سيلفيا فندي لـ «الشرق الأوسط»: زبون اليوم يريد قطعة فريدة بغض النظر عن سعرها

الأزمة الاقتصادية لم تؤثر على الشراء فقط.. بل على طريقته أيضا

سيلفيا فانتنوريني فندي في الاستوديو الخاص بها
سيلفيا فانتنوريني فندي في الاستوديو الخاص بها
TT

سيلفيا فندي لـ «الشرق الأوسط»: زبون اليوم يريد قطعة فريدة بغض النظر عن سعرها

سيلفيا فانتنوريني فندي في الاستوديو الخاص بها
سيلفيا فانتنوريني فندي في الاستوديو الخاص بها

هناك جوع لكل ما هو مترف وفريد من نوعه رغم كل ما يقال عن الأزمة الاقتصادية وتأثيراتها على الموضة. وحسب قول سيلفيا فانتوريني فندي، مصممة إكسسوارات الدار التي أسسها جدها في بداية القرن الماضي، وخط الأزياء الرجالية، فإن «الأزمة لم تؤثر على الشراء بقدر ما أثرت على طريقته. فالناس يشترون أقل ويطمحون للأحسن، بغض النظر عن الثمن». وتتابع: «هناك كم هائل من المنتجات في الأسواق، وخزانة أي امرأة مليئة بكل ما تحتاجه، لكنها لا تزال تحلم بتلك القطعة التي لا يوجد لها مثيل، لأنها تمنحها سعادة ومتعة في الوقت ذاته. وفي أوقات الأزمات تحديدا يتحول الأمر إلى عملية عاطفية، سواء تعلق الأمر بمعطف من الفرو أو بحقيبة من جلد التماسيح». وهي على حق، إذ إن دار «فندي» من بيوت الأزياء التي لم تتأثر بالأزمة، بل العكس تماما، فإن الإقبال على منتجاتها الفاخرة زاد في السنوات الأخيرة، مما جعلها توسع نشاطاتها، وتفتتح مؤخرا «بلاتزيو فندي» الذي يمكن اعتباره أول تجربة تسوق وضيافة من نوعه في العالم.
وإذا كانت «فندي» لا تشعر بالأزمة، أو تعاني منها، فالسبب واضح وهو أن المنتجات المترفة عموما زادت حرفية وغلاء في الوقت ذاته. والدليل أن الـ«هوت كوتير» التي لم تكن تحقق أي أرباح منذ عقد من الزمن انتعشت مؤخرا، حسب اعترافات بيوت أزياء كثيرة متخصصة فيها، مما شجع بيوتًا أخرى على دخولها أو العودة إليها من جديد بعد سنوات من التركيز على الأزياء الجاهزة. وتعزز سيلفيا فندي هذا الرأي بقولها إن «زبون اليوم يريد قطعة واحدة، بغض النظر عن سعرها، على شرط أن تكون فريدة ومفصلة على مقاسه حتى تميزه عن غيره، ولا بأس أن تكون بمواصفات تُمكن من توريثها لأجيال قادمة». لهذا لا نستغرب أن تنعش هذه الثقافة في التعامل مع الموضة، مما أصبح يعرف بالتفصيل على المقاس وما يصنع حسب الطلب فيما يتعلق بالأزياء والإكسسوارات، وتحديدا حقائب اليد.
