأوروبية في الخريف والربيع، حيث تكون أشعة الشمس خادعة، تسمح للمطر بأن يتسلل من بينها في أي لحظة دون سابق إنذار.
- رغم أنه يأتي بأطوال مختلفة، يبقى الأضمن والأكثر أناقة هو ذلك الذي يغطي الركبة ببعض سنتمترات أو يجلس فوقها ببعض السنتيمترات.
- اختياره بحزام أو دون حزام، مسألة خاصة تتعلق بذوق صاحبه، لكن لا بأس من الإشارة إلى أن الحزام يناسب الرجل القصير أكثر، بينما التصميم المنسدل دون حزام يناسب الرجل المائل إلى السمنة أو يعاني من بروز الكرش.
- قد يعتقد الرجل الطويل أنه أكثر حظًا من غيره، لكن عليه هو الآخر أن يتجنب المعطف الذي يصل إلى الكاحل أو القصير جدًا. الأفضل بالنسبة له هو أن يصل إلى الركبة.

* نبذة تاريخية
* إذا كان الفضل في تصميم المعطف الواقي من المطر كما نعرفه اليوم يعود إلى توماس بيربري، فإن فكرة طرح قطعة مضادة للمطر تعود إلى تشارلز ماكنتوش الذي نجح عام 1823 أن يخترع مادة مطاطية لاصقة جمع فيها طبقتين من الأقمشة، بهدف وقاية سائقي عربات النقل والعاملين في الأماكن المفتوحة آنذاك من المطر والبلل. للأسف لم يكن اختراعه ناجحًا مائة في المائة، إذ كانت تنتج عنه رائحة كريهة في الشتاء، وفي الصيف يلتصق بالجسم بشكل غير صحي ومريح، لهذا فقد شعبيته بحلول عام 1830. عام 1854، التقطت شركة «هيليويل» الخيط وطرحته مرة أخرى بتصاميم بوجهين، أكثر أناقة وقوة في مواجهة عوامل الطقس. ورغم أنها تختلف كثيرًا عما طرحه تشارلز ماكنتوش، فإن الشركة أطلقت عليه اسم «ماكنتوش»، وهو لا يزال مستعملاً لحد اليوم رغم أن الشركة حاليًا تملكها شركة يابانية.
- يبدو أن هذه الفترة شهدت اهتمامًا كبيرًا بهذه القطعة وتطويرها، حيث ظهر مصممون آخرون حاولوا ترك بصماتهم عليها، مثل جون إيماري الذي افتتح محل خياطة في «ريجنت ستريت» عام 1851 تحت اسم «أكواسكوتم». «أكوا» ومعناها في اللاتينية الماء، و«سكوتم» الدرع. وسرعان ما بدأت الشركة تصنع معاطف للجنود البريطانيين، وكانت تتميز بطول يصل إلى الكاحل. وكانت تحقق إقبالاً لا يستهان به لولا دخول شاب عمره 21 عامًا، واسمه توماس بيربري على الخط في عام 1856.
كان شابًا متحمسًا ويتمتع بنظرة مستقبلية ورغبة جامحة في الابتكار. ولد بيربري وشب في الريف، الأمر الذي جعله يتنبه إلى أن المزارعين كانوا يستعملون ملابس من الكتان تدفئهم شتاء وتنعشهم صيفًا، فضل أنها كانت خفيفة الوزن، ولا تحدد حركتهم ومقاومة للبلل، لأنها كانت تنكمش بمجرد تعرضها للبلل. وهكذا فكر بأن يستعملها في معاطف واقية من عوامل الطقس للجنود. عام 1870 أصبح توماس بيربري أكبر منافس لـ«أكواسكوتم»، لا سيما بعدما توصل إلى نوع من القطن المصري يُنسج بطريقة تجعله مقاومًا للمطر أطلق عليها «غاباردين» لا يتميز بخفة الوزن فحسب بل لا تنبعث منه أية رائحة عندما يتعرض للماء. الآن أصبح القطعة اللصيقة باسم «بيربري» لأنها لم تتوقف أبدًا عن تطويره وتجميله إلى حد أنه بالنسبة للمرأة يمكن أن يغني عن فستان في حفل حميم أو دعوة غداء.



نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.