كان اللقاء مع سيلفيا، سليلة عائلة فندي العريقة، مثيرا، ليس لأن الوصول إليها صعب بل لأنها المصممة المسؤولة عن إشعال حمى حقائب اليد منذ أكثر من عشرين عاما فيما أصبح يعرف بالحقيبة «النجمة». كان ذلك عندما أبدعت حقيبة «الباغيت» التي قد توارت عن الأنظار لصالح تصاميم جديدة مثل «بيكابو» لكنها لم تغب تماما لأنها في مصاف الحقائب الأيقونية، إضافة إلى أن الدار تجددها دائما بخامات وألوان جديدة حتى تبقى متوهجة. القصة وما فيها أن سيلفيا ترفض، كما تقول، أن تبقى سجينة النجاح الواحد، وبين الفينة والأخرى تفاجئنا بتصميم جديد وأيقونة تُؤجج الرغبة فيها. لكن الأكثر إثارة في مقابلتها، اكتشاف شخصيتها وعمق ثقافتها، إذ إنها تختزل تاريخا غنيا يجري في جيناتها بحكم أنها ولدت وشبت في بيت يضج بالابتكار والإبداع. كل هذا يمكن أن يجعل أي شخص يقابلها يشعر بعقدة نقص أمامها أو على الأقل بالرهبة، لكن الطاقة التي تشع من عينيها وهي تتحدث بصوتها الهادئ لها مفعول عكسي تماما.
سيلفيا، تنتمي إلى الجيل الثالث من سلالة فندي الرومانية، وإذا طُلب من أي أحد وصفها، فإن الجواب سيكون واحدا، وهو أن مظهرها الخارجي لا يوحي بذلك البركان من الإبداع الذي يغلي بداخلها، إذ تميل إلى ارتداء أزياء كلاسيكية بخطوط بسيطة وألوان داكنة كأي امرأة تريد أن تموه عن بعض الكيلوغرامات التي اكتسبتها عبر السنوات. وليس ببعيد أن تمر أمامك من دون أن تلتفت إليها، إلا إذا كنت تعرف من هي. تقترب منها وتبدأ الحديث معها، فتتغير الصورة تماما، لأن الدفء الإيطالي الذي ينبعث من ابتسامتها يهدئ أعصابك ويحول اللقاء إلى جلسة حميمة. عندما أشير إلى لمستها الميداسية ووصفتها الناجحة، تزيد ابتسامتها اتساعا وترد بأن الكثير من الناس يسألونها هذا السؤال وربما عليها أن تكتفي منذ الآن بأن تجيبهم بأنها تتمتع بلمسة ميداس. ثم سرعان ما تستعيد تواضعها وتشرح: «إنها نوع من الكيمياء أو قد تكون متوارثة في الجينات. يمكن القول إني اكتسبت خبرة مع الوقت، أو قد تمرنت على النجاح. فعندما يذوق الواحد منا لذته، يصبح مدمنا عليه ولا يريد أن يفقد طعمه أبدا مما يجعله يجتهد أكثر. نعم حقيبة «الباغيت» حققت نجاحا باهرا، كذلك حقيبة «بيكابو»، فلا أحد يجب أن يعتمد على نجاح قطعة واحدة طوال الوقت.. فهذا غير ممكن أساسا، فضلا عن أن «عشق التحدي يجري في دم بنات فندي» في إشارة إلى والدتها وأخواتها الأربع اللواتي تقاعدن بعد أن اشترت مجموعة «إل في آم آش» الفرنسية الدار في عام 2000، وابنتها ديلفين ديليتريز، مصممة الجواهر المعروفة.
تم اللقاء في «بلاتزو فندي» الواقع على مفترق الطريق بين شارع كوندوتي و«السلالم الإسبانية» (سبانيش ستيبس)، الذي فتح أبوابه مؤخرا في حفل كبير حضره برنار أرنو، أغنى رجل في فرنسا، ومالك مجموعة «إل في آم آش»، والمصمم كارل لاغرفيلد الذي يصمم للدار خطها النسائي منذ عام 1965 فضلا عن باقة من العارضات والنجوم. كل ما في الـ«بلاتزيو» يسخر من الأزمة الاقتصادية، لأن كل ركن فيه يجسد الرفاهية بمعناها الحرفي، من معماره وواجهاته الزجاجية، التي تناديك لدخوله واستكشافه إلى مطعم «زوما» الذي يحتل طابقين في أعلى المبنى مع باب جانبي مستقل، إلى الأجنحة المخصصة لاستضافة زبائن الدار المهمين.
حتى من ليست له إمكانيات لشراء قطعة صغيرة جدا من جلد التماسيح، قد تكون مجرد حاملة مفاتيح بسيطة من دون فرو، لن يندم على دخوله، لأنه كمن دخل عالما من الأحلام، قد يكون سرياليا بالنسبة له لكنه واقع بالنسبة لغيره، مما يجعله يعيش تجربة لا تتكرر في أي محل آخر. كانت سيلفيا تبدو منسجمة مع المكان، ولم لا وهي تنتمي لأسرة أرستقراطية عريقة؟. بمجرد أن عبرت لها عن إعجابي بالديكور والمعمار، وكيف تعيش الدار حالة من الانتعاش، تنعكس على عروض أزيائها وأرباحها السنوية، حتى ردت بأن السبب يعود إلى الحرفية واحترام المهارات التقليدية، وعدم التوقف عن الاختبار وتجربة الجديد «خذي مثلا الفرو، فنحن نحاول دائما أن نغيره ونصوغه بشكل جديد، فالفرق بين نوعيته اليوم ونوعيته منذ أربعة عقود أو أكثر مختلفة تماما».
والحقيقة أن زيارة معملها الواقع في روما يؤكد كلامها. ففي الخمسينات وما قبلها، كان الفرو يرمز للجاه والثراء، وكان من الهدايا التي يقدمها الرجل للمرأة، آخذا في عين الاعتبار أنه كلما كان على شكل معطف طويل تكون الرسالة أبلغ على مكانته وجاهه. عائلة فندي، المتمثلة في والدة سيلفيا وأخواتها الأربع، كن ضد هذه الفكرة، وتمردن عليها بمساعدة كارل لاغرفيلد، خصوصًا وأن الوقت كان مواتيا للتغيير والقيام بثورتهن. فالمرأة في الستينات بدأت تتحرر وترفض كل ما يمكن أن يعيق حياتها وحركتها. وكان المعطف المصنوع من الفرو، بثقله وطوله، تجسيدا للرسمية التي تحد من نشاطاتها. وهكذا بدأت عملية تنعيمه والتخفيف من سمكه وإدخال ألوان متوهجة ونقوشات مرحة عليه. لم يمر سوى وقت وجيز حتى أصبحت «فندي» معه كأي خامة أخرى وبالتالي صياغته في تصاميم عصرية تخاطب الجيل الجديد كما القديم. لهذا عندما طرحت سيلفيا مؤخرا حلقات مفاتيح مستديرة من الفرو بعيون وحشية، انتشرت انتشار النار في الهشيم في كل أنحاء العالم، بحيث نراها الآن تتدلى من حقائب يد بألوان متنوعة لتضيف إليها لمسة شقاوة ومرح، فإنها في الحقيقة لعبت على واحدة من رموز الدار واكتفت فقط بتجديدها وكتابتها بلغة راقت لشباب اليوم.
وتشير سيلفيا إلى أن الترف بلغة «فندي» قد يكون معطفا طويلا، أو هذه القطعة الصغيرة، لأن المهم هو خلق ذلك الإحساس الذي يجتاح أي واحد منا عندما نرى منتجا ونريد امتلاكه بأي ثمن. تقول: «عندما تلح على الزبون تلك الرغبة بأنه بحاجة ماسة إلى هذه القطعة، وبأنها ستكون إضافة مهمة في خزانته، حينها فقط أعرف أني نجحت في مهمتي». وهذا تحديدا ما تنطلق منه عندما تفكر في تصميم أي قطعة. فهي تردد مع نفسها بأن المرأة لا تحتاج إلى حقيبة أخرى، لأنها تمتلك ما يكفيها منها، لتكون الخطوة الأساسية هي «صب كل فكري فيما ينقصها، وهكذا تُزرع تلك البذرة التي أبني عليها».
ولا شك أن هذه هي الوصفة التي اتبعتها في تصميم حقيبة «بيكابو» التي لا تزال تحقق مبيعات عالية، إلى حد أن الطلبات المتزايدة عليها شجعت الدار أن تُطلق خدمة «تصميمها حسب الطلب»، أي على مقاس زبوناتها النخبويات، اللواتي سيمكنهن اختيار نوعية الجلود والألوان وحتى الخيوط المستعملة لحياكتها باليد، وما شابهها من تفاصيل، حتى تأتي خاصة جدا. ولا يختلف اثنان على أن هذه الخدمة تعزز توجه الموضة الحالي الذي يميل إلى قطع راقية تطبخ على نار هادئة. فبعد أن كانت المرأة سابقا تجري وراء حقيبة «الموسم» لتركنها جانبا بمجرد ظهور أخرى في الموسم الذي يليه، أصبحت تريد ما قل ودل. بعبارة أخرى، تريد أن تستثمر في واحدة تبقى معها طويلا، ولا تمل منها مهما مر عليها من زمن. فإذا كانت حقيبة الموسم ترمز للأناقة، فإن حقيبة مترفة مصممة على مقاسها وحسب طلباتها، ترمز إلى أكثر ذلك بكثير. بالنسبة لبيوت الأزياء، فإن أهمية هذه الخدمة تكمن في خلق علاقة حميمة ومتفاعلة بينها وبين زبائنها في زمن افتقد فيه الوفاء لماركة واحدة. ما يُحسب لسيلفيا أنها لم تكتف بتوفير هذه الخدمة، بل جندت مجموعة من النساء الناجحات في مجالاتهن مثل المعمارية زها حديد، والنجمة غوينيث بالترو والمغنية أديل، والعارضة جيري هال والمراسلة الحربية كايت أيدي وغيرهن من العارضات والنجمات الشابات على تصور هذه الحقيبة من منظورهن وحسب أسلوب حياتهن، وكانت النتيجة مدهشة و«ضربة معلم»، لأن كل واحدة منهن منحتها روحا مختلفة. أديل مثلا رسمت عليها رموشها الطويلة، وجيري هول حافظت على كلاسيكيتها، بينما وضعت فيها زها حديد بصماتها المعمارية من خلال طيات متراكبة ومتدرجة. توضح سيلفيا أن خدمة «التصميم حسب الطلب» تأتي في مرحلة مهمة من تاريخ الموضة عموما ودار «فندي» خصوصا، لأن الزبون النخبوي بات يطلبها، ودار «فندي» تؤمن بعدم رد طلبه أيا كان. «نحن نرفع شعارا بأنه لا شيء مستحيل، لهذا لا نتوقف على التفكير في تطويع التقنيات المعقدة. عندما نقترحها على أي تقني أو حرفي في معاملنا فإنه لا يفكر أبدا أنها مستحيلة، بل العكس، يعتبرها بمثابة تحدٍ يحتاج منه إلى حل لا أقل ولا أكثر». وهذا ما يفسر أنه عندما طلب بعض الزبائن هذه الخدمة من الدار، لم تتأخر، ووفرت أكثر من ألف لون لصنع حقيبة «بيكابو» فضلا عن عدة أنواع من الجلود الفاخرة. وتذكرني سيلفيا بأن هذه الخدمة كانت متوفرة في مجال الفرو سابقا قبل أن تمتد إلى حقائب اليد في عام 2013 مع حقيبة «سيليريا» والآن في حقيبة «بيكابو». ينتهي اللقاء ونتبادل القبلات، لكنها تستطرد كما لو أنها تذكرت شيئا مهما لتقول بأن أحد أهم شروط التصميم حسب الطلب تدخل الزبون في اختيار الخامات والألوان ووضع بصماته الخاصة، لهذا كان لا بد من خلق مساحة حميمة يمكنه فيها القيام بالتجربة والاستمتاع بها بعيدا عن عيون الفضوليين. وإذا كانت النية أن يحمل معه القطعة، سواء كانت حقيبة أو معطفا من الفرو، عوض أن تُرسل إليه فيما بعد، بإمكانه قضاء ليلة أو أكثر في جناح من الأجنحة السبعة المتوفرة في «البلاتزو» إلى أن يجهز طلبه ويحمله معه إلى وجهته. فهذا من وجهة نظره هو الترف بمعناه الجديد.



نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